المكتبات العامة تخوض مهمة صعبة لإعادة وصل الشباب اللبناني بالكتاب

أن تفكّر في افتتاح مكتبة عامة، فلابد أنك شجاع وجريء، ولكن أن تنشئ سلسلة من المكتبات العامة فلابد أنك فقدت صوابك وأصبت بحالة من الجنون. فمَن من الشباب أو الطلاب سيفكر في زيارة مكتبة للمطالعة، وهو فعل لابد أن يلهيه عن التواصل لحظة بلحظة مع أصدقائه عبر التقنيات الحديثة التي تتنافس شركات الهاتف المتحرك على تقديمها للمستهلكين المتعطشين لها.

لو أراد المتحمسون على تشجيع القراءة والطامحون الى تثبيت وجودها كضرورة ثقافية، مجاراة الجيل الجديد في منطقه، لأودعت كل الكتب في سلة المهملات بدلاً من أن تنتظم فوق الرفوف لتكون في متناول الجميع.

مكتبات عامة في لبنان، قلة قليلة تعرف بوجودها، ولكنها موجودة ومنتشرة في معظم المدن والقرى والبلدات اللبنانية. ويعود الفضل في ذلك الى وزارة الثفاقة وإلى "جمعية السبيل" اللذين أطلقا مفهوم المكتبات العامية وعملاً بشكل متواز على تطويرها، علماً بأن جمعية السبيل التي أسست عام 1998 كانت السباقة في هذا الميدان.

جمعية السبيل.. تكريس المكان العام الاطفال يستمتعون داخل المكتبه أرادت جمعية السبيل تكريس مبدأ المكان العام وبعد سنتين من العمل اليومي وقعت الجمعية اتفاقاً مع بلدية بيروت لتأسيس أول مكتبة عامة في منطقة الباشورة سبق ذلك تنظيم مؤتمر حول المكتبات عام 1999 شارك فيه 200 شخص يمثلون 30 جمعية أهلية مختلفة في لبنان. وشكل هذا المؤتمر نقطة الانطلاق باتجاه زراعة أول شبكة لتأسيس مكتبات خارج بيروت ضمن شبكة جمعية السبيل. وكرت سبحة المكتبات العامة لبلدية بيروت بإدارة جمعية السبيل، فكانت مكتبة الجعيتاوي في حديقة عامة في الأشرفية، ومكتبة مونو داخل المساحة الثقافية في اليسوعية الى المكتبات المتنقلة داخل الأحياء، علماً بأن المشروع يشمل إنشاء 120 مكتبة في بيروت.

ولأن توصيل المعرفة بشكل ديمقراطي، أي من دون وجود أي حواجز مالية تحول دون تحقيق هذه الغاية، ولأن ضرورة إيجاد مكان عام يمكن أن يتلقي فيه الناس ويتعرفون إلى بعضهم بعضاً ويشاركون في نشاطات ترفيهية مختلفة مجاناً، ليسا حكراً على أبناء العاصمة، فقد توسعت شبكة المكتبات العامة لتشمل مختلف المناطق اللبنانية وذلك بالتعاون مع البلديات والجمعيات الأهلية وتحت إشراف جمعية السبيل التي حددت شروطاً واضحة للانضمام الى هذه الشبكة.

مراكز للمطالعة والتنشيط الثقافي وتقول المسؤولة عن مكتبات بيروت كلاريس شبلي لـ"العربية.نت" إن جمعية السبيل "تعتمد مبدأ واحداً في إنشاء المكتبات يقوم على إجراء دراسة اجتماعية للحي تتيح تقييم حاجات أبنائه واهتمامات قاطنيه، وعلى هذا الأساس يجري تحديد نوعية الكتب والمجلات التي تزود بها المكتبات". وتضيف شبلي أنه "يوجد في الباشورة ومحيطها مثلاً نحو 22 مدرسة رسيمة. لذا، فإن معظم الكتب تتمحور حول حاجات الطلاب العلمية والأكاديمية. أما في الجعيتاوي، فترتفع نسبة المسنين، ويوجد مأوى للعجائز، لذا، فإن الكتب والمجلات المتوافرة هناك تناسب ذائقة هذه الفئة".

ولا تغفل شبلي دور بلدية بيروت في إنجاح المكتبات العامة في العاصمة خصوصاً أن البلدية تقدم المبنى وتمول نحو 40% من كلفة تجهيزها، في حين يتم تأمين النسبة الباقية من عقود الشراكة مع مؤسسات أجنبية ومحلية.

مراكز للمطالعة والتنشيط الثقافي طفلة تتصفح الكتب لم تتأخر وزارة الثقافة في الاضطلاع بدورها لإعادة الصلة بين الكتاب والقارئ في لبنان الذي لعب دوراً مهماً في نشر الكتاب منذ عصر النهضة في القرن التاسع عشر الى يومنا هذا. فأطلقت في أواخر عام 2001 شبكة مراكز المطالعة والتنشيط الثقافي CLAC بالتعاون مع المنظمة الدولية للفرنكفونية بهدف الإنماء الثقافي والاجتماعي في المناطق الريفية. وشمل هذا المشروع بدايةَ 14 قرية وبلدة لبنانية ثم ما لبث أن ارتفع العدد الى 36 مركزاً بفضل جهود وزارة الثقافة ووفق إمكاناتها الذاتية. ويشير رئيس دائرة المطالعة في وزارة الثقافة عماد هاشم لـ"العربية.نت" الى أن "وزارة الثقافة عقدت اتفاقات تعاون مع مكتبات الجمعيات او البلديات لتؤسس مبدأ المكتبات الشريكة. وقد وقعت الوزارة منذ فبراير/شباط 2003 اتفاقات شراكة مع بلديات وجمعيات في كل المناطق اللبنانية".

هل ستنجح المكتبات العامة في أن تعيد للكتاب أهميته في حياة جيل الشاب الذي طلق المطالعة منذ زمن واستبدلها بهوايات فرضتها الحياة العصرية؟ فالقراءة بالنسبة لكثيرين من أبناء هذا الجيل هي تقليد بائد، وبين قراءة الكتاب أو التسلح بالتواصل عبر تقنيات الهاتف المتحرك، يفضل الشباب الخيار الثاني من دون تفكير، إذ إن السؤال عن آخر كتاب قرأوه يثير استهجانهم.

مما لاشك فيه أن هذا الواقع يصعب مهمة القائمين على المكتبات العامة ولكن يؤكد في المقابل أن وجودها ضرورة والنضال في سبيلها واجب لإنقاذ الجيل الشاب من حال التسطيح التي تكاد تكون سمة عامة في هذا العصر.