للحقيقة وجه اخر/ إيمى الاشقر

شعرت باختناق شديد وانتابتها رغبة قوية فى الفرار من عالمها التى تحيا فيه وسط الكذب والغش والخداع , تحيا فيه مع اشخاص ذو وجهين , وجه مرسوم عليه ابتسامه رقيقة حنونة وملامح تملؤها التعاطف والشفقة عليها وعلى سوء حالها , ووجه آخر يكمن بالداخل لا تراه بعينيها  ولكن تراه بروحها السامية الشفافة ..انه الوجه المجرد من الاحساس  الذى لا يشعر بها ولا يقدر معاناتها وربما يكون مبتسما ضاحكا شماتة فيها .
سيطر عليها الملل القاتل , ولا تعرف كيف تفر هاربة بعيدا عن تلك المخلوقات عجيبة التكوين التى زرعها القدر فى ربوعها .. أخذت تتحدث مع نفسها والحيرة شاركتها الحوار قائله :
- رغم أننى محبة وتملؤنى العاطفة الصادقة ومع ذلك لا يرون مميزاتى ..او ربما يرونها ولايعترفون بها .. بينما الحب والتعاطف بداخلهم لاخرين لا يستحقون وليست لى  .
همست الحيرة فى أذنيها.. ربما يكونوا صم , بكم , عمى عنكِ  دون الاخرين ..
 فرد عليها العقل قائلا :
- انهم لايشعرون بك ولايتعاطفون معك .. فقد يكون احساسا منهم بالنقص.. بل يتعاطفون مع آخرين بنفس طباعهم وحقدهم .
اشتد عليها الشعور بالاختناق وشعرت بألم شديد فى رأسها وكأنها على وشك الانفجار وزادت رغبتها الشديدة فى الفرار من نفسها التى أثقلت عليها فى الحوار  , وضيقها من هذا المكان الذى تشعر انه قبرا وليس مكان به حياة طبيعية , أمسكت عنقها بيدها اليمنى  وهى تشعر بإختناق شديد وكأن روحها على وشك مفارقتها وأخذت تضرب الحائط  بكل قوتها بيدها اليسرى وكأنها تريد اختراق ذلك الحائط لتتنفس هواء جديدا  او ترى شيئا اخر سوى غرفتها الضيقه المظلمة ,
لم تجد مفر من تلك الحاله القاسية التى تملكتها  وسيطرت على كل كيانها سوى آلاتها الموسيقية  التى تحبها وتحب العزف عليها فى وحدتها الدائمة ولياليها المظلمة الباردة , فجلست على الارض  وجلست بجوارها روحها الجميلة الرقيقة التى إختنقت موتا ودفنت فى طيات ذاتها من أفعال البشر ووضعت رأسها على كتفيها مرهقة الملامح ,متعبة هزيلة القوام كما لوكانت فارقتها حيويتها وشبابها, لتستمع الى مقطوعتها الموسيقية وتؤنس وحدتها , إحتضنت آلاتها الموسيقية بين ذراعيها وكأنها تريد أن تشكو اليها من ظلم البشر وغبائهم وسفاهة تكوينهم وسوء تقديرهم لكيانها الراقى ومازالت الحيره ترافقها ولا تريد فراقها , لمست بأطراف اصابعها الرقيقة التى أوهنها الظلم اوتار الالة الموسيقية وهى تنظر اليها وكأنها ترى على كل وتر سنة من سنوات عمرها باحداثها وبكل لحظاتها .
وأخذت تعزف على أوتارها لحن عالمها الحزين فعزفت مقطوعة منفردة من الشجن والألم والدموع حبيسة فى عيونها التى ذهبت شريدة حائرة يملؤها القهر مع نغمات ليست كأى نغمات.. انها نغمات عزفتها أصابع سجينة خلف جدارن ذاتها التى تحيا مع وجه آخر للحقيقة, لاتراها عينيها ولا يراها البشر برفقة الحيرة والضجر.
ظلت تعزف حتى غلبها النوم واستكملت باقى لحنها فى أحلامها المتقطعة المملؤة بصور مشوهة  وبأصوات خافتة وأحداث غريبة متداخلة ولكنها مُريبة مشوشة  وروحها لاتزال بجوارها متمنية  عندما تستيقظ من نومها أن تجد وجها اخر للحقيقة .

إيمى الاشقر
http://www.facebook.com/pages/%D9 /177203479086157?ref=hl

CONVERSATION

0 comments: