قررتُ ، رغم إستثنائية ظرفي الراهن ، أنْ أجازف بخوض تجربة أخرى لها مزاياها الخاصة وطابعها الخاص ومذاقها المغاير . كتاب الفنان بولص آدم خليط ما بين قصائد النثر الشعري ومجموعة أقاصيص وخواطر منها القصير جداً [ الصفحات 33 ، 41 ، 65 ] . أعترف أني أواجه صعوبات في الكتابة عن أمثال هذا الكتاب أساسها في الأصل معاناتي من صعوبة الإنتقال من جو شعري لأخر سردي علماً أنهما يمثلان نسيجاً فنياً ونفسانياً واحداً وطبيعة واحدة هي طبيعة الكاتب ـ الفنان نفسه ولقد وجدتها طبيعة متجانسة متماسكة قوية سليمة التركيب والبناء . كان السيد بولص ساحراً في سخريته ذكياً في إلتقاط شوارد الحياة وخطفات الشاذ منها شديد التعلّق بجذور ماضيه وأحداث طفولته وصباه ثم خوضه الحرب التي تورط النظام السابق في إشعالها فاحترق الأخضر واليابس . يبدوكلامه كأنه هذيان أحلام أو وساوس إنسان محموم يعاني من إرتفاع درجة حرارة جسده ـ كما قد يخال قرّاؤه ـ لكنه ضربات فؤوس مُحكمة في الأمكنة الصحيحة التي يختارها بدقة ويتحكم في نتائجها ولا يتركها لأقدارها لكأنمّا هو صانع هذه الأقدار ولا من عَجب ، فإنه هو الكاتب والممثل والمخرج حامل عدسة التصوير. لم تفارقه السينما ولم يفارقه المسرح في أغلب ما كتب من نثر شعري وأقصوصات وخواطر فطبيعته وثقافته وتأهيله هناك حيث عالم المسرح والسينما . شخصيات قصصه وباقي كتاباته ليست سويّة في طبعها وسلوكها أو تكويناتها الجسدية فهي مشوّهة بشكل ما تذكّرنا بأحدب نوتردام أو أسوأ . داحوس البرغوث مثلاً ( قصة حلاقة داخلية / الصفحة 57 ) والخال أوشانا رمّو ( قصيدة أوشانا رمّو / الصفحة 51 ) . للسيد بولص قدرة متميزة على تذكّر وتوظيف عبارات وأسماء وظواهر يلتقطها بحاسّة خاصّة هي إحدى مكونات شخصيته بل وواحدة من مواهبه الطبيعية إنتقلت جيناتها له من أسلافه [ قصائد البغل ، لحم العنزة ، الحصان القرمزي ، مخاط الشيطان ، البغل ، كعب الخنثى ] . إنه ظريف لطيف وحاد السخرية من الحياة والقدر وبعض الشخصيات المتجبّرة التي عاصرها أو خالطها أو تعرّفَ عليها أو عانى ما عانى منها لذا أفرد مساحات ليست قليلة للحروب التي أشعلها صدام حسين فانخرط فيها أو في بعضها جندياً مقاتلاً . أمضي في قراءاتي لمحتويات هذا الكتاب فأخرج برأي مفاده أنَّ نصوصه جميعاً عبارة عن سياحات الماشي في نومه ... إختلاطات ... كل شيء مُختلط بغيره وثمّة تشويشات فلا شيء إلاّ الفوضى في الحياة حيث لا من قدرة للإنسان على التحكّم بمصيره وما يجري حوله من أحداث وحوادث . الإنسان قشّة طارئة على الوجود الكوني لا مكانَ حقيقياً لها على أرض ليست له . يتذكر بولص الأماكن كخطفات حلم وومضات برق خاطف سريع العبور. إنه يمزج ما يكتب باللقطات السينمائية وإحداثي الزمن لديه ذو ممرين مختلفي الإتجاه يتبادلان المكان جيئةً وذهابا مما يوفر له إمكانيات مرنة غير محدودة للتذكّر وتخطّي حواجز الزمكان وخلط الماضي بالحاضر ولكنْ ليس في بؤرة واحدة ضيّقة محدودة في عدسة جهاز التصوير فالبؤر كثيرة مُشتتة مثل عيون الجرادة توفّر له آليات منوّعة لتنفيذ إنتقالات سريعة رشيقة من لقطة لأخرى ومن مكان لآخر ومن زمان لغيره ومن مشهد لنقيضه هي باختصار انتقالات عدسة مُخرج سينمائي .
سوداوية بولص / فنّان البُعدين
(( في حياتي ... تغلّبت الوقائع المُحزنة على الوقائع السارّة عدداً ، بل كانت الفجيعة بالذات حاضرة دائماً / الصفحة 13 من كتاب ضراوة الحياة اللا مُتوقعة )) .
سوداوية بولص آدم سوداوية ضاحكة ساخرة مسافرة أبداً لا أرض لها عائمة في إختلاط زمنيّ الماضي والحاضر فقط . إنه فنّان البعدين الزمانيين لا يرى بعداً ثالثاً إسمه الزمن القادم أو المستقبل .لقد عبّرَ الشاعر بشارة الخوري [ الأخطل الصغير ] عن هذه الظاهرة بقوله :
لم يكنْ لي غدٌ فأفرغتُ كأسي ثم حطمّتها على شفتيا
أعتقد لو أنَّ الشاعر ـ القاص ـ الفنان والممثل تمدد في هذا البعد الثالث لخفّت حدة سوداويته الكتابية والنفسية ولغدا اللون أقل سواداً وربما لتحول إلى اللون الرمادي الذي إختصه بالذكر بقوله ( العالم رمادي وهو يدنو من كارثة مُقبلة عند النجاة من كارثة حصلت بالأمس / الصفحة 13 ) . إنه إنسان الطيف اللوني الثابت . لم أجد فيما كتب بولص الكثير من الحديث عن المستقبل أو الغد ولهذا الأمر دلالات عميقة خطيرة النتائج منها فقدان الأمل بالمستقبل ولهذا أسبابه يعرفها العراقيون الذين أُجبروا على ترك العراق لأسباب كثيرة . ومنها الرغبة في النكوص الطفولي إلى رحم الأم أو التربة الأولى حيث وُلدَ الإنسان ونشأ وترعرع وحيث الأمان الأول والثبات والتشبث بالأم والأرض . ومنها إصرار المرء على المحافظة على ماضيه وحاضره ولا شيء غير ذلك فهما مضمونان ملموسان عاش الماضي وما زال يعايش الحاضر وبعد ذلك فليأتِ طُوفان نوح . جرّب يا بولص أنْ تحيا المستقبل سنجدك قد تغيّرتَ وشرعتَ تكتب شعراً آخر مغايراً لما نشرت اليوم وستتكلم عن الأم والزوجة الأصدقاء كلاماً آخر .
تستوقفني مقاطع معينة في قصائد وأقاصيص كتاب بولص من قبيل ( قصيدة جرد الأزمنة في نصوص واقعيتي الوحشية / الصفحة 5 ) :
سعادتي تقليب السواكن وترميم قناعاتي لكي لا أفنى فيحقق
الظلامُ استباحتي
وتتمنى أمّي نجاتي
وأتمنى لها ثانيةً لقائي
في الحربِ وأوهامِ السلامِ
أيام حشو مخاريط الفجر بالبارود
أكبرُ في دار حضانة الخراب
وأسجّلُ تلميذاً في إبتدائية الموت تحت سبورات
تعلوها صورة مُحمّضة في استوديو بابل .
نواجه هنا أجواء الحرب صورها بولص بلقطات بارعة منوّعة مختلفة الزوايا متغيّرة الكثافة ظلاّ وضوءاً . الظلام والأم وأمنية في لقاء ثانٍ . هي الحربُ إذاً وبارود المسدسات والرشاشات وربما قذائف المدافع بعيدة المدى . ينتقل من حرب واقعة متورط رغم أنفه فيها ... ينتقل منها راجعاً لأيام طفولته السعيدة والبريئة زمان المدارس الإبتدائية والسبورات السود نكتب عليها بالطباشير الأبيض . أما الصورة فلا يخالجني أدنى شك أنها صورة مجرم الحروب صدام حسين وكان منها الكثير معروضاً في واجهة ستوديو بابل في شارع الرشيد أوائل سبعينيات القرن الماضي . لا يكتب بولص جُمَلاً مباشرة المعنى مستقيمة الإتجاهات إنما يتبع الأسلوب الإيحائي غير المباشر مع الرمز والإشارة الذكية المركّزة بدهاء فنان سينمائي يضعُ أمامي قصائد بودلير وآلياته الخاصة في كتابة أشعاره . لم يذكر إسم صدام ولم يقل إنَّ صورته معلقة في استوديو بابل بل كان ساخراً وبليغاً في سخريته إذْ وظّف كلمة أخرى غير [ مُعلّقة ] قال بدلاً منها [ مُحمّضة ] وهذه تحتمل وجهين الأول المعنى المباشر فكل صورة لا بدَّ من تغطيس لوحها الزجاجي الموجب في سائل كيميائي خاص حامضي الطبيعة لتوضيح الصورة وظهورها للعين مرئيةً . ثم [ محمّضة ] تعني القريبة من التفسخ والتعفن أو أنها حالت وتبدّلت فتعفّن صدام حسين ودنا من حافة البلى .
الفنان والكاتب المتغرّب شديد التعلق بأهله وأقاربه وأصدقائه وحين فارقهم لم يجد مَنْ يتعلقه إلاّ قرينته لودميلا [ الصفحة 111 ] . أهدى كتابه إلى والدته بكلمتين حسبُ ( إلى والدتي ) ، ثم أهدى قصيدة الجوقة إلى ( الصديق الراحل إنتحاراً سالم إيشو ) ، وأهدى إحدى قصائده إلى عمّه إيليا ، وأهدى أخرى إلى أخيه مازن إيشو آدم .
بولص والحرب
أكادُ أقول إنَّ كتاب الفنان بولص آدم أساساً مُكرّس لموضوع الحرب وما عانى منها وما تمخّض عنها من نتائج مأساوية عليه وعائلته وبقية الشعب العراقي . لا تخلو صفحة واحدة من صفحات كتابه من ذكر الحرب إلاّ نادراً . ولقد أكثر من تردادها خاصة في قصيدة ( ضراوة الحياة اللامُتوقعة / الصفحة 75 ) التي أهداها إلى أخيه مازن إيشو آدم . ذكر بولص كلمة " حرب " في هذه القصيدة 14 مرة وهي قصيدة من صفحتين فقط . وذكر الحرب في قصيدة ( كعب الأنثى / الصفحة 81 ) ست مرات موزّعة على صفحة واحدة ونصف لا غير . فهل لذلك من دلالة أو أنَّ ذكر الحرب جاء هكذا من باب الإستطراد وملء فراغات وعن بطر يعاني منه الكاتب ؟ كلاّ بالطبع . إنه شارك مُرغماً في حروب صدام حسين مع جيران العراق غزواً أو إحتلالاً . لم يُسرف السيد بولص في عرض صور المعارك وما كان يجري في سوح الحرب من قصف وقتل وحرق وسبي ونهب ودمار لكنه إلتزم أسلوب الإشارة والرمز والسخرية اللاذعة من صدام حسين وأمثاله وحروب صدام من قبيل ما كتب في قصة ( البغل / الصفحة 31 ) وقصة ( الرئيس والحذاء / الصفحة 32 ) . كتب في قصيدة ( كعب الخنثى / الصفحة 81 ) ما يلي { نامت الحربُ فوقنا / دجاجة بركانية العين / وعند إكتمال الوقت تفقّسنا حروب جديدة } . وفي قصيدة ( هدوء في هدوء / الصفحة 67 ) إشارة قوية طافحة بالمرارة والسخرية من عبثية حروب صدام التي لم تجلب للعراق إلاّ الدمار والخراب والثبور حتى أحاله لما هو فيه اليوم وتشرّد أبناؤه في شتى أصقاع العالم وكان بولص آدم واحداً منهم حيث يقيم اليوم في إحدى المدن النمساوية . حين تطفح رئة المرء وتتوالى على رأسه مصائب زمانه يغدو ساخراً مُنكّتاً بارعاً يضحك على نفسه وعلى الآخرين مستخدماً ألفاظاً سوقية تُضحك حتى الحجر وبولص هو سيد ومخرج أفلام مآسي العراق وناس العراق وأهله وذويه في إحدى قرى الآشوريين الكلدان في نينوى [ الموصل ] . إحدى آيات تجلّي هذه الظاهرة الشديدة السخرية من النفس والناس والزمان توظيف بولص لبعض أعضاء جسم الإنسان التي لها خصائص جنسية يقتصد الناس عادة في إستخدامها إلاّ في أضيق الحدود . أخصُّ بالذكر (( الخصية )) ! . ورد ذكرها في مواضع السخرية خمس مرات أمامي منها ثلاث جاءت في الصفحات 36 ، 67 و 81 . وقع إختياري على ما ورد في الصفحة 36 في مجرى حوار بين الجندي إسخريا يونادم ، الذي يتأهب للإلتحاق بوحدته العسكرية في إحدى جبهات الحرب ، وزوجه يونيا أوراهام . نصغي لهذا الحوار الطريف المشبع بروح السخرية وذكاء اللقطات :
[[ وهبط كفها على خصيته ! تعصرُ فبدأ يصرخ :
يونيا ... كفى أرجوكِ يااااااا يونيا ...
... لحم العنزة يُلزمه طبخٌ طويل . كانا على موعد في الحمام . لم يستحمّا بقدر ما ناما واقفين في الأحضان . ستقولُ للأولاد :
/ والدكم بحاجة لتلييف ظهره ]] . من قصة لحم العنزة . حوار دافئ بل ساخن سكسي / آيروسي بين رجل وامرأته يتأهب لمغادرتها متوجهاً صوب جبهات القتال ولا أحد يستطيع التكهن أيعود لأهله من الجبهة سالماً أم أنه سيقضي نحبه هناك ولا يجد قبراً ولا أحداً يواريه الثرى .
شاوول وبولص
قصيدة " عودة شاوول " / الصفحة 83 .
قرأتُ هذه القصيدة مراراً ولم أهتدِ إلى معرفة سر وسبب إختيار الكاتب لهذه الشخصية التوراتية . ذكر فيها نينوى أربع مرّاتٍ ولم تكن لشاوول التوراتي أية علاقة بآشور وعاصمتهم نينوى . كان أحد قادة جيوش بني إسرائيل في فلسطين ولما خسر معركته مع بعض أعدائه إنتحر بأنْ أهوى على سيفه بجسده ففارق الحياة . فتّشت في التوراة عن شاوول لكنَّ وقتي لم يسمح لي أنْ أواصلَ البحث عنه وعن قصته لكي أسوق للقارئ خلاصتها وإستنتاج مغازيها . ومع ذلك ربما أستنتج مع باقي قرّاء هذه القصيدة أنَّ شاوول هذا هو الرمز التاريخي لصدام حسين ... لكنَّ هذا لم ينتحر مثل باقي الرجال بعد أنْ خسر مغامراته المتعددة بل وحوّل هزائمه المعروفة إلى نصر له ولحزبه كما تصرف بعد كارثة غزو الكويت وما حلّ بالعراق وبجيشه من دمار شامل جاء بعده الحصار الظالم . هل نقرأ شيئاً مما قال بولص في شاوول أو شاؤول ؟ حسناً ، نقرأ :
(( في ليلة البوق الأرعن
سمعتُ نفير الموت
يخرجُ من عيون الأشباح
ويغسل الديّوثُ القميءُ
عظام شاوول
يكسوها بلحم الشهداءِ
ويصبُّ من رئةِ الخوفِ
روحاً للسفّاحِ
يُطعمه رملاً أسودَ
ويمسحُ قلبه بخمرٍ أسودَ ... )) . ثم نقرأ في ختام القصيدة :
(( يا سيفي ، إلهي القدّوسِ
أنتَ عُدّتي ، لك سجودي وعهدي
أنا شاوول
لن تكونَ الأرضُ لأهل نينوى
ولا لمن إبنُ الإنسان هوى
بل لعبدكَ السفّاحِ أرضُ نينوى
لي وحدي أنا )) . أليس هذا صدام حسين ونينوى هي رمز للعراق كل العراق ؟ صدام نسخة مستنسخة من شاوول كما تذكر القصيدة ، وصدام هو المجنون المهووس بالقوة والسيف وجنون العظمة [[[ لن تكونَ الأرضُ لأهل نينوى بل لعبدك السفّاح أرضُ نينوى ]]] .
بعض خصائص هذه القصيدة
لاحظتُ في هذه القصيدة أمرين لا سابق لهما في باقي صفحات الكتاب . لمستُ فيها نَفَساً إيقاعيا عروضياً خفيفاً مُتوجِّساً يوحي أنَّ السيد بولص غيرُ ملمٍّ بعلم وأصول العروض وأحكام تفعيلاته . الأمر الثاني يختصُّ بميل الشاعر الواضح في هذه القصيدة إلى توظيف بعض القوافي للإفادة من التسجيع بالتقفية لضمان تطابق أصوات أواخر سطور القصيدة .
أمثلة :
[[ دِرعهُ الفتوى
وحله المطوى
لا يكلّمني إلاّ بغية المثوى ]] .
لا أجهدُ نفسي محاولاً فك رموز وطلاسم هذه الأقوال إذْ ليس فيها إلاّ التوظيف القصدي للقوافي وقد طغى هذا التوظيف حتى أنسانا محاولة فهم معاني هذه الأسطر القصيرة المركّزة . أواصل رحلتنا مع قوافي بولص الآشورية :
[[ جلالةَ السيفِ العظيمِ
أمهلني فُرصةً لتقليمِ النعيمِ
وطرد الأطفال من حقولِ الياسمينِ
ألاحقُ الزرعَ والضرعَ
والبشرَ والنفرَ والأرملة
القي اليتيمَ في المعصرة
والشيوخَ أحرق ألسنتهم في المبخرة
أقطع رؤوس المشاعل
وأفرّق بومض نصلك " الفلذ " من جسد الحوامل ]] .
هل هناك خطأ مطبعي في كتابة " الفلذ " ؟ ما معناها ؟
هذا هو نمط تسجيع بولص يبدو ساذجاً مُصطنعاً مُفتعلاً كأنه خطوات حذاء ( جزمة ) عسكري يوقعها بقوة العسكر وعنجهيته على شارع من الإسفلت أو المٌسفلت . يا سيد بولص ! لا تضيف القوافي ولا يضيف السجع مزايا إبداعية لشعرك فاترك فذلكاتها لسواك من الشعراء . يُخيل لي أنَّ في التقفية والتسجيع ميلاً في الشاعر للهرب من توتر الحالة الشعرية ـ النفسية فيخبئ بعض رأسه في أقرب حفرة متاحة له بحثاً عن الإسترخاء والراحة لفك توتره العصبي فيجد في القوافي ورتابة أصوات مطارق الصفّارين سلوةً ومتنفساً وأُلهية تنسيه توتره وشد الأعصاب . إنها لعبة أطفال ساذجة فاحذرها يا سيد بولص .
في الكتاب أقاصيص وحوارت طريفة ناجحة أتركها لغيري ليدرسها ويعرض خصوصياتها ومزاياها للقرّاء لأنها تستحق العناية ويستحق بولص كل الإحترام شاعراً وكاتباً وفناناً وعراقياً أصيلاً لم تنسه غربته قرى سهل نينوى ومهد أجداده الآشوريين .
إستدراك : جاءتني من الشاعر ـ الكاتب ـ الفنان السيد بولص آدم رسالتان يعرض فيهما وجهات نظره في بعض ما طرحتُ وناقشتُ من قضايا تخص كتابه ولا سيّما قصة قصيدة شاؤول ... أقتطف منهما أجزاء معينة لضرورتها ولأنها تُضيف معلومات أخرى لم تردْ في قراءتي لمحتويات كتابه أو لأنها تختلف عنها وعن تفسيراتي لها فشاؤول قصيدة بولص هو غير شاؤول بني إسرائيل وإنه ـ ربما ـ لم يقصد به الشبيه بصدام حسين علماً أني رأيته كذلك : صدام هو شاؤول بطل القصيدة إيّاها . شروح وتوضيحات العزيز بولص آدم كما يلي وكما كتبها هو أضعها بين أقواس مزدوجة . من رسالته الأولى :
[[
شاوول في النص هو شاؤول الطرسوسي في العهد الجديد وليس شاوول الفلسطيني المذكور في العهد القديم او التوراة .. كتب هذا النص
بعد الأفعال الأرهابية المجرمة ضد الأبرياء بسبب انتمائهم الديني ،
وكتب قبل سنوات ، ذلك النص يتماهى بموسيقاه مع موسيقى الديباجات
الضحلة والظلامية التي تلجأ الى التنغيم الساذج بنية استغفال العامة
، لعنة الله عليهم . واذن استخدمت ارتباكا
عروضيا ليس له صلة ببحر معين الا بالأيحاء والوسيلة سهلة هنا ،
اذ يكفي تكرار معين للأيحاء بذلك ، واشارتك بأن ذلك النص يبدو غريبا على اسلوبي في باقي نصوص الكتاب صحيحة ، لأنني قصدت
ذلك .. فاسلوبي لاعلاقة له بعالم الفراهيدي رغم انني احترم ذلك الأبداع
العظيم .. الا انه ليس ملائما لي وللكاتب نظرته وقراره في ذلك والجدل
حول ذلك كان وسيظل مسألة مهمة وجوهرية .. ارجو ان تطمئن من تلك الناحية ، فانا قد تركت تلك الشغلة للمشتغلين بها
ولي شغلة اخرى بالشغل مع اللغة في نصوصي النثرية شعرا وسردا ... اختياري لشاوول كان
بسبب ظهور تلك الشخصية في تلك الفترة في فلسطين ايام الأحتلال الروماني .. وذلك السفاح هونفسه القديس بولص لآحقا ..
اذكر هنا ملاحظة الفيلسوف ادورنو في اساليب فرض اللآمعقولية على الشكلانية
بمعقوليتها كقناع للأقصاء والألغاء وابادة الآخر بقتله ، وكأن ذلك ضروري جدا لرفعة الفضيلة !.. والأمثلة كثيرة وللأسف في بلاد سومر وبابل ونينوى .. والمستنصرية والكوفة ، والخ ..
لم اقصد صدام حسين في ذلك النص مع ان صدام ارهابي ايضا
يكفي ما كتبت عن جرائمه دون تسميته مباشرة اذ ابقيت الباب مفتوحا
للنسخ الكثيرة من الطغاة .. [[
وجاء في رسالته الثانية :
[[بالنسبة الى كلمة الفلذ فتعني الأولاد وفي النص هم الأجنة .
الفلذ اصلا هو كبد البعير ايضا وتلك نقطة لو حللناها لغويا باسلوب انثروبولوجي ، نعود الى استخدامات اعضاء من الحيوانات وانسنتها
للأيحاء بشئ لتوضيحه .. الكبد كان مهما للجسم كأهمية الجنين للأم
وكان ذلك الأستخدام جاريا في عهد الرسول الكريم محمد ( ص) .
بولس الرسول هو شاول او شاوول الطرسوسي والطرسوسي حرفيا هي الكتابة الصحيحة نسبة الى مدينة طرسوس في كليكية الواقعة في اسيا الصغرى اي تركيا اليوم ... يرد اول ذكر لشاوول في الأصحاح السابع
من اعمال الرسل في العدد ٥٩ في محاكمة اسطيفانوس ، حيث يخلع شهود الزور ثيابهم ويلقون بها عند قدم شاوول .. وفي الأصحاح الثاني
والعشرين من اعمال الرسل في العهد الجديد في خطبة بولس في اهل اورشليم ، قصة بولس اي شاول السابق كاملة وعلى لسانه وعن نفسه
تلك القصة موثقة في كتب التاريخ الروماني [[ .
المصدر
ضراوة الحياة اللامتوقعة . كتاب شعر وقص للفنان السيد بولص آدم . الناشر : الحضارة للنشر . القاهرة ، الطبعة الأولى 2010 .
0 comments:
إرسال تعليق