رحلة القطار/ نيفين ضياء الدين



(قصة قصيرة)

جلست داخل القطار,كانت تجلس علي مقعد قديم غير مريح من مقاعد الدرجة الثالثة ,كانت تتكأ بكامل جسدها علي يد المقعد وكأنها تحاول أن تلقي بهموم الماضي وحمول المستقبل علي هذا الكرسي الرث,أخذت الدموع تهطل وتنهمر من عينيها وكأنها الأمطار الموسمية الأسترالية,وكأن سيول وفيضانات العالم قد تعانقت في مقلتي عينيها,كانت تمسك بكتاب عتيق,كان مهترأ الأطراف تمامآ كحياتها المهترأه,بدأت تقلب في صفحاته,كانت تبحث عن جذور الماضي,عن مأساة الذات التي نسجتها بكلتا يديها,سقط الكتاب علي أرضية القطار,لم تحاول أن تنحني وتمسكه,راحت في غيبوبه كغيبوبة الأموات,نامت أم ذهبت روحها في ممات,كان ذلك لا يهم فحياتها كمماتها,بدأت ترى شريط حياتها مسطرآ أمامهاوبدأت ترى بذور جريمتها التي أقترفتها ليس فقط في حق ذاتها ولكن أيضآ في حق والديها,كانت طفلة مدللة ,مرفهة ,تأمر فتجاب,تسأل فتجد ما تشاء,إذا بكت يهتزلبكائها قلب والدها وكأن زلزالآ قد حط علي قلبة, وينفطر عليها قلب والدتها وينشق نصفين كثمرة الفاكهة أو كثوب القماش,كانت طفلة مدللة يسعي لإرضائها والديها.شبت هذة الطفلة علي الدلال والترف ونمت فيها نرجسية الغرور,كانت إهتماماتها كشابة تنحصر في وضع كافة أنواع مساحيق التجميل علي وجهِها وفي تصفيف شعرها وعمل المانيكير والبادكير وإتباع أخر صيحات الموضة و إرتداء الغالي والنفيس من الثياب و الحلي,فأضطر والدها المسكين-وذلك سعيآ لإرضائها-لأن يعمل في الصباح كمدرس رياضيات وفي المساء كمحاسب مبتدأ.كانت هذة الفتاة المدللة لا تكتفي فقط بتعذيب والدها ولكنها أيضآ كانت تقتل والدتها,كانت تتعامل معها كخادمة تطهو وتكنس وتمسح وتغسل الثياب.كانت وظيفة الفتاة الوحيدة هي أن تأكل مالذ وما طاب من الطعام والشراب والحلوى التي كانت تعدها لها والدتها حتي ذهبت صحة والدتها سُدى في خدمتها وإرضائها.كبرت الفتاة وكثرت مشاكلها,تعرفت علي مجموعه من فتيات السوء,زين لها أفكار خاطئه عن التحرر والإنطلاق,بدأت تتعرف أيضآ علي مجموعه من شباب السوء,بدأت تخرج معهم يوميآ وتعود مع بذوغ الفجر وهي تترنح,لا ترى أمامها من كثرة الشرب.شبت النيران في قلوب والديها,ودقوا نواقيس الخوف علي إبنتهم,ففكر الوالد في ضرورة زواج البنت من أبن عمها كحل وعلاج لهذة المشكلة من جذورها ورحبت الوالدة بفكرة الأب,عرضت الوالدة الفكرة علي إبنتها,فرفضت البنت, وتعالت اصوات الصراخ, صراخ البنت,كانت تقول أنا التي أمتلك زمام حياتي ,أتصرف فيها كما أشاء وكما يحلو لي,أصرت الوالدة علي موقفها وعلي رغبتها في زواج الأبنة من ابن عمها,فهددت الفتاة بالإنتحار ولكن والديها لم يكترثوا بتهديدها ولا بصراخها وحدد والدها موعد زفافها,فحدث الصدام و لأول مرة بين هذة الفتاة المتحجرة القلب , المتصلبة المشاعر كصلابة الجبل الثلجي الذي لا يذوب وبين والديها الضعفاء كضعف الذبابة أو النملة, هربت الفتاة, ذهبت مع صديقها المقرب لها,كان يوهمها بالحب فوقعت فريسه في شِباكه ,نصب لها فخآ دعائمه من الأوهام,فإنساقت ورائه فوقعت فيه,وتركت منزِلها الخاوي علي عروشه,تحطم قلب الأم,كانت تبكي ليلآ ونهارآ علي فراق إبنتها التي كان لا يعرف أحد لها طريقآ, بحث الوالد المسكين عن إبنته في المستشفيات وبلغ علي إختفائها في اقسام الشرطة ولكن دون جدوى,لم تتحمل الوالدة المسكينة الصدمة,و اصيبت بأزمة قلبية حادة حصدت روحها ففارقت الحياة وهي تنعي فراق إبنتها.عندما هربت الفتاة مِن منزل الأسرة مع من أوهمها بالحب أصرت علي وجود ارتباط رسمي بينهما, فتزوجت الفتاة بذلِك الشخص المخادع ولم تكن تعرف أنها تحفر قبرها بيدها,كانت تحفر بيدها قبر جماعي يضمها هي ووالديها,بدأت رحلة عذابِها ,بدأت المعاناة , بدأت تحصد ثمار زرعِها ,كان زوجِها الرومانسي العاشق يضربها,يهينها,يعاملها كخادمة,كان بين الحين والأخر يدخل عليها بزوجة جديدة وكان عليها تقبل الأمر الواقع والعمل علي إرضائه وراحته و إلاضربها ضربآ مبرحآ,مضى عام علي زواجها التعيس,بدأت تشعر بالغربة والحنين للأهل ,فأرسلت لوالديها خطابآ تخبرهم فيه بمحل إقامتها وبأحوالها المترديه,حزن والدها حزنآ شديدأ عليها وقرر أن يسافر لرؤيتها.عندما رأها لم يصدق عينيه,من هذة السيدة الممزقة الثياب؟من هذة السيدة المجهدة بل والمريضة التي تقف امامه؟أين ذهبت ثيابها الغالية؟أين ضاع جمال وجهِها ؟أين ذهب بريق شعرِها؟كانت تبكي في شجار معتاد بينها وبين زوجِها,كان يسبها ويلعنها,فتدخل الأب البائس وحاول الدفاع عن إبنته ,فإنهال عليه الزوج ضربآ, وسبآ , لم يتمالك الوالد اعصابه وإنهار حزنآ علي حالِه وحال إبنته, اصيب بجلطة في المخ اودت بحياته وطعنت ابنته في قلبها,قتلته إبنته,لم تقتله وحده بل قتلت أمهاومن قبلِهم قتلت نفسها,قتلها غرورها الذي هئ لها الغدر بوالديها.مرت الأيام والشهور والسنوات وبعد مرور عدة سنوات علي زواجِها,قرر زوجِها أن يطلقها,ويطردها من منزله الذي اشترته له بمالِها,قال لها لقد حصد الزمن زهرة شبابكِ, واصبحتِ سيدة مسنة قبل الأوان,وبدت عليكِ علامات الإجهاد والهرم,لم أعد أريدكِ في حياتي فأنا دائم البحث عن الجمال والشباب,ألا تعرفين أني فنان!.طردها من المنزل,طردها من منزلها بحقيبة ثيابها,طردها وهي شحاذة مفلسة دون أن يعطيها جزءً من نقودها,حملتها اقدامها إلي محطة القطار,حملتها اقدامها إلي منزلِها القديم ,منزل الأسرة المحطمة ,قررت قبل أي شئ أن تذهب لزيارة قبر والديها, لزيارة قبر ضحاياها,وقفت علي القبرين,أجهشت في البكاء,تذكرت الخنجر المسنون الذي طعنت به روح والديها, سقطت علي الأرض مغشيآ عليها , راحت في غيبوبه بين الحياة والممات,فارق جسدها الحياة بالرغم مِن أن روحها المعذبه قد ظلت حبيسة ذلك الجسد,ظل ماضيها كحاضرِها ذكرى اليمه في كتاب الأيام.

CONVERSATION

0 comments: