حنين ,, لقاء ,,, قرار/ ايمان حجازى

قصة قصيرة

عندما ذهبت الى مقر النقابة لسداد الإشتراكات السنوية , أخذتها خطواتها للصعود الى مقر النادى بالدور الثالث , مكانهما المعتاد , وظلت واقفة عند باب القاعة تنظر يمينا ويسارا , كأنها تبحث عن أحد , وتوجهت الى تلك التربيزة فى الركن بجوار النافذة وجلست عليها وعيونها سابحة فى بحر من خيالها , كانت تحس وجوده كأن روحه تفرش ضياءا على المكان ,كأن عبيره نقى الجو و عطره , وتساءلت فى زهول ترى أين أنت؟؟ , أين تكون الآن , مع من ؟؟ ... وفجأة لمحت شبحا يدخل من باب القاعة , ويتوجه إليها فور ان يراها , يقف بجواره ا ناظرا إليها مستغربا , لعله يسأل عماذا تفعل هنا ؟.. ومرت ثوانى وهو على وقوفه حتى رفعت وجهها بقبالة وجهه , فإلتقطتها عيناه الهادئتين الحبيبتين , فلم تتمالك نفسها وقفت ورمت بنفسها على صدره وظلت تبكى وجسدها يرتعش بشدة , فلم يستجب لها مباشرة وإنما ظل واقفا ينظر لمن حولهما من الحضور الذى وجهو العيون لهذا الموقف ,,, ولكن سرعان ما أحاطها بذراعيه وضمها الى صدره بشوق وحنان , وأجلسها وجلس بجوارها يهدأها , ,,, وبعد أن هأدت تماما وكف بكاؤها قامت بهدوء ولملمت حاجياتها ونفسها وتركته ينظر إليها , ويسأل عما جرى , مشت ولم تنظر إليه , فخاطبها أن تنتظر ولكنها بدت كأنها لم تسمع , وترجلت بدون وعى على السلم رغم أن المصعد كان موجودا , ولم تجب نداء العامل , إتفضلى يا أستاذة , وعندما حضر ولم يجدها إستقل هو المصعد ولحق بها فى بهو المبنى تسير على غير هدى , فسار بجوارها حتى بالقرب من سيارته ولما وجد أنها لا تتبعه أخذها من يدها و أجلسها فى السيارة وإنطلق فى طريق الكورنيش , ثم وقف , وظل ينظر إليها وعندما إمتدت يده تلامس يدها رمقته بنظرة حاسمة خالية من أى تعبير للحب , وكأنها كانت مغمى عليها وفاقت فجأة , فكف يده , ونزل من السيارة وسار حتى وقف قبالة النيل ينظر إليه ويسأل نفسه , لماذا تفعل معى هذا ؟ لماذا تأتى الى مكان لقاءنا ؟ وما حدث هناك و إرتمائها بين يدى ... ما هذا ؟ ماذا تريد ؟؟ أكيد أنها تنوى شىء .. ولكن ماهو ؟ أنا أخبرتها منذ البداية أنا لا أستطيع هدم بيتى , غير مستعد لهجر زوجتى برغم عيوبها وفتورها ,,, من أجل أبنائى وتقاليد أسرتى , كيف أواجه أبى وأمى بأننى و أنا فى هذه السن أحب وأريد أن أتزوج ... الآن أعود الى السيارة , لن أضعف أمام نظرات عينيها , لن أترك عينى تلاقى عينيها , وإلا لو فعلت , لو نظرت إليها ووجدت عيونها رائعة الجمال تبكى وتستجدى عواطفى سأقبل الأرض بين قدميها ,, لالالالا ,,,
لا يجب أن أفعل ذلك , يجب على أن أتماسك , لا أستطيع التضحية بكل ما حققته فى حياتى , ولا يمكن أن أجازف بغضب والد زوجتى على , هى من يجب عليها الإستجابة , فهى لن تضحى بشىء ,,, على العكس سوف أتزوجها وهى تحبنى , وسوف أطلبها من أهلها , فماذا يضيرها إن علم العالم بزواجنا أم لم يعلم ؟؟؟ حقيق أننى منذ أن تعرفت عليها و هى تجذبنى إليها بميثالياتها وحبها للنقاء والوضوح , كانت دائما تشبه عندى الوردة البيضاء شديدة الصفاء , الوردة التى لم تمتد إليها يد العبث,, التى يشفق عليها أى شخص
يحاول إيذائها من مجرد الفكرة فهى بريئة نقية صافية ,, وحتى أنا طوال سنوات معرفتنا وصداقتنا وحتى حال حبنا لم أتجرأ على أن ألمسها رغم رغبتى الشديدة فى أخذها بين ذراعى ,,فكم أشتاق إليها , كم أود أن أولد بين يديها وأن أحيى معها ما ضاع من عمرى , وأن أعوض بها ما قاسيته , وكم أريدها أن تنسينى سنوات حرمان طويلة قضيتها مع زوجتى التى تعاملنى بفتور و كأننى لا أعنيها , ولم تكترث يوما لما أريد , فهى دائمة البرود متعالية متأففة وكأنها لم ترد يوما الزواج بى , حقيق أنها سيدة طيبة وربة منزل حقيقية و سيدة مجتمع وسيدة أعمال ايضا وأم رائعة ولكنها ليست إمراة , أحيانا كثيرة عندما أنظر إليها يخيل الى أن لها شنبا ينمو فوق شفايفها الباردة المالحة , لم أشعر بالدفىء يوما وهى بين يدى , على العكس فكنت وسط وهج اللقاء أحس ببرد وأحيانا كثيرا أستشعر الصقيع يهل على من كل جانب حتى يشل حركتى فسرعان ما أتركها لأتدثر وأدفىء نفسى بعيدا عنها , لا أنكر أنها لم تكن هكذا سنوات زواجنا الأوائل ولكن عندما بدأت تنخرط فى عالم الأعمال فقدت أنوثتها وعذوبتها ,, الخطأ خطئى أنا , كان لزاما على الا أدعها تفعل .. لو كنت إعترضت آن ذاك لكانت رضخت ووافقت ,, وإلا كان أمامى الكثير لأفعله بدونها , فربما كنت تركتها وبحثت عن حب يحتوينى ,وأمراة تلفنى بحنانها , فأنا لا أريد من المرأة إلا أن تكون عطوف حنون دافئة ناعمة تحتوى أيامى وتسهر تغنى لأحلامى ,حتى قابلتك يا ملاكى فأعدتى لى ما فات من أحاسيس و أيقظتى مشاعرى , أخرجتى برقتك المارد من قمقمه السحيق , وزرعت بذور حبك فى أرضى التى كادت أن تتصحر , و أظللتى سمائى بسحابك البيضاء , وأمطرتى على رزاز الهيام لتنمو معه شجيرات غرامك , نعم أنا أحبك , أهيم بك , أعشقك ,,,,
ودوت كلماته فى أذنه وكأنها تذكره بأنه لا يقدر أن يفعل شىء , لا يجب أن يقطع على نفسه عهدا , فلن يستطيع التنفيذ , فات آوان التنازل عما ينعم به مع زوجته وفى ظل عائلته وعائلتها , المصالح متشابكة وهو لم يستطيع مواجهة الجميع , الوحيدة التى يستطيع إقناعها هى , يجب أن يمارس سحره معها , يجب ألا يترك لها حرية التفكير , فعقد العزم على الرجوع إلى السيارة وأن خير و سيلة هى الهجوم , سوف يضمها الى صدره مباشرة ويحتويها ويطلب منها أن تتزوجه الآن , ولن ينتظر أن يذهب لبيتها , فليتزوجا أولا ثم يذهبا
الى بيت أهلها زوجين , فهى كبيره كفاية لتزويج نفسها , وهى أساسا مسئولة عن تصرفاتها , سوف لا يترك لها فرصة للكلام ولا حتى التفكير ,,, نعم سيهاجم ليحصل على فرصته فى الحب والحياة مع المرأة التى تمنى أن تكون بجواره منذ بداية حياته ,, وتوجه الى السيارة , وصدم صدمة كبيرة, وبدأ يكذب عينيه , أحقا هذا !!!؟ فهى ليست موجودة .. أين ذهبت ؟؟؟ بحث فى الأماكن المحيطة على طول الكورنيش ولم يجدها ... إنطلق بالسيارة يبحث فى كل مكان لم يجدها .

بينما هى , عندما تركها وترجل من السيارة , ترك فى قلبها وعقلها بركان نار ,تساءلت كثيرا لماذا أحبته كل هذا الحب ؟؟ ولماذا لا يشعر بحاجتها الى القرب منه ؟
لماذا لم يبادلها مشاعر ها بصدق ؟ لماذا يعاملها كلعبة ينوى وضعها على الرف لحين الإحتياج فيمد اليها يده , يتسلى بها و يسرى بها عن نفسه ويقضى منها وطره ثم  يرفعها على الرف مرة أخرى لحين يأتى به شوقه لها مرة أخرى ؟؟ لماذا هو أنانى الى هذه الدرجة ,,, أهذا هو الحب من وجهة نظره , يريدها أن تكون محظية , يالقسوة قلبه ,
ينزلها من عليائها ويطأ كبريائها لإرضاء ذاته وغرائزه , ويحتفظ لنفسه بعائلته وزوجته وأولاده وشكله الإجتماعى ولا يهتم لها , بماذا تعلل لأهلها رغبتها فى قبول الزواج من رجل أيا كان من هو سرا ؟ , كيف يقبل أبوها و أمها هذا الوضع ؟ وكيف تتعامل مع صديقاتها وأصدقائهم المشتركين , ماذا ستقول لهم , وكيف تتعامل معه أمامهم , هل كزوجة أم كصديقة , كيف ستدارى, هذه النظرات والكلمات البسيطة بين الأزواج التى لا تخفى على أحد ؟ كيف ستقدر ؟؟ كيف يغربها عنه إلى هذا الحد ... ثم هى , كيف ترضى لنفسها أن تكون أمراة فى الظل ؟ بماذا تحس وهى معه وبين يديه ؟؟ أستكون زوجة محبة عطوف ؟ أم ستكون عشيقة محظية !!! أم سترضى بأن تكون مجرد دمية ؟ هو لا يريد دمى .. فهو يريد الحياة , التفاعل الإنفعال , كيف ستعطيه ما يريد وهو لم يسمح لها بحقها الطبيعى , أن تكون زوجة أمام الجميع , تحت ضوء الشمس , ولكنها لم تعد تتحمل البعد عنه , فهى تحبه , تعشق النظر الى عينيه , تذوب من حديثه , تتلاشى وهى معه , وهى معه لم يبقى لها إلا وجوده ولا وجود لها إلا ضمن حدوده التى يفرضها , وكانت تؤمن بأنه لو عاد ووجدها
لإرتمت على صدره وليس مستبعد أن تطلب منه هى أن يأخذها بأى شكل يريده , ولذلك لابد ألا يعود ويجدها , لابد لها أن تحفظ كرامتها , أن تحتفظ بكبريائها , لابد لها أن ترحل عن حياته, أن ترحل بحياتها , أن تتمسك بحقها فى العلانية , لا , لا يجب أن يعود ويجدها ,, وظلت تكرر لابد أن أبعد , حتى على صوت الكلمة وغطت على ما دونها من الأصوات وإمتدت يدها تفتح باب السيارة وتنظر إليه واقفا أمام النيل , وتسمرت بالأرض ,, فقدم تريد الجرى عليه ,,, وأخرى تحبذ الذهاب بعيدا ... وعلا صوت العقل , البعد أسلم وأحفظ للكيان والكرامة ..
الحب وحده لا يكفى , الحب بدون كرامة تغذيه , بدون كبرياء يحميه , بدون شفافية وعلانية شمس تدفيه ,, مكتوب عليه الموت والفناء ,,وإن كان الموت قدرا فمن العار أن تموت جبانا ,, فأيضا اذا كان مقدر على حبها بالموت , فليكن بيدها وهى تمسك بزمام أمورها ,,, وتركته وأوقفت أول تاكسى مر عليها وإنطلق التاكسى وهى ترمقه بعيون دامعة حزينة لكنها محبة , عيون حبيبة خائب أملها ... ظلت تنظر اليه حتى غاب عن نظرها , ضاع منها , وضاعت منه , وضاع حبهما ,,, ربما لو ذهبت الآن أيها القارىء الى كورنيش المعادى بجوار الشجرة العتيقة التى ما زالت عاشقة للنيل تغرس جزورها فيه ,, ولا تقدر على فراقه فقد تجد حبهما مازال موجودا هناك, لقيط , يتيم بدون أب ولا أم ... طفل غير شرعى جاء للدنيا بغير حقوق وسيرحل منها بدون أن يترك بها ذكرى ,, مثل أى زرع شيطانى على ضفاف النيل , يتم التعامل معه بالإجتثاس من فوق الأرض و إلقائه إما للحيوانات أو للحرق والتخلص من نفاياته , ولكنه قد يكون مازال موجودا فعلا , حى يرزق ,,,ربما يوما ما تكتب له الحياة تحت أشعة الشمس المضيئة الدافئة وربما لا

CONVERSATION

0 comments: