التسامح ومنابع اللاتسامح و"تحديات العنف" في حفل توقيع للكاتب والباحث ماجد الغرباوي

 

سيدني: أشرف الحيدري / خاص بالمثقف
تمّ توقيع كتابين جديدين للكاتب والباحث ماجد الغرباوي وهما: "التسامح ومنابع اللاتسامح ـ فرص التعايش بين الثقافات والاديان" بطبعته الثانية، وكتاب "تحديات العنف" بطبعته الاولى (2009) في حفل حضره نخبة من أبناء الجالية العربية في سيدني ـ أستراليا، وكلا الكتابين صدرا عن معهد الابحاث والتنمية الحضارية (بغداد) ودار العارف (بيروت).

وكان في مقدّم الحضور السناتور شوكت مسلماني، عضو مجلس الشيوخ في ولاية نيو ساوث ويلز، وعدد من رجال الدين المتنوّرين منهم السيد محمد الموسوي والشيخ مهدي العطار والشيخ كمال مسلماني ممثل المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في أستراليا، ود. ماجد راضي، ممثل ائتلاف دولة القانون في استراليا، ود. ضياء الكبري، عن مجلس الكفاءات العراقية، والاستاذ كامل مسلماني ممثل حركة أمل في سيدني، والاستاذة وداد فرحان رئيسة تحرير صحيفة بانوراما، والاستاذ حسام شكاره عن المنتدى العراقي الاسترالي، والاستاذ جعفر بعلبكي ممثل الحزب القومي السوري الإجتماعي، والأستاذ فوزي أمين عن منظّمة حزب البعث العربي الإشتراكي في سوريا، والدكتور علي بزّي رئيس مجلس الجالية اللبنانيّة، والأستاذ إيلي ناصيف الرئيس السابق للمجلس ذاته، والكاتب والإعلامي عبّاس مراد، والباحث الإسلامي د. أحمد عبد المجيد حمّود، والضيفان الواصلان حديثاً من لبنان: الدكتور قاسم مصطفى من الجامعة اللبنانيّة في بيروت، والحاج محمّد سلامة الناشط الإجتماعي في جنوب لبنان، بالإضافة إلى شخصيات أكاديمية وثقافيّة وأدبيّة واجتماعيّة.

ابتدأ الحفل في تمام الساعة الرابعة والنصف بتقديم المهندس علي موسى حمود، الذي نوّه بالكتابين وبالمؤلف، بعد أن رحّبَ بالحضور، وتحدّثَ عن هوية الكاتب ومنجزه الثقافي والفكري، وقال: "إسمحوا لي في البداية أن أوجّه تحيّة إلى مؤسّسة المثقّف العربي على المبادرة إلى حفل التوقيع هذا باعتباره نشاطا ثقافيا حضاريا نحن بأمسّ الحاجة إليه في مرحلة تطغى القشورُ والكيدُ السياسي تحديداً على كلّ شيء، كما أوجّه التحيّة إلى إدارة مركز الإمام موسى الصدر وعلى رأسها الحاج كامل مسلماني لاحتضان هذا النشاط الذي نأمل أن يكون باكورة نشاطات مماثلة كثيرة تهتدي بالعقل النيِّر. والكاتب والباحث ماجد الغرباوي في كتابيه القيّمين "التسامح ومنابع اللاتسامح" و"تحديات العنف" يؤكّد أنّ الدين الإسلامي هو دين سماحة وإنسانيّة لا دين إنغلاق وقسوة، ويؤكّد أن هناك من يزجّ بالدين الإسلامي في متاهات لا تمت إليه بصلة. إن ماجد الغرباوي هو مثقّف تنويري له باع في الترجمة والكتابات ذات الأبعاد المضيئة المستقبليّة مهتدياً بالقرآن الكريم وسيرة المصطفى "ص" وأيضاً له موقع "المثقّف" المختصّ بنشر الرأي والرأي الاخر والذي يتابعه الكثيرون كتابةً وقراءةً".

وكانت الكلمة الأولى، للشاعر والكاتب الاستاذ شوقي مسلماني، عن كتاب "تحديات العنف" وتداعياته الخطيرة، وممّا جاء فيها: "ومن جهات العنف حركاتٌ متطرّفة، إنّها، فيما تدفع الأذى عن ذاتها من عنف مظلم واقع عليها، ذاتها لا تقيم حرمة، لا لطفل، ولا لامرأة، ولا لعجوز. حركاتُ إعصارٍ ينفجر في الأحياء السكنيّة، أو في الأسواق العامّة، أو في دور العبادة، فيما لو عقلتْ، كان أولى بها أن تدّخر غضبها لمنازلة جلودة، واعية، مدركة، بصيرة، مع العدوّ المجرم، المستبدّ، الغازي، الحقيقي، لا مع المدنيين، والعزّل، والأبرياء، أو العدوّ المفترَض بسذاجة وغباء، وربّما بشبهة، أسوةً بسيرة الرسول الصادق الأمين في صراعه مع ملأ قريش، وكيف نظرَ الرسولُ في هذا الصراع، وكيف انتهى إليه الفوز حتماً، لتقدّمه فيه بأخلاقه وعظيم بصره وبصيرته.

وبالطبع، إنّ القوّة عند الكاتب الغرباوي هي غير العنف، بما هي مجال أيضاً للإقتصاد وللسياسة والثقافة والفن والعمران، فيما العنف هو اتّجاه واحد، محدود. القرآن الكريم في عنوان رئيسي له يحضّ على هذه القوّة الحضاريّة، الخلاّقة، ولا يحضّ على العنف العدواني. الشريعة الإسلاميّة، بتأكيد الكاتب أيضاً ودائماً، لا تقرّ المبادأة ظلماً وعدواناً، الشريعة الإسلاميّة سمحاء، وفيها القاعدة وفيها الإستثناء. القاعدة هي آيات القربى والمودّة والحسنى، فيما الإستثناء، خصوصاً ما دام القرآن المبين هو مصدر التشريع الأوّل، هو آية السيف، وعلى رغم ذلك فإنّ للسيف ضوابط، حدود، قوانين، وإلاّ صار قتلاً وفساداً وإفساداً في الأرض".

ثم كانت المداخلة الثانية لرجل الدين المتنوِّر سماحة الشيخ عاشور البدري الذي خصص كلمته بقراءة عن كتاب "التسامح ومنابع اللاتسامح ـ فرص التعايش بين الاديان والثقافات" وقد أكد على القيمة الاجتماعية لمفهوم التسامح بمعناه الاصطلاحي، وتكلم عن ضرورة التسامح وأهميته، وقال: " إنّ مفهوم التسامح، بما يحمل من معنى قيمي، هو جديد على ساحتنا العربية والاسلامية التي تعج بالتعصب بكل أبعاده، والعنف والاستبداد السياسي والديني، وإقصاء الآخر المختلف دينيا أو مذهبيا أو عرقيا، بل محاولة الغائه تماما، وهو جديد على مجتمعاتنا التي تسيطر عليها جماعات التطرف الديني نتيجة لتوظيفها للنصوص الدينية بما يخدم مصالحها، لأن التسامح بمفهومه الجديد يعبر عن حق أصيل من حقوق الانسان، حقه في اختيار العقيدة والفكر والتعبير عن آرائه بكل حرية، ويعني فيما يعني قبول الآخر المختلف دينيا أو مذهبيا أو عرقيا أو فكريا، وعدم إقصائه أو إلغائه، يعني التعايش السلمي بين مختلف الديانات والملل والاعراق، وبعبارة أخرى يعني نبذ التعصب بكل مظاهره وأبعاده. ولا يخفى على أحد مدى الحاجة الماسة لمجتمعاتنا العربية والاسلامية للتسامح وخصوصا في ظل الظروف الراهنة التي أدّت فيها سيطرة الفكر الاحادي الالغائي على ساحتنا العربية والاسلامية الى ما نراه من تقاتل وتطاحن طائفي مؤلم، ومن ثم اشاعة الثنائيات البغيضة، فهناك دار شرك ودار ايمان، ودار كفر ودار إسلام، وفسطاط كفر وفسطاط ايمان، الى ان أصبح القتل على الهوية وما يجري في العراق وافغانستان وباكستان دليل صارخ على سيادة منطق التعصب والعنف والاقصاء بل الاستئصال والالغاء.

من هنا تأتي أهمية كتاب "التسامح ومنابع اللاتسامح فرص التعايش بين الاديان والثقافات" للباحث والكاتب القدير الاستاذ ماجد الغرباوي كتأصيل لهذا المفهوم ومحاولة لتبيئته أي نقله من بيئته التي ولد بها، واستنباته في بيئة أخرى، وهي مسألة ليست هينة بل تحتاج الى تضافر جهود وعمل توعوي وثقافي متواصل لغرس هذه النبتة الجديدة وتعهدها حتى تؤتي ثمارها، ونحن عندما نقول ان هذا المفهوم بما يحمل من مضامين حديثة تعتبر جديدة على بيئتنا الفكرية العربية لا ننفي وجوده بمعناه الاخر الذي يتضمن المنة والتفضل، لان التسامح كمفهوم يحمل قيمة أخلاقية تتناسب مع مضمون الكلمة لغة لأن التسامح في اللغة هو التساهل والجود، يقال فلان سمح أي جواد، فالتسامح كان يدل على تنازل الشخص عن حقه تكرما ومنة، لكن هذه الدلالة – كما يقول المؤلف- تطورت بفعل التنظير الفلسفي لتتحول الى جزء من واجب تفرضه الحرية الشخصية التي يراد لها أن تكون متساوية بين الجميع، فلكل فرد حقه في الاعتقاد وحقه في التعبير عن رأيه، وليس هناك ما يبرر إحتكار هذا الحق لجهة دون أخرى، فقبول الآخر وفقا لهذا الرأي ليس منة وإنما واجب تفرضه الحرية الشخصية".

ثمّ كانت كلمة صاحب المناسبة الباحث ماجد الغرباوي، فتحدّثَ بلمحةٍ مكثّفة عن المنهج في تأليف الكتابين. بعد أن بيّن أن البحث في ظاهرة العنف قد انتهى الى نتيجتين خطيرتين، الأولى: أن التسامح، الذي هو أساس إستقرار المجتمعات المتعددة دينيا ومذهبيا، هو تسامح هشّ، تسامح غير حقيقي، وان هناك فجوات واسعة، سرعان ما تنفجر لأدنى احتكاك بين الطوائف والاديان، لذا كرس كتاب التسامح لدراسة هذه الظاهرة، وطرح مفهوما آخر للتسامح يقوم على أساس الاعتراف الحقيقي بالاخر، باعتبار وحدة الحقيقة وتعدد الطرق اليها. ثم بحث الكاتب في منابع اللاتسامح، وكيفية نقدها وتفنيدها، سيما المفاهيم الدينية الخطيرة، كمهفوم المرتد، والمشرك، واهل الكتاب، وحديث الفرقة الناجيه، الذي تسبب في تشظي المجتمعات.

أما النتيجة الاخرى، فهي ان اغلب العمليات الارهابية تتبناها حركات اسلامية متطرفة، فكيف يمكن المواءمة بين سماحة الدين والاعمال الارهابية؟. لذا كرّس الكاتب كتاب "تحديات العنف" وهو كتاب كبير لدراسة ظاهرة العنف بكل تفصيلاتها، ودراسة تداعياتها الخطيرة. وبحثَ عن الاسباب الرئيسية وراء هذه الظاهرة ودور الحركات الاسلامية المتطرفة، والقراءات الخاطئة للنصوص الدينية، اضافة الى الفتوى ودور رجل الدين. وكان المنهج المتبع في قراءة النصوص المقدسة والسيرة النبوية الشريفة منهجا مختلفاً أفضى الى قراءات أخرى لتلك المفاهيم، اذ لا يمكن إعتماد نفس المنهج المتداول، سيما ونحن نتعامل مع نصوص ذات شحنات تحريضية عالية، وما لم يرتكز الى منهج آخر في قراءتها سوف تبقى على إطلاقها وفاعليتها. وقد بين الباحث بعض ملامح منهجه في البحث. ثم انتقل في حديثه الى فقرة أخرى، منوها بمؤسسة المثقّف العربي، ومشاريعها في تكريم الرموز والشخصيات الادبية والثقافية، وأطلع الحاضرين على كتاب: "تجليات الحنين" في تكريم الشاعر يحيى السماوي، وما هي دواعي تكريم هذا الرمز الادبي بالذات.

ثم بدأ الكاتب بتوقيع نسخ الكتابين، وتزامن حفل التوقيع مع صدور كتاب جديد للكاتب تحت عنوان "الضدّ النوعي للإستبداد .. استفهامات حول جدوى المشروع السياسي الديني" تمَّ عرض بعض النسخ منه.


CONVERSATION

0 comments: