الجواهري و مديح الطغاة/ أسعد البصري


وضع الرئيس السوري حافظ الأسد ، قصيدة الشاعر الجواهري في مدحه، على جدران معظم المدارس المتوسطة والإبتدائية . كما كتبها على الجدران والساحات العامة في كل المحافظات السورية .
" سلاماً أيها الأسدُ
سَلِمْتَ ويسلَمُ البَلَدُ
وتسلمُ أُمّةٌ فَخَرَتْ
بأَنّكَ فَخْرُ مَنْ تَلِدُ "
كما قام النظام السوري ، بتلحين قصيدة الجواهري في مدح الأسد . وصار يبثها كل يوم في التلفزيون ، ثمانينات و تسعينات القرن الماضي . ويطالب التلاميذ والأطفال السوريين ، الأبرياء ، بحفظ تلك الأبيات كواجب مدرسي ، فهي أبيات شاعر العرب الأكبر .
" يـــــــــا حــــافـــــظ الـــعـــهـــد يـــــــــا طـــــــــلاع ألــــويـــــة
تناهبت حــــلـــــبـــــات الـــــــعــــــــز مـــســـتـــبـــقـــا
يـــــارابـــــط الـــــجـــــأش يــــــــــا ثـــبــــتــــاً بــمــســتــعـــرٍ
تآخيا فــــــــــي شـــــبــــــوبٍ مـــــنــــــه والــتـــصـــقـــا
تــــزلــــزلـــــت تــــحــــتـــــه أرض فـــــــمـــــــا صــــعـــــقـــــا
وازخرفت حـــــولـــــه دنـــــيـــــا فـــــمــــــا انـــزلــــقــــا
ألــــــقـــــــى بـــزقـــومـــهــــا الــــمــــوبـــــي لـــمـــرتــــخــــصٍ
و عاف لــلــمـــتـــهـــاوي وردهـــــــــــــا الــــطـــــرقـــــا
يـــاحــــاضــــن الـــفــــكــــر خـــــلاقــــــاً كـــــــــــأن بـــــــــــه
من نــــســــج زهــــــــر الــــربــــى مــوشـــيـــة أنــــقـــــا
لــــــــــك الـــقـــوافــــي ومــــــــــا وشــــــــــت مــطـــارفـــهـــا
تهدي ، ومـــا اســتــن مـهـديـهـا ، ومااعـتـلـقـا "
لهذه الأسباب ، تقدمت محافظة النجف بطلب منذ بديات الأحداث السورية قبل عامين ، إلى الحكومة السورية لم توافق عليه . بنقل جثمان كل من الشاعرين العراقيين الجواهري و مصطفى جمال الدين ، من مقبرة السيدة زينب إلى دار السلام في النجف الأشرف . بسبب التخوف من العبث بالقبور في حال سقوط النظام السوري . وذلك راجع إلى مدحهما دكتاتورا ، يذبح شعبا آخر غير شعبهما العراقي . السوريون كانوا غاضبين جدا ، ويقولون لو كانت حماة في النجف الأشرف ، ويدفن نظام حافظ الأسد المجاهدين فيها أحياء بالآلاف مع النساء والأطفال عام 1982 م ، ويهدم عليهم المدينة القديمة ، ثم يبني فوق رفاتهم فندقا ضخما بخمس نجوم ، للحفلات والأعراس نكاية بالإخوان المسلمين . يقول السوريون لو فعل هذا في النجف ، و هدمها على ساكنيها ، هل يمدحه الجواهري هكذا ؟؟ . أم لأن السوريين لا يعنون له شيئا يمدحه بلا تردد .
في الحقيقة قضية مديح الطغاة ، من قبل الشعراء ، والأدباء العرب ، مسألة معقدة يجب أن نتفهمها برغبة بالتسامح والتعايش . ثم ماذا يقصد الكاتب محمد غازي الأخرس في مقاله ( الناجون " من معجم أدباء أم المعارك " ) ب " المدح الوطني " ؟ . يعني هؤلاء الأدباء المرتزقة من الدرجة الثانية ، زمن النظام السابق ، الذين يمدحون العراق وأنهاره مقابل المكافآت . ويقول الأخرس هي مكافآت ، أقل من تلك المكافآت على مديح الدكتاتور الصريح . فيقول منتصف التسعينات من القرن الماضي شاع عن هؤلاء مصطلح " المدح الوطني " .
السؤال هو ألا يعتبر مدح الحسين و العباس والأضرحة و شتم النواصب والخلفاء الراشدين اليوم ، نوعا آخر من المدح الوطني ، والولاء للطائفة ؟ . بدلا من مدح الصدر والخامنائي والخميني والسيستاني والحكيم امدح الرموز الشيعية الرئيسية ، والأئمة و اثبت ولاءك فالدولة طائفية / دينية اليوم . لماذا اليوم قصائد الجواهري مكتوبة بماء الذهب على ضريح الحسين ؟ .
لماذا صورته العملاقة على مدخل اتحاد الأدباء ؟ لأنه شاعر عظيم ؟ بلا شك هو شاعر عظيم ، ولا يوجد غبي يشك بعظمة الجواهري . أنا شخصيا غير منزعج من سلوك الجواهري وأتفهم ظروفه . فهو عملاق البلاغة ، و قمة اللغة العربية الشاهقة ، و صقر البيان والغناء . ماذا نريد من الجواهري العظيم ؟ يبيع جواريب نسائية في السيدة زينب ؟ . حافظ الأسد قدم للجواهري ، قصره الشخصي في أبو رمانة ليسكن فيه الجواهري و عائلته . مع طاقم حراسة مسلحة أربعة و عشرون ساعة في باب الدار ، مع هاتف مفتوح لكل العالم مجاني . قدم للجواهري هيبة الدولة ، و السائق الخاص بسيارة رئاسية ، و زيارات الوزراء ، والأعيان ، و كل طلباته أوامر ، و مستجابة مقابل قصائد مديح للطاغية السوري حافظ الأسد .
الحكومة العراقية الطائفية العميلة ، تكرم الجواهري اليوم ليس لأنه شاعر عظيم ، هذا الأمر لا يهمها . المهم أن الشاعر الجواهري ، لم يمدح صدام حسين ، هذا هو المهم . وماذا عن مدح حافظ الأسد ؟ . وماذا عن مشاعر الشعب السوري الذي ذبحه هذا النظام ؟ . و زرع فروع المخابرات والتعذيب في كل شارع ؟ . أنا أرى أن نتفهم ، و نتسامح ، و نقدر ظروف كل أديب . أو نفضح الجميع بلا استثناء . حتى مداحي  لنظام الحالي الطائفي الفاسد

CONVERSATION

0 comments: