سيِّدتي الجميلة : كم من عامٍ مضى على حبسك أيَّتها الأسيرة ! أرى- يا سيدتي - إذا بلغ أحدُنا السِّتين عاماً أحالوه على المعاش، وها هو قد بلغ عمر احتلالك من قِبَل الطُّغاة المُحتلّين أكثر من ستين عاماً فهل آن له أن يغرب عنكِ هذا المستبدّ الطَّاغية ؟!، ألم يكن قد أدَّى ما عليه من ( واجبات السَّلب والنَّهب والأذى والقهر ) خلال هذه السَّنوات العُضال الطّوال؟!، ألم يتجاوز- سيدتي - ( وليدك الفلسطيني) منذ تدنيس أرضك الطَّاهرة وحتَّى الآن ( سن المعاش ) بل وأكثر من هذا حتَّى ساعتنا هذه !!، - إذن - إلى متى سيظلّ الاحتلال قابعاً على صدرك، وإلى متى تصم آذان العالم عن ندائك وتعمى قلوب البشر عن سيناريوهات السَّلام الَّذي بات سراباً مع أسراب جرذان المعتدين الَّتي ألفنا غاراتها من وقتٍ لآخر !!
أم هم أرادوا أن يُحيلونكِ أنتِ على المعاش ( سيدتي ( ومنذ اللحظة الأولى من مصادرة ترابك المقدَّس وتدنيسه!!.
الحقُّ أنهم أرادوا فعل ذلك بل هم أرادوا أن يجعلونكِ ( ذكرى) بين أوطاننا ولقد أعلنوها صراحة لا أعرف أم وقاحة!! وذلك منذ الوهلة الأولى.. فقالوا للعالم – نحن إسرائيل - فقط لا غير - فمن يقدرُ علينا؟! - نعم – من يقدرُ على إسرائيل !! قالوا هذا ( بأفعالهم) ومن يُرد أن يرى مؤامراتهم فلينظر إلى حصار واستحلال واغتصاب حرمة أراضي أوطاننا من حينٍ إلى حين وليلاحظ خططهم في فرض هذا الواقع الذي نعيشه علينا وعلى العالم أجمع، فما أرى إلَّا أنَّهم جاءوا لتحقيق هذه الغاية، وما أرى أنهم جاءوا إلَّا لطمس هويتكِ أنتِ .. وأنتِ البلد القديم قدم الزَّمن وأيّ شاهد على الأحداث يؤكد على هذا المعنى بيقينٍ ثابتٍ لا يتزعزع وإلّا فكيف نفسِّر تجدُّد اعتداءاتهم كلّ ساعة ونحر اتفاقاتهمٍ معنا كلّ ثانية – و( فنتو ثانية ( - !!
سيِّدتي الجميلة – لا يعني هذا الإفصاح عن ما يجول بخاطري في هذا التَّقديم أنَّني لا أُأمن بالسَّلام- أبداً مهما كان – فنحن قومٌ شعارنا السَّلام وتحيَّتُنا السَّلام – ولكن - أنَّى له أن يتحقق مع سوء النَّوايا؟! وعلى الرَّغم من كلّ ما يأخذنا بعيداً عنه إلّا أنّنا سنظلّ نؤمن به كخيارٍ لن نستطيع الفكاك منه، لأنه يستحيل على شعبٍ أن يبيد آخر عن آخره، كما أنّه أمرٌ غير إنساني ولا حتّى حيواني!! - وهنا - أودّ القول سيدتي لكلّ من تغرِّر به غطرسة القوة ويستهين ويحقر ردود الأفعال: بأن الحقّ والعدل وإن عجزت الشُّعوب عن تحقيقه فسيفرضه الله يوماً على كلِّ جبارٍ طاغية وإن طال الأمد.. وأُأكد لهم في النِّهاية بأن قانون الطبيعة لا يُخطِئ أبداً، فردود الأفعال جاهزة ومفتوحة العينين، ولم تَمُتْ طرفة عينٍ أصلاً، فكيف وهموا هؤلاء أن بالإمكان ليّ ذراع إرادة شعبٍ عريقٍ وحبس حرِّية أمَّة تمتدّ جذورها في أعماق أعماق الزَّمن
سيِّدتي الجميلة :أختتم حديثي معكِ بأنّه – أبداً- لن ينعم مُحتل بحياةٍ آمنة، فمهما بلغ بطشه وحصاره وعَمَتْ قوَّته وأفكاره فسوف يخرج له المقاومون من كلِّ حدبٍ وصوب يتسلقون أسواره وينغصون عليه ليله ونهاره ويبدّدون عنه أمنه وهدوء أسحاره
- ولكننا – ها نحن مازلنا نمدُّ أيادينا بصدق لهؤلاء فهل هم مستعدون لإخماد نار الفتن ونبذ المؤامرات والأفكار الهادمة لنمضي يوماً معاً على الطريق ..
- و تلك صفحات التَّاريخ بين أيديهم.. تشهد عليهم وكأنني أسمعها تهتف بهم: يا هؤلاء - ها أنتم- أصبحتم تفترشون أرضاً واحدة وتعيشون معاً في - الوقت الحرج - فما إن رويتم بالدِّماء زهوركم إلَّا ونبتت عويلاً وأشواكا، فهل أنتم منتهون !!
سيِّدتي الجميلة - فلسطين- يا من ليس لكِ إلّا الله.. إلى كلِّ بقعةٍ سمراء فيكِ سنظلّ نبذل النَّفس والنَّفيس فلن تختفي أبداً شمسك ولن يغرب عن الوجود نهارك أبدا..
وإن لم نعد إليك الآن أو عن قريب
ستعودين يوما بحول الله وقدرته
لا يعنينا متى.. أو من منّا يحظى بشرف احتضانك ساعة اللقاء – ولكن – كل ما يعنينا بحق هو ثقتنا ويقيننا في وعد الله وتحقيقه لنا وإنجازه متى يشاء ووعده الحق سبحانه
فإلى ملتقى نثق في شروقه يوماً علينا
نستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه
ابنك العربي
0 comments:
إرسال تعليق