قابيلَ وهابيل:صورة من الوهن الوطني والقومي/ د. أحمد محمد المزعنن


دراسة في أصل التجريم وتطبيقها على الحالة الفلسطينية بالقسم الشرقي من الوطن(الضفة).

الوظيفة الأمنية والضبط الانحرافي الوظيفي

الأمن الفردي والمجتمعي شرط رئيس لبناء أي مجتمع واستمراره،بل هو الدعامة التي تتقدم على الحاجات الفطرية الأساسية كالطعام والشراب،والوظيفة الأمنية هي الوظيفة الرئيسة لأية سلطة تبني كيانًا سياسيًا واجتماعيًا،وتحرص على بقائه وديمومته واستقراره،وذلك في إطارات منظومات القيم والمعايير الثقافية والدينية والأهداف والغايات الوطنية الوقتية والبعيدة،ولكن ما حدث بالنسبة لسلطة العملاء في رام الله فقد جرى مسخ هذه الوظيفة الأمنية،وتحويلها عن مسارها الطبيعي،وتبين من خلال الفعل الفردي والمؤسسي أن تلك الوظيفة جزء عضوي من الوظيفة الأمنية للكيان الصهيوني اليهودي الذي سمح لهذه السلطة العميلة بالدخول إلى الجزء المحتل من الوطن لإدارته نيابة عن الاحتلال،ولتجنيبه التماس والتعامل اللحظي والواقعي اليومي مع المقاومة التي تلاحقه،وتعزل عناصر ورموز الاحتلال عن التعرض لضربات المجاهدين؛فتوفر عليهم النفقات والخسائر البشرية والمادية لكي يتفرغوا للأفعال الإجرامية النوعية بكل مقاييسها.

وفي تحول خطير للثقافة الشعبية الفلسطينية وتحت ستار عمليات التنظيم الشكلي،والعبث المتعمد في ثوابت المجتمع الفلسطيني في الأرض التي تسلل إليها جواسيس أوسلو استحدثت الوظائف الأمنية لكي تستوعب أكبر عدد ممكن من العائدين مع محمد عبد الرؤوف القدوة المعروف بياسر عرفات إلى قطاع غزة والقسم الشرقي من الوطن (الضفة)،وقد تكرر في أكثر من موقع وعلى لسان وبأقلام أكثر من خبير ومؤرخ ومفكر ذِكْرُ ممارسات تلك السلطة العميلة ،وإمعانها في تصفية الثوابت وفق خطة وإجراءات منظمة غاية في المكر والخداع والاحتيال الرخيص،والمظهرية الشخصية والعائلية والفئوية الفجة،وكانت الأجهزة الأمنية بأساليبها في الخلط بين الوظيفة الأمنية المجتمعية الوطنية كأدوات للسلم الأهلي والتجاوز في ممارسة تلك الوظائف ليطال حركات المقاومة بالتشوية والزراية والوصم والسجن والملاحقة والقتل والتصفية والتعذيب؛استجابة لما كان يردده الهالك شارون والشيطان بوش وأركان إدارتهما،وبصيغة أكثر لؤمًا وكيدًا إدارة أوباما التي يمثلها المبعوث الأمريكي جورج ميتشيل والملخصة في عبارة :" They must do what must be done. " (يجب عليهم أن يفعلوا ــ أي السلطة ـــ ما ينبغي عليهم فعله.)

وما كان على السلطة العميلة أن تفعله طاعة لأسيادها من اليهود وحلفائهم الصليبيين،وهو ما تبين أنه الوظيفة الرئيسة لها في حقيقة الأمر،كان هذا الذي ينبغي عليها فعله داهيةَ الدواهي التي لم يكن في قدرة أي فلسطيني أن يتصوره ،وتبقى به مسحة من العقل أو بقايا من ضمير أو شرف أو شبهة انتماء أو خوف من الله ،أو حرص على أدنى وأبسط الروابط بين أفراد الشعب الواحد الذي يكافح في سبيل انتزاع حقوقه من عدوه المحتل لوطنه،وهو ما جرى بعيد مجىء هؤلاء (الدخلاء الغرباء) مع محمد القدوة عشية طردهم من بيروت عام 1982م ،والسنوات التي بعدها،ومن بينهم عدو الشعب الأول مهندس أوسلو سيئة الذكر محمود رضا عباس مرزا وفريقه من المتنفذين في سلطة رام الله العميلة وبقايا حثالات منظمة فتح .

إن الشعب الفلسطيني قبل أن تنشر سلطة الجواسيس الفساد والإفساد والانحلال والتحلل بكل مستوياته وأشكاله في كل جوانب حياته،كان من أكثر شعوب الأرض طهارة وانضباطًا،وكان أنموذجًا حقيقيًا للضبط الفردي والضبط الاجتماعي(Social Control)اللذين انعكسا على درجات متقدمة من الإنجاز الفردي والمجتمعي والإنساني العام في كل موقع وجد فيه الإنسان الفلسطيني،ولم تزده ظروف الاغتراب والتشرد والتشتت إلا قوة في تمسكه بالثوابت،وفي اعتزازه بما يمثله من ثبات على الأسس الأصيلة التي تربى عليها،وكانت مجرد مقارنة بسيطة بينه وبين بقية أمم الأرض تكشف عما لديه من درجات عالية من الإحساسبالكرامة والإعتزاز والثقة بالنفس والإدراك الواعي لكيان الشخصية الإنسانية المتكاملة التي تكونت بفعل خصائص إثنية وثقافية وتاريخية غاية في التفوق والتميز،وهي خصائص جعلها أصحاب نظريات الضبط في تفسير الجريمة (Control Theories)ومن أشهرهم حاليًا( ترافيس هيرشي وجوتفرسون) أصولاً ضرورية للوقاية من الجريمة(Williams ,2004:329 – 369 )

وبعد طرد سلطة الجواسيس والسماسرة من قطاع غزة (يوليو 2006م) تواصل الأجهزة(الأمنية)في سلطة العملاء برام الله ملاحقة أبطال المقاومة في الضفة الغربية المحتلة عن طريق التنسيق الأمني متعدد الصور،سريع الوتيرة،ويبدو للوهلة الأولى أن تلك الأجهزة لا تمت إلى الشعب الفلسطيني بصلة،يظهر ذلك من مظهرهم وتسليحهم وأساليب التنقل السريعة،ومن جمود انفعالاتهم وسلوكهم المخزي في التمثيل والتشفي من الشهداء،وفي متابعة عمليات المطاردة،وفي الاجتهادات الشيطانية التي يستخدمونها في الوصول إلى المجاهدين في مكامنهم،وإلحاق الأذى بهم إلى حد التصفية الجسدية،ويبدو كما أن الأمر مجرد بداية لعمل إرهابي من نوع الإرهاب الذي يطلق عليه إرهاب الدولةState Terrorism .

وبما أن سلطة جواسيس وسماسرة سلطة أوسلو اللعينة ليست دولة ولا شبه دولة،ولا حتى مجرد سلطة طبيعية نشأت وتطورت في مناخ طبيعي، ووفق المعايير والقوانين العادية للمكونات والمؤسسات الاجتماعية،إنها مجرد بناء وطني انحرافي سرطاني ظهر نتيجة لانحراف مسار التحكم في مجريات القضية الوطنية،إنها مشروع شيطاني أفرزته مؤامرة شيطانية بعيدة الغور في اللؤم والكيد والهدم للثوابت،لكل ذلك فإنها تتصرف وفق منهج شخصي منفعي،لا يهمها إلا مصالح الشرذمة التي استقطبتهم بموافقة المحتلين اليهود المغتصبين وحلفائهم الأمريكان والأوروبيين وبعض النظمة العربية المتاجرة بالقضية تحت غطاء ما يعرف بمبادرة السلام العربية.

ولكي يمضي التحليل التأصيلي للفعل الإجرامي ،وللوظيفة الانحرافية لما يُطلق عليه تجاوزًا المؤسسات الأمنية إلى نتائجه المنطقية،لأجل ذلك يمكن تجاوزًا أن نطلق على ممارسات تلك الأجهزة الوظيفية مصطلح(إٍرهاب سلطةAuthoritarian Terrorism)،وهو أحد اشتقاقات الكلمة الإنجليزية كما وردت في قاموس أوكسفورد (2005 : 88)ومعناه الدقيق كما تمارسه أجهزة الفاشست الثلاثي الشيطاني (الدايتوني العباس الفياضي): إرهاب الفاشست أو الإرهاب الفاشستي،أو إرهاب البلطجية أو الزعران أو الدَشير أو الدشر(كما هو شائع في الكلام الشعبي الفلسطيني)،ولا يمكن قبول أي دلالة للأفعال الإجرامية التي تقوم أجهزة سلطة جواسيس أوسلو إلا من هذا المدخل،مهما بدا على هندامهم وأشكالهم ورتابة تحركاتهم الظاهرية والحرص في اختيار خصائصهم الشخصية الجسدية .

فعندما يعمد جاسوس أوسلو الأول،والعميل الأخطر،وسمسار بيع الوطن المدعو محمود رضا عباس مرزا إلى لملمة فلول الحثالات الذين يدعون زورًا الانتماء إلى الشعب الفلسطيني ،ويطلقون على أنفسهم منظمة فتح التي ماتت وانتهت منذ تخليها عن مسار الكفاح الوطني الذي كانت أغلبية الشعب منشغلة به على هيئة صراع يومي ،ـوكفاح لحظي استغرق كل فئات الشعب،واستأثر على كل أنشطته الاجتماعية والفكرية والمدنية والحربية وشبه الحربية،ومنذ أن انحرفت بقايا منظمة فتح،وحفريات منظمة التحرير وبقايا المجلس الوطني لم يعد لهؤلاء أي هوية وطنية يبررون بها وصفهم بأعضاء منظمة التحرير أو أعضاء المجلس الوطني أو منظمة فتح أو المجلس الثوري،وغير ذلك من المسميات التي تدل على وظائفِ الغرض منها فقط هو توزيع واقتسام الرواتب والمنح والميزات والمصالح الأنانية.وما تمارسه تلك الأجهزة العميلة نيابة عن الصهاينة في مرحلة خطرة تقوم فيها بقتل المواطنين الذين يفترض أن أولى مهمامهم هو حمايتهم والتستر عليهم بكل وسيلة ممكنة هو من قبيل ما يمارسه قطعان المستوطنين اليهود الغزاة لوطننا ،وهم يقومون بنفس الدور الوظيفي للتمكين للصهاينة اليهود في أرض الوطن مهما تغلفت سلوكياتهم بالطابع النظمي أو المؤسسي أو التنظيمي،فكل هذه الأمور لا تزيل عنهم الطبيعية الوظيفية الانحرافية التي قامت عليها جميع مؤسسات السلطة العميلة.

اليوم الجمعة من شهر شوال 1431هــ الموافق 8 أكتوبر 2010م حدث أكبر دليل يضاف إلى الأدلة السابقة على خيانة هذه السلطة العميلة والدور الأمني الوظيفي الانحرافي لأجهزتها الأمنية العميلة من الجواسيس الذين يرتدون اللباس الأمني وهم في الحقيقة أشد خطرًا من اليهود الغزاة المحتلين،فالعدو الظاهر المعروف قد جرى توضيفه وتعريفه أما العدو الذي يتخفي وراء شرعية زائفة يلصق نفسها بها في الشعب الذي فضح أمره فهو الخطر الحقيقي في كل عملية تحرير ومقاومة،اليوم نفذ اليهود المجرمون عملية اغتيال البطلين نشأت الكرمي ومأمون النتشة في مدينة الخليل بعد أن قامت أجهزة أمن العار التابعة للسلطة بتزويد اليهود بالمعلومات عنهم ،ومن خلال العمل المشين الذي يطلقون عليه التنسيق الأمني حيث قام اليهو بهدم البيت الذي كانا متواجدين فيه منذ صباح هذا اليوم،ولا يوجد أدنى شك في أن رأس الخيانة الجاسوس الأكبر محمود رضا عباس مرزا قد اشترك بشكل مباشر في هذه العملية فهو الذي صرح أمام أسياده عشية بدء المحادثات بني سلطة العملاء وبين اليهود بأنه يعلم أن أجهزته قد حصلت على المعلومات عن الذين نفذوا عملية قتل اليهود الأربعة،وأن هذه الأجهزة تطاردهم.

عودة إلى ثقافة الأسئلة

· فما الذي يحدث حقيقة لأهل شرق فلسطين فيما اصطلح عليه في الماضي ب(الضفة الغربية) المحتلة؟

· وإلى متى السكوت على حصار الشعب في الضفة بين ثلاثة أعداء متحالفين لقهر الشعب الفلسطيني،وشل مقاومته،وتصفية قواه الشريفة تمهيدًا لتصفية قضيته على طريق سراب مشروع أوسلو،وحصار أهلنا في غزة بين حليفين متضامنين لتنفيذ السياسة الأمريكية العقيمة بذريعة تصنيف حماس والجهاد وفصائل المقاومة بأنها منظمات إرهابية حسب التوصيف الأمريكي للإرهاب؟

· وهل من قبيل الصدف أن تتوالى عمليات قتل واعتقال المواطنين في إطار مهمة جورج ميتشيل الذي يقوم ببنائها بكل حرفية مغرقة في الكيد الشيطاني الذي يتجاهل الثوابت ،ولا يلقي بالاً للحقوق التاريخية والإنسانية؟

· هل هذا ما أوكل إلى عباس وسلام فياض والزمرة الفاسدة من حولهما،في إطار الأوامر التي تملى عليهم من أسيادهم الصهاينة والمتصهينين في نصف الكرة الغربي؟

· هل نشهد حاليًا بناء الركن الأخير في كيان الدولة اليهودية التي جاء عباس ومعه سلام فياض في آخر فصل من فصول مهزلة عملية السلام ليحققاها تحت شعار حل الدولتين الخادع؟

· هل السكوت العربي المطبق،والفوضى والضبابية التي تلف الموقف العربي الرسمي هو ما وجه به أوباما مبعوثه ميتشيل ومساعدوه الذين يمثلون جبهة واسعة من الوفود الرائحة والغادية،والتي تقوم بحياكة الاتفاقيات والروابط مع الجهات المشبوهة على الساحة اللبنانية والفلسطينية،وتقذف ببالونات الاختبار هنا وهناك عن طريق جواسيسها إمعانًا في التضليل وتكثيفًا للضبابية ؟

· هل بلغ عباس وأجهزته إلى هذا الحد من الجنون،فيقتل أبناء شعبه بذريعة العمل الأمني والتضييق على أهل غزة بقطع الكهرباء آنًا،وبتشديد الحصار آنا آخر،واليهود يواصلون تهديم بيوت الضفة وابتلاع أرضها شبرًا شبرًا ،ويحاصرون الأقصى بالمستوطنات والعمارات ومشاريع الإسكان؟

مقدمة تأصيلية للفعل الإجرامي

مخطىء من يظن أن عباس وفياض ومن حولهم من القابعين في رام الله يصدرون عن حالة ضعف،أو من فراغ سياسي،أو تخبط إداري،إنهم يقومون بتثبيت خط يستند إلى فلسفة من نوع ما قاموا بتطويرها تحت ضغط سقف السلطة الانحرافي المحدود،تمامًا كمن يعيش بين الجيف ويتكيف مع جو ملوث لا يلبث أن يعتاده ويعايشه ويواطنه،ويطور فلسفة تبريرية فاسدة كفساد أجواء المكان الذي يوجد حوله،إنهم وإن بدا أنهم متشبثون بالحياة في أرض مقدسة طاهرة تمجُّ وتبكُّ وتطرد أمثالهم من الملوثين وطنيًا إلا أن أفعالهم لا تختلف كثيرًا عن سكان القبور من الأحياء الذين يضايقون الأموات الذين تخلصوا من أدران الدنيا التي يلوثها أمثالهم.

الفلسفة التي طورها هؤلاء تقوم على اعتبار أنهم نظام شرعي،وليس من الأهمية بمكان في مثل ظروفهم من أين تأتي الشرعية أو تستمد مقومات وجودها،وفي هذه الحالة فهم يركنون إلى بعض معطيات النظرية البنائية الوظيفية على اعتبار أنهم مجتمع حقق وجوده،ويسعى لتحقيق أهدافه،والدفاع عن بنائه وأنساقه،وليس مهمًا أيضًا في مثل حالة هؤلاء الأدعياء طبيعة هذا المجتمع،وأساليب تكوينه،وعناصر أنساقه،والأسس الشرعية التي يستمد منها ومقومات وجوده،ويطنطنون حاليًا ويملأون الدنيا تصريحات جوفاء بأن موعدهم عام 2011م عام إعلان الدولة!

كل فعل إجرامي استئصالي من قبيل ما تقترفه أجهزة سلطة أوسلو حاليًا بحق أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة فيه صورة أو ظلال من جريمة القتل الأولى في التاريخ البشري،وهذا يجعلها متطابقة في أصل التجريم مع الأفعال اليهودية الصهيونية الإجرامية التي تتالت في سياق كامل منذ نشأة هذا الكيان الغريب الدخيل،بل منذ جذور المؤامرة الأولى التي بدأت بالمؤتمر اليهودي الذي انعقد في مدينة بال بسويسرا عام 1897م،وتتابعت بعده الخطط والأعمال الإجرامية التي بدأت بوعد بلفور في نوفمبر عام 1917م،ثم تدفق الهجرات اليهودية حتى إعلان الكيان الصهيوني في 15مايو 1947م،ولا يمكن فهم الدور الوظيفي لسلطة الخونة والعملاء والجواسيس في رام الله إلا في هذا الإطار.

إن الأفعال التي تقوم بها أجهزة الأمن هناك تتم بزعم أن من يستأصلونهم من المواطنين متمردون وخارجون عن القانون،هذه الأفعال ورغم أنها تصدر عن سلطة لها نوع من الشرعية الزائفة بترتيب من حالة الوهن القومي العربي،وسياسة الأمر الواقع التي تفرض محمود عباس (منتهي الولاية والأهلية الشرعية والوطنية)رئيسًا باسم الشعب الفلسطيني في حالة الانقسام والتمزق،وما هي في الحقيقة إلا سلوك إجرامي من قبيل ما فعله قابيل بأخيه هابيل في الجريمة الاستئصالية الأولى في التاريخ البشري،وفي الميثولوجيا الإنسانية تشكل قصة ابنيْ آدم عليه السلام قابيل وهابيل معلمًا رمزيًا إنسانيًا في أدبيات دراما الحياة الإنسانية،وتوجد هذه القصة لدى معظم الشعوب بمسميات مختلفة،مع فروقٍ نسبية في بعض التفاصيل،لكن الرابط الرئيس لهذه القصة في معظم أشكال الميثولوجيا هو شخصية الأخ الحقود الحسود العاصي المتمرد على القانون،المنكر للحق،المتنكر للحقيقة،الذي لا يتورع عن الكيد لأخيه وقهره والاعتداء عليه وتصفيته،في مقابل الآخ المؤمن المطيع الإنسان المتسامح الذي يفعل الصواب وينال الثواب المكافىء،والرابط الآخر هو شخصية المرأة الرمز التي تثير المنافسة،وتؤجج العداء،وتتسبب في ارتكاب الفعل الإجرامي.وتوجد قصة قابيل وهابيل وأختهما في الميثولوجيا الفرعونية في قصة حوريس وإيزوريس وإيزيس،وهي مفصلة فيما يعرف بالكتاب المقدس عند اليهود والنصارى ويطلق كتابهم على قابيل اسم قايين.

وردت هذه القصة في أفصح بيان في القصص القرآني في آيات سورة المائدة في قوله تعالى:

1. " يا قَوْمِِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26).

2. وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) .

3. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)

هذه آيات قرآنية مباركة من سورة المائدة تعرض قضايا تاريخية وجودية تشرح بأوضح بيان المرحلة الراهنة التي يمر فيها الشعب الفلسطيني في صراعه مع عدوه المحتل لأرضه،ومعه حلفاؤه الذين خانوا قضية شعبهم وانحازوا إلى العدو اليهودي المجرم،وتصور المرحلة الجديدة من البشاعة التي يمارسها محمود عباس وسلطة رام الله،ومطاردتهم للمؤمنين المجاهدين في الضفة المحتلة،ولا نجد أبلغ من قصة ابني آدم عليه السلام:قابيل وهابيل لتفسير ما يقترفه محمود عباس وأجهزة الجواسيس التي يطلقون عليها الأجهزة الأمنية.

وكعادته في رصد وتصوير الظواهر السلوكية فإن القرآن الكريم يسوق القصة في سياق وحدة موضوعية وتاريخية،وبأفصح بيان،وبأبسط منطق،وبإحكام مطلق بهدف التشريع للجنس البشري عامة ؛لأن مسألة استئصال الحياة له علاقة بإفناء الجنس البشري الذي خلقه الله للعبادة وهذا منافٍ تمامًا للقصد من الخلق وبيان الحق الواجب الاتباع،ونجد مناسبته حاليًا لما يجري في أرض الضفة الغربية المحتلة من اليهود ومن سلطة محمود عباس في مرحلتها الراهنة شديدة الخطورة ،ليس على القضية الوطنية،بل أيضًا على حياة الإنسان الفلسطيني،وتحديدًا على المجاهدين من كل الفصائل.

ويمكن تمييز ثلاثة قضايا رئيسة في هذه الآيات الكريمة التي تناولت قصة أول جريمة قتل ،ومتعلقاتها ودلالاتها وإسقاطاتها على الوضع الراهن للقضية الفلسطينية ،وهذه القضايا هي :

القسم الأول:عرض صورة من صور الفساد والإفساد المتأصلة في طبيعة هذا النوع الإنساني المعروف باليهود،تطلبت تشريعًا إلهيًا عامًا لكبح جماحه،ومنع تكراره،وبيان عواقبه،وضبط نتائجه الكارثية على الجنس البشري،بدأ هذا القسم في سياق الحوار بين موسى عليه السلام وأهل العناد والإفساد من بني إسرائيل في زمنه عند امتناعهم عن طاعة أمر الله لهم بدخول الأرض المقدسة من الجهة الشرقية لنهر الأردن( الاسم العربي الحقيقي له هو نهر الشريعة) حيث مدينة أريحا الكنعانية المنيعة على الضفة الخرى للنهر.

أما القسم الثاني:فهو تصوير لوقائع حادثة قتل قابيل لأخيه هابيل:وهو أنموذج سلوكي متكرر في البشر،يصور الفريق العدواني الحسود الحقود الظالم المعتدي الإفسادي،والفريق المؤمن الموحد المسالم المظلوم،وما يمكن أن يؤدي إليه الإغراق في الأذى المفسد للحياة الإنسانية.

والقسم الثالث : يتضمن مجموعة من الأحكام الشرعية العامة المترتبة على هذه الواقعة الإنسانية الأولى من الظلم والإفساد والعدوان والتعدي.

يعتبر العلماء أن ما أقدم عليه قابيل من الإقدام على قتل شقيقه أول جريمة في تاريخ الجنس البشر،على الرغم من أن بعض العلماء يعتبرون عصيان إبليس لأمر الله له بالسجود لآدم بعد أن خلقه أنه هو أول جريمة سببها حسد رأس الشر لآدم عليه السلام،وأيًا كانت الجريمة الأولى فإن الجريمة المبكرة التي وقعت في الجنس البشري ( قتل قابيل لأخيه هابيل)،وما يقاس عليها من قتل النفس بلا جريرة أو بأي ذريعة من الذرائع غير المبررة والمسببة تسبيبًا شرعيًا هو أنكر الجرائم على الإطلاق،وتكون أكثر نكارة وإغراقًا في البشاعة عنما تكون قتل الأخ،وتزيد حدة البشاعة في حالة قتل الشقيق،وتبلغ آخر مدى الإجرام والوضاعة الأخلاقية والنكارة الموضوعية،والظلم والتجنى وتجافي العدالة والمنطق السليم عندما ترتكب جريمة القتل إرضاءً لعدوٍ ظاهر ظالم محتل مغتصب،ويتخذه الإنسان وليًا وحليفًا ضد أخ أو قريب،وهي في حق الدين والوطن من أكثر الجرائم إيلامًا؛لأن آثارها تمتد إلى الأبرياء،وإلى أصل البقاء،وإلى أسباب الحياة التي لا قيمة لها بلا دين أو وطن.

قصة قابيل وهابيل ذات المدلول الوجودي والتاريخي وردت متوسطة بين مرحلتين من مراحل القصص عن بني إسرائيل الذين يتمسح يهود الخزر الحاليون بهم،ويحاولون تزييف التاريخ بانتسابهم إليهم إن لم يكن عرقًا وسلالة فمنهجًا متصلاً للعصاة من بني إسرائيل الملعونين على لسان الأنبياء،المعاندين لمنهج الله،والذين تغلفوا أخيرًا بغلاف المفهوم القرآني(اليهود) الذي يصرون على جعله طابعًا وجوديًا للأرض المغتصبة في وطننا،ويصر العملاء والجواسيس في سلطة رام الله على توصيفهم بالجيران الذين يمكن أن يكون معهم سلام.

قال الله تعالى في كتابه المبين : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ* تَرَىٰ كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ.} (سورة المائدة 78 - 82)

انتهت واقعة جريمة القتل الاستئصالي الأولى إلى بيان المنهج الوجودي للإفساد اليهودي الذي تمثل في الاية (82 من سورة المائدة)والذي يقضي بأن موقف اليهود حبًا وعداوة لفرد أو جماعة أو مجتمع أو دولة يعتبر مقياسًا حقيقيًا للإيمان،وبمقدور شعور الفرد بحب اليهود له وانحسار عداوتهم عنه،تكون درجة ومقدار وكيفية إيمانه،والعكس:فكلما زادت عداوة اليهود زاد قدر إيمان الفرد.والله تعالى أعلم .

نبذة عن أصل معايير التجريم

في علم الجريمة فإن لمعايير تجريم الفعل الإنساني مصدرين :

1. المصدر الأول:هو الأحكام التي جاء بها التشريع الإلهي أو خبر الوحي،أو ما يعبر عنه بالدليل النقلي أو الدليل السمعي.

2. المصدر الثاني:الأحكام التي مصدرها القانون أو التشريع الوضعي،أو ما يعبر عنه بالدليل العقلي،أو التشريع الإنساني.

والأمر المجمع عليه أن أحكام الإسلام ومعاييره وقيمه هي أكمل القيم،وهي أحكام تقوم على نظرية الإسلام في الأخلاق التي أساسها التوحيد الخالص بإفراد الله بالعبادة،ومنع الظلم والتعدي ورفعه إن وقع،ومنطلقه الأساسي القاعدة الشرعية(لا ضرر ولا ضرار.) والقاعدة الشرعية الأخرى(درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.)، وفي الإسلام أيضًا أن (الشرع مقدم على العقل)،وللعلماء في ذلك حجج يصدقها واقع حالات النقص الخَلقي والطارىء الذي ينتاب العقل الإنساني بحيث يجعله قاصرًا نسبيًا عن تصور وتعريف وممارسة الحق المطلق والعدل الحقيقي.وأكثر وأصدق من بحث في هذه القضية شيخ الإسلام أحمد بن تيمية الحراني في كتابه الجامع(دَرْءُ تَعَارض العقل والنقل 12 مجلد) ،والإمام أبو حامد الغزالي في كتابه المستصفى ، وغيرهما من أئمة أصول الفقه ،فليرجع إلى تلك المصنفات .

وبمناسبة ذكر أول جريمة قتل في التاريخ الإنساني فإنه من المفيد التذكير ببعض متعلقات هذه الجريمة وما تستثيره من التحليل العلمي عن معايير التجريم ،وتفسير الفعل الذي يقود إلى جريمة القتل والتصفية الجسدية .

هل مقاومة المحتل سلوك إجرامي يبرر القتل ؟

يوجد إجماع بين علماء الإجرام،وخبراء الانحرافات السلوكية،والمختصين في الفكر والعمل الأمنيين ـــ على شتى مذاهبهم ومدارسهم ومستوياتهم ــــ على عدم اعتبار كل من يقوم بما يوصف بأنه من أفعال الكفاح المشروع،والنضال والمقاومة ضد المحتل أو المغتصب للوطن ،عدم اعتباره مجرمًا،ويخرجونه من أي محاولة للتصنيف السلوكي الانحرافي للإجرام أو الانحراف،بل إن الأعراف الإنسانية والفطر السوية تعد ذلك من أعلى مراتب البطولة والتضحية التي تخلد الإنسان وتكتب اسمه في سجل الخالدين ،والجود بالروح أغلى غاية الجود.،بينما لا يذكر التاريخ الغزاة والمحتلين وأعوانهم من الخونة والجواسيس إلا بكل مشين مزرٍ من الصفات والأوصاف.وهذا هو حال رجال وأبطال المقاومة الفلسطينية وحال سلطة جواسيس أوسلو من الخونة والسماسرة الساقطين دينيًا وعقليًا ووطنيًا وإنسانيًا.

لا يرد ذكر لتجريم أفعال المقاومة في الأديان،ولا في أي مصدر من مصادر علم الإجرام،ولم يرد ذلك ولو بالإشارة أو التلميح في مبادىء المدرسة الكلاسيكية القديمة عند كل من بنتام الإنجليزي أو بيكاريا الإيطالي ومن ينتمي إلى مدرستهما،أو الكلاسيكية الحديثة بعلمائها وباحثيها الكثيرين،ولا عند رواد المدرسة الوضعية في علم الإجرام:لمبروزو وتلاميذه وما تفرع عن نظرياتهم وكتاباتهم،ولا في كتابات وأدبيات المدرسة الاجتماعية الحديثة التي تشعبت مدارسها ومذاهبها واتجاهاتها في تفسير الانحراف الاجتماعي ولا تكاد تحصى فروعها ومدارسها،وهي تقترب كثيرًا من نظرة الإسلام الموضوعية إلى الجريمة والانحراف مع الاختلاف في المنطلقات الفكرية،والأصول المنهجية.

ولا بد هنا أن نناقش أصل تجريم السلوك الإنساني حتى نتمكن من تفسير ما يحدث على الساحة الفلسطينية التي تتقاذفها الهواء ،وتتناوشها التيارات والصراعات

الحكم الموضوعي على المقاتلين والمقاومين للأعداء المحتلين وأعوانهم،ومجاهدة المفسدين والإفساديين،والقول الفصل في أفعال المجاهدين في سبيل نيل حقوقهم المغتصبة يوجد في أكمل وأصح العقائد،وفي خاتم الأديان:الإسلام الذي يحمي الكليات أو الضرورات الخمس الكبرى التي لا تستقيم الحياة الإنسانية إلا بحفظها،ولا حياة للجماعات والمجتمعات إلا بالذود عنها بكل السبل والأساليب الممكنة المناسبة لكل حالة،وبالمتيسر من أدوات كل عصر وكل قطر وبلد،وهي:حفظ الدين ،وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ المال وحفظ العِرض أو النسل.هذه الضرورات هي أصل الحياة الإنسانية وحمايتها وحفظها هي غاية كل فلسفة أو مذهب أو دين وإن اختلفت التشريعات وتعددت القوانين وتشعبت وتبانت تشددًا وتخفيفًا.

وفي ضوء تلك المعايير والاعتبارات العلمية،وبالنظر إلى الممارسات العملية والأفعال الواقعية القمعية لأجهزة السلطة في الضفة الغربية فإن الوضع الراهن لتلك السلطة ولرئيسها وأجهزته الأمنية وفي ضوء معايير التجريم الديني والوضعي هو:أنه من يقتل أحدًا من المجاهدين المقاومين أو يبلغ عنه لليهود،أو يطارده أو يسجنه أو يعذبه أو يعتقله هو أو أيًا من أقاربه أو أعضاء أسرته فإنه هو المجرم الحقيقي،ومن يقوم بالقتل والتصفية الجسدية لمن يعتبرهم القانون الإلهي والإنساني الوضعي الراشد أبطالاً أصحاب حق في رفع الظلم،ومحاربة الفساد هو المجرم الظالم المعتدي على شرع الله،والهاتك للضرورات أو الكليات الكبرى التي عليها إجماع بشري عند العقلاء والفلاسفة والمفكرين وفوق كل ذلك الدين الإسلامي .

إن هذا الاستنتاج ليس قياسًا نظريًا أو شكليًا جدليًا،بل هو تحليل واقعي للسلوك الإجرامي من منطلق الفعل الذي تمارسه سلطة محمود عباس وأجهزته الأمنية التي تأتمر بأوامر اليهود وحلفائهم الأمريكان المتصهينيين،كما تواتر إلى علمنا من المصادر المعرفية المعتبرة في هذا الزمان وبالصوت والصورة والألوان للأفعال لحظة وقوعها عن طريق وسائل نقل الخبر الإنساني المعتمدة للتوثيق العلمي.

منشأ الفكر والفعل الخاطىء في التجريم

1. الفلسفة الشيئية:تنشأ تلك الفلسفة من مرور أصحاب الدعوات غير المألوفة،ومن تتوفر لديهم شروط قادة حركات التغيير والانعطافات التاريخية الكبرى الفارقة تاريخيًا بمراحل استشعار خطر يهدد مشاريعهم ،أو يقف في وجه تحقيق أحلامهم ،ومن طول معيشة مواجهة المخاطر تتطور ليهم بعض الصفات التي تجعلهم مسكونين بالخوف ومن هذه الصفات:التكتم والصبر والترقب والقدرة غير العادية على التحمل،والتظاهر بالتماسك مع الاحتفاظ بدرجة ثبات متميزة تربط هذا القائد أو ذاك الزعيم بأهداف مشروعه ونقطة البداية لرحلته نحو هدفه،ينظر الواحد منهم إلى مَنْ وما حوله بعينيه أو بعين واحدة أو بنصف عين،وهو لا يرى من كل ذلك شيئًا؛لأن ما يملك عليه عقله وحواسه هو الخشية والخوف على مشروعه،أينما يوجه ناظره لا يرى إلا هدفه،وكل شىء يشاهده بمرآة ذاته،ويتظاهر بأنه يستمع ويستوعب ما حوله،وهو في الحقيقة منشغل بما يغلي في داخله،وما يُعده من الخطط والأحابيل للإيقاع بخصومه،ويصدق ذلك في جانب منه على زعماء العصابات الإجرامية،ولكن بالمعنى السلبي،ورموز الجاسوسية والعمالة والخونة هم أيضًا أصحاب مشاريع شخصية أو قومية أو حزبية،ويصنفون في مرحلة ما بأنهم يتبنون أهدافًا تتصادم مع المصالح الحقيقية لمجتماعاتهم،ولا يلقون بالاً للشعوب والجماعات التي ينتمون إليها،ويرجع ذلك إلى نسبية المعايير البشرية في تقويم السلوك البشري والحكم عليه،ونتيجة لجاذبية الهدف في كل حالة تبرر الفعل ورد الفعل.

2. هموم الحالمين:إن هذه سمات الرجال لدى أصحاب المشاريع الكبرى الذين يتركون مسألة الحكم عليها للتاريخ،وعند زعماء الظواهر التي يصنفها علماء السياسة والاجتماع بالمصطلح العلميMacro ،وكل خشيتهم والرعب الذي يملأهم ويملي عليهم تصرفاتهم العنيفة أحيانًا،والتي يشوبها التخبط أحيانًا أخرى أن يتحول مشروعهم إلى ما يصطلح عليه نفس العلماء ب Micro أي القضايا الصغرى،أو على الأقل MIDDLE ، أي القضايا الوسطى .رجال الماكرو Macro من القادة مسكونون بالخوف الدائم على المشروع وليس على البشر، تتغلب عليهم الفلسفة الشيئية حيث يتحول الإنسان بكل ما يمثله من القيم والمثل والتكريم الإلهي لجنسه مجرد شىء ،ويصبح هو والحجر والشجر والحيوان بمنزلة واحدة،وفي حالات كثيرة قد تكون الأشياء الأخرى والماديات أهم وأثمن من الإنسان ذاته،وأخطر وضع يمكن أن يصل إليه هؤلاء في مرحلة معينة أن تهون عليهم حياة البشر حتى لو كان من أقرب المقربين،ناهيك عن المعارضين أو أصحاب المشاريع المضادة،أو المعاندين أو من يتبين له الحق من الأتباع والمريدين في مرحلة ما من مراحل المشروع،ويعتبرون أبناء الشعب العاديين مجرد حجارة تعترض طريق الجرافة أو الدبابة أو آلة البطش أو الأجهزة الأمنية بمختلف مسمياتها،ولا تستحق مجرد الالتفات،ومصيرها السحق والاجتثاث،نيرون وموسوليني وستالين وزعماء الحركة الصهيونية من يهود الخزر كلهم من هذا الصنف من الرجال مع اختلاف المنطلقات والممارسات،وتجاوزًا يمكن تطبيق ما ذكرناه على الحالة الفلسطينية في وضعها الراهن منذ دخول الأوسلويين إلى الحياة الفلسطينية،وممارساتهم المتتابعة للعبث بالهوية الفلسطينية للانتقال بالشعب الذي انفردوا به في الداخل من تصور الوطن إلى الاقتناع بتصور وطن،أو سلطة،أو دولة،أو أي شىء سوى الوطن المتأصل في الثقافة والفكر الوطني والديني.مرت تلك العمليات بمراحل كثيرة تناولناها في مناسبات سابقة،وأخطر هذه المراحل هي المرحلة الراهنة التي يقتل فيها المواطن بذريعة الأمن المتماهية مع الأمن الصهيوني،والأمن الأمريكي بالمفهوم الانحرافي الانتقائي الغرضي.

وأشد ما يؤرق دول الأحلام،وجمهوريات الموز في عصر العولمة هو موضوع الأمن الذي تتهدده المخاطر من كل جانب،والمبدأ الأول في الشأن الأمني هو تشخيص وتحديد وتعريف العدو،وتأتي الخطط والوسائل والأسلحة والأساليب الأمنية والإجراءات في المرتبة الثانية وما بعدها،ويقتضي تعريف وتحديد العدو وتشخيصه أيديولوجية تتوفر فيها نظريات ومفاهيم وقواعد يستند إليها الجهاز الأمني ليستنبط منها تعريف الجريمة،وتفسير الانحراف،وتبرير التجريم ليبرر بها الإجراءات ضد ما يعتبره عدوًا مجرمًا أو منحرفًا عن جادة الصواب الذي قام أيضًا بتعريفه وتحديده عن قناعة تكفي للدفع نحو الفعل.

3. مرحلة القائد الرمز:في المرحلة السابقة لمحمود عباس كان رئيس السلطة رجلاً غير قابل للمنافسة أو التحدي(Unchallengeable)،ولا يجرؤ أحد على ذلك لاعتبارات تتعلق بكل حالة،فلم يوجد من يجرؤ على مجرد التلفظ بكلمة معارضة في العلن أو في السر أو حتى بينه بين نفسه،أو بين أقرب الأقرباء وأوفى الأصدقاء،والكثيرون من الطبقة الحاكمة في سلطة أوسلو يعرفون مقدار الصدق فيما أقول مهما حاولوا تفسيره أو تبريره أو إخفاء حقيقة ما كانوا يشعرون به في حياة:"الختيار الزعيم القائد الرمز صاحب الكوفية المشهورة التي يلولحون بها بعد رحيله إرضاءً لمن ارتقى به إلى مستوى التقديس"،وهو في الحقيقة إنسان من البشر الفانين شأنه شأن الآخرين بدأ من التراب،وانتهي إلى التراب؛تحقيقًا لسُنَّة إلهية جارية ضابطة للكون وللبشر والشجر والحجر،ولا يوقف فعل هذه السنن بناء قبر ملكي كالأهرامات المصرية،أو قبر متميز كلف ثلاثة ملايين دولار(للقائد الرمز يرحمه الله )في رام الله.

4. الصدمة:لكن مما يذهل ويشكل مفاجأة كبرى أن نكتشف أخيرًا ومنذ مجىء حماس إلى السلطة أن ما ذكرناه في هذه المقدمة ينطبق وبطريقة نموذجية وبامتياز على محمود عباس وزمرته من فريق أوسلو المشؤومة الذين لا زالوا يصرون هم والمخدوعون بهم ومعهم ممن جاروهم في طريق الخيانة والعمالة الصريحة من كل صاحب مصلحة دنيوية،أن نكتشف أنهم أصحاب مشروع يقتلون لتحقيقه أبناء شعبهم بشتى الذرائع،وهم في ريعان الشباب وزهرة العمر،ويغتالون أغلى وأشجع الرجال من هذا الشعب المنكوب بهم؛تطبيقًا للفلسفة الشيئية في تفسير وتبرير الجريمة التي أصبح الإنسان فيها مجرد شىء.

5. إنجاز متفرد:بعدما استقرت سلطة أوسلو التي وظفت أبناء الشعب،وأخذت تشكل أجهزتها الإدارية،ووصلت إلى الأجهزة الأمنية،يومها ذُهل الجميع من المسميات الجديدة بأعدادها التي تفوقت فيها على أكثر النظم بوليسيةً وقمعًا،وتساءل البعض ممن كان خارج السلطة:لماذا كل ذلك الحشد الأمني في مجتمع به أقل نسبة من الجرائم بين شعوب العالم قاطبة؟فالشعب الذي يجهز فلذات أكباده ورجاله لحرب عدوه المحتل لأرضه،ويقدمهم شهداء يفجرون فيه أنفسهم كأعلى درجة من درجات التضحية والمقاومة والفداء،بهدف تخليص حقوقه السليبة،والكيد لعدو يفوقه عددًا وعتادًا وأنصارًا ،مثل هذا الشعب لا يوجد لديه فائض من الانحرافات السلوكية المدنية؛لأن القيم التي ترتقي إلى مستوى التضحية بالنفس والولد والمال لا تنحط إلى الواطىء من الأفعال،أو تقترف الدنىء من الأعمال،أو تجنح إلى الفساد الذي يرتبط بالأغراض الدنوية الفانية.وأكثر ما أثار الاستغراب ذلك العدد الهائل من الجنرالات والعمداء والعقداء ورتبة الرائد والرقيب وما دونها من صف الضباط والجنود في مختلف الأجهزة وأخيرًا بدأنا نقرأ ونسمع برتبة الفريق،وتساءلوا كيف جاء هؤلاء في يوم وليلة بكل هذه التشكيلات وهذه الرتب ومتعلقاتها من النياشين والأوسمة وشارات الشرف؟ولا يوجد عدد معروف للرتب التي دون ذلك من صف الضباط والجنود،والكل يعرف عدد من كان ومن بقي من جيش التحرير الفلسطيني،كما أن الكل يعرف أنه لم تكن توجد في الأرض المحتلة كليات عسكرية أو شبه عسكرية تخرج هذا العدد،ومخولة لمنح الرتب قبل دخول سلطة أوسلو،والبعض من هؤلاء حقيقته ومؤهلاته وأوضاعه قبل وبعد الخروج من بيروت معلومة ومعروفة،والبعض منهم جاءوا إلى غزة خاصة من حيث لا يدري أهلها واللاجئون فيها.

6. أما الضفة حيث العاصمة المؤقتة والرئاسة وأجهزتها العليا وطبقات أصحاب القرار من شبكات المصالح،وأرباب المنافع فحدث ولا حرج،حدِّث عن إفرازات حالة المجهولية المعلوماتية المطلقة،واللامحدود واللامعقول من فرص التغرير والتضليل والتسلل،ووقف الجميع حائرين أمام ما يجري ويتسارع ويتراكم من مظاهر العبقرية الفلسطينية وطاقاتها المكتنزة المختزنة،وقدرتها على التكيف والتأقلم والتواؤم والتلاؤم والإبداع والابتكار.

7. أنموذج راقٍ من الفعل:عندما زار (سيادة الرئيس) الدكتور محمود عباس وأركان الرئاسة غزة قبل الانتخابات التي جاءت بحماس،ويومها دبرت بعض الجهات هناك حادث الاعتداء عليه،ذلك الحادث الذي فبركته بعض أجهزة السلطة عندما ادعت فيما بعد أن حماس حفرت نفقًا لتغتال منه سيادته،عندما حدث ذلك كنا نشفق على هذا الرئيس الذي يبدو بريئًا صامتًا كتومًا،ونكبر فيه الصبر والتحمل وعدم الانجرار وراء ثورات النزق والغضب التي تميز بعض من يغتر بالسلطة،أو تستهويه قوة المنصب،أو ينساق خلف اعتبارات الأمن بأي حجة من الحجج فيبطش بمن يعتبره عدوًا أو خارجًا عن القانون.وظلت هذه الصورة عن الرئيس ومن يختبئون خلفه أو يتخذونه جدار حماية يسترون به ما يحيكونه من مظاهر الكيد والألاعيب والمسرحيات.

8. مرحلة انقلاب أو تطهير:وبعد ما يطلق عليه بعض الفتحاويين (الانقلاب) وتسميه حماس (التطهير) قبع كل من له ثأر عند الشعب الفلسطيني،أو بقية مطمع في قضيته وحقوقه ،وكل من يتوجس على مستقبله ومستقبل أولاده وأقاربه ووظيفته،واستيقظت في رواد الكفاح غرائز الدفاع عن الوجود الشخصي ضد الخطر المشترك الذي احتل غزة،وانتفض كل من يخشى من مجرد التفكير في طرده من الضفة وخروجه من طبقة الحكام،وخنعوا هناك في رام تحت عين وسمع ويد وقدم العدو اليهودي الصهيوني الغازي لوطننا،وارتضوا عن طيب خاطر وبتسليم تام،وفي غياب آلاف المجاهدين والقادة الحقيقيين والكوادر الشريفة المبعدين في الخارج أو في معتقلات العدو،وخلا لهم الجو ليصنعوا مع محمود عباس الدولة المشروع الحلم بكل المقاييس التي عاش السيد الرئيس يحلم بها.

9. مرحلة التفعيل الأمني الانحرافي:لا توجد مشكلة عند (الرئيس) محمود عباس وأجهزته الأمنية حاليًا، كما لم توجد سابقًا في أي مرحلة من مراحل التصاقه بحركة فتح فيما يتعلق بتعريف الجريمة ووصف المجرم،إن الجريمة هي كل تصرف يقف في وجه عملية السلام أيًا كان مصدره،والمجرم هو من يقوم بهذا التصرف،ومن هذا المنطلق يتحرك ويبني التحالفات ويدلي بالأقوال والتصريحات بكل وضوح وشفافية وثقة،وعلى كل من يعارضه أن يفعل ما يمكنه فعله،فهو على المستوى اليهودي حليف لا يشك أي صهيوني في صدق نواياه التي يثبتها فعله،وهو عند الأمريكان رجل المرحلة الفلسطينية النموذجية التي لا يقوم فيها بشاردة ولا واردة إلا وفق الأجندة الأمريكية وضمن التحرك الأمريكي،وهو حليف ومقدمة وواجهة ومسوق وسمسار ينطق باسم خمسين دولة إسلامية وعربية تفتح قلبها وحدودها وعواصمها لليهود الصهاينة نظير أن يعلنوا ولو بالكلام قبولهم بما يطلقون عليه مبادرة السلام العربية،وهو أكبر عدو لحماس أو أي فلسطيني أو غير فلسطيني يفكر أو يتكلم أو يعمل من أجل تأييد حماس أو تأييد المقاومة،وقد قالها علنًا بعد اجتماعه بالرئيس حسني مبارك في القاهرة في طريق عودته بعد اجتماعه إلى أوباما:" طالبنا أمريكا أن تحيي اللجنة الثلاثية (الأمريكية اليهودية الفلسطينية ) المشتركة لمكافحة التحريض، والتي سبق أن ماتت منذ عشر سنوات ... هكذا ّ محمود عباس يريد أن يجرِّم كل سلوك يسميه تحريضًا،وبما أنه رئيس عربي مددت له الجامعة العربية في أول سابقة في تاريخ القضية الفلسطينية فإن الكثير من الاتفاقيات القانونية والأمنية تحميه من التحريض ولو بمجرد التلميح أو التصريح أو التعريض،وعندما يسكت عباس ويخنس قليلاً ينبري فلاسفة الصف الأول من أرباب الكلام الأجوف،والمتاجرة بالشعارات مفرغة المضمون،فاقدة المصداقية،كياسر عبد ربه وصائب عريقات وغسان الخطيب وبقية جوقة أوسلو المشؤومة؛ليعملوا برواتبهم وامتيازاتهم ويدافعوا عم منهج الخزي والخيانة والخذلان الذي اختطوه،ساروا طويلاً في توظيفه في تخريب القضية الوطنية المقدسة،والتفريط في الحقوق الثابتة التي كان آخرها تنازل سلام فياض عن حق العودة الذي تضمنه المواثيق الدولية والشرائع الدينية والدنيوية.

10 ـــــ مهزلة المفاوضات المباشرة وغير المباشرة: عندما فوضت لجنة المتابعة العربية غير الشرعية وطنيًا وقوميًا ودينيًا ورئيسها أغرب أمين عام للجامعة العربية (عمرو موسى) سلطة جواسيس أوسلو بالتفاوض المباشر ثم مع انتهاء مدة وقف الاستيطان (الكذبة الكبرى)قال محمود عباس بأسلوب غاية في الاستهتار والسذاجة واستغباء الشعب الفلسطين ،وإمعانًا في التبسيط :"إذا توصلنا إلى الحل فهذا هدفنا وإذا فشلت المفاوضات لن نخسر شيئًا"والحقيقة أن هذا القول يخفي خلفه فهمًا حقيقيًا للواقع الفلسطيني،فهذا السمسار الجاسوس يستخدم تعبير (نحن)ولا يقصد به الشعب الفلسطيني الذي ألصقته الأنظمة العربية لتمثيله لديها،ولكن بوصفه يمثل مجموعة الجواسيس والسماسرة والعملاء والخونة الذين يقبعون في مزبلة رام الله وقد استمرأوا الذل والمهانة،وفقدوا الإحساس بالكرامة ،فبيوت الناس تهدم،والمواطنون يطردون من بيوتهم،ولم تسكت الجرافات وآلات الحفر لحظة،واليهود يعتقلون المواطنين يوميًا بلا جريرة ،والكثير منهم يقتله اليهود قتلاً حقيقيًا أو معنويًا دون أن ترمش عين جواسيس أوسلو بل إنهم في اجتماعاتهم يظهرون السرور والحبور ويتبادلون الفكاهات والنكات والطرائف،ويتعمدون اللامبالاة بكل ما هو خارج قاعة تجمعهم ككومة ذباب على نزبلة من المزابل أو جيفة من الجيف،(فنحن)هذه التي يستخدمها هذا الجاسوس العميل لا تبتعد كثيرًا عن نطاق جواسيس وعملاء ووكلاء الصهاينة الذين يمكنون لهم في أرض الوطن ،وبعد كل جريمة يهودية يطل عليك الناطق الإعلامي الرسمي للسلطة العميلة بعباراته السخيفة وبصوته الرتيب المتهالك الذي لا يقنع حتى طفلاً صغيرًا أو إنسانًا مخبولاً ليشجب ويطالب ويفسر ويشرح ... إلخ.

المواجهة المشروعة ومبرراتها

(العين بالعين والسن بالسن والنفس بالنفس)

لا يخفى على صاحب لب ،أو أي إنسان يتابع أفعال الجواسيس والعملاء من أفراد ومجموعات الأجهزة الإجرامية المعروفة بالأجهزة الأمنية في سلطة رام الله العميلة،نقول ليس خافيًا على أحد أن سلطة أوسلو ومن واقع أفعالها المتواترة منذ تكوينها عدوة للشعب الفلسطيني ولا زالت تمارس الجرائم الخطيرة الضارة بمصالحه العليا،وأن هؤلاء العملاء هم جنود لليهود وأعوان وصنائع للصهاينة المحتلن المجرمين،وهم بمثابة من يتواطأ على فعل جريمة،وفي الشرع والقانون تؤخذ الجماعة بالواحد،وهم يعملون في صف أعداء الشعب الفلسطيني،ولذلك ففي هذه الحالة فإنني أرى والله أعلم:أن يكون التصرف معهم كالتصرف مع الأعداء،فمن يظفر بواحد منهم ممن تاكد أنه يشترك في السلوك الإجرامي الذي يمكن للاحتلال،ويضعف المقاومة،بالفعل الإجرامي الذي لا لبس فيه بعيدًا عن الظن والاحتمال ،سواءً بالاشتراك في الفعل الإجرامي أو بالتخابر مع اليهود أو التنسيق معهم،أو نقل أخبار المقاومة لهم،فعلى كل من يتيقن من ذلك أن يواجههم بما يواجه به اليهود المحتلين للوطن،والذين يقتلون أبناء الوطن،وكل واحد يقدر الحالة بقدرها ويتصرف تجاههم بما يناسب فعلهم،وخاصة أؤلئك الذين سجلت صورهم في قتل المجاهدين،وهس موجودة على كل المواقع بشبكة المعلومات الدولية،ومحفوظة لدى جهات كثيرة يهمها رصد أفعالهم الإجرامية في حق الله والدين والوطن والشعب.

انتبهوا أيها الوطنيون الفلسطينيون الأحرار،ويا كل من يتجرأ على التفوه بكلمة معارضة ضد مشروع أوسلو المشؤومة:لقد حجز لكم محمود عباس في رحلته الأخيرة وبالتعاون مع ديك شيني معتقل جوانتامو بعد أن فكر أوباما في إغلاقه ... ! إنه الآن ينطق باسم خمسين دولة إسلامية في ظل التراجع العربي،والتخاذل الأممي،والهجمة الصهيو ـ أمريكية في مرحلتها الجديدة،وليس مجرد سمسار أوسلوي .

ويا أيها (القابيليون) الذين لم يقترفوا بعد جريمة قتل إخوانهم الهابيليين في الضفة،أو تتلوث أيديهم بجمع المعلومات عن المجاهدين منهم،أو من لا يزال يضمر إيمانه خوفًا من بطش فراعنة أوسلو وحلفائهم الصهاينة كما فعل مؤمن آل فرعون ،أو من فيه بقية نخوة جاهلية،أو عصبية قرابة،أو حمية عائلية،أو يتحسس في نفسه بعض الحب والوفاء لنسيم الوطن الذي يظله ويتقاسم مع إخوانه الحقيقيين العيش فيه،احفظوا إخوتكم،واعتصموا بالله تفلحوا،وتنقذوا أنفسكم من سوء المصير في الدنيا والآخرة.

خاتمة:

أختم بخبر أوردته جريدة الرياض السعودية في هذا اليوم السبت25 ربيع الثاني 1431هـ الموافق 10 إبريل 2010م وعنوانه

بعد صدور أوامر أمريكية بقتل أنور العولقي أو أسره.

قبائل العوالق اليمنية تحذر من مغبة التعاون مع واشنطن.

صنعاء: الرياض

حذرت قبائل العوالق من مغبة التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية ولو بالكلمة والوشاية، أو تآمر وتجسس على أنور العولقي الذي أصدرت الإدارة الأمريكية أمرا بقتله او اسره نظرا لما يمثله من خطر ضد امريكا والتحريض ضدها.

واستنكر اجتماع قبلي لأعيان العوالق ما وصفوه التصرف الأرعن من قبل الحكومة الأمريكية بالسماح بقتل الشيخ انور العولقي الذي وصفوه بالبطل وهو أحد أبناء القبيلة وابن أحد أهم بيوتها ، مشايخ آل فريد بن ناصر.

وأكد الاجتماع القبلي عدم تخلي القبائل عن أحد أبنائها، محذرين من مس شعره من رأسه، ومن تسول له نفسه أن يبيع ابنهم فإنه لن يسلم من بنادق العوالق ونارها، وأنها لن تقف موقف المتفرج.

وكان مسؤولون قالوا الثلاثاء ان الادارة الامريكية وافقت على القيام بعمليات لاعتقال أو قتل أنور العولقي الذي وصفه مشرع بارز بأنه يمثل أكبر تهديد ارهابي لامريكا.

وجاء قرار إضافة العولقي الى القائمة الامريكية للاشخاص المستهدفين بعد مراجعة أجراها مجلس الامن القومي بسبب وضعه كمواطن امريكي ودوره المزعوم في نشاط تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.

ووصفت النائبة الديمقراطية جين هارمان رئيس اللجنة الفرعية لشؤون الامن الداخلي في مجلس النواب العولقي بأنه "على الارجح الشخص.. الارهابي.. الذي سيكون الارهابي رقم واحد فيما يتعلق بتهديدنا".

وأضافت هارمان التي زارت اليمن في الاونة الاخيرة للاجتماع مع مسؤولين أمريكيين ويمنيين "انه تحت أنظار اليمنيين الى حد بعيد.. بمساعدتنا".

ونفذ اليمن غارات جوية بمساعدة أمريكية لاستهداف زعماء للقاعدة الا ان هناك تقارير متضاربة بشأن وجود العولقي أثناء أي من هذه الهجمات. ويعتقد مسؤولون أمريكيون انه لا يزال مختبئا في اليمن.

هذا أقل ما يمكن أن يكون عليه الحال في حالة الوهن القومي والوطني الراهن:النخوة والحمية الدينية التي لا تزال محفوظة في جذور النفس العربية الأبية،وأن نتجاهل مطلقًا أولئك الذين ربطوا وجودهم بوجود المجرمين الصهاينة وأمريكا باراك أوباما المتصهينة.

هذا والله أعلى وأعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(... والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .) (يوسف : 21)

دكتور أحمد محمد المزعنن Mr_ahmed48@hotmail.com






CONVERSATION

0 comments: