تكوين الدولة من حق الأقوى الى قوة الحق/ زهير الخويلدي

" إن الدولة مثل كل التجمعات السياسية التي سبقتها تاريخيا تكمن في علاقة هيمنة للإنسان على الإنسان مبنية على وسيلة العنف المشروع."[1]
استهلال:
على الرغم من أن السياسة موجودة في كل مكان حولنا وبالرغم من أنها تحولت إلى الهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه والخبز الذي نأكله ، إلا أن هذا الوجود وللأسف لا يثير انتباهنا المعرفي ويقظتنا الفكري ولا يحرك فينا الرغبة في المشاركة والعزم على التدخل لممارسة واجب النقد والمحاسبة ، لاسيما وأن العالم من حولنا معقد جدا ومتعدد الأبعاد والنظريات السياسية المتداولة أنتجت أنظمة سياسية مهترئة ومعارضات كرتونية والبدائل غلبت عليها الشعارات الفضفاضة والتسويق الإيديولوجي للأفكار، عندئذ ينبغي التزود بأدوات فكرية معينة تعيننا على فهم هذا العالم السياسي وتسمح لنا بالتشخيص والقراءة العلمية. ولعل أشدها بداهة هو فهم القوة كمفهوم فلسفي ودراسة العلاقة القائمة والممكنة بينها والسياسة وبين الحق والقانون والعنف واللاعنف ومن ثم تفسير أوجه القوة السياسية المتعددة وارتباطها بمفاهيم أخرى كالسلطة السياسية والسيادة و الدولة وما إلى ذلك.
في الواقع يتمحور مفهوم السياسة من حيث الماهية حول القوة ولذلك  يتحدد علم السياسة بوصفه ميكانيك القوة  وتمثل هاجسه في دراسة تلك القوة لتنظيمها ومعرفة كيفية استخدامها وتوقع النتائج الحاصلة عن تطبيقها. من هذا المنطلق كانت السياسة بالنسبة لماكيافيلي هي اندماج تام بين المنصب والسلطة أو القوة . في هذا السياق عرف لينين السياسة بأنها : من يفعل ماذا و لمن. ولكن هارولد لاسويل عام 1930  أعتبر أن دراسة السياسة تتمحور حول: من يحصل على ماذا؟ ، أين يحصل عليه؟ وكيف يحصل عليه؟.
 لقد ميز كارل مانهايم بين السياسة والإدارة السياسية، حيث أعتير أن الإدارة السياسية هي ما تهتم بالشؤون الروتينية اليومية للدولة وتحكمها قوانين وقواعد ويسهل التنبأ بنتائجها، في حين أن السياسة هي فن التعامل مع القوى اللاعقلانية الناجمة عن التنافس والصراع الاجتماعي ، وتنقسم تلك القوى اللاعقلانية إلى قوة الصراع الاجتماعي الخارج عن السيطرة وقوة الهيمنة (المادية) في المجتمع ، ان هذين الشكلين من القوة اللاعقلانية متى وجدا يشكلان حالة من الخلل في التنظيم الاجتماعي تستوجب معها تدخل السياسة. ربما تعني الدولة التنظيم السياسي لمجموعة بشرية محددة تاريخيا ولا توجد دولة دون جهاز ضغط ولذلك تعرف الدولة على أنها  شكل من السلطة المؤسساتية والمعقلنة تختلف عن علاقة الهيمنة والخضوع التي تربط بين رئيس القبيلة والأعضاء التي عرفتها المجتمعات البدائية، فماهو دور الدولة؟ وهل تضمن الحماية للأفراد والحرية لكل طرف أم أنها تحولت إلى وسيلة للهيمنة؟ كيف يمثل الجمع بين القانون والقوة مشكلا بالنسبة الى الدولة؟ وأيهما أفضل بالنسبة الى مشروعية الدولة :العنف أم اللاعنف؟ الحق أم القوة؟ وكيف يمكن تصور فضاء سياسي يتحقق فيه وجود أفضل بالنسبة الى الناس؟
ما نروم اليه هو تجاوز العلاقة الهرمية بين الحاكم والمحكومين وتفادي حل النزاعات عن طريق القوة والعمل على بناء علاقة أفقية بين الدولة والمجتمع واشراك كل الأطراف وجميع القوى الفاعلة في تسيير الشأن العام وتغليب لغة التفاوض والتشاور من أجل تحقيق التناصح والتفاهم.
1-    الدولة والحق:
" إن الدولة الحديثة هي تجمع مهيمن ذو طابع دستوري حاول بنجاح احتكار العنف الفيزيائي الرعي من حدود جغرافية كوسيلة للسيطرة وجمع بهذا الهدف بن أيدي الحكام وسائل الإدارة المالية..." [2]
إن مفاهيم الحق والسياسة والدولة والقوة والعنف والقانون والعدالة هي مفاهيم متشابكة، و الحديث عن أحدها يستدعي بالضرورة الآخر.
بادئ ذو بدء يعني الحق هو "ما لا يحيد عن قاعدة أخلاقية، وما هو مشروع وقانوني في مقابل ما هو واقعي وفعلي".  يحدده كانط كما يلي:"الحق هو مجموع الشروط التي تسمح لحرية كل فرد بأن تنسجم مع حرية الآخرين".
يعتبر هارت الحق "نسق من القواعد " فهو"مفهوم تأويلي من أجل بلوغ العدالة"، أما جوزيف راز فيتعامل معه باعتباره "نفوذ يصالح بين مصالح الأشخاص" من أجل ترجمة لمشروع سياسي ممكن.
في حين يؤكد ألان على عدم إمكان اختزال الحق في الواقع لأن الحق ليس الواقع، فمثلا أن نملك هو واقع بسيط، أما أن أكون مالكا فهو حق يعترف به المشرع، حول هذا الموضوع يصرح:"الحق هو نسق إكراه عام ومتبادل، يتأسس على العادة وأحكام الشرعية، ويهدف إلى ملائمة مثال العدالة مع ضرورات الوضع الإنساني ومع حاجة الآمان التي تفرضها المخيلة". في حين أن فرويد يؤكد على العلاقة الوثيقة بين الحضارة والحق لأن:"ّإن الحياة المشتركة لا يمكن أن تكون ممكنة إلا عندما تتمكن أغلبية من تكوين تجمع أقوى من قوى كل فرد من أفرادها على حدة، وقوة هذه المجموعة باعتبارها حق تتعارض عندها مع قوة الفرد". لكن ماهي العلاقة بين الحق و القانون؟ هل تستمد الدولة القانون من الحق أم أنها تشرع القوانين لحماية الحق؟
يرى هيغل في «مبادئ فلسفة الحق» أن "الدولة هي تعبير عن الحق والحرية". ومفهوم الحق عنده يتجاوز المستوى الحقوقي ليشمل الحق المدني والأخلاقية. لذلك يدعو هيغل إلى إحقاق الحق العام والمطلق. وهذا الحق الكوني يجب أن يتحرر من كل فردانية وذاتية في التنفيذ والقصاص، وأن يبتعد عن كل صيغ الانتقام. فيتخذ صيغة العقوبة، وذلك بأن يوكل الحق إلى طرف ثالث "يعين لتلك الغاية ولا يطالب، أو ينفذ إلا ما هو كوني، في هذه الحالة يكون الإصلاح عقوبة". ذلك أن الدولة عنده هي كل عقلاني فهي الروح الموضوعي، إذ هي الإتحاد الكفيل بتحقيق المواطنة عن طريق جوهر الإرادة الحرة أي القانون. إن هذه القاعدة السامية التي يرومها الحق من وفاق بين الناس، لا يجب أن تكون قاعدة نفعية، لأن ما يقوم على المنفعة يزول بزوالها، وجاكلين روس ترى بأن دولة الحق هي واقع معيش، وليست مدينة فاضلة، وهي ممارسة معقلنة لسلطة الدولة، وتسعى إلى تحقيق وبلورة الحريات العامة. لأن الدولة توجد لخدمة الفرد وليس العكس، حيث يجب أن تعتبر الإنسان قيمة مؤسسة، فالدولة إذن "تحتل مرتبة بعد الإنسان لما أصبح يمثله من معيار أسمى" و"سلطة دولة الحق تتخذ ملامح ثلاثة : القانون، الحق، والفصل بين السلطات" ، اذ لا يمكن أن يوجد حق دون قانون عادل وصريح، كما أن إحقاق الحق مستحيل دون فصل السلطات [السلطة التنفيذية، السلطة التشريعية، السلطة القضائية].
ضدا على أطروحة شرعنة العنف وتبريره فإن جاكلين روس تعتبر دولة الحق تتمسك بكرامة الفرد ضد كل أنواع العنف والتخويف. وتمثل دولة الحق نموذجا للدولة المعاصرة والتي حددتها بقولها " إنها دولة فيها حق وقانون يخضعان معا لمبدأ احترام الشخص، وهي صيغة قانونية تضمن الحريات الفردية وتتمسك بالكرامة الإنسانية وذلك ضد كل أنواع العنف والقوة والتخويف" فدولة الحق تؤدي إلى ممارسة معقلنة للسلطة مما يجعلها عملية إبداع دائم للحرية وفضاء لاحترام الشخص ومعاملته كغاية لا كوسيلة واعتباره معيار أسمى لصياغة القوانين والتشريعات التي تمنع كل أنواع الاستعباد والاضطهاد التي قد يتعرض لها. إن دولة الحق لا تقوم على العنف ولا تشرعن القوة ولا تسمح بمصادرة الحرية، وإنما هي دولة يخضع عملها لقواعد سليمة وصريحة وتتشبث بالقانون والحق واحترام الحريات وتفصل بين السلطات باعتباره الآلية الفعالة لحماية الحقوق ومنع العنف.
 "إن الامتثال للقوانين هو واجب، إلا أنه ـ ككل الواجبات ـ ليس مطلقا، إنه نسبي. فهو يتأسس على افتراض أن القانون إنما يصدر عن سلطة مشروعة وأنه محكوم بحدود عادلة" مثلما صرح بانيامين كونستين؛ لأن الامتثال الأعمى لقانون استبدادي يحقق من الأضرار أكثر من المنافع ... وحتى تؤسس دولة الحق ينبغي على الفرد أن يؤدي واجباته التي لا يمكن بدونها ضمان حقوقه كأن يضحي بجزء من ثروته من أجل سد النفقات العامة؛ وأن يضحي بجزء من حريته في سبيل الراحة العامة، لأنه "قد نخرق [قواعد الأخلاق] لو عرقلنا الراحة العامة بتشبثنا المتصلب بحقوقنا إذا ما بدا لنا أنها تمس باسم القانون". من هذا المنطلق، يصبح القانون تشريعا عادلا يسعى إلى إحقاق الحق، وبالتالي يؤكد ضرورة الالتزام به من أجل ضمان تحقيق إنسانية الإنسان وكرامته. واضح هنا أنه يمكن اشتقاق القوة من الحق وأن الدولة تحتاج إلى السلطة المادية في الإرغام من أجل ضمان الحقوق وحمايتها من كل اعتداء، فماهي دلالات مفهوم القوة ؟
2-    الدولة والقوة:
"على الأمير أن لا يكترث بوصمه بتهمة القسوة إذا كان في ذلك ما يؤدي إلى وحدة رعاياه وولايتهم"[3].
بينما تعالج الشرائع السماوية والقوانين الأخلاقية الأمور وتنظر لها كما يجب أن تكون، على السياسة ان تعالج الأمور وتنظر لها كما هي كائنه، نصح مايكيافيلي في كتابه الشهير الأمير النخب الحاكمة في ايطاليا بالتوقف عن استخدام أي معيار أخلاقي للحكم وبالمقابل استخدام القوه بشكليها المادي (الفيزيائي قوة الإرغام) والمعنوي (قوه الإقناع) لإخضاع معارضيهم وتجريدهم من السلاح، لقد اعتبر أن النجاح في السياسة والمعيار الأخلاقي لا يتفقان وأن على الحاكم أن يخرق القوانين الأخلاقية أحيانا ليبقى في السلطة، ان الغاية النهائية المتمثلة بالبقاء بالسلطة تبرر الوسائل اللاأخلاقية المتبعة في استخدام القوة. 
بيد أن القول بأن السياسة هي ميكانيكا القوة يجرنا إلى سؤال آخر حول ماهية القوة، وما نلاحظه أن الجميع مقتنعون بشمولية القوة، إذ يقول عاموس هاولي : "كل فعل هو تطبيق للقوة، كل علاقة اجتماعية هي معادلة للقوة، كل مجتمع هو تنظيم للقوة". ويقصد أنه لا يمكن أن تفهم القوة الا من خلال آثارها ونتائجها وبعبارة أخرى القوة هي التي تجعل الأمور تحدث وأمور ربما لم تكن لتحدث بدونها. ولكن بالمستوى الأعمق هناك تضارب حول ماهيتها ومجالات حضورها، إذ كيف نحصل على القوة هل بالثروة أم بالمعرفة؟ هل بالمظهر الجيد أم بالخداع؟  هل بالعرق أم بالنفوذ ؟ وكيف نمارس القوة، بالتأثير أم بالإكراه؟ أم بالتحكم أم بالإقناع؟ هل نشعر نحن أنفسنا أساسا بالقوى المؤثرة علينا وهل نستطيع تحليلها ومعرفة مصدرها؟ من يستفاد من القوه الجماعات ، النخب، الأفراد أم المجتمع في عموميته؟ من يقرر كيف للقوة أن تستخدم؟
يمكن اشتقاق القوة من منطلقين: الأول قوة فعل شيء ما أي قوة فاعلة على الناس بعبارة أخرى قوة الاستعباد والثاني قوة تفعل في الشيء أي قوة الناس الفاعلة، بتعبير آخر قوة الحرية  التي تتضمن الاعتراف بالأهداف الفردية والاجتماعية للشعب . إن مصدر القوة كسلطة سياسية وحكومة شرعية هو المواطنين وبالتالي فهي تأخذ بعين الاعتبار مصالح المواطنين وتلبي متطلباتهم  وتعبر عن إراداتهم من خلال هيئات قانونية ومؤسسات دستورية ساهموا مساهمة فعلية في تكوينها وهم مطالبون بمراقبتها ومحاسبتها.
أما القوة الغاشمة فمصدرها التفويض وتتحول إلى سلطة مانعة للناس وضاغطة عليهم وهي تحمل في جوهرها الخضوع والعبودية وتوجد بشكل عام في الأنظمة الاستبدادية وغالبا ما تعمل على منع الناس من المشاركة ومصادرة حريتهم وتحول دون تنميتهم لقدراتهم ومواهبهم، وفي هذا يقول ماركس:"إن الناس يدخلون إلى العالم السياسي وهم محكومون بفروقات عميقة في قوتهم السياسية أو بتعبير آخر إنهم يأتون إلى العالم وفق ظروف مسبقة ليست من اختيارهم، تحكم حياتهم وتستعبدهم". فهل نستبعد أن تلتجئ هذه السلطة الضاغطة الى العنف من أجل فض النزاعات وفرض النظام والأمن؟ لكن ما نعني بالعنف؟ وهل يجوز أن يكون هناك عنف مشروع وعنف مدمر غير مقبول؟
3-    الدولة والعنف:
"ان العنف ليس الأداة الطبيعية الوحيدة للدولة ولكن هو الأداة المميزة لها"[4]
يعرف العنف من الناحية اللغوية كما يلي هو (العُنْف) بالضم ضد الرفق، تقول منه: عَنُفَ عليه بالضم (عُنْفاً)، وعَنُفَ به أيضاً و(التعنيف) هو التعيير واللوم. أما من الناحية الإصطلاحية : "العنف هو أي سلوك موجه بهدف إيذاء شخص أو أشخاص آخرين لا يرغبون فى ذلك ويحاولون تفاديه"[5] . وباتالي فإن  العنف خطاب أو فعل مؤذ أو مدمر يقوم به فرد أو جماعة ضد أخرى .
على هذا النحو يكون العنف "فعل مضاد للرفق، ومرادف للشدة والقسوة. والعنيف هو المتصف بالعنف. فكل فعل يخالف طبيعة الشيء، ويكون مفروضاً عليه، من خارج فهو، بمعنى ما، فعل عنيف. والعنيف هو أيضاً القوي الذي تشتد صورته بازدياد الموانع التي تعترض سبيله كالريح العاصفة، والثورة الجارفة. والعنيف من الميول:«الهوى الشديد الذي تتقهقر أمامه الإرادة، وتزداد سورته حتى تجعله مسيطراً على جميع جوانب النفي، والعنيف من الرجال هو الذي لا يعامل غيره بالرفق، ولا تعرف الرحمة سبيلاً إلى قلبه». أما العنف فيمكن القول بأنه "اللجوء إلى القوة من أجل إخضاع أحد من الناس ضد إرادته، وهو ممارسة القوة ضد القانون أو الحق"[6].
ينقسم العنف إلى : عنف مادي فيزيائي تكويني يعبر عنه محمد أركون كما يلي:"الجماعة مستعدة دوما للعنف من أجل الدفاع عن حقيقتها المقدسة. والإنسان بحاجة إلى العنف...لكي يعيش ويجد معنى على الأرض". ولكن هناك أيضا العنف الرمزي يقول عنه بيير بورديو: "العنف الرمزي هو عبارة عن عنف لطيف وعذب، وغير محسوس، وهو غير مرئي بالنسبة لضحاياهم أنفسهم، وهو عنف يمارس عبر الطرق والوسائل الرمزية الخالصة، أي عبر التواصل وتلقين المعرفة".
يوجد العنف حسب ايف ميشو "عندما يحطم واحد أو عدد من الفاعلين شخصا آخر، مباشرة أو بصفة غير مباشرة، دفعة واحدة أو بالتدريج، أو يمسهم في كيانهم الجسمي أو النفسي، أو في ممتلكاتهم، أو في انتماءاتهم الثقافية أو الرمزية المختلفة".
والفيلسوف حسب ايريك فايل ضد العنف لأن هذا الأخير هو"سلوك لا عقلي يهدف إلى النيل من كرامة الإنسان ومن إنسانيته. إن الفلسفة ضد العنف لأنه يقوم على كل الأفكار السلبية التي تحاربها كالاستغلال والجور والبؤس والشقاء والفاقة والمرض.  ولان العنف ، اليوم، أصبح سلوكا مبرمجا يهدف إلى إخفاء أبعاده وخلفياته وبالتالي إخفاء أساليبه وآلياته، أو كما يقول "ميشو": "إن ما يميز العنف المعاصر عن أشكال العنف التي عرفها التاريخ، هو التدخل المزدوج للتكنولوجيا والعقلنة في إنتاجه"..... فان ذلك ما يجعل العنف سلوكا لاعقلانيا أنتجه العقل.
يرى ماركس أن العنف هو إفراز تاريخي ناتج عن تعارض المصالح لما ظهرت الملكية الفردية. في كتابه دور العنف في التاريخ يربط إنجلز بين الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وظهور الأسرة والسلطة والعنف. والملاحظ أن العنف عند إنجلز هو سابق على وجود الدولة حيث أنه ينتج عن تصارع المصالح المترتب على ملكية الأراضي. وبالتالي فالعنف لا يمثل أحد المكونات الطبيعية للسلطة بل هو ناتج عن الواقع الاجتماعي[7](28). ويمكن القول إن السلطة ذاتها ليست من المكونات الطبيعية للاجتماع البشري ولا ترتبط وجوديا بالإنسان بل هي مترتبة على صيرورة تاريخية معينة. وبالتالي فإن الدولة والعنف قابلان للتغير وللاختفاء في ظروف تاريخية مغايرة.
إن العنف ضرورة تاريخية لكن يجب القضاء على كل مظاهره بعد المرحلة الانتقالية المتمثلة في ديكتاتورية البروليتاريا. يتعين بالتالي تهيئ وتنظيم الثورة وتأطير العنف الجماهيري. وهذا ما انتقدته روزا لوكسامبورغ التي كانت تؤمن بالعفوية الثورية وبالنزوع الطبيعي للطبقة العاملة لتنظيم ذاتها. وأيا كان الأمر, فالعنف الثوري يولد تاريخا آخر, ومجتمعا آخر, تغيب فيه السياسة وكل ما يرتبط بها من عنف وقهر واغتراب.
وإذا كان العنف ضرورة تاريخية بالنسبة لمعظم المفكرين الثوريين, فإننا نصادف أحيانا مديحا للعنف في ذاته عند مفكرين آخرين, ونخص بالذكر جورج سوريل وفرانز فانون. ففي كتابه "تأملات في العنف" اعتبر جورج سوريل أنه يجب تحريك الجماهير وتفعيلها وذلك بترويج أفكار وأساطير سياسية من شأنها أن تثيرها وتعبئها. إن الجماهير عند سوريل تؤمن بالأساطير السياسية (على سبيل المثال, تحقيق المساواة المطلقة, تحقيق الوحدة العمالية على الصعيد العالمي…) أكثر مما تؤمن بالأفكار الواقعية. على أن الأساطير السياسية وإن كانت غير قابلة للتحقيق الكلي على مستوى الواقع, فهي تختزن بنظره "طاقة تفجيرية", ومن شأنها أن تقود الجماهير إلى الثورة ضد النظام القائم[8]. فجورج سوريل وإن كان متذبذبا في أفكاره ومواقفه السياسية فإنه اعتبر أن المجتمع البورجوازي متهاو ومتداع, وقد أبانت الطبقات البورجوازية عن عجزها وقصورها السياسي في المجالس البرلمانية والحكومية، وعن تفسخ قيمها[9]. فعن طريق العنف يمكن إحياء المجتمع من جديد وإيقاظه والنهوض به.
ويعد فرانز فانون من المفكرين القلائل الذين قاموا بتحليل عميق للمجتمع الكلونيالي في عقدي الخمسينات والستينات, موظفا مفاهيم مستوحاة من حقول معرفية مختلفة (الاقتصاد والتاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس).
يقول فرانز فانون في كتابه "المعذبون في الأرض": "إن العالم الكلونيالي عالم مقسم إلى مجتمعين: مجتمع المستعمرين ومجتمع المستعمرين, والحدود الفاصلة بينهما تتمثل في الجيش والشرطة. إن الناطق الرسمي للدولة الكولونيالية والذي يمثل الوسيط الوحيد بين المجتمعين هو رجل السلطة[10]".
في المجتمعات الرأسمالية تخفي الدولة حقيقتها الطبقية وراء ستار المؤسسات الاجتماعية التعليمية ووراء ستار إيديولوجيات ذات مسحة إنسانية. أما في المجتمع الكلونيالي، فتبدو الدولة مجردة من كل قناع على حقيقتها التامة, وكمجموعة من المؤسسات والأجهزة المهيأة للجوء إلى العنف المطلق في كل آن. وقام فانون بتشخيص الحالة النفسية للإنسان الذي يعيش تحت قهر الاستعمار وأبرز كل مظاهر الاغتراب والعذاب النفسي الذي يعانيه.
 إن الدولة الكلونيالية تخفي إنسانية الإنسان المقهور والمستعمر وتلجأ إلى شتى الوسائل لإهانته واستعباده وبالتالي فلا يمكن القضاء على هذه الدولة إلا عن طريق العنف. إن الوسيلة الوحيدة التي تبقى لدى الإنسان المستعبد لاسترجاع ذاته وحريته هي العنف. إنه عنف مطلق ضد استعمار مطلق. لذا يمكن القول أن العنف يعيد الحياة إلى الإنسان المقهور ويوقظه من سباته العميق ويكشف له عن إنسانيته التي طمسها المستعمر. وأمام مأساة العنف، ولاإنسانيَّته، وعبثيته، تبين عدم جدواه ، بدافع الواقعية إن لم يكن بدافع الحكمة، لأننا نستدعي بداهة اللاعنف.
4-    اللاعنف والقانون:
" إن اللاعنف هو أعظم القوى في خدمة النوع البشري، انه أقوى من أشد أسلحة التخريب التي ابتدعتها عبقرية الإنسان"[11].
ان اللاعنف بماهو قوة الحق هو الذي يؤسس الوجود السياسي وليس العنف اذ يرى غاندي:" العنف هو دوما عنف، وأنه رذيلة، وأن العنف هو القانون الذي يحكم النوع الحيواني بينما اللاعنف هو الذي يحكم النوع الإنساني". ان الشرط الأول للاعنف هو العدالة في كل أبعاد الحياة والمساواة والايمان بالتقدم ونبذ الملكية الخاصة المشطة والتحرر من الخوف وممارسة عقيدة الحب لأن القانون السامي للحب هو ليس حب من يحبنا بل حب من يكرهنا.          
  يتبين أن الحق هو نقيض العنف؛ إذ أن الأول يمارس بإرادة الأفراد ويضمن لهم حرياتهم المشروعة، في حين أن الثاني يمارس ضد إرادتهم ويصادر لهم حرياتهم. فإذا كان الأمر كذلك، فهل يمكن البحث عن مشروعية لممارسة الدولة العنف ضد الأفراد ؟ ألا يتعارض العنف في هذه الحالة مع الحق والقانون؟
يذهب كثير من المنظرين في فلسفة القانون الذين ينتمون إلى المدرسة الوضعية إلى أن العنف لا يرتبط بالضرورة بالعمل السياسي بل يخضع لضوابط قانونية في غاية من التحديد والدقة. فهانس كلسن  يرى أن الدولة تتماهى مع نظامها القانوني. إن النظام القانوني عند كلسن يحدد طبيعة السلطة وهوية الشعب ويحدد القيم السياسية كما يحدد العنف الشرعي الذي يجوز للدولة أن تلجأ إليه إذا اقتضت الضرورة ذلك. فالقانون ينظم مجال الحرية ويقيد اللجوء إلى العنف بشروط متعددة.[12]
 وبالتالي فالعنف لا يمثل ظاهرة يستحيل التحكم فيها وضبطها. ويرى هانز كيلسن أن" الحق نسبي بنسبية المبادئ التي يرتكز عليها، وأنه لا وجود لحق خارج إطار القانون المتجسد في المؤسسات القضائية والتنفيذية التي تفرضه في الواقع". بيد أنه حينما نتحدث عن جمع الدولة بين الحق والعنف، فإننا نثير بالضرورة إشكالية العلاقة بين الدولة كأجهزة ومؤسسات تنظم للمجتمع، وبين الأفراد الخاضعين لقوانينها. فإذا انبنت هذه العلاقة على احترام المبادئ الأخلاقية المتعارف عليها والقوانين المتعاقد عليها، فإن ممارسة الدولة تكون في هذه الحالة ممارسة مشروعة تجعلنا نتحدث عن دولة الحق، أما إذا كانت هذه العلاقة مبنية على أسس غير أخلاقية وغير قانونية، فإنها ستكون مؤسسة على القوة والعنف وهاضمة للحقوق والحريات الفردية والجماعية. على هذا النحو  ينبغي التمييز بين ما هو مشروع légitime) ) يستهدف إحلال العدل والحق، ومن ثمة فهو يشير إلى ما ينبغي أن يكون. أما ما هو شرعي (légal) فيعني ما هو عادل بالنظر إلى النصوص المتوافق عليها، ومن ثمة فهو يشير إلى ما هو واقعي وفعلي. والنظام السياسي يمكن أن يكون شرعيا وفي نفس الوقت غير مشروع أي لا يحترم القوانين الموجودة في نصوص الدستور الذي اتخذه كسند قانوني في حكمه وتنظيمه للعلاقات بين الأفراد.

خاتمة:
"الموقف الذي يجب أن نتخذه هو التعلم بلا ملل بالنسبة الى أنفسنا والتعليم بلا كلل بالنسبة الى الآخرين"[13]
يمكن القول من خلال هذه التحديدات المختلفة بأن الحق هو مجموع القواعد والمعايير المحددة والمقبولة من طرف الأفراد من أجل إدارة العلاقات الاجتماعية والتي تعمل الدولة على احترامها وفرضها بواسطة العقاب والجزاء. إن هذا التحديد يجعل من قاعدة الحق "أفضل من أي قاعدة فردية" مثلما يذهب إلى ذلك أرسطو، لأنها وظفت للمصلحة العامة والخير المشترك.
ليس هناك، إذن، مجتمع دون حقوق، وإذا كان اليونانيون قد أنتجوا النظرية الكلاسيكية للحق الطبيعي، فإن كل المجتمعات، دون إن تبلغ إلى مثل هذا التمييز الإغريقي الدقيق للحق، لها حقوق، لأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش دون حق، ودون تحكم يهدف إلى معالجة الصراعات. إذ يجب أن يحل الحق محل علاقات القوة والعنف التي تهدد بقاء كل فرد، فالفوضى هي أكبر الأخطاء التي تهدد الإنسان.
ان  دولة الحق حسب جاكلين روس هي ممارسة معقلنة لسلطة الدولة، يخضع فيها الحق والقانون إلى مبدأ احترام الشخص البشري وضمان كرامته الإنسانية وذلك ضد كل أنواع العنف والقوة والتخويف التي قد يتعرض لها. إن الفرد في دولة الحق هو قيمة عليا ومعيار أسمى لصياغة القوانين والتشريعات التي تمنع كل أنواع الاستعباد والاضطهاد التي قد يتعرض لها.
في إطار نقده للحداثة في بعدها السياسي قد ركز ألان تورين على البحث في طبيعة وأسس السلطة السياسية موظفا عدة مفاهيمية قوامها الديمقراطية والحرية والمواطنة وحقوق الإنسان، وذلك بالنظر إليها كمبادئ ومعايير للتمييز بين أنواع من الدول وأشكال ممارستها للسلطة السياسية. في هذا السياق دافع على النموذج الديمقراطي الذي يتمثل في احترام السلطة السياسية للحقوق الإنسان في أبعادها المدنية والثقافية والاجتماعية. ومن ثمة تتجلى مركزية فكرة حقوق الإنسان في الدولة الديمقراطية والتي تهدف ضرب السلطة التقليدية والاحتماء من نموذج السلطة السياسية الحديثة التي تضيق المجال المعرضة والمبادرة.
ترى حنة أرندت أن السياسة يصعب تحديدها أنطولوجيا لأنها ليست كامنة في ذات الإنسان كما ظن ذلك أرسطو, بل تتجلى في العلاقات بين الناس وتتموضع في فضاء خارج الإنسان-الفرد. إن السياسة بحكم أنها نظام من العلاقات, فإنها ترتقي باختلاف البشر وتمايزهم, وبالاعتراف بتساوي البشر رغم اختلافهم, وكل تغييب للاختلاف والتمايز يقود حتما إلى تفقير السياسة وانحدارها[14].
وكثيرا ما تقترن السياسة عند المفكرين بالسيطرة والغلبة والعنف, على أن هذه النظرة السلبية للسياسة هي ناتجة عن "أحكام مسبقة" وهي مرتبطة بالوضع المأزوم للإنسانية[15]. على أن هذا الوضع ليس قدرا محتوما على الإنسانية ولا يمكن على أساسه استخلاص ماهية السياسة. وبالفعل عرفت الإنسانية أوضاعا سليمة نسبيا في عصور قديمة وفي عصر الثورات الليبرالية والاشتراكية, وحينذاك برزت السياسة في معناها الحقيقي (أي, التحاور والتواصل والتداول). كما أن النظرة السلبية تجاه السياسة دفعت بالبعض إلى التفكير في إسناد السلطة للبيروقراطية لتفادي شخصانية الحكم وعسفه. على أن البيروقراطية قد تتحول إلى أخطر حكم سياسي على الإطلاق, لأن السلطة فيها "مجهولة وغير مرئية".
وترى حنة أراندت عند تحليلها للنظم الكليانية, أن العنف يتعارض جوهريا مع السياسة بل يقصيها ويغيبها تماما لكونه يرتبط بأفعال غير سياسية في عمقها كالتحايل والضبط أو التطويع الاجتماعي والتخدير الإيديولوجي. فتذهب في كتابها في العنف إلى القول: "إن السلطة والعنف يتعارضان: فحين يحكم أحدهما حكما مطلقا يكون الآخر غائبا. ويظهر العنف لما تكون السلطة مهددة. لكنه إن ترك على سجيته سينتهي الأمر باختفاء السلطة"[16].
إن العنف لا يمثل إلا مسلكا من المسالك التي تلجأ إليها السلطة, وهي لما تقوم بذلك تحاول تبريره. إن الأفعال السياسية الحقيقية لا تحتاج إلى تبرير، أما العنف فيوجب في أغلب الأحيان التبرير. وتقول في هذا السياق: "لا يمكن للعنف أن ينحدر من نقيضه الذي هو السلطة، وأنه يتعين علينا، لكي نفهم العنف على حقيقته أن نتفحص جذوره وطبيعته"[17]. وتماشيا مع منهجها الفنومينولوجي ترى هذه الفيلسوفة أن العنف يعبر في كثير من الأحيان عن مشاعر لا ترتبط بالضرورة بالسياسة: كالخوف من الموت والفناء، والبحث عن الخلود عن طريق استمرارية الجماعة. ويظهر العنف المضاد للسلطة عند غياب الحرية. فالحرية تعني "القدرة على الفعل" أو "القدرة على التأثير".
لكن يبقى لنا سؤال عالق وهو الآتي: هل تمكنت الفلسفة السياسية من الكشف عن حقيقة العنف وماهيته والإحاطة به كمفهوم وكظاهرة اجتماعية متميزة ومتفردة؟ تصعب الإجابة عن هذا السؤال بصفة قطعية. من الواضح أن حنة أرندت ترى أن العنف ، كمفهوم وكظاهرة ، لم يجلب اهتمام الفلسفة السياسية بصفة رئيسية حيث إنها لم تسع إلى استجلاء معانيه ودلالاته ، بل ما كان يهمها هو مدى تأثير العنف على الإنسان والمجتمع، وكيف يمكن احتواؤه أو توظيفه. على أن هذا التساؤل الذي طرحته على نفسها واصطدمت به وأرق مضجعها هو الآتي : كيف يمكن تفسير العنف لما يصل إلى أقصاه ، إلى حدود غير متوقعة، ويتحول إلى ما أسمته بالشر الراديكالي أو الشر المحض ؟ كيف يمكن تفسير الإبادة والتقتيل الجماعي باسم الدفاع عن حقوق الإنسان والمطالبة بسيادة الأوطان ومناهضة الامبريالية؟

المراجع:
المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة،د.عبد المنعم الحفني، مكتبة مدبولي، الطبعة الثالثة،2000
حنة أراندت, في العنف, ترجمة إبراهيم العريس, دار الساقي, 1992
ماو تسي تونغ، المؤلفات المختارة، المجلد الثالث. دار النشر بالغات الأجنبية، بيكين 1967
غاندي، كل الناس أخوة، ترجمة يونس شاهين، دار الكاتب العربي، القاهرة 1969،
نيقولو مكيافيللي، الأميرـ ترجمة خيري حماد، منشورات دار الآفاق الجددة بيروت، الطبعة12 ، 1985
 

George Sorel, Réflexions sur la violence, Seuil, 1990
Frantz Fanon, Les Damnés de la terre, Maspero, 1968
Engels, Théorie de la violence, UGE, 1972,
Hannah ARENDT , qu’est ce que la politique?, Seuil, 1995
Max weber, le savant et  le politique, 10-18, Editions Librairie Plon 1959
Shlomo Sand, L’illusion du politique. Georges Sorel et le débat intellectuel en 1900, La découverte, 1985.
THOMAS FLEINER-GERSTER, Théorie Générale de l’Etat, PUF, 1986
 [1] Max weber, le savant et  le politique, 10-18, Editions Librairie Plon 1959, pp101
[2] Max weber, le savant et  le politique, 10-18, Editions Librairie Plon 1959, pp108

[3]  نيقولو مكيافيللي، الأميرـ ترجمة خيري حماد، منشورات دار الآفاق الجددة بيروت، الطبعة12 ، 1985 ، ص142
[4] Max weber, le savant et  le politique, 10-18, Editions Librairie Plon 1959
[5] ARENDT, HANNAH, Qu’est ce que la politique, Seuil, 1995.
المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة،د.عبد المنعم الحفني، مكتبة مدبولي، الطبعة الثالثة،2000[6]
[7] Engels, Théorie de la violence, UGE, 1972, pp30
[8] George Sorel, Réflexions sur la violence, Seuil, 1990, pp80
[9] Shlomo Sand, L’illusion du politique. Georges Sorel et le débat intellectuel en 1900, La découverte, 1985.
[10] Frantz Fanon, Les Damnés de la terre, Maspero, 1968, pp05

[11]  غاندي، كل الناس أخوة، ترجمة يونس شاهين، دار الكاتب العربي، القاهرة 1969، ص154
[12] THOMAS FLEINER-GERSTER, Théorie Générale de l’Etat, PUF, 1986, pp145

[13]  ماو تسي تونغ، المؤلفات المختارة، المجلد الثالث. دار النشر بالغات الأجنبية، بيكين 1967
[14] Hannah ARENDT , qu’est ce que la politique?, Seuil, 1995, p31
[15] Hannah ARENDT , qu’est ce que la politique?, Seuil, 1995, p35

 [16]  حنة أراندت, في العنف, ترجمة إبراهيم العريس, دار الساقي, 1992, ص40.
[17]  حنة أراندت, في العنف, ترجمة إبراهيم العريس, دار الساقي, 1992, ص51.

CONVERSATION

0 comments: