آدم والشيطان/ عدنان الظاهر

(( إلى السيّدة عائشة الحطّاب مع فائق الشكر والتقدير ))

أتخيّلُ شيئاً يتراءى

في عَتمةِ ما خلفَ الأبوابِ

من فرط خداعِ الرؤيا / رؤيايْ

يدعوني سر ّاً ـ جهرا

( بئسَ الدعوى ... بئسَ الدعوى دعوايْ )

يتعالى مُختالاً بالسمتِ العالي

يا هذا ...

يا هذا المنفوخُ هواءً وهباءً منفوشا

مثلي ما عانيتَ وممّا غيري عانى

هبّني أُذناً علّكَ تفقه شيئاً مّما بي

شاركني بؤسي يوماً أو بعضا

المحنةُ يا هذا في رأسي

ماسٌ مغشوشٌ في أعلى قمّة رأسي

لا تجعلْهُ فأسا

لا تجعلني مَلِكاً في تاجٍ من قارٍ ورصاصٍ مصهورِ

دعني أتدّبرْ أمري

أمشي مقتولاً في نعشي

العصرُ يُخالفُ منظومةَ ألواني طيفاً طيفا

مَنْ يسمعُ صوتَ الشكوى ؟



وقتُكَ أم وقتي

صمتُكَ أو صمتي

صوتكَ في دقّات الساعةِ أم صوتي ؟

لا مِنْ فرقٍ في ذاكَ ولا في هذا

لا من فرقٍ دعنا

نتبادلْ حالاتِي حالاً حالا

ونُصفّي ميزانَ الدنيا وزناً وزنا

لا تجعلْ عنوانكَ عنواني !

أبعِدْ ...

ما بالكَ تُقحمُني قسرا

هذا شأنُكَ لا شاني

أفلا تخشى عاقبةَ الدنيا الآخرى ؟

كلاّ ... لا أخشى

يخشاها الأشقى والأعمى والأدنى والصرعى

يخشاها مَنْ كذّبَ واستكبرَ واستعلى ...

فكّرتُ مَليّا

فيما قال الشيطانُ وفي ما استعصى

لم أسمعْ إلاّ :

(( نحنُ روحانِ حللنا

بَدَنَ الحلاّج بؤسا )) .

في شكٍّ من أمري

في شكٍّ من أمرِ الشيطانِ

هل حقّا

روحان أحلاّ جسدا ؟

لا من أثرٍ يبقى

حين الشيطانُ يغيبُ

لا يتركُ آثاراً تنطقُ باللهجاتِ الفصحى ...

إحتجَّ الإبليسُ [ الساتانُ ] :

آثاري باقيةً تبقى

تتألّقُ جمعاً أو فردا

لا تيأسْ لا تَقْنُطْ

إنّي حاملُ أختامَ الكونِ

غصباً عنكَ وعنّي !



السيدة عائشة الحطّاب /

هذه قراءة السيدة الكاتبة عائشة الحطّاب لهذه القصيدة فلها مني الشكر والتقدير.



[[ أن أول ما يلفت النظر في هذا النص(آدم والشيطان ) هو التعبير الغريب المشاكس في لغة جديدة عذراء غائرة في النفس . غوابر الشوق توقظ ذاكرة القلب تقيم مفارقة حادة خاطفة بين الماضي والحاضر وتومض في هذه المفارقة أضواء بعيدة ، أيود أحدكم أن تكون له الجنة دون مقاصد الدروب .. هل أصاب الكلمات وهن وبات الإعصارٌ فيها نارًا فاحترقت .. لعل حقل حزن على شفتيك يمتلئ بالبروق بروح الإباء ترفض الهوان فتتوهج الرؤيا وتمطر أغنية فيعلو الغناء في سياق الشجن . هذا سياق تتحرر فيه الذات من كثافتها وتنعتق من شروطها (المحنةُ يا هذا في رأسي ) (لا تجعلني مَلِكاً في تاجٍ من قارٍ ورصاصٍ مصهورِ ) (مَنْ يسمعُ صوتَ الشكوى ؟ ) أعلنت الكلمات عصيانها هذا سياق متمرد حانق يُضمر أسىً غائرا في القلب ، وحرقة جارحة كالزجاج ، ينخر العظم لمن فيه رسيسٌ من الإحساس . مخاطبة الذات في زوايا الرؤيا اختلافٌ يضيقُ ويتسع تثور حينا وتهدأ حينا (فيما قال الشيطانُ وفي ما استعصى ) هذه هي قلاع الحياة أو جزرها المسحورة كيف نكف عن محاورة الحياة هذا هو الإحساس في لغة قادرة على أن تأخذنا من الحياة التي نعرفها ثم تعيدنا إليها . إن الميتافيزيقيا جزء جوهري من الوجود الإنساني ، وأن أسئلتها المحورية هي أسئلة الجنس البشري نحن أمام شاعر عاشق طوّحت به الغربة فنحن أمام فقد لاذع يمتدّ من الخارج إلى الداخل فتتماهى الذات

(حين الشيطانُ يغيبُ

لا يتركُ آثاراً تنطقُ باللهجاتِ الفصحى ...

إحتجَّ الإبليسُ [ الساتانُ ] :

آثاري باقيةً تبقى

فإذا وصلت ما انقطع من حديث لم يكد الشاعر يفرغ من مخاطبة الذات ورثائها ولعلنا ندرك الآن سرّ هذا الحزن الضرير ، من يحمل الصراخ من الحقيقة من ضوئها وهتافها وقد أبى إلا أن يفتح كوة في هذا الليل البهيم ليرى خيول النار في فضاء الحلم



إني حاملُ أختامَ الكونِ

غصباً عنكَ وعنّي !

لعله ختم سحري تتعذب الروح فيه لتبحث عن فتات غفلة متلفعة بأقحوان الحلم أين تتجه بوصلة الروح نحو مناراتها الغامضة ومن هو الذي يوجه القصيدة نحو مدار الحلم ؟

يخشاها الأشقى والأعمى والأدنى والصرعى

يخشاها مَنْ كذّبَ واستكبرَ واستعلى ...

الأشقى ، والأعمى ، كذب ، واستكبرا ، واستعلى. إذا أعدنا النظر في هذه الكلمات قليلا في مسلك الشاعر اللغوي لوجدنا في السطرين يقتبس من القرآن الكريم ، ويعيد صياغة ما اقتبس ، حيث دخل في سياق جديد للتعبير عن قضية جديدة متأنّيا لبيان التفاوت في نسج كل منها .

رأينا الروح التي غمرت النص ولم تحرّر الزمن من قيده . هذه لوحة نفسية حسية تصدر عن موقف نفسي رؤية عميقة .. أَوَليس هذا التأرجح بين السر والجهر ، وبين التصريح والتكنية ينتج هو الآخر دلالة مختلطة شبه غامضة أو دلالة حائرة ، أن الرؤية رؤية داخلية تقدم تصور الشاعر للحياة وللكون ومن حوله ]]

CONVERSATION

0 comments: