CONVERSATION
قصص قصيرة جدا 29 / يوسف فضل
أفكار سوداء
انشغلوا وتشاغلوا بمقدم الربيع المؤقت. خُطف الرسام . قُتل السياسي. اختفى الأديب. هُجر الشاعر . زمجرت الريح على البشر. اغتيلت الثقافة ليعيش ربيع وطن بلا هوية .
دردشة
القيل والقال مصدر سرور ودغدغه لهم عند مبرد المياه. وحين يفترقوا إلى مكاتبهم يبحثوا عما يوحدهم في العمل من التهامس والنميمة والضحك.
نظافة
أوقف المركبة . ألقى علبة مشروب خارج صندوق القمامة . : عيب عيب يا صديق" : تذمر عامل النظافة الآسيوي. تلقى العامل موجة تسوماني من السب والشتم . رفع بصره إلى السماء وأرسل دعوة مظلوم .
خارج السرب
دخل معترك الحياة. انتابه شعور بعدم الأمانة في كل تعامل حياتي . اكتفى بذاته وحمل معه عالمه الخاص .سكن الكهف ..... وعض على أصل شجرة .
طيران
بحث عن المغامرة والشجاعة.
حلق بشراع هوائي،
تذوق الهواء بحرية .
حين هبط ،
سلا روحة طائرة في السماء .
CONVERSATION
القاص الفلسطيني جمال بنورة/ شاكر فريد حسن
جمال بنورة من اعلام القصة الفلسطينية في المناطق المحتلة عام 1967. رأى نور الحياة سنة 1938في بلدة بيت ساحور وعمل في سلك التربية والتعليم . بدأ الكتابة القصصية في أوائل الستينات ،ومن بواكير قصصه :"حرمان ،زوجة رجل آخر ،امرأة ذات قيمة،الأمل الخائب،الطبيب المناوب"وغيرها.
وقد تميزت قصصه في هذه المرحلة بتصوير واقع الحياة في المجتمع الفلسطيني ،ونتيجة قراءاته واطلاعه على الأدب التقدمي ذي الطابع الانساني النضالي والصبغة الاشتراكية بدأ بعد نكسة العام 1967 الالتزام بالواقعية الاشتراكية، وانطبعت قصصه بالواقع الجديد الذي أفرزه الاحتلال ونقل الهموم والآلام الفلسطينية والتطلعات والأماني الوطنية بالتحرر والاستقلال الوطني.نشر جمال بنورة قصصه في الصحف والمجلات الفلسطينية نذكر منها : "الجهاد، الفجر، الشعب، الاتحاد، الجديد، البيادر، الفجرالأدبي، الكاتب"وسواها .
وفي العام 1977صدرت مجموعته القصصية الأولى "العودة"عن منشورات صلاح الدين في القدس، ثم أصدر مسرحيتي "وكأن الموت ونحن على ميعاد"و"السجين"و"حكاية جدي"وغير ذلك من الأعمال والمجموعات القصصية والروائية.
وجمال بنورة يؤمن بالادب الواقعي الذي يعبر عن حياة الشعب الكادح المسحوق ،وهو يستمد موضوعاته من مشاكل المجتمع ويصور مظاهره ويعكس بؤس الفقراء والكادحين الأشقياء،وتهمه القضايا الاجتماعية والسياسية والأخلاقية وارتباطها بحياة الانسان ،والموقف الانساني هو أهم ما تعبر عنه قصصه التي تعالج قضية الصراع الطبقي والكرامة والحرية من خلال الحياة الانسانية.
واذا كانت مجموعة "العودة"تعبر عن الواقع الفلسطيني المعاش فإن مسرحية"وكأن الموت ونحن على ميعاد" تطرح الموقف السياسي الفلسطيني من الحرب في لبنان ،الذي حاولت القوى والاوساط العربية الرجعية تشويهه لدق الأسافين بين الشعبين الفلسطيني واللبناني.
أما مسرحية "السجين" فتبرز معاناة وصمود المناضلين والمكافحين الفلسطينيين وتحديهم للاحتلال الجاثم على صدر الشعب الفلسطيني.
وقصص "حكاية جدي "تطرح الصراع السياسي والواقع المأساوي الاجتماعي وهموم الطبقة العاملة الفلسطينية،التي ترزح وتئن تحت الفقر والفاقة والظلم والانسحاق والقهر الاحتلالي.
ويعتمد جمال بنورة في قصصه الأسلوب السردي الذي يغلب عليه السهولة والبساطة ،وهو يعرف كيف يختار المشاهد وصور الأحداث والكلمات والتعابير المناسبة.
وتركز قصص جمال بنورة على ابراز الجانب الايجابي للشخصية الفلسطينية والتعبير عن الانسان الفلسطيني العادي والبسيط بمشكلاته وتطلعاته،ووصف أحوال المجتمع الفلسطيني وتقاليده وما فيه من تناقض ومآسي وأحزان،ونجد معظم ابطاله من أبناء العامة والطبقات والشرائح الاجتماعية الشعبية الفقيرة والكادحة،الذين نلتقيهم في الشارع والرصيف والحارة والسوق والحقل والمصنع وورش البناء.
وفي النهاية ،جمال بنورة قاص صادق في الاستلهام والتصوير،والصدق هو الذي يهب الفن والمبدع قيمة الحياة.
CONVERSATION
موفق خوري يرحل ويبقي لنا ثروة ثقافية وفنية لا تموت/ نبيل عودة
فارس آخر من فرسان ثقافتنا العربية يترجل ، موفق رفيق خوري، مدير دائرة الثقافة العربية سابقا ،نائب مدير عام سابق لوزارة الثقافة.
يكل الم اجد نفسي مرة اخرى اقف راثيا صديق كاتب وصاحب ايادي نفتقدها اليوم في تنشيط حياتنا الثقافية والفنية ودعمها ورعايتها وتوفير الشروط المادية والفنية والمعنوية لتطويرها واستمرارها. منذ غاب موفق عن رئاسة دائرة الثقافة العربية غابت الدائرة عن الثقافة والمثقفين وغاب نشاطها وغاب المحرك الذي لم يكن يكل من العمل والدعم والحث على الابداع الفني والثقافي.
مع غياب موفق ، بعد استقالته، التي لم يكن منها بد، لم يعد لدائرة الثقافة من قيمة الا المكاتب، ولا اسمع عن أي نشاط جديد، ولا اعرف هل يتواصل دعم المؤسسات التي ساهم الراحل موفق خوري في تاسيسها ورعايتها؟
واجه في مسيرته صعوبات ومحاولات اذلال وتجاهل لا تسر البال مصرا على نهجه ومفشلا كل ما احيك حوله من نوايا لا تفكر الا بما يخص ذاتها ومكانتها. كان مؤمنا بما يقوم به، ومصرا على صحة طريقه ، فصمد ، وتواصل حبك الخطط لاسقاطه. ولو كنت مكانه لقدمت استقالتي مبكرا ولكنه كان يصر ان يواصل ما بدأه، وكنت ارى عبث ما يقوم به ومخاطره على مكانته وصحته. واعتقد اليوم اني كنت مصيبا ورأيت ما لم يستطع موفق ان يراه .
كان عنوانا لكل الأدباء العرب داخل اسرائيل. لم يقل كلمة "لا" لأي اديب او متأدب. استقبل الجميع بترحاب وحب وقدم اقصى ما يستطيع تقديمه. لم يميز بين اديب له اسمه ومكانته ، وبين اديب مبتدئ . حتى حين انتقدت امامه بقسوة تفاهة بعض الاصدارات التي تبناها واصدرها ابتسم ودافع عن اعطاء الحق نفسه للجميع ، وان ما ينفع الناس يبقى في الأرض واما الزبد فيذهب جفاء.
كان يتصرف بالتساوي بين الجميع، لم اقتنع بموقفه ولكني فهمت دوافعه ، بانها منعا لإدعاءات قد يطرحها البعض بان موفق خوري لا يتصرف بمصداقية، ومع ذلك فوجئت من كثرة الطامعين لاحتلال وظيفته ، وهو لم يكن غافلا عما يدور حوله، ولكنه واثقا بصحة طريقه وحسن تعامله مع الجميع، وهذا يبدو انه افشل نوايا غير نظيفة حاولت ان تطول من استقامته ثم تسقطه.
ترى هل ما جرى معه في السنتين الأخيرتين ، كان نتاج حبكة اسقط فيها من منطلقات ثقته وتعامله الصريح والأخوي مع الجميع؟
لا استبعد ذلك!!
حزنت جدا ، حين اضطر للإستقالة لوقف عملية تشهير أسقطت في المحكمة. فهمت ان المشروع الحضاري الذي اطلقه وحلم ان يرعاه حتى يصلب عوده، قد اصبح سببا للإيقاع به.
وفرحت له بنفس الوقت لأنه تحرر من ضغوطات قاسية جدا كان يواجهها بصمت واحتمال اثناء تحمله لمسؤولياته. ولكن ظلت في الحلق غصة.
في العقد الأخير كتب مجموعة قصص للأطفال،ثم انتقل للكتابة الروائية . لا اريد التعامل النقدي الآن في تقييم ما كتب، ولكنه لم يكن بأي حال دون المستوى العام الذي صدر في ثقافتنا لكتاب آخرين.
كان يحلم ان يرى حولة الكثير من الأحفاد، كان يتحدث عن اول احفاده بفرح كبير ويروي نوادرهم. ويؤلمني انه لم يحظى بان يرى حلمه الانساني هذا يتحقق.
من المؤسف هذا الرحيل المبكر، وهو لم يكمل بعد عقده السادس. موفق فدم لثقافتنا دعما لا يمكن تجاهله وتجاهل دوره في فتح آفاق واسعة امام انطلاقة ابداعية في جميع مجالات الثقافة والفنون، ما كان لها ان تصبح حقيقة واقعة دون دوره المميز وقدراته على تلبية الضروريات الأساسية .
نحن لا نجهل ظروف واقعنا السياسي والتمييز ضدنا في الميزانيات الحكومية. ولكنه نجح نسبيا حيث فشل الآخرون.
في مسيرته تعرض لضغوطات شرسة، كان يخرج منها دائما أقوى وأشد تصميما. قلت له مرة انجزت الكثير، وحولك عواصف كثيرة، الا تفكر بالتقاعد واخلاء الميدان لحميدان؟
كان خوفه على مشاريعه . على مستقبلها. كانت تتملكه فكرة ان انسحابه يعني اندثار ما انجز. وهذا حقه لأن ما انجزه لم يكن سهلا ولم يكن فقاعات صابون.بل حقائق راسخة في حياتنا وثقافتنا.
في السنوات الأخيرة عاد طالبا جامعيا في "جامعة ليبتسك" في روسيا لنيل شهادة الدكتوراة، وللأسف لم يتمكن بسبب ما احاط به في الفترة الأخيرة من ادعاءات مؤلمة، ان يواصل دراسته، واعرف ان ما تبقى له هو مناقشة اطروحته. وليت ابناء عائلته يصدرون اطروحته في كتاب وانا على ثقة انها مليئة بتجربة ثقافية ثرية .
حدثني أيضا في الفترة الأخيرة انه يكتب رواية جديدة. هل انتهى من انجازها؟
بكل الم نودع هذا الأخ الكبير الذي كان ملاذا لجميع الأدباء في نشر اعمالهم ومنحهم جوائز ادبية تسهل عليهم التفرغ لسنة كاملة من أجل الابداع الثقافي. واقول امرا هاما ، انه لم يضع أية شروط سياسية او ثقافية على اصدار الأعمال، بل نهج بطريقة ليبرالية مطلقة، وهذا ما جعل دائرة الثقافة العربية تحظى باحترام جميع الاتجاهات السياسية.
موفق خوري يرحل من بيننا ، ولكنه باق بنا انجزه لأبناء شعبة خلال مسيرة حياته الطافحة بالنشاط والعطاء .
يكل الم اجد نفسي مرة اخرى اقف راثيا صديق كاتب وصاحب ايادي نفتقدها اليوم في تنشيط حياتنا الثقافية والفنية ودعمها ورعايتها وتوفير الشروط المادية والفنية والمعنوية لتطويرها واستمرارها. منذ غاب موفق عن رئاسة دائرة الثقافة العربية غابت الدائرة عن الثقافة والمثقفين وغاب نشاطها وغاب المحرك الذي لم يكن يكل من العمل والدعم والحث على الابداع الفني والثقافي.
مع غياب موفق ، بعد استقالته، التي لم يكن منها بد، لم يعد لدائرة الثقافة من قيمة الا المكاتب، ولا اسمع عن أي نشاط جديد، ولا اعرف هل يتواصل دعم المؤسسات التي ساهم الراحل موفق خوري في تاسيسها ورعايتها؟
واجه في مسيرته صعوبات ومحاولات اذلال وتجاهل لا تسر البال مصرا على نهجه ومفشلا كل ما احيك حوله من نوايا لا تفكر الا بما يخص ذاتها ومكانتها. كان مؤمنا بما يقوم به، ومصرا على صحة طريقه ، فصمد ، وتواصل حبك الخطط لاسقاطه. ولو كنت مكانه لقدمت استقالتي مبكرا ولكنه كان يصر ان يواصل ما بدأه، وكنت ارى عبث ما يقوم به ومخاطره على مكانته وصحته. واعتقد اليوم اني كنت مصيبا ورأيت ما لم يستطع موفق ان يراه .
كان عنوانا لكل الأدباء العرب داخل اسرائيل. لم يقل كلمة "لا" لأي اديب او متأدب. استقبل الجميع بترحاب وحب وقدم اقصى ما يستطيع تقديمه. لم يميز بين اديب له اسمه ومكانته ، وبين اديب مبتدئ . حتى حين انتقدت امامه بقسوة تفاهة بعض الاصدارات التي تبناها واصدرها ابتسم ودافع عن اعطاء الحق نفسه للجميع ، وان ما ينفع الناس يبقى في الأرض واما الزبد فيذهب جفاء.
كان يتصرف بالتساوي بين الجميع، لم اقتنع بموقفه ولكني فهمت دوافعه ، بانها منعا لإدعاءات قد يطرحها البعض بان موفق خوري لا يتصرف بمصداقية، ومع ذلك فوجئت من كثرة الطامعين لاحتلال وظيفته ، وهو لم يكن غافلا عما يدور حوله، ولكنه واثقا بصحة طريقه وحسن تعامله مع الجميع، وهذا يبدو انه افشل نوايا غير نظيفة حاولت ان تطول من استقامته ثم تسقطه.
ترى هل ما جرى معه في السنتين الأخيرتين ، كان نتاج حبكة اسقط فيها من منطلقات ثقته وتعامله الصريح والأخوي مع الجميع؟
لا استبعد ذلك!!
حزنت جدا ، حين اضطر للإستقالة لوقف عملية تشهير أسقطت في المحكمة. فهمت ان المشروع الحضاري الذي اطلقه وحلم ان يرعاه حتى يصلب عوده، قد اصبح سببا للإيقاع به.
وفرحت له بنفس الوقت لأنه تحرر من ضغوطات قاسية جدا كان يواجهها بصمت واحتمال اثناء تحمله لمسؤولياته. ولكن ظلت في الحلق غصة.
في العقد الأخير كتب مجموعة قصص للأطفال،ثم انتقل للكتابة الروائية . لا اريد التعامل النقدي الآن في تقييم ما كتب، ولكنه لم يكن بأي حال دون المستوى العام الذي صدر في ثقافتنا لكتاب آخرين.
كان يحلم ان يرى حولة الكثير من الأحفاد، كان يتحدث عن اول احفاده بفرح كبير ويروي نوادرهم. ويؤلمني انه لم يحظى بان يرى حلمه الانساني هذا يتحقق.
من المؤسف هذا الرحيل المبكر، وهو لم يكمل بعد عقده السادس. موفق فدم لثقافتنا دعما لا يمكن تجاهله وتجاهل دوره في فتح آفاق واسعة امام انطلاقة ابداعية في جميع مجالات الثقافة والفنون، ما كان لها ان تصبح حقيقة واقعة دون دوره المميز وقدراته على تلبية الضروريات الأساسية .
نحن لا نجهل ظروف واقعنا السياسي والتمييز ضدنا في الميزانيات الحكومية. ولكنه نجح نسبيا حيث فشل الآخرون.
في مسيرته تعرض لضغوطات شرسة، كان يخرج منها دائما أقوى وأشد تصميما. قلت له مرة انجزت الكثير، وحولك عواصف كثيرة، الا تفكر بالتقاعد واخلاء الميدان لحميدان؟
كان خوفه على مشاريعه . على مستقبلها. كانت تتملكه فكرة ان انسحابه يعني اندثار ما انجز. وهذا حقه لأن ما انجزه لم يكن سهلا ولم يكن فقاعات صابون.بل حقائق راسخة في حياتنا وثقافتنا.
في السنوات الأخيرة عاد طالبا جامعيا في "جامعة ليبتسك" في روسيا لنيل شهادة الدكتوراة، وللأسف لم يتمكن بسبب ما احاط به في الفترة الأخيرة من ادعاءات مؤلمة، ان يواصل دراسته، واعرف ان ما تبقى له هو مناقشة اطروحته. وليت ابناء عائلته يصدرون اطروحته في كتاب وانا على ثقة انها مليئة بتجربة ثقافية ثرية .
حدثني أيضا في الفترة الأخيرة انه يكتب رواية جديدة. هل انتهى من انجازها؟
بكل الم نودع هذا الأخ الكبير الذي كان ملاذا لجميع الأدباء في نشر اعمالهم ومنحهم جوائز ادبية تسهل عليهم التفرغ لسنة كاملة من أجل الابداع الثقافي. واقول امرا هاما ، انه لم يضع أية شروط سياسية او ثقافية على اصدار الأعمال، بل نهج بطريقة ليبرالية مطلقة، وهذا ما جعل دائرة الثقافة العربية تحظى باحترام جميع الاتجاهات السياسية.
موفق خوري يرحل من بيننا ، ولكنه باق بنا انجزه لأبناء شعبة خلال مسيرة حياته الطافحة بالنشاط والعطاء .
CONVERSATION
إصدار جديد للأب يوسف سعيد بعنوان أسلحة خاصّة بمتاريس الرُّوح
صبري يوسف ـ ستوكهولم
أصدر الأديب والشَّاعر صبري يوسف ديواناً جديداً للأب يوسف سعيد عن طريق دار نشر صبري يوسف في ستوكهولم، حيث كان الأب الرَّاحل قد طلب من صبري يوسف نشر هذا الدِّيوان (عن طريق دار نشره، بعد أن نشر ديوان فضاءات الأب يوسف سعيد: الأرض التُّراب السَّماء الماء)، وتلبيةً لرغبة الأب الرَّاحل تم نشر نسخ محدَّدة كطبعة أولى من الدِّيوان، تأكيداً على تحقيق طلبه ورغبته، وسيتم إصدار الكتاب عن طريق وزارة الثَّقافة والشبَّاب، المديرية العامّة للثقافة والفنون السِّريانيّة في أربيل ضمن إصدارات 2012، مع كلِّ الكتب الَّتي تناولت تجربة الأب الرَّاحل، كالدِّراسات التَّحليلية والنّقدية والشّهادات الأدبيَّة والقصائد التأبينيّة والرِّثائيّة، إضافة إلى كلِّ كتب ودواوين الأب يوسف سعيد المنشورة والمخطوطة بالعربيّة والسِّريانيّة.
ضمَّ الدِّيوان الجديد ثلاث قصائد شعريّة طويلة حملت العناوين التَّالية،
أسلحة خاصّة بمتاريس الرُّوح، المطر، وأميريكا. كما تضمَّن الدِّيوان نصاً أدبيَّاً بديعاً، حمل عنوان: زراعة الشِّعر، تمَّ نشره كمدخل إلى فضاءات القصائد.
استهلَّ الدِّيوان صبري يوسف بمقدّمة طويلة، كما أنّه أعدَّ وأخرج الكتاب بما فيه التَّنضيد الالكتروني والغلاف والرُّسوم الدَّاخليّة، وفاءً منه لصديقه الأب الرَّاحل يوسف سعيد، حيث يعتبره من كبار رؤّاد الحداثة الشعريّة ومن القامات الأدبيّة الباسقة!
... من خلال قراءاتي لدواوين الأب يوسف سعيد وصداقتي العميقة معه خلال أكثر من عقدين من الزَّمن، تبيَّن لي واضحاً أنَّ الأب يوسف سعيد يحملُ بين أجنحته رحيق الشِّعر، وأراه كإنسان مخضَّباً بالشِّعرِ، ومجبولاً من طين الشِّعر، فهو يشبه نبتة وارفة معرَّشة بالإخضرار الدَّائم والعطاء الجَّانح نحوَ الشَّفافيّة، والصَّفاء، والمحبّة، والخير، والسّلام، والفضيلة، وكأنّه متدفِّق من أحلامِ طفولةٍ أزليّة، تبرعمت في أحشاءِ أمِّه في ليلة قمراء، وظلّت معرَّشة في كينونته الشّفيفة، مرافقةً له طوال حياته، إلى أن حلَّق عالياً، معانقاً زرقة السَّماء، تاركاً خلفه القصيدة ترفرف فوق وجنة الحياة!
CONVERSATION
امير الشعر يونس الإبن مكَرَّماً في بلدته مزيارة
أقامت بلدية مزيارة حفلاً تكريميًا للشاعر يونس الإبن، وذلك برعاية معالي وزير الثقافة الأستاذ غابي ليون ممثلاً برئيس الاتحاد الفلسفي العربي الدكتور أدونيس العكره، في نادي شبيبة مزيارة. حضر الحفل عدد كبير من مسؤولي، رؤساء بلديات المنطقة ومخاتيرها وأصدقاء ومحبي الشاعر الكبير في مزيارة. البداية كانت مع النشيد الوطني اللبناني أدته جوقة رعية مزيارة والمطرب سركيس رفول. من ثم كلمة شعر ترحيبية من الأستاذ إيليا رفول خاصة بابن مزيارة ومؤلفة من أبرز أعمال يونس الإبن: "لبنان وطنٌ عشقه يونس الإبن ونظم فيه أجمل الأشعار، هيامه بهذا الوطن لا يوصف، وبشعره، أصبح يونس أباً للبنان. هنيئاً لمزيارة بهذا المجد! بهذا الشاعر الذي صار الخيط والغزال والمغزَل! فمزيارة هي أم الصبي، والأم هي الأولى للاحتفال، أبناؤها حلقوا مع الريح إلى كل أرجاء العالم، وأينما كانوا، كانت مزياريتهم ترافقهم وبها علوا أينما حلوا."
ثم كانت كلمة البلدة ألقاها رئيس البلدية المهندس ريمون الشدياق: قال فيها "أقف بينكم اليوم وقفة عز لأن البلدية تقوم بتكريم كبير من عندنا ملأت أشعاره المغناة أرجاء الدنيا في لبنان وبلاد الاغتراب فبفضله كم من "مروان" شده الحنين وعاد إلى "قطعة السما اللي ثاني ما إلا". فهذا الكبير ساهم مساهمة فاعلة في رفع مستوى الأغنية اللبنانية وغنى كبار المطربين أشعاره فخلدهم وخلدوه. وبلداتنا الأربعة أي مزيارة وحرف مزيارة وحميص وصخرة التي تتشكل منهم بلديتنا ذخرت وتذخر بأشخاص عديدين رفعوا اسم بلداتهم عالياً وهم جديرون بالتكريم ولعل هذا الاحتفال اليوم هو الباكورة. فاهلاً وسهلاً بكم! أما إنت يا أستاذ يونس، لك مني كل محبة وتقدير وإذا جئنا للشعر، فانت نسر ونحن أمامك عصافير.
يونس إنت بيّ وابن
والكلمي حبكتا أشعار
إحساسك نثر نشرتو
إحساسك نثر نشرتو
اسمك باقي مع الكبار
كل يوم بنكها جديدي
كل يوم بنكها جديدي
صورا لمعت بالأنوار
بكلمي ما فينا نكافيك
بكلمي ما فينا نكافيك
ولا تفكر حا لك ختيار
روح الشب بقلبك بعد
روح الشب بقلبك بعد
بيحبوك كبار صغار
والدنيي شفتا من فوق
والدنيي شفتا من فوق
عندك نظرا وطبعك نار
بركان بيغلي وبيفور
بركان بيغلي وبيفور
وبيطلع ورد وازدهار
عطيت سقيت الكلمي الحرف
عطيت سقيت الكلمي الحرف
مزيارة إمك بتغار
جوات ضلوعا تخبيت
جوات ضلوعا تخبيت
واسمك رح يبقة تذكار"
بعده كانت كلمة رئيس تحرير جريدة الشرق الأستاذ خليل الخوري، الذي بدأ كلامه بمدح "مزيارة":
أميرة البلدات وعروس الروابي التي فيها يطيب الكلام ويحلو. ومن على روابيها الشامخات، انطلق ذلك المزياري، يجوب الآفاق، فيضيف إلى دفق الأمازون من طاهر عرقه، وبه يروي رمال أفريقيا.. وهو عرق العافية، والإرادة والإقدام، وهو خصوصاً عرق المحبة والإلفة. فهي لؤلؤة هذا الجبل الأشم، المشعة أبداً بعطاء أبنائك، منارةً للدين والدنيا." ومن ثم تحدث عن يونس يوسف يونس، صديقه الصدوق منذ الصغر: شكل، دائماً، لغزاً جميلاً في خاطري. فمنذ أن خطوت أولى نقلاتي على درج هذا البيت الذي نشأ فيه العباقرة، كان يونس جاذباً لي، موضع إعجابي، مرتع محبتي، مثارةً لاهتمامي. أول ما جذبني خطه المشرق، فبيانه الأكثر إشراقاً في لغةٍ متينةٍ على يسرٍ، ويسيرةٌ على تمنُع. كان يونس، يثير فيّ غيرةً مفهومة: لماذا يستقطب هذا الاهتمام؟... قال جورج اسحاق الخوري عن يونس: "يونس يونس مثل الدهر، ساعة معك، ساعة عليك". لكني أدركت ان يونس لم يكن سويعاتياً في المع والضدّ، إنما هو من القلائل الذين لا يتخلون عن صديق، ولا يطعنون في الظهر، ولا يسيئون الأمانة. هو الشاعر الألمعي الذي سبق عصره في الانتفاض، شاباً، على واقع وتقاليد ومسلمات، يمثل لي، اليوم، ذاك الزمن الجميل الذي نتوق إليه في غمرة هذا الزمن المتمادي في الرِدة والرداءة. أنت العبقري الذي علمتنا الانتفاضة بقصيدتك "نعم، أنا شاعر فقير".. أنت الأغنى يا يونس. وأنت الأبقى يا يونس."
أميرة البلدات وعروس الروابي التي فيها يطيب الكلام ويحلو. ومن على روابيها الشامخات، انطلق ذلك المزياري، يجوب الآفاق، فيضيف إلى دفق الأمازون من طاهر عرقه، وبه يروي رمال أفريقيا.. وهو عرق العافية، والإرادة والإقدام، وهو خصوصاً عرق المحبة والإلفة. فهي لؤلؤة هذا الجبل الأشم، المشعة أبداً بعطاء أبنائك، منارةً للدين والدنيا." ومن ثم تحدث عن يونس يوسف يونس، صديقه الصدوق منذ الصغر: شكل، دائماً، لغزاً جميلاً في خاطري. فمنذ أن خطوت أولى نقلاتي على درج هذا البيت الذي نشأ فيه العباقرة، كان يونس جاذباً لي، موضع إعجابي، مرتع محبتي، مثارةً لاهتمامي. أول ما جذبني خطه المشرق، فبيانه الأكثر إشراقاً في لغةٍ متينةٍ على يسرٍ، ويسيرةٌ على تمنُع. كان يونس، يثير فيّ غيرةً مفهومة: لماذا يستقطب هذا الاهتمام؟... قال جورج اسحاق الخوري عن يونس: "يونس يونس مثل الدهر، ساعة معك، ساعة عليك". لكني أدركت ان يونس لم يكن سويعاتياً في المع والضدّ، إنما هو من القلائل الذين لا يتخلون عن صديق، ولا يطعنون في الظهر، ولا يسيئون الأمانة. هو الشاعر الألمعي الذي سبق عصره في الانتفاض، شاباً، على واقع وتقاليد ومسلمات، يمثل لي، اليوم، ذاك الزمن الجميل الذي نتوق إليه في غمرة هذا الزمن المتمادي في الرِدة والرداءة. أنت العبقري الذي علمتنا الانتفاضة بقصيدتك "نعم، أنا شاعر فقير".. أنت الأغنى يا يونس. وأنت الأبقى يا يونس."
الشاعرة و الفنانة التشكيلية باسمة بطولي قالت في كلمتها: "أما ليونسنا.. فاليومَ ها نجد.. على براعته المعطاء قد سهروا.. تكريمُ.. يا لتكريم الكرامِ لنا!.. يغلّ فينا كما في ليلنا السحر، نحبه، نشتهي لو حبنا نهر، يؤبد الخصب في أوراقه النهر، على نضالاته، نهمي هناءَ غدٍ، يطل زهو ربيعٍ ما همى مطر لو استطعنا لخلينا الحياة ضحًى لديه.. من بعده لا يغرب العمر له انتزعنا نجوماً من أسرتها تصحو بتاجٍ لملكٍ ليس يندثر وما ارتضينا كنوز الأرض نثرها عليه عطراً كفى تاريخه العطر في عجزنا قد نعزى بالردى... قلقاً أمام ما خطّ إذ يجثو ويعتذر وقد تفنن في إركاعنا قدرٌ، إذ بالفنون قضت أن يركع القدر.."
ثم كانت كلمة تحليلية لشعر يونس الإبن من النقيب الشاعر أنطوان رعد: "لقد نلت هذه العشية حظوتين دفعة واحدة: مرة لأنه أتيح لي أن أزور مزيارة هذه البلدة التي كسر الله إزميله بعد أن نحتها واستراح، وأنا لم أزرها من قبل، ومرة لأنه أتيح لي أن ألتقي للمرة الأولى يونس الإبن هذا الشاعر الذي صلى للجمال، لكنه لم يصم يوماً عن أطايبه وطيباته. يونس الإبن شاعر مؤمن ومشرك على حد سواء، مؤمن بالجمال مشرك بالنساء ومجموعته ألف ليلى وليلى لا تشي بهذا الأمر فحسب، بل تعلنه على الملأ وعلى رؤوس الاستشهاد إيماناً منه بان التقية في الحب حلالاً كان أم حراماً تدنس قدسيته وتلغي شرعيته. وهو شاعر متعدد المواهب مثلث البركات عشق الفصحى كما عشق العامية وقد جمع العشيقتين فوق سرير واحد دون أن تقع حرب الوردتين، فخرجت الفصحى راضية، وانتنت العامية مرضية أما هو فقد ظفر بالنشوتين. وفي غفلة من الزمن خان العشيقتين إذ راود الفرنسية عن نفسه، فوقعت هذه في التجربة وأنجبت الخيانة قصائد فيها من خفر العذارى ومن إغواء بنات الجن. إن ثمة ثلاثة يحاورون الله تجربة وإنطلاق ولا يخافون: المجنون والسكران والشاعر. وقد تسنى ليونس الإبن أن يجمع هذه الأقانيم الثلاثة في شخصه فكان الثالوث الشيطاني: فقد سمح لنفسه بان يرفع الكلفة بينه وبين الله، فمازحه كما لو كان واحداً من أترابه، وسبحانه لا يستسيغ المزاح، وتمادى في عبثه فعاتبه ولامه، وبلغت فيه الوقاحة حد اتهامه بالتجسس والحقد، ولم يلبث أن ساقه مخفوراً إلى قوس المحكمة."
المحامي هنري خوري القى كلمة تفسيرية لشعر يونس الإبن مستوحاة من مجموعة أشعار له جاء فيها: "بلغ يونس الإبن في شعره الأصقاع الإرتيادية والنائية حيث يتجلى الشعر المتألق في مجال الوطنية والحب والمجتمع. إن في شعره عاملاً تجسيدياً قلما يتنبه إليه النقاد وهو عامل الإيقاع النفسي الذي يتصل بخلق الجمال أكثر مما يتصل بالزخرف والبراعة. شعره هو شعر الحياة والتنوع وهو يختلف تماماً عن شعراء القصيدة النثرية. في شعره، صياغةُ محترفٍ ناجحٍ كسرت جمود الشعر الغامض وجعلته مفهوماً ومأنوساً: هو يهرب من القواميس والمعاجم إلى لغة الناس يخطفها من الأحاديث اليومية ويلتقطها من أفواه الناس ويبث فيها بعض عطره الشعري فكأن لشعره كيمياء تحول ترابيات الألفاظ إلى درر وجواهر. أما غزله فهو عبارة عن تجربة ذاتية، حيث كان يعيش حالة الحب التي يعبر عنها في شعره، وبذلك تتخذ بعض القصائد طابع المذكرات الشخصية التي ترسم صورة شبه واضحة لشخصية الشاعر. يونس الإبن: هو المرتل في هيكل الحب والوطنية، لا يشبه صوته أي صوت، ما عرف الحبر يوماً، بل كتب بدمٍ وعرقِ جبين وعصارة روح... ينطلق من حروفه نفح طيبٍ كأنه البخور من أرز لبنان. شعره حديثُ الحياة، وتجميلٌ لواقع وتجويد لقول وتخليد لعاطفة، نحبه لأننا نرى فيه غنى المحتوى ورقي المستوى الذي يقودنا إلى محجة الحكمة والفن والجمال."
كلمة الشاعر يونس الإبن كانت عبارة عن قصيدة له بعنوان: "خناقة مع الله"، بعدها سلم ممثل وزير الثقافة الدكتور أدونيس العكره درع تكريمي للشاعر وكانت له كلمة بهذه المناسبة وقال: "اليوم يدهَمُنا زمنُ العمل المحتاج إلى نضالاتٍ من الأصعب والأشرس: إنه العمل على الخروج بالتعلم والتثقف والاطلاع من دفاتر العلامات والشهادات الورقية إلى الساحات العامة وإلى الفضاء العمومي من خلال الإنتاج الفكري والإبداع الثقافي المتمكن من أصول الجماليات ومبادىء الخير وقواعد الحق، وكلها مناخات متماهية يتولد من طياتها الشعر، ويولد من تزاوجها الشعراء فيرسمون بالكلمة وموسيقاها مشروع تربية على الثقافة المواطنية. إن شاعرية هذا المشروع تقوم على الإنهمام بتكوين المواطن في بلادنا بما يرسخُ وحدة الانتماء، ويضمن الولاء للهوية الجامعة بين مشتركات التنوع ضمن مبدأ الحق بالاختلاف، وينصبُ المواطنين مستنداً فعلياً لسيادةٍ لا تُجتزأ في دولتهم، ومصدراً لكل سلطة مدنيةٍ فيها. إنه مشروع يُعنى بكل ما من شأنه أن يكون مواطنين مستنيرين بالحب والخير والجمال والحق والمعرفة، أسياداً في وطنهم، أحراراً في معتقداتهم الدينية والفكرية، متآزرين معاً على الحدود تجاه الخارج، ملتزمين في الداخل بالمصلحة العمومية، لا الخصوصية، معياراً للعمل السياسي وشرطاً للخوض في الشأن العام. إن السياسة التربوية التي تقوم على التلقين وكَسبِ العلامات من أجل النجاح، تجعنا نخاف على أبنائنا، ونخاف منهم: نخاف عليهم خوفاً عظيماً عندما يسعون إلى النجاح على دفاتر العلامات، لأن الذين معيارُ نجاحهم دفتر علاماتهم كثيرون في هذا العالم، والتعرف إليهم هو في غاية السهولة. فهم يقفون بين الناس، بجبة التقوى، وهيبة السيادة، وقيافة الرئاسة، ولكن ركابهم معفرةٌ وعلى رقابهم صدأ الحديد ظاهر. وخوفنا منهم أعظم، إذ نخشى أن يختبؤا خلف شهاداتهم، ويحكموا بلدهم بالطغيان وهم في قصورهم ركوعٌ وعلمهم لا يردعهم. لئن تُعطِ المملوك سلطةً يَحكم بها كفرعون، ويَحكُم به مالكوه. إن اكتساب العلم بثقافة الجمال والمحبة والتشارك تجعل النجاحَ في العلم أخلاقاً في تطبيقه، والنجاحَ في الحكم أخلاقاً في ممارسة السلطة، والنجاحَ في النضال أخلاقاً ورفعةَ رأس في حملِ القضية الوطنية، وتجعل النجاحَ في السيادة أخلاقاً في التوكل عنها.. أما المعارفُ كلها، فإن النجاحَ فيها يأتي لاحقاَ. إن أهل الشعر المتشبعين بثقافة المواطنية هذه، لا يركعون للمال كي لا يَسهُلَ عندهم بيعُ شعبهم، ولا للجبَروت الخارجي لءلا يَسهُلَ عندهم بيعُ الوطن، ولا لشهوة السلطة لئلا يَسهُلَ عندهم بيع أنفسهم للشيطان. أيها الشاعر الذي عشقنا مع أترابي بغزلياتك، وتربينا على جمالياتك التي لا تزال محفورةً في سلوكنا ونضالاتنا في هذا الوطن، يشرفني أن أقف إلى جانب أهل مزيارة لأقول لك: إنك من الذين صنعوا حجمَ هذا الوطن، وفي حساب مساحتِه دخلت أسماؤهم."
كلمة الشاعر يونس الإبن كانت عبارة عن قصيدة له بعنوان: "خناقة مع الله"، بعدها سلم ممثل وزير الثقافة الدكتور أدونيس العكره درع تكريمي للشاعر وكانت له كلمة بهذه المناسبة وقال: "اليوم يدهَمُنا زمنُ العمل المحتاج إلى نضالاتٍ من الأصعب والأشرس: إنه العمل على الخروج بالتعلم والتثقف والاطلاع من دفاتر العلامات والشهادات الورقية إلى الساحات العامة وإلى الفضاء العمومي من خلال الإنتاج الفكري والإبداع الثقافي المتمكن من أصول الجماليات ومبادىء الخير وقواعد الحق، وكلها مناخات متماهية يتولد من طياتها الشعر، ويولد من تزاوجها الشعراء فيرسمون بالكلمة وموسيقاها مشروع تربية على الثقافة المواطنية. إن شاعرية هذا المشروع تقوم على الإنهمام بتكوين المواطن في بلادنا بما يرسخُ وحدة الانتماء، ويضمن الولاء للهوية الجامعة بين مشتركات التنوع ضمن مبدأ الحق بالاختلاف، وينصبُ المواطنين مستنداً فعلياً لسيادةٍ لا تُجتزأ في دولتهم، ومصدراً لكل سلطة مدنيةٍ فيها. إنه مشروع يُعنى بكل ما من شأنه أن يكون مواطنين مستنيرين بالحب والخير والجمال والحق والمعرفة، أسياداً في وطنهم، أحراراً في معتقداتهم الدينية والفكرية، متآزرين معاً على الحدود تجاه الخارج، ملتزمين في الداخل بالمصلحة العمومية، لا الخصوصية، معياراً للعمل السياسي وشرطاً للخوض في الشأن العام. إن السياسة التربوية التي تقوم على التلقين وكَسبِ العلامات من أجل النجاح، تجعنا نخاف على أبنائنا، ونخاف منهم: نخاف عليهم خوفاً عظيماً عندما يسعون إلى النجاح على دفاتر العلامات، لأن الذين معيارُ نجاحهم دفتر علاماتهم كثيرون في هذا العالم، والتعرف إليهم هو في غاية السهولة. فهم يقفون بين الناس، بجبة التقوى، وهيبة السيادة، وقيافة الرئاسة، ولكن ركابهم معفرةٌ وعلى رقابهم صدأ الحديد ظاهر. وخوفنا منهم أعظم، إذ نخشى أن يختبؤا خلف شهاداتهم، ويحكموا بلدهم بالطغيان وهم في قصورهم ركوعٌ وعلمهم لا يردعهم. لئن تُعطِ المملوك سلطةً يَحكم بها كفرعون، ويَحكُم به مالكوه. إن اكتساب العلم بثقافة الجمال والمحبة والتشارك تجعل النجاحَ في العلم أخلاقاً في تطبيقه، والنجاحَ في الحكم أخلاقاً في ممارسة السلطة، والنجاحَ في النضال أخلاقاً ورفعةَ رأس في حملِ القضية الوطنية، وتجعل النجاحَ في السيادة أخلاقاً في التوكل عنها.. أما المعارفُ كلها، فإن النجاحَ فيها يأتي لاحقاَ. إن أهل الشعر المتشبعين بثقافة المواطنية هذه، لا يركعون للمال كي لا يَسهُلَ عندهم بيعُ شعبهم، ولا للجبَروت الخارجي لءلا يَسهُلَ عندهم بيعُ الوطن، ولا لشهوة السلطة لئلا يَسهُلَ عندهم بيع أنفسهم للشيطان. أيها الشاعر الذي عشقنا مع أترابي بغزلياتك، وتربينا على جمالياتك التي لا تزال محفورةً في سلوكنا ونضالاتنا في هذا الوطن، يشرفني أن أقف إلى جانب أهل مزيارة لأقول لك: إنك من الذين صنعوا حجمَ هذا الوطن، وفي حساب مساحتِه دخلت أسماؤهم."
ثم قدمت بلدية مزيارة ممثلةً برئيسها المهندس ريمون الشدياق درعاً تكريمياً لإبنها الشاعر يونس الإبن. وتخلل الحفل عروضات وثائقية مرئية من إعداد شادي يونس الإبن. وقد أُقيم كوكتيل على شرف المُحتفى به.
CONVERSATION
من رواد المدرسة التاريخية المصرية: محمد عبد الله عنان.. المؤرخ الموسوعى الشامل/ عمر مصطفى لطف
منذ عدة أسابيع مرت ذكراه (7 يوليو)... وفى هذه السنة تمر ذكرى مرور 520 سنة على سقوط الأندلس (1492م) وهو رائد الدراسات الأندلسية فى العالم العربى ... والآن ينشغل الناس بالسياسة ، وكان من المشتغلين بها لعدة عقود ... إنه المؤرخ المصرى محمد عبد الله عنان .. الذى رغم عمله بالمحاماة لسنوات ... ولكنه تركها ليتفرغ لعشقه الكبير وهو الكتابة والتأريخ للعالم الإسلامى عامة ، الأندلسى خاصةً. ولكن ممارسته للمحاماة اكسبته صفة مهمة للمؤرخ، وهى التحقق وتقصى الأدلة والمقارنة، قبل أن يصدر حكما ما، وهو ما جعل كتاباته محل ثقة دارسى التاريخ فى أنحاء العالم.
ولد محمد عبد الله عنان بقرية بشلا بميت غمر بمحافظة الدقهلية فى (7 يوليو 1896م)، حصل على البكالوريا من المدرسة الخديوية بالقاهرة فى عام (1914م)، كما حصل على الاجازة من مدرسة الحقوق السلطانية فى عام (1918م). وقد عمل محاميا بجانب الصحافة، إلى أن التحق بالوظيفة الحكومية فى عام 1935، وظل بها إلى أن أحيل إلى المعاش فى عام 1955.
كان يجيد عدة لغات (الانجليزية- الفرنسية- الالمانية- الاسبانية) وعلى دراية باللغة اللاتينية، مما جعله يترجم كتب فى عدة فنون، ففى التاريخ ترجم كتاب يوسف أشباخ (تاريخ الأندلس فى عصر المرابطين والموحدين)، وفى الأدب ترجم بعض قصص ديماس الصغيرة من مجموعة "الجرائم الشهيرة"، قصة "قلنسوة الذهب" للكاتب الفرنسى زافييه دى مونتبان، ولكنه أشتهر بترجمته لأطروحة الأديب الكبير طه حسين لدرجة الدكتوراة "فلسفة ابن خلدون الاجتماعية، تحليل ونقد".
كان عنان أحد أربعة هم مؤسسو الحزب الاشتراكى عام (1921م)، ولكنه تركه بعد ذلك، وجمعته الصداقة مع الكاتب الكبير محمد حسين هيكل وابراهيم عبد القادر المازنى، واشترك معهما فى تأليف كتاب سياسى بعنوان "السياسة المصرية والانقلاب الدستورى". هذا بالإضافة إلى عشرات المقالات السياسية فى جريدتى "السياسة" و"السياسة الأسبوعية". وله كتب فى التعريف بالمذاهب الاشتراكية ، منها كتابه "المذاهب الاجتماعية الحديثة".
وله عدة كتب يمتزج فيها الأدب بالتاريخ، وأهمها "المآسى والصور والغوامض"، وهو مجموع من الصور التاريخية الشائقة. وكتاب ""مأساة مايرلنج" والذى أصدره باللغتين العربية والانجليزية.
ولإدراكه بقيمة وعظمة التاريخ المصرى، كانت له عدة رائعة فيه، مثل كتابه "الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية"، والذى حاول فيه تفنيد المزاعم المحيطة بشخصية الخليفة الفاطمى بأمر الله، وكتابه عن الخطط المصرية "مصر الأسلامية"، وكتابه عن المؤرخين المصريين "مؤرخو مصر الإسلامية"، بالإضافة إلى عدة كتب أخرى.
ولم يكتف مؤرخنا بهذه الفنون، بل دخل إلى مجال التحقيق، فى مطلع السبعنيات، فأخرج كتابين هامين للأديب الأندلسى المشهور لسان الدين بن الخطيب "الاحاطة فى أخبار غرناطة"، و"ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب"، بجانب فهرسته للقسم التريخى للخزانة الملكية بالرباط.
وله كتاب جليل (صدر بعد وفاته فى عام 1988م)، أسرد فيه سيرته العطرة بعنوان "ثلثا قرن من الزمان).
ولكن ما أشتهر به حقا العلامة محمد عبد الله عنان، هو كتاباته عن الأندلس، التى عشقها وارتحل إليها عشرات المرات (وهو ما جعله يستخدم المصادر المحفوطة فى الأرشيفات الاسبانية) ، فظل يبحث في تاريخها وحضارتها عدة قرون، قدم لنا فيها أعظم موسوعة تاريخية عن الأندلس، وهى موسوعة "دولة الاسلام فى الأندلس"، وهى من 7 أجزاء ، تغطى تاريخ دولة الإسلام في الأندلس منذ الفتح حتى السقوط، بالإضافة إلى تمهيد رائع لأحوالها قبل الفتح الإسلامى، مع خاتمة عن أحوال مسلمى الأندلس بعد سقوطها، بالإافة إلى جزء أخير (السابع) عن الآثار الإسلامية الباقية فى الأندلس. ولا يزال دارسى التاريخ الأندلسى فى الشرق والغرب يعتمدون عليها – رغم مرور عدة قرون على اصدارها- ويثقون فى المعلومات الواردة فيها. وكان رائد المدرسة التاريخية المشتغلة بالتاريخ الأندلسى.
وبعد هذا العطاء الضخم العظيم المتنوع فى جميع الفنون، توفى العلامة الكبير محمد عبد الله عنان فى العشرين من يناير 1986، بعد أن كرمته الدولة بحصوله على جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية فى عام (1977م)، ووسام الجمهورية من الطبقة الأولى فى عام 1978، ووسام الكفاءة الفكرية من الملك المغربى الحسن فى عام 1981، واختير عضوا بمجمع اللغة العربية ونادى القلم الدولى.
وفى النهاية فإن أفضل تكريم لهذا الرجل هو أن كتبه لا تزال تنشر حتى الآن، ويعتمد عليها الكثير فى أبحاثهم ، ولا يزال آلاف الناس يتذكرون ريادته للمدرسة التاريخية المصرية والأندلسية، .
ولم ينساه التاريخ كما نسى مؤرخين آخرون، كتبوا من أجل الشهرة أو من أجل النفاق... رحمه الله وطيب ثراه.
CONVERSATION
الى رئيس رابطة إحياء التراث العربي السيد إيلي ناصيف المحترم/ بول خياط
حضرة الصديق الشاعر السيد شربل بعيني المحترم
تحية عاطرة وسلاما أما بعد
لقد إطلعت على المقابلة التي أجريتموها مع السيد إيلي ناصيف، الرئيس الجديد لرابطة إحياء التراث العربي في سيدني، ويسرني أن أعلق على المقابلة بالتعليق المرفق ربطا والذي أرجو التفضل مشكورين سلفا بإضافته في المجال المخصص للتعليقات على موقعكم الإلكتروني الناجح الغربة والذي أزوره وأطلع على مواضيعه الثقافية والشعرية والأدبية والتراثية الشيقة، التي أشكركم عليها.. أرجو التأكيد على إستلامكم هذه الرسالة والملف المرفق بها وشكرا ودمتم سالمين.
بول خياط
ملبورن 19 آب 2012
تحية عاطرة وسلاما أما بعد
لقد إطلعت على المقابلة التي أجريتموها مع السيد إيلي ناصيف، الرئيس الجديد لرابطة إحياء التراث العربي في سيدني، ويسرني أن أعلق على المقابلة بالتعليق المرفق ربطا والذي أرجو التفضل مشكورين سلفا بإضافته في المجال المخصص للتعليقات على موقعكم الإلكتروني الناجح الغربة والذي أزوره وأطلع على مواضيعه الثقافية والشعرية والأدبية والتراثية الشيقة، التي أشكركم عليها.. أرجو التأكيد على إستلامكم هذه الرسالة والملف المرفق بها وشكرا ودمتم سالمين.
بول خياط
ملبورن 19 آب 2012
**
الى رئيس رابطة إحياء التراث العربي السيد إيلي ناصيف المحترم
سمعت المقابلة التي أجريت معكم والمنشورة على موقع " الغربة"، ويسرني بصفتي أحد الحائزين على جائزة جبران خليل جبران العالمية التي منحتني إياها رابطة إحياء التراث العربي في عام 2009، أن أهنئكم على إنتخابكم رئيسا للرابطة، التي أنتم أحد مؤسسيها الأوائل، وأتمنى لكم كلّ التوفيق والنجاح في تأدية المهام الملقاة على عاتقكم والمسؤوليات التي أنيطت بكم عن جدارة وإستحقاق...وإنني أؤيد ما جاء على لسانكم لجهة أنه ليس من الضروري أن يكون لدى العضو أو الرئيس في لجنة ترعى التراث وتحييه، مؤلفات وكتب، لأن المهمّ هو أن يكون هذا الشخص من المهتمين بهذا التراث ومن الغيورين عليه والحريصين على إعلاء شأنه والمحافظة عليه، وتتوفر في شخصكم المؤهلات التي تمكنكم من القيام بهذه المهمة خير قيام وفقكم الله.
ودمتم سالمين
الكاتب والصحفي والباحث
بول خيّاط
ملبورن - 19 آب 2012
ودمتم سالمين
الكاتب والصحفي والباحث
بول خيّاط
ملبورن - 19 آب 2012
CONVERSATION
إصدار الأعمال الشِّعرية 1 للشَّاعر والفنَّان التَّشكيلي كابي سارة
صبري يوسف ـ ستوكهولم صدر للشاعر والفنَّان التَّشكيلي كابي سارة "الأعمال الشِّعرية 1" في ستوكهولم عن طريق "دار نشر الفابيت ماكسيما"، تتضمَّن ثلاثة دواوين شعريّة، حملت العناوين التَّالية:
1 ـ غجريّة ومطرٌ ناعم
2 ـ أصدقاء وذكريات وشوارع
3 ـ من وحي الحصار
1 ـ غجريّة ومطرٌ ناعم
2 ـ أصدقاء وذكريات وشوارع
3 ـ من وحي الحصار
قدّم الأب يوسف سعيد "الأعمال الشِّعرية 1"، حيث كتب الأب يوسف سعيد آخر مقدّمة لكتاب شعري قبل رحيله في السَّابع من شباط (فبراير) 2012 الماضي، تناول في مقدِّمته الجَّانب الفنِّي والأدبي في شخصيّة الفنَّان والشَّاعر كابي سارة، والأب الرَّاحل معروف بأسلوبه الرَّاقي في تقديم الدَّواوين الشِّعريّة، حيث كلّ ما كتبه من مقدّمات لدواوين شعريّة أو أي كتاب أدبي، هو بمثابة نصّ شعري، أدبي، أقتطف مدخل هذا التَّقديم:
گابي سارة .. أخاديد مِن روحه فوق أرض الظمأ
گابي سارة .. أخاديد مِن روحه فوق أرض الظمأ
الأب الشَّاعر يوسف سعيد
گابي سارة
تأخذ طريقك في لفحة فرح السعادة إلى الأشجار من غابات محتبكة الجذور، والأغصان، وحاملاً ضحكتها إلى أفانين في ثغر الصَّباح الوليد. حيث القدر عبارة عن وليمة لغدٍ مُجنـّح. بريش ملوّن من جراء قطرات رعشة الرُّوح. ذات الألوان القزحيّة ..
گابي سارة، فنَّان تشكيلي يحمل عذوبة مستقطرة من رحيق شروخات بهجة أخاديد الأرض. راحلاً في ذهولية عذبة نحو دساكر الرُّوح، حاملاً لوحة من قطرات خلاصات دموعه الَّتي تتآوى كالعصافير، تحت أغصانها ترويها أنفاس المزارع في حقول أورشليم. ضائعاً بهجة أقواسه من رحيق زهور الزَّنابق، وورود الحبق، ومزارع الدُّفلى، صانعاً بهجة أقداسه من ورد الجُّوري المتفصِّد بهجة
من أغصان شهقة آزخيّات ...، ومن تيّارات أشواق روحه الطَّيبة.
وحدها أنامله الرَّقيقة تحمل أشياء من قطرات رحيق روحه، هائماً في تجلِّياته، أشبه بأسراب طيور الهداهد في طيرانها. كمظلّة سماويّة فاتحة ثغر الفجر الوليد. ناطقاً من نهلة سماوية تفتح بأصابعها، وأنامل روحها ثغر الفجر المُتسكع على روابي روح العذارى الهائمات فوق رياض بساتين مُعبّأة بعصافير الدَّراغل الرَّمادية الصَّدر. عليها رموز لخطوط بلقاء. يشهقُ في ليلة گابية، يفهرِس فقرات في امتداد جملة واحدة. تأخذه سكرة الرُّوح إلى شاعريّة مقتطعة من جنان أمِّهِ الَّتي كانت أكثر عطاء في حبِّها لأختها البتول. ترسمُ في مراسمك زهرة تفاحة على خدِّ لوحتك الرَّمزية والمُشكّلة بعيون ونظرات تطلُّ من بؤبؤ الكتابة الَّتي تخطِّط لها من فراديس روحك.
ألست أنت المتفائل بنعاس العناقيد، ناظراً، رامقاً، عوسجة تطوي ظلّها وتتسكَّع تحت خيمة القمر.
ويختتم الأب يوسف سعيد مقدِّمته بالوقوف عند ريشة الفنّان الشَّاعر كابي سارة قائلاً:
حتماً ستكون الرِّيشة بين أصابع كابي سارة كانعطافات لمجاري سيولة ماء يتدفّق من قلب الصّلاة، سائلاً في سواقي قلب متحرِّر من منفاه. في لوحاتك شيء هام من شبقيات شهوة روح العذارى.
لكن دعني أسألك، هل ستعود مع مواكب شهر نيسان حاملاً بين أوراقك أحاسيسك النَّابضة بانحناءات السُّطور على لوحة من لوحات خيالك المجنَّح، أبداً تبقى جفونك حبلى بدموع مستقطرات دموع حسّك الكبير. الَّذي يعلو رواق الذَّاكرة الخصبة. أليست اللَّوحة الَّتي ترسمها تحت شجرة التُّوت في قيلولة صمت الأغصان والأوراق وخرير الجَّداول والأنهار عبارة عن سيمفونيات لخطوط تنمُّ عن بهجة جداول القلب. ...".
ومن أجواء الدِّيوان نقتطف هذه القصائد:
طقوس أول العشق
(1)
الغجريةُ تحبُّ الرِّجالَ ، والأدب
وتحبُّني أيضاً
ترسمُ في النَّهارِ وجوهَ الرِّجال
وتكتبُ في المساءِ إحتراقاتــَها
حزنها قال لي :
زحفَ الرِّجالُ إليها
وحين أحسّوها دافئة كمدفأة
قبّلوها كلسعاتٍ
وقهقهوا كثيراً
ورحلوا
فبكتْ، وتصاعدَ مِن زندِها
نارٌ ودخان .... ....
(3 )
كان الفصلُ شتاءً
والوقت مساء
وكنت كعادتي صامتاً
أتمتم قصيدة حبٍّ للمدفأة
وتعرفون أنّ العيونَ في المساء
تعرف كلّ اللُّغات
لـــذا غمرنا ضوء القمر
وغفت على كتفي
ونستْ الرَّجال
والمدن المنهارة .... ...
(5)
فتحتْ عينيها كالنُّورِ
حدّقــَت طويلاً
وضمَّتني بشدّة
ونامت فوق صدري
نمنا يومينِ
تحتَ أوراقِ الشَّجرِ، والمطر
احترقنا وأصبح الجسد رماداً
وعندما جاءت أولى شمس نحونا
بكت وبلَّلت زندي
وتمتمتْ: قلبي تشكلَّ بالأمسِ
عصفوراً وطار.
من ديوان "غجريّة ومطر ناعم".
******
حين أنام أفرح
إلى أخي متّى سارة
1
حين أنام أفرحُ
أقولُ سيأتيني في حلمٍ جميلٍ
مطرٌ ناعمٌ وأزهارٌ حمرٌ
ستأتيني امرأة عاديّة جداً
ولكنّها تبتسم
وتعانقُ المطر والزُّهور
وتعانقُ قلبيَ الحزين أيضاً
2
حين أنام أفرحُ
أقول سأنهض غداً
سأغنِّي للرياح وأرقصُ للمطرِ
أقول لابدّ أن يأتي
مَنْ يمسحُ جبهة الحياة بالزَّيت
فتصبحُ مقدسة، لابدّ ، لابدّ
3
وحين أنهض
أفتِّشُ قلبي، والوجوهَ، والشَّوارع
عن الحلم
عطرُ الياسمين لم يأتِ بعد
ولكن لا زلتُ حين أنامُ أفرحُ.
من ديوان: "أصدقاء وذكرات شوارع".
*****
شاعر على الرَّصيف
موزَّع على الأرصفة
منسيٌّ كحجارة الطّريق
يسأل نسمة
لا تجيب
حتّى نجمة الصَّباح
كانت عالية
بقى منسياً كاللَّيل الَّذي رحل
وبقى متألِّماً تحرقه الأرصفة
والزُّحام
ولهيب الذِّكرى لا يرحم ..".
من ديوان: "من وحي الحصار".
وعلى ظهر الدِّيوان قدَّم الشَّاعر نفسه كشاعر متعدِّد الأوطان:
الوطن الأوَّل . سورية . ديريك ...1957
خريج كلِّية الفنون الجَّميلة، جامعة دمشق 1982.
عضو في نقابة الفنون الجَّميلة، سورية.
عضو في جمعية اصدقاء الفن، سورية.
عمل في تدريس الفنون.
عدة معارض فرديّة في سورية، لبنان، السويد.
عدة معارض مشتركة في سورية، لبنان، السويد.
الوطن الثَّاني. السويد.. 1987
عضو في جمعية الفنَّانين التَّشكيلين العراقيين في السويد.
الوطن الثَّالث. المحبّة
محبَّة الله ، والانسان ، والفن.
وإلى جانب اللَّوحة والقصيدة يكتب الشَّاعر والفنَّان التّشكيلي كابي سارة القصّة القصيرة ولديه مجاميع قصصيَّة مخطوطة ودواوين شعريّة أخرى في طريقها إلى النُّور.
گابي سارة
تأخذ طريقك في لفحة فرح السعادة إلى الأشجار من غابات محتبكة الجذور، والأغصان، وحاملاً ضحكتها إلى أفانين في ثغر الصَّباح الوليد. حيث القدر عبارة عن وليمة لغدٍ مُجنـّح. بريش ملوّن من جراء قطرات رعشة الرُّوح. ذات الألوان القزحيّة ..
گابي سارة، فنَّان تشكيلي يحمل عذوبة مستقطرة من رحيق شروخات بهجة أخاديد الأرض. راحلاً في ذهولية عذبة نحو دساكر الرُّوح، حاملاً لوحة من قطرات خلاصات دموعه الَّتي تتآوى كالعصافير، تحت أغصانها ترويها أنفاس المزارع في حقول أورشليم. ضائعاً بهجة أقواسه من رحيق زهور الزَّنابق، وورود الحبق، ومزارع الدُّفلى، صانعاً بهجة أقداسه من ورد الجُّوري المتفصِّد بهجة
من أغصان شهقة آزخيّات ...، ومن تيّارات أشواق روحه الطَّيبة.
وحدها أنامله الرَّقيقة تحمل أشياء من قطرات رحيق روحه، هائماً في تجلِّياته، أشبه بأسراب طيور الهداهد في طيرانها. كمظلّة سماويّة فاتحة ثغر الفجر الوليد. ناطقاً من نهلة سماوية تفتح بأصابعها، وأنامل روحها ثغر الفجر المُتسكع على روابي روح العذارى الهائمات فوق رياض بساتين مُعبّأة بعصافير الدَّراغل الرَّمادية الصَّدر. عليها رموز لخطوط بلقاء. يشهقُ في ليلة گابية، يفهرِس فقرات في امتداد جملة واحدة. تأخذه سكرة الرُّوح إلى شاعريّة مقتطعة من جنان أمِّهِ الَّتي كانت أكثر عطاء في حبِّها لأختها البتول. ترسمُ في مراسمك زهرة تفاحة على خدِّ لوحتك الرَّمزية والمُشكّلة بعيون ونظرات تطلُّ من بؤبؤ الكتابة الَّتي تخطِّط لها من فراديس روحك.
ألست أنت المتفائل بنعاس العناقيد، ناظراً، رامقاً، عوسجة تطوي ظلّها وتتسكَّع تحت خيمة القمر.
ويختتم الأب يوسف سعيد مقدِّمته بالوقوف عند ريشة الفنّان الشَّاعر كابي سارة قائلاً:
حتماً ستكون الرِّيشة بين أصابع كابي سارة كانعطافات لمجاري سيولة ماء يتدفّق من قلب الصّلاة، سائلاً في سواقي قلب متحرِّر من منفاه. في لوحاتك شيء هام من شبقيات شهوة روح العذارى.
لكن دعني أسألك، هل ستعود مع مواكب شهر نيسان حاملاً بين أوراقك أحاسيسك النَّابضة بانحناءات السُّطور على لوحة من لوحات خيالك المجنَّح، أبداً تبقى جفونك حبلى بدموع مستقطرات دموع حسّك الكبير. الَّذي يعلو رواق الذَّاكرة الخصبة. أليست اللَّوحة الَّتي ترسمها تحت شجرة التُّوت في قيلولة صمت الأغصان والأوراق وخرير الجَّداول والأنهار عبارة عن سيمفونيات لخطوط تنمُّ عن بهجة جداول القلب. ...".
ومن أجواء الدِّيوان نقتطف هذه القصائد:
طقوس أول العشق
(1)
الغجريةُ تحبُّ الرِّجالَ ، والأدب
وتحبُّني أيضاً
ترسمُ في النَّهارِ وجوهَ الرِّجال
وتكتبُ في المساءِ إحتراقاتــَها
حزنها قال لي :
زحفَ الرِّجالُ إليها
وحين أحسّوها دافئة كمدفأة
قبّلوها كلسعاتٍ
وقهقهوا كثيراً
ورحلوا
فبكتْ، وتصاعدَ مِن زندِها
نارٌ ودخان .... ....
(3 )
كان الفصلُ شتاءً
والوقت مساء
وكنت كعادتي صامتاً
أتمتم قصيدة حبٍّ للمدفأة
وتعرفون أنّ العيونَ في المساء
تعرف كلّ اللُّغات
لـــذا غمرنا ضوء القمر
وغفت على كتفي
ونستْ الرَّجال
والمدن المنهارة .... ...
(5)
فتحتْ عينيها كالنُّورِ
حدّقــَت طويلاً
وضمَّتني بشدّة
ونامت فوق صدري
نمنا يومينِ
تحتَ أوراقِ الشَّجرِ، والمطر
احترقنا وأصبح الجسد رماداً
وعندما جاءت أولى شمس نحونا
بكت وبلَّلت زندي
وتمتمتْ: قلبي تشكلَّ بالأمسِ
عصفوراً وطار.
من ديوان "غجريّة ومطر ناعم".
******
حين أنام أفرح
إلى أخي متّى سارة
1
حين أنام أفرحُ
أقولُ سيأتيني في حلمٍ جميلٍ
مطرٌ ناعمٌ وأزهارٌ حمرٌ
ستأتيني امرأة عاديّة جداً
ولكنّها تبتسم
وتعانقُ المطر والزُّهور
وتعانقُ قلبيَ الحزين أيضاً
2
حين أنام أفرحُ
أقول سأنهض غداً
سأغنِّي للرياح وأرقصُ للمطرِ
أقول لابدّ أن يأتي
مَنْ يمسحُ جبهة الحياة بالزَّيت
فتصبحُ مقدسة، لابدّ ، لابدّ
3
وحين أنهض
أفتِّشُ قلبي، والوجوهَ، والشَّوارع
عن الحلم
عطرُ الياسمين لم يأتِ بعد
ولكن لا زلتُ حين أنامُ أفرحُ.
من ديوان: "أصدقاء وذكرات شوارع".
*****
شاعر على الرَّصيف
موزَّع على الأرصفة
منسيٌّ كحجارة الطّريق
يسأل نسمة
لا تجيب
حتّى نجمة الصَّباح
كانت عالية
بقى منسياً كاللَّيل الَّذي رحل
وبقى متألِّماً تحرقه الأرصفة
والزُّحام
ولهيب الذِّكرى لا يرحم ..".
من ديوان: "من وحي الحصار".
وعلى ظهر الدِّيوان قدَّم الشَّاعر نفسه كشاعر متعدِّد الأوطان:
الوطن الأوَّل . سورية . ديريك ...1957
خريج كلِّية الفنون الجَّميلة، جامعة دمشق 1982.
عضو في نقابة الفنون الجَّميلة، سورية.
عضو في جمعية اصدقاء الفن، سورية.
عمل في تدريس الفنون.
عدة معارض فرديّة في سورية، لبنان، السويد.
عدة معارض مشتركة في سورية، لبنان، السويد.
الوطن الثَّاني. السويد.. 1987
عضو في جمعية الفنَّانين التَّشكيلين العراقيين في السويد.
الوطن الثَّالث. المحبّة
محبَّة الله ، والانسان ، والفن.
وإلى جانب اللَّوحة والقصيدة يكتب الشَّاعر والفنَّان التّشكيلي كابي سارة القصّة القصيرة ولديه مجاميع قصصيَّة مخطوطة ودواوين شعريّة أخرى في طريقها إلى النُّور.
CONVERSATION
في مجرة النسيان يسكن الجسد/ خليل الوافي
في لمح البصر :
ينتهي كل شيء ، و أنت لم تفعل أي شيء ؛ عطش السنين يراودك في أحلام البرودة النائمة في أبراج الخيال ، يسقط نجم الوجع المنسي في قاع الغربة الذابلة تحت صقيع الطبقات المعزولة عن مكونات السبات الطويل ؛ لا الريح قادرة على اكتشاف الألم ، و لا الصمت الكوني تطاوعه دهشة الفراق ؛ لا أنت تحمل جسدك خلف ظلك ، و ينتهي بك الرحيل وحيدا عن ملامح وجهك الذي لا تعرفه ؛ ربما تتذكر تقاسيمه الشاردة مع طلوع القمر في متاهات الإحتمالات الصعبة أمام سواد الليل ...
في اتجاه الريح :
ا شيء يوقف الريح ، ما دام مطر الخير شحيحا في عيون من ظلموا نعمة الوجود ، و أقفلوا أبواب الرزق في وجه العباد ؛ لا الأرض مستعدة لحمل المزيد ، و لا القلوب الكفيفة عن طريق الصواب ، تعلن هزيمة الحق في أسواق النفاق ، من منكم يحمل عن أخيه رغيف يوم واحد ؟ ٠ يأتي الجواب مقنعا من جهة الخطأ ، و تبرير السلوك الأعرج في مواجهة وابل الأدلة الصارخة في اقتراب ساعة الغضب ٠ من تخاطب إذا ، و أنت عاجز أن ترشد القوم إلى مساليك الفطرة الأولى و حسن النظر؛ غريبة هي الدنيا ، تأخذ منك عمرك الطويل ، دون إستأذان ، وأنت ما تزال وفيا لركوب الأهوال و المحن ، متمسكا بخيط الأمل ...
ا شيء يوقف الريح ، ما دام مطر الخير شحيحا في عيون من ظلموا نعمة الوجود ، و أقفلوا أبواب الرزق في وجه العباد ؛ لا الأرض مستعدة لحمل المزيد ، و لا القلوب الكفيفة عن طريق الصواب ، تعلن هزيمة الحق في أسواق النفاق ، من منكم يحمل عن أخيه رغيف يوم واحد ؟ ٠ يأتي الجواب مقنعا من جهة الخطأ ، و تبرير السلوك الأعرج في مواجهة وابل الأدلة الصارخة في اقتراب ساعة الغضب ٠ من تخاطب إذا ، و أنت عاجز أن ترشد القوم إلى مساليك الفطرة الأولى و حسن النظر؛ غريبة هي الدنيا ، تأخذ منك عمرك الطويل ، دون إستأذان ، وأنت ما تزال وفيا لركوب الأهوال و المحن ، متمسكا بخيط الأمل ...
في ملح الحجر:
ركبت صحوي في انبلاج القمر ؛ عن أسرار الجرح الذي يعتريني ، ويشق جسدي إلى نصفين ، نصف لي و آخر وهبته للريح ؛ كي تنثر زرعي خلف السياج ، تسقط مزارع شبعا في كف فقيه ، يمسح عن وجهه سواد حلم يراود مراهقة الجيران في كبح صهيل الرغبة العالقة في تخوم السفن الغارقة في قاع المحيط ؛ هناك ينجلي ضوء مرجاني على تلاشي بقية الصور أمام مساليك الصمت العتيق ؛ يخرج الحجر عن اندفاع الموج الصاخب ، يواسي عشب الذاكرة في فتح شهية الملح و الحجر ؛ مثل ظل تافه تحت خيال القمر، يقف جسدي الهزيل يواجه شبح قيلولة ناضجة في سراب صحراء تحرق نفسها انتقاما من عطش العيون لرؤية هلال العرب ٠٠٠٠٠٠
في محنة السؤال الصعب :
متى تعود العروبة إلى جزيرة العرب ؟ ، و متى تعود اللغة إلى أصلها في تحريك الهمم ، و صناعة شارع الغضب ؟ ٠ أسئلة كثيرة تهرب من بؤرة الضوء ؛ حيث تشرق شمس العرب ، أنتظرت طويلا على حافة القمر ، أراقب نجم حلم بدا واضحا في سماء الغربة الباردة من شرفة بيت أطالت النظر، تحت ليل يخبئ أسراره الصامتة في عيون من يقطعون طريق الأمل ٠ و أنا ما زلت أنتظر إجابة الملح الخصم على فتح ممرات المكاشفة السريعة في طابور القدر ؛ لا شيء يحمي جسدي من انفجار الحجر....
في منحة جواز السفر :
كم كنت مخطئا ، عندما نظرت في خريطة الوجع السياسي ، و الصداع المزمن لفكر المرحلة ؛ كانت هواجسي أكبر من حلمي العربي ، الذي شاخت قواعده تحت ظغط القصف المتواصل ، و إنتظار الإشارة الأخيرة من يد العدو، و يبدو كل شيء يسير بطيئا على حبل سرك لا تراقبه ضعاف القلوب ، و لا تقوى الحماسة الزائدة من إدخال الرعب على وكر الذئاب الجائعة ؛ ثمة حكمة تتخلل مشهد المراقبة على حدود الإخوة الأعداء ؛ هنا أفقد بوصلة الإٍبحار ، و أظل أنتظر بزوغ فجر جديد ، يوحي بأمل العودة إلى جادة الصواب.....
ـــــ كاتب و شاعر من المغرب
كتب يومه السبت بتاريخ : 11/08/2012 بمدينة طنجة ٠
كتب يومه السبت بتاريخ : 11/08/2012 بمدينة طنجة ٠
CONVERSATION
وداعا سيدي الرئيس..!/نبيل عودة
(ساتيرا)
كلمة "أمباتيا" ماذا تعني ؟ هل هي نفسها كلمة "أباتيا" ؟
الفلسفة عرفت كلمة "أباتيا"، بأنها تعني فتور الشعور وتقود إلى نوع من الزهد في الحياة. فهل "أباتيا" هي الحالة التي أصابت الشعوب العربية مع رؤساء دولها، حاملي القاب "اعداء الأستعمار والصهيونية"، حتى تواصل طغيانهم وفسادهم عشرات السنين؟
حتى ابن خلدون قال "إن اختلاف نحل الناس في المعاش يقود إلى اختلاف أخلاقهم". فهل كان للفقر واٌلإملاق صفة غالبة، فرضت أخلاق الخضوع والاستسلام للفساد والقمع والتخلف الاجتماعي والاقتصادي التي ميزت المجتمعات العربية في عهد مومياءات غير مخلده بن علي والقذافي ومبارك وبشار والحبل على الجرار؟ ربما هي سياسة مدروسة مصدرها ذكاء الرؤساء العرب وفهمهم العبقري لابن خلدون وفلسفته الاجتماعية؟!
كيف سنعرف درجة ذكائهم وهم يتساقطون مثل الذباب؟
كلمة "أمباتيا" ظلت عالما مبهما أمامي لفترة طويلة قبل أن افهمها.
كثيرا ما سألت نفسي: أين تقع ال "أمباتيا" في عالم البشر، كيف تظهر ؟ كيف تتفاعل؟ وكيف يمكن فهم تفاعلها، أو عدم تفاعلها؟ هل تقع في حقل المعرفة ؟ في حقل المشاعر؟ ربما في حقل علم الأخلاق، إن أبقى منه الحكام العرب شيئا لشعوبهم ؟ أو في حقل الطمأنينة النفسية بأوهام الحوريات المنتظرات ؟
حتى في حقل ردود الفعل كانت العرب شواذ عن "قانون نيوتن الثالث" الذي يقول: "لكل قوة فعل قوة رد فعل مساوي لها في المقدار ومعاكس لها في الاتجاه".
هل الخطأ في نظرية نيوتن ام في الفيزياء العربية ؟
أنها إشارة واضحة لخروج العرب من الفيزياء أيضا بعد أن أخرجتهم الانقلابات العسكرية "الوطنية الثورية الاشتراكية" من التاريخ؟
هل كان لمضمون "أمباتيا" دورا في تفجير الانتفاضة العربية مثلا؟
هل لها تأثير على العلاقة بين القامع والمقموع؟
هل هناك "أمباتيا" في الحياة العملية للإنسان، ضمن مجتمعه ، أو ضمن بيته، أو ضمن تشكيلة وعيه السياسي؟
هل لها علاقة بالسلوك البشري؟ أو "مبدأ وحدة النفسية والنشاط"، كما يفسر السلوك فيلسوف "السلوكية" الأمريكي دكتور دافيد واطسون بناء على فكره المادي الميكانيكي، بقوله "ان الأشكال المعقدة للنشاط النفسي، هي نتيجة ردود فعل بسيطة "؟ فهل يصنف "النشاط النفسي المعقد" الذي أطلق الربيع العربي تحت مفهوم "ردود فعل بسيطة"؟
ربما أصيب العرب بحالة "أتاراكسيا "، التي تعني طمأنينة النفس وعدم التأفف أو التذمر، بعد عقود من غياب الأمل بفجر جديد، حتى السماء تجاهلتهم رغم ضجيجهم وصراخهم طلبا لرحمة السماء واضطرارهم لتمجيد نفس مومياء الرئاسة خلال عدة أجيال إمتنعوا خلالها عن ردود الفعل بكل اشكالها حتى الصامتة مهما تراكمت؟!
حتى لو اضطرتك دولتك الإشتراكية الوحدوية الثورية ،المعادية مع الترصد وسبق الإصرار للاستعمار والصهيونية والرجعية، البحث عن طعامك بأكوام القمامة؟ وبيع شرفك وشرف عائلتك لشيوخ نفطيين، من أجل القضية الكبرى: تحرير الوطن المحتل ، يجب ان تفهم انها الوطنية والتضحية وحذار ان تتهاون بالشك بوطنيتهم او أن تشكك بنواياهم او بعدائهم للإستعمار والصهيونية، حتى لا تسحل بالشوارع ، أو تصبح عميلا متآمرا تستحق المعالجة في دوائر الشبيحة.
اعتبروا انفسكم برلمانيين عرب يستقبلون رئيسهم الضاحك المحبوب، صفقوا وزيدوا الهتاف صخبا، الستم ظاهرة صوتية مميزة بين الشعوب ؟!
هل تُحرر الأوطان الا بتجويع الشعب وإملاقه وحبس مفكريه ومناضليه بالزنازين ودفعه لبيع شرفه؟ ربما ما نشهده هو تطوير لنظرية سياسية بعثية قومية جديدة ؟!
يمكن القول أن الثورات العربية هي نتيجة ردود فعل بسيطة تثبت نظريات فلسفية عديدة، مثلا تحول الكم الى كيف، تراكم البطش ولد نوعية جديدة من الرد بشكل انتفاضة تحول إلى نوعية أخرى لها كيفية جديدة من الرد ، وقانون نفي النفي لم يقف متفرجا، المومياءات الرئاسية نفت الشعب، بعد تحول الكم القمعي الى كيفية جديدة في الرد، جاء نفي النفي ، المومياءات التي نفت الشعب قرر الشعب ان ينفيها, وهي قوانين فعالة في حياة البشر وفي الطبيعة، لم يتوقعها الأغبياء المرتاحون على كراسي رئاسة الدول العربية ، محاطون بجلاوزتهم وشبيحتهم وبثيناتهم ؟
الخوف ان لا نستبدل الاستبداد السياسي باستبداد ديني أسوأ من سابقه، من منطلق دمجه السياسة والدين... فنعود الى نقطة بداية اسوأ نعيش حلما جديدا برحمة لن تأتي من السماء!!
كلمة "أمباتيا" ماذا تعني ؟ هل هي نفسها كلمة "أباتيا" ؟
الفلسفة عرفت كلمة "أباتيا"، بأنها تعني فتور الشعور وتقود إلى نوع من الزهد في الحياة. فهل "أباتيا" هي الحالة التي أصابت الشعوب العربية مع رؤساء دولها، حاملي القاب "اعداء الأستعمار والصهيونية"، حتى تواصل طغيانهم وفسادهم عشرات السنين؟
حتى ابن خلدون قال "إن اختلاف نحل الناس في المعاش يقود إلى اختلاف أخلاقهم". فهل كان للفقر واٌلإملاق صفة غالبة، فرضت أخلاق الخضوع والاستسلام للفساد والقمع والتخلف الاجتماعي والاقتصادي التي ميزت المجتمعات العربية في عهد مومياءات غير مخلده بن علي والقذافي ومبارك وبشار والحبل على الجرار؟ ربما هي سياسة مدروسة مصدرها ذكاء الرؤساء العرب وفهمهم العبقري لابن خلدون وفلسفته الاجتماعية؟!
كيف سنعرف درجة ذكائهم وهم يتساقطون مثل الذباب؟
كلمة "أمباتيا" ظلت عالما مبهما أمامي لفترة طويلة قبل أن افهمها.
كثيرا ما سألت نفسي: أين تقع ال "أمباتيا" في عالم البشر، كيف تظهر ؟ كيف تتفاعل؟ وكيف يمكن فهم تفاعلها، أو عدم تفاعلها؟ هل تقع في حقل المعرفة ؟ في حقل المشاعر؟ ربما في حقل علم الأخلاق، إن أبقى منه الحكام العرب شيئا لشعوبهم ؟ أو في حقل الطمأنينة النفسية بأوهام الحوريات المنتظرات ؟
حتى في حقل ردود الفعل كانت العرب شواذ عن "قانون نيوتن الثالث" الذي يقول: "لكل قوة فعل قوة رد فعل مساوي لها في المقدار ومعاكس لها في الاتجاه".
هل الخطأ في نظرية نيوتن ام في الفيزياء العربية ؟
أنها إشارة واضحة لخروج العرب من الفيزياء أيضا بعد أن أخرجتهم الانقلابات العسكرية "الوطنية الثورية الاشتراكية" من التاريخ؟
هل كان لمضمون "أمباتيا" دورا في تفجير الانتفاضة العربية مثلا؟
هل لها تأثير على العلاقة بين القامع والمقموع؟
هل هناك "أمباتيا" في الحياة العملية للإنسان، ضمن مجتمعه ، أو ضمن بيته، أو ضمن تشكيلة وعيه السياسي؟
هل لها علاقة بالسلوك البشري؟ أو "مبدأ وحدة النفسية والنشاط"، كما يفسر السلوك فيلسوف "السلوكية" الأمريكي دكتور دافيد واطسون بناء على فكره المادي الميكانيكي، بقوله "ان الأشكال المعقدة للنشاط النفسي، هي نتيجة ردود فعل بسيطة "؟ فهل يصنف "النشاط النفسي المعقد" الذي أطلق الربيع العربي تحت مفهوم "ردود فعل بسيطة"؟
ربما أصيب العرب بحالة "أتاراكسيا "، التي تعني طمأنينة النفس وعدم التأفف أو التذمر، بعد عقود من غياب الأمل بفجر جديد، حتى السماء تجاهلتهم رغم ضجيجهم وصراخهم طلبا لرحمة السماء واضطرارهم لتمجيد نفس مومياء الرئاسة خلال عدة أجيال إمتنعوا خلالها عن ردود الفعل بكل اشكالها حتى الصامتة مهما تراكمت؟!
حتى لو اضطرتك دولتك الإشتراكية الوحدوية الثورية ،المعادية مع الترصد وسبق الإصرار للاستعمار والصهيونية والرجعية، البحث عن طعامك بأكوام القمامة؟ وبيع شرفك وشرف عائلتك لشيوخ نفطيين، من أجل القضية الكبرى: تحرير الوطن المحتل ، يجب ان تفهم انها الوطنية والتضحية وحذار ان تتهاون بالشك بوطنيتهم او أن تشكك بنواياهم او بعدائهم للإستعمار والصهيونية، حتى لا تسحل بالشوارع ، أو تصبح عميلا متآمرا تستحق المعالجة في دوائر الشبيحة.
اعتبروا انفسكم برلمانيين عرب يستقبلون رئيسهم الضاحك المحبوب، صفقوا وزيدوا الهتاف صخبا، الستم ظاهرة صوتية مميزة بين الشعوب ؟!
هل تُحرر الأوطان الا بتجويع الشعب وإملاقه وحبس مفكريه ومناضليه بالزنازين ودفعه لبيع شرفه؟ ربما ما نشهده هو تطوير لنظرية سياسية بعثية قومية جديدة ؟!
يمكن القول أن الثورات العربية هي نتيجة ردود فعل بسيطة تثبت نظريات فلسفية عديدة، مثلا تحول الكم الى كيف، تراكم البطش ولد نوعية جديدة من الرد بشكل انتفاضة تحول إلى نوعية أخرى لها كيفية جديدة من الرد ، وقانون نفي النفي لم يقف متفرجا، المومياءات الرئاسية نفت الشعب، بعد تحول الكم القمعي الى كيفية جديدة في الرد، جاء نفي النفي ، المومياءات التي نفت الشعب قرر الشعب ان ينفيها, وهي قوانين فعالة في حياة البشر وفي الطبيعة، لم يتوقعها الأغبياء المرتاحون على كراسي رئاسة الدول العربية ، محاطون بجلاوزتهم وشبيحتهم وبثيناتهم ؟
الخوف ان لا نستبدل الاستبداد السياسي باستبداد ديني أسوأ من سابقه، من منطلق دمجه السياسة والدين... فنعود الى نقطة بداية اسوأ نعيش حلما جديدا برحمة لن تأتي من السماء!!
حقا، جاءت ردود الفعل متأخرة، ولكن أن يكون الأمر متأخرا، أفضل من ألا يحدث إطلاقا!!
إذن كيف نفهم معنى "امباتيا" ودورها في الأحداث العربية ؟
بعد البحث المضني وجدت تفسيرا ربما ليس كافيا، وهو ان كلمة "أمباتيا" تعني الشعور بما يعتمل بأعماق الآخرين ، وقدرة التسرب لمشاعرهم ، اختراق تجاربهم ومعارفهم وأفكارهم وأحاسيسهم لدرجة الإحساس بما يطابق أحاسيسهم. بمعنى آخر أن تكون قادرا على وضع نفسك في حذاء الآخر.. أو حتى في كلسونه ، هنا سقط الرؤساء العرب!!
لكن كيف تنطبق على حالة الإنفصام المرضي بين المواطنين ورؤساء دولهم؟
في دراستي للفلسفة لم أجد الكلمات التي أشرح بها بدقة هذا مصطلح "أمباتيا".
وقعت في إشكالية التشابه بين "أباتيا" و"أتاراكسيا" و"أمباتيا". التقارب بينهما مذهل ومكمل لبعضه البعض. حالة عربية لا شبيه لها في عالم البشر. هل مصدرهما واحد؟ هل فتور الشعور والزهد بالحياة ، لها رابط ما بالقدرة على التسرب لمشاعر الآخرين وفهم أحاسيسهم ؟ ظلت حيرتي قائمة، حتى سمعت حكاية من امرأة، بعد الانفجار العربي الغاضب،الذي يبدو انه امتد للمناطق المغلقة للمواطنين.
قالت أنها وصلت لوضع ميئوس لم تعد الحياة تعنيها، الفتور والزهد بطيبات الحياة لم يعد يفارقها، زوجها لم يعد يعني لها شيئا، معاشرته وخدمته هي آخر ما يهمها. الموت لم يعد يرهبها، تتمناه وتنتظره، لعله المنقذ من حياة الذل وغياب ما يستحق التمسك به. لا فجر جديد يبشر بتغير الحال، الثرثرة عن تحرير الوطن قتلتنا، يردحون ضد الاستعمار، الذي لا نراه إلا في خطاباتهم، وهم أسوأ منه. في الفترة الاستعمارية كان واقعنا أفضل، تحدثنا على الأقل وتنظمنا احزابا وهيئات شعبية بحرية ، ثرنا وعوملنا كثوار. بدل أن نتقدم بعد أن صرنا نظاما وطنيا ثوريا اشتراكيا وحدويا نتراجع ، نواصل السقوط في هوة لم نصل قعرها بعد.. بدل أن نحرر ارض الوطن التي أشبعونا غناء ومراجل ضد محتليه، نزداد ثرثرة وفقدانا لرغبتنا في الحياة.
كيف سنحرره ونحن أفضل ضمانة أمنية لمحتليه؟
هل نحرره لشيوخ نفط نبيعهم شرفنا من أجل سد رمقنا؟ لنظام يسرق ثروتنا ويبيعنا أناشيد وخطابات وابتسامات تلفزيونية؟ ماذا تركوا لنا لنتمسك به؟
واصلت حديثها الحزين، قالت:
- حتى حياتي الخاصة أضحت لوحة مصغرة من حياتي العامة. لم يعد ما يعنيني، فأنا متزوجة منذ أربعة عقود.. بعمر مواز لسيطرة رؤساء الفساد، أي منذ إطلالة نظمنا الثورية، لم أعد أشعر برغبة في الاقتراب من زوجي.. رغم إلحاحه الدائم... اتهمني أني باردة جنسيا، وعربد وهدد بالضرب.. ربما أراد أن يصير زوجا وشبيحا أسوة بسائر الرؤساء، يظن نفسه قائدا لمجلس الثورة في البيت، ومن كثرة عصبيته وإلحاحه ذهبت للعلاج لدى طبيبة مختصة.
سألتني :
- ما مشكلتك بالضبط ؟
- ربما برودة جنسية.. او ملل من حياة الخضوع، لا أشعر بجاذبية نحو زوجي ولا برغبة في معاشرته، أو الاستجابة لطلباته حتى البسيطة.. أراه عالة علي وعلى بيتي لدرجة لم يعد يهمني أمره، ولا اشتاق لمعاشرته أو خدمته، ولم أعد أحتمل وجوده ولا سماع ثرثرته.
- احضريه معك في المرة القادمة، وسأجري الفحوص المناسبة لأرى ما يمكن ان أفعله.
وواصلت السيدة الحديث :
- بعد أسبوع عدت مع زوجي إلى عيادة الطبيبة. قالت له الطبيبة انه من أجل علاج برودة زوجته الجنسية، وصدها له وابتعادها المتواصل عنه.. وعدم تلبية أوامره وطلباته، عليها أن تفحصه أولا، لتفهم اسباب تمرد زوجته، هل بسبب سطوته في البيت ام بسبب جحودها وخيانتها للأمانة ؟
وأضافت:
- رجاء اخلع ملابسك.. لا حاجة للارتباك.. أنا طبيبة ورأيت آلاف مما تظنه مميز رجولتك .. تأكد ، رغم انك رئيس بيت، أو حتى لو صرت رئيسا لجمهورية عربية، فلا فرق، لن تزداد رجولة أو سحرا. هل تعرف، عندما كنت صغيرة استغربت أني لا أملك ما يملكه أخي ويفخر به. شكوت لوالدتي، فماذا قالت لي والدتي ؟ قالت أني بما املكه استطيع عندما أكبر أن املك وأسيطر على آلاف مثل الذي عند أخي .. لذا لا ترتبك، وليكن واضحا لك ولمعشر الرجال، وبينهم الرؤساء العرب إذا ظل من يوهمهم برجولتهم، أنكم لستم الأفضل بهذا الشيء الذي تفخرون به...الرب منحكم هدية التبول وقوفا، ولكنه منحنا القدرة على الوصول للمتعة الجنسية مرات متكررة ... فما هو الأفضل حسب رأيك؟ لنفترض أن أذنك تحكك بشدة ، ما العمل؟ ستدخل أصبعك وتحكها. بعد ذلك تخرج أصبعك. قل لي من يشعر بالمتعة أكثر ؟ أصبعك أم أذنك؟
وواصلت الزوجة حكايتها:
- خلع زوجي ملابسه.. بان عاريا كما ولدته أمه.. رغم اشمئزازي من منظره، خجلت عنه .. ولكننا في عيادة للعلاج.
قالت الطبيبة:
- الآن در حول نفسك دورة كاملة.. مرة أخرى.. سر خطوة للأمام .. ارجع خطوتين إلى الخلف.. تقدم كأنك رئيس عربي يستعد لإلقاء خطابه الملكي. حسنا. الآن استلق على السرير من فضلك .. لا تستر عورتك .. لا تخجل .. لا فرق بينها وبين عورة رؤساء الجمهوريات البارزة عوراتهم في وجوههم..استلق .. حسنا .. يداك على الجنبين .. الآن أرى.. قم وارتد ملابسك وانتظر زوجتك في الخارج.
قامت تسجل ملاحظات في دفترها.
خرج زوجي وبقيت لوحدي مع الطبيبة. قالت:
- يا سيدتي آنت لا تعانين من برودة جنسية أو من حالة نفسية تجعلك ترفضين النوم معه أو استمرار سيطرته على البيت .. أنا أيضا لم أشعر بجاذبية نحو زوجك، كيف صبرت كل هذه السنين؟؟!!
إذن كيف نفهم معنى "امباتيا" ودورها في الأحداث العربية ؟
بعد البحث المضني وجدت تفسيرا ربما ليس كافيا، وهو ان كلمة "أمباتيا" تعني الشعور بما يعتمل بأعماق الآخرين ، وقدرة التسرب لمشاعرهم ، اختراق تجاربهم ومعارفهم وأفكارهم وأحاسيسهم لدرجة الإحساس بما يطابق أحاسيسهم. بمعنى آخر أن تكون قادرا على وضع نفسك في حذاء الآخر.. أو حتى في كلسونه ، هنا سقط الرؤساء العرب!!
لكن كيف تنطبق على حالة الإنفصام المرضي بين المواطنين ورؤساء دولهم؟
في دراستي للفلسفة لم أجد الكلمات التي أشرح بها بدقة هذا مصطلح "أمباتيا".
وقعت في إشكالية التشابه بين "أباتيا" و"أتاراكسيا" و"أمباتيا". التقارب بينهما مذهل ومكمل لبعضه البعض. حالة عربية لا شبيه لها في عالم البشر. هل مصدرهما واحد؟ هل فتور الشعور والزهد بالحياة ، لها رابط ما بالقدرة على التسرب لمشاعر الآخرين وفهم أحاسيسهم ؟ ظلت حيرتي قائمة، حتى سمعت حكاية من امرأة، بعد الانفجار العربي الغاضب،الذي يبدو انه امتد للمناطق المغلقة للمواطنين.
قالت أنها وصلت لوضع ميئوس لم تعد الحياة تعنيها، الفتور والزهد بطيبات الحياة لم يعد يفارقها، زوجها لم يعد يعني لها شيئا، معاشرته وخدمته هي آخر ما يهمها. الموت لم يعد يرهبها، تتمناه وتنتظره، لعله المنقذ من حياة الذل وغياب ما يستحق التمسك به. لا فجر جديد يبشر بتغير الحال، الثرثرة عن تحرير الوطن قتلتنا، يردحون ضد الاستعمار، الذي لا نراه إلا في خطاباتهم، وهم أسوأ منه. في الفترة الاستعمارية كان واقعنا أفضل، تحدثنا على الأقل وتنظمنا احزابا وهيئات شعبية بحرية ، ثرنا وعوملنا كثوار. بدل أن نتقدم بعد أن صرنا نظاما وطنيا ثوريا اشتراكيا وحدويا نتراجع ، نواصل السقوط في هوة لم نصل قعرها بعد.. بدل أن نحرر ارض الوطن التي أشبعونا غناء ومراجل ضد محتليه، نزداد ثرثرة وفقدانا لرغبتنا في الحياة.
كيف سنحرره ونحن أفضل ضمانة أمنية لمحتليه؟
هل نحرره لشيوخ نفط نبيعهم شرفنا من أجل سد رمقنا؟ لنظام يسرق ثروتنا ويبيعنا أناشيد وخطابات وابتسامات تلفزيونية؟ ماذا تركوا لنا لنتمسك به؟
واصلت حديثها الحزين، قالت:
- حتى حياتي الخاصة أضحت لوحة مصغرة من حياتي العامة. لم يعد ما يعنيني، فأنا متزوجة منذ أربعة عقود.. بعمر مواز لسيطرة رؤساء الفساد، أي منذ إطلالة نظمنا الثورية، لم أعد أشعر برغبة في الاقتراب من زوجي.. رغم إلحاحه الدائم... اتهمني أني باردة جنسيا، وعربد وهدد بالضرب.. ربما أراد أن يصير زوجا وشبيحا أسوة بسائر الرؤساء، يظن نفسه قائدا لمجلس الثورة في البيت، ومن كثرة عصبيته وإلحاحه ذهبت للعلاج لدى طبيبة مختصة.
سألتني :
- ما مشكلتك بالضبط ؟
- ربما برودة جنسية.. او ملل من حياة الخضوع، لا أشعر بجاذبية نحو زوجي ولا برغبة في معاشرته، أو الاستجابة لطلباته حتى البسيطة.. أراه عالة علي وعلى بيتي لدرجة لم يعد يهمني أمره، ولا اشتاق لمعاشرته أو خدمته، ولم أعد أحتمل وجوده ولا سماع ثرثرته.
- احضريه معك في المرة القادمة، وسأجري الفحوص المناسبة لأرى ما يمكن ان أفعله.
وواصلت السيدة الحديث :
- بعد أسبوع عدت مع زوجي إلى عيادة الطبيبة. قالت له الطبيبة انه من أجل علاج برودة زوجته الجنسية، وصدها له وابتعادها المتواصل عنه.. وعدم تلبية أوامره وطلباته، عليها أن تفحصه أولا، لتفهم اسباب تمرد زوجته، هل بسبب سطوته في البيت ام بسبب جحودها وخيانتها للأمانة ؟
وأضافت:
- رجاء اخلع ملابسك.. لا حاجة للارتباك.. أنا طبيبة ورأيت آلاف مما تظنه مميز رجولتك .. تأكد ، رغم انك رئيس بيت، أو حتى لو صرت رئيسا لجمهورية عربية، فلا فرق، لن تزداد رجولة أو سحرا. هل تعرف، عندما كنت صغيرة استغربت أني لا أملك ما يملكه أخي ويفخر به. شكوت لوالدتي، فماذا قالت لي والدتي ؟ قالت أني بما املكه استطيع عندما أكبر أن املك وأسيطر على آلاف مثل الذي عند أخي .. لذا لا ترتبك، وليكن واضحا لك ولمعشر الرجال، وبينهم الرؤساء العرب إذا ظل من يوهمهم برجولتهم، أنكم لستم الأفضل بهذا الشيء الذي تفخرون به...الرب منحكم هدية التبول وقوفا، ولكنه منحنا القدرة على الوصول للمتعة الجنسية مرات متكررة ... فما هو الأفضل حسب رأيك؟ لنفترض أن أذنك تحكك بشدة ، ما العمل؟ ستدخل أصبعك وتحكها. بعد ذلك تخرج أصبعك. قل لي من يشعر بالمتعة أكثر ؟ أصبعك أم أذنك؟
وواصلت الزوجة حكايتها:
- خلع زوجي ملابسه.. بان عاريا كما ولدته أمه.. رغم اشمئزازي من منظره، خجلت عنه .. ولكننا في عيادة للعلاج.
قالت الطبيبة:
- الآن در حول نفسك دورة كاملة.. مرة أخرى.. سر خطوة للأمام .. ارجع خطوتين إلى الخلف.. تقدم كأنك رئيس عربي يستعد لإلقاء خطابه الملكي. حسنا. الآن استلق على السرير من فضلك .. لا تستر عورتك .. لا تخجل .. لا فرق بينها وبين عورة رؤساء الجمهوريات البارزة عوراتهم في وجوههم..استلق .. حسنا .. يداك على الجنبين .. الآن أرى.. قم وارتد ملابسك وانتظر زوجتك في الخارج.
قامت تسجل ملاحظات في دفترها.
خرج زوجي وبقيت لوحدي مع الطبيبة. قالت:
- يا سيدتي آنت لا تعانين من برودة جنسية أو من حالة نفسية تجعلك ترفضين النوم معه أو استمرار سيطرته على البيت .. أنا أيضا لم أشعر بجاذبية نحو زوجك، كيف صبرت كل هذه السنين؟؟!!
CONVERSATION
خليل حاوي والبياتي: عرض تمهيدي مختصر/ د. عدنان الظاهر
خليل حاوي *
خليل حاوي شاعر لبناني درس الفلسفة في جامعة كمبردج البريطانية وبعد أنْ نال شهادة الدكتوراه رجع إلى لبنان ليمارس التدريس في إحدى الجامعات اللبنانية ( الجامعة الأمريكية ؟ ) . ما كان يميل لحياة الصخب والحفلات والطرب واللهو مع الصحاب والرفاق وما أهدر وقته جرياً وراء مغامرات رومانسية وعقد صفقات وقتية مع هذه السيدة أو تلك الشاعرة خلا قصة واحدة مع كاتبة لبنانية معروفة. كان في حياته التي اختار لها العُزلة التي تذكّرُ بالرهبنة توترٌ ظاهرٌ وربما اضطرابات عصبية تتسرب من خلال أشعاره ولكنْ بحذر وتحت رقابة وحسابات. في مقدمة نشيد " البحّار والدرويش " من ديوان نهر الرماد كتب حاوي ما يلي وما كتب ذا دلالات شديدة العمق تفسّر أو لعلها تُفسّر بعض الظواهر التي عصفت بحياة هذا الإنسان الزاهد شبه المتصوف الكثير التأثر بالروحانيات ثم بطبيعة وحياة الغجر :
[[ طوّف مع " يوليس " في المجهول، ومع " فاوست " ضحّى بروحه ليفتدي المعرفة، ثم انتهى إلى اليأس من العلم في هذا العصر، تنكّر له مع " هكسلي " فأبحر إلى ضفاف " الكنج " منبت التصوّف ...! لم يرَ غير طينٍ ميّتٍ هنا، وطين حار هناك. طين بطين !! ]] . إنه اليأس من الحياة معنىً وماهيّةً ووجوداً ! الكنج هو النهر الذي يتقدس به الهنود ويُكتب بالإنكليزية
Gang
وفي مقدمته للمقطع الذي يحمل العنوان " الناي والريح في صومعة كيمبردج " من ديوان " الناي والريح " كتب خليل حاوي :
[[ قابضٌ على الريح يسيّرها كيف شاء ]] . هذا القول شبيه بقول المتنبي :
على قلقٍ كأنَّ الريحَ تحتي
أوجهُها جَنوباً أو شمالا
سوى أنَّ حاوي قابضٌ على الريح وأنَّ المتنبي يمتطيها ولا يقبضُ عليها ... كلاهما سيّد الريح وصاحب السيطرة عليها.
حاول الإنتحار أكثر من مرّة فنجح في الأخيرة لشديد الأسف. هل هو شقيق زعيم الحزب الشيوعي اللبناني السابق السيد جورج حاوي ؟ لا أدري.
تميّز بأسلوبه الخاص في كتابة الشعر ومنهجية صارمة حيث التزم في أشعاره كافة إيقاعاً تفعيلياً واحداً لكأنه أراد القولَ إنَّ شعره قاطبة إنما يشكل ديواناً أو كتاباً شعرياً واحداً مترابطاً في عضويته وحيوتيه وفلسفته الشعرية والحياتية : أن الوجود واحد ، تأكيد وحدة الوجود إنسانا وما في الكون من مادة . لم يسبقه إلى هذا الأمر أحدٌ قبله أو بعده إلاّ إذا استثنينا لزوميات المِعرّي وذلكم أمرٌ آخر مختلف سوى من جهة الإلتزام الصارم بنهج خاص في كتابة الشعر. لكنَّ شعره لم يخلُ من عيوب شعر معاصريه من شعراء التفعيلة ولا سيّما السياب ونزار قباني والبياتي ... أعني تسكين أواخر السطور مخالفين روح اللغة العربية وقواعدها وأصولها المتحركة . وقعوا جميعاً تحت تأثير الشعر الإنكليزي خاصة فالإنكليزية لغة ليست متحركة . أجهل الفرنسية لذا لا أستطيع ذكرها أو ذكر تأثيرها على شعراء العربية المعروفين. ثقافة حاوي ودراسته إنكليزيتان فهل كانت ثقافته الأصل فرنسية كما هو شأن أغلب مثقفي وشعراء وكتّاب لبنان ؟ لا أدري.
ـ نظم أشعار ديوانه الأول " نهر الرماد " في الأعوام 1953 / 1957 / 1961
ـ قال عن سنوات كتابته للديوان الثاني " الناي والريح " ما يلي : نُظمتْ هذه المجموعة بين عامي 1956 و 1958 ، أُعيدَ النظر في بعض قصائدها عام 1960 .
ـ أما ديوان " بيادر الجوع " وهو الثالث فقد نظمه الشاعرُ بين عامي 1961 / 1964 .
ـ هل نشر خليل حاوي كتباً آخرى لا علاقة لها بالشعر أو لها علاقة ما وتداولها الناس في وخارج لبنان ؟ محتمل .
لو أمعنا النظر في سنيِّ كتابة أشعار حاوي لوجدناها أعواماً مُفعمة بالحوادث الجسام والتغيّرات العميقة التي ضربت المنطقة العربية وخاصة الشرق الأوسط. ثورة يوليو 1952 في مصر وغزو مصر الثلاثي خريف عام 1956 ثم ثورة 14 تموز عام 1958 في العراق وإنقلاب شباط 1963 في العراق. كانت مجلة الآداب اللبنانية لسهيل إدريس حاضنة الشعراء وعن طريقها قرأت لخليل حاوي وبلند الحيدري وقباني والبياتي وقبلهم السياب وغير هؤلاء من الشعراء العرب.
درس خليل حاوي الفلسفة ودرّسها في الجامعات لذا فالبُعد الفلسفيُّ عميق في فكر هذا الشاعر وفي شاعريته. ليس مطلوباً من الشعراء أنْ يكونوا فلاسفة أو أنْ يُقحموا الفلسفة في شعرهم إلاّ إذا اعتبرنا منهجيتهم الشعرية نوعاً من الفلسفة في عالم الشعر وذلك أمر مقبول ومُبرر فلكل شاعر منهجه وخطه الشعري ولغته الخاصة.
ما الذي دعاني لعقد مقارنة بين خليل حاوي والشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي ؟ قصيدة واحدة ... بل ومفردة واحدة : واترلو ! وردت في شعر كلا الرجلين فكيف وردت وما كانت المناسبات ؟ ذلكم هو السؤال. علماً أنَّ واترلو هو اسم المعركة الشهيرة التي خسرها نابليون عام 1814 أمام جيوش بريطانيا وحلفائها في بلجيكا وعلى البقعة المسماة واترلو . كما أنَّ في لندن اليوم محطة قطار واترلو يمتد أمامها جسر يحمل اسم جسر واترلو فأي واترلو قصد الشاعران ؟ سنرى لاحقاً . تكتب واترلو بالإنكليزية كما يلي :
Waterloo
في آخر قصيدة من ديوان " قمر شيراز " التي تحمل عنوان " حبٌّ تحت المطر " كتب البياتي التأريخ 2ـ12ـ1974 فهل هذا هو تأريخ كتابة هذه القصيدة وهي آخر قصيدة في ديوان قمر شيراز ؟ لا يوجد ما يمكن أنْ يحول دون أنْ يكون الجواب نعم. هذا السؤال هام لأنَّ خليل حاوي كتب عن جسر واترلو في أوائل ستينيات القرن الماضي فمتى كتب البياتي عن هذا الجسر ؟ كل الشواهد تدلُّ أنَّ البياتي كان قد أنجز كتابة ديوان قمر شيراز أوائل سبعينيات القرن الماضي [ حوالي التأريخ 2ـ12 ـ 1974 ] أي بعد ديوان الناي والريح لحاوي بأكثر من عشرة أعوام. ذكر خليل حاوي في نهاية ديوان الناي والريح الملاحظة الآتية [[ نُظمتْ هذه المجموعة بين عامي 1956 و 1958 .. أُعيد النظر في بعض قصائدها عام 1960 ]]. ليس قصدي من هذه المقارنة أنْ أقولَ إنَّ البياتي لحق حاوي وأخذ فكرة واترلو منه أو أنه تأثر به فالفروق جدَّ كبيرة فيما قال الرجلان عن واترلو سواء في التناول أوالأهداف والتشعبات والإستطرادات فلكل مقاصده وفي كل قصيدة مقتضيات أدّتها مفردة " واترلو " لاعبةً أدواراً مختلفة في قصيدتي الشاعرين كما سنرى. لم يقمْ البياتي في بريطانيا ولم يدرس هناك كما كان الشأنُ مع خليل حاوي.
واترلو خليل حاوي *
سأتناول قصيدة حاوي لأنها الأقدم . إنها تحملُ رقم الجزء السادس ( 6 ) من نشيد " وجوه السندباد " وهذا النشيد جزءٌ من ديوان الناي والريح. عنوان الرقم السادس هذا طويل ثلاثي المكوّنات وكما يلي
[[ 6 ـ الأقنعة، القرينة، جسر واترلو ]]. / الصفحة 208 من الديوان الكامل للشاعر.
ما الذي يربط بين هذه المفردات الثلاث ولكلِّ مُفردةٍ دلالاتها الخاصة ؟ لماذا الأقنعة والقرينة ثم جسر واترلو ؟ نقرأ القصيدة ونرى :
[[ لو دُعاءٌ عابرٌ للبيتِ،
للدفء، لكأسٍ مُترعةْ،
سوف يحكي ما حكى المذياعُ،
يحكي : " سُرعةُ الصاروخِ،
تسعيرُ الريالْ،
جوّنا المشحونُ بالإشعاعِ
والموتى بحمّى الخوفِ،
لا، شؤمٌ، مُحالْ،
طيّبٌ جوُّ العيالْ،
إبتذالْ. " ]]
هذا هو الجزء الأول من هذه القصيدة لا نجد فيه أَثراً أو ذِكراً لجسر واترلو أبداً. إنها مقدمة شاحبة متشائمة فيها سخرية لاذعة من وسائل الإعلام في بلد رأسمالي مثل بريطانيا. العيال بخير رغم أخطار الصواريخ ولا سيّما حاملة الرؤوس النووية ورغم الأجواء المشحونة بالإشعاعات الذرية جرّاء تفجيرات القنابل الذرية هنا أو هناك من باب الإختبار للقوة التدميرية لهذه القنابل بمعيار الميكاطن من مادة تي أنْ تي. العالم بخير إذاً !!
ما زال الشاعر في لندن فبعد قليل يذكر حي السوهو، حي البغايا في لندن القريب جداً من شارع أكسفورد حيث يربطه به طريق ضيّق يُدعى " دين ". يمشي الشاعر مع صديق في درب " سوهو " حيث يختلط الوجهان فما مغزى هذا الخلط وما دلالة هذا الإختلاط ؟ كتب حاوي ما يلي :
[[ إنَّ في وجهكَ بعضَ الشَبْهِ
من وجهِ صديقْ
ـ فلأكنْ ذاكَ الصديقْ
كنتُ أمشي معهُ في دربِ " سوهو "
وهو يمشي وحدهُ في لا مكانْ
وجهُهُ أعتقُ من وجهي ولكنْ
ليس فيهِ أثرُ الحُمّى
وتحفيرُ الزمانْ
وجهُهُ يحكي بأنّا توأمانْ
ولماذا ساقني للجسرِ
حيثُ الموجُ إثرَ الموجِ
يدوي يتداعى
مُدخناتُ الفحمِ تعوي
من محطات القطارْ
والبُخارْ
وضبابٌ كالحٌ ينبعُ
من صوبِ البحارْ
كلّها تغزلُ حولَ الجسرِ
حولي أفعواناً، أُخطبوطاً
وَسِخُ الأظفارِ، أشداقاً رهيبةْ ]] ....
أجلْ، هنا نجد ضالتنا المنشودة فهنا جسر واترلو وهنا محطة قطارات واترلو، بل وهنا نجد حي السوهو الملاصق للمدينة الصينية في قلب لندن ( هل سوهو كلمة صينية ؟ أظنُّ ذلك .. ولو أنَّ في هذا الظن إثماً ... فسوهو هو حيُّ الرِجسِ والبغاء )
Soho
في هذا المقطع إشكاليات جديّة يمكن تفسيرها بسهولة ولكنْ أيَّ تفسير بسيط سهل لا يفي بالغرض المطلوب ... فخلف بعض الجُمل والصور الشعرية تقف معانٍ وأفكارٌ عميقة لا تخلو من أبعاد فلسفية والغازٍ وإشارات ومجازات ينبغي الحذر الشديد حين الدنو منها. ما دور الصديق هنا ومن هو ؟ ثم [[ كنتُ أمشي معه في درب سوهو وهو يمشي وحده في لا مكان ]] . أيسر تأويل يقول إنَّ الشاعر يتخيل أنَّ في وجهه مخايلَ وسماتِ أحد أصدقائه وأنه متحرجٌ وخجلان من ارتياده لدور المومسات فليتخيل أنَّ إنساناً غيره دخل بيوت الدعارة وليس هو. إنه منشقٌّ على نفسه جرّاء معاناته من ضيق ومن حرج فليكن داخل هذه المواخير أحدٌ غيره دفعاً للضيق وللحرج [[ كنتُ أمشي معه في درب سوهو وهو يمشي وحده في لا مكانْ ]]. وجد الحل الناجع الذي يعفيه وينقذه من الورطة التي هو فيها. أو أنَّ الشاعر يستحضر بعض ماضيه وبعض سني شبابه السالف حين كان يرتاد هذا المبغى قبل أنْ تغيّر الأعوام والأحداث وجهه وتُحيله إلى ما هو فيه اليوم، يوم زيارته لحيِّ السوهو. أهذا هو القناع، الأقنعة التي ذكرها في عنوان هذه القصيدة ؟ وحين ذكر محطات القطار ذكر البخار الذي يتصاعد من ماكنات القطارات. كما ذكر ضباب لندن المعروف في العديد من أيام السنة بالنظر لقرب لندن من البحار التي تحيط بالجزيرة البريطانية التي عصت على الغزاة منذ نابوليون الذي تحطم وهُزمَ في واترلو حتى هتلر الذي هُزم فمات منتحراً ولم تطأ أقدامُ جنده تراب الجزيرة البريطانية. ذكر الشاعر القطار فلا بدَّ للقطار من محطة يتوقف فيها لإنزال راكبيه ولصعود مسافرين جُدد وللتزوّد بالماء ووقود الفحم الحجري. وهذه محطة قاطرات واترلو التي تنفث مداخنها أدخنة الفحم المحترق الذي يُسخّن الماء فيتصاعد بخاراً يحرّك العتلات ومحوّلات الحركة فتتحرك العجلات ويتصاعد باقيه في أرجاء الفضاء تراه العين المجرّدة . جمع الشاعر هنا الضدّين معاً : بياض بخار الماء وسواد دُخان الفحم الحجري في مكان واحد هو محطة واترلو. وما ذاك البياض إلاّ من هذا السواد. وضع أمامنا ثنائية النهار والليل وتواليهما المطّرِد لكأنَّ الأول وليد الثاني ليغدو الثاني وليد الأول. هذه هي حياتنا : نهار وليل، بياض وسواد، أمل ويأس، فرح وبكاء. وضعنا خليل حاوي في جو حقيقي لمحطة قاطرات فشغلت مركزاً رئيساً في هذه القصيدة. لم يسعَ الشاعرُ لبلوغ هذه المحطة إنما وجهه الآخر، توأمه الذي سعى فما مغزى هذا القناع وليس في زيارة محطة قطار ما يُخجل أو يُحرج ؟ قبل الجسر والمحطة دخل الشاعر حي سوهو، وقُبيل دخوله السوهو فضح الضوءُ سخافة التخفي خلف قناع [ عَتمةُ الشارعِ والضوءُ الذي يجلو فراغ الأقنعة .. ]. إذا تحرّج من زيارته لدار بغاء فذلك أمر مفهوم ولكنْ علامَ الخجل من الوجود في محطة ؟ أفي نيته ترك لندن ومغادرة بريطانيا إلى بلاد أخرى ؟ لكنه ليس مواطناً بريطانياً وفي وسعه مغادرة هذا البلد متى ما شاء كأي أجنبي آخر . جسر واترلو يُفضي بالمار فوقه إلى محطة قطار واترلو. تمرُّ مياهُ نهر التايمس تحت هذا الجسر فرآى الشاعرُ أو تخيّلَ أنَّ النهر غاضبٌ هائج داوٍ بالموج في هارموني قوي مع الجو النفسي المضطرب للشاعر الحيران الذي خلع نفسه عن نفسه وأعارها لشخص آخر يحاكيه في صورة وجهه وأنهما توأمان. ثم أجاد فأضاف طقساً آخر ألوانه عميقة داكنة فربط أمواج نهر التايمس الصخّابة المدوية بأجواء محطة قطار واترلو حيث الهواء أسود جرّاء إحتراق الفحم الحجري ثم بخار الماء الذي يترك طبيعته الفيزيائية المعروفة [ سائل ] متحولاً إلى غاز ينتشر في الفضاء. التحوّلات ! تحوّلٌ في أعماق نفسية الشاعر الحائر وتحول في الفحم الحجري من حالة الصلابة إلى حالة الدخان الغازية ثم تحول الماء السائل إلى بخار فأين ومتى القرار النفسي والإستقرار المكاني ؟ قلت في بداية مقالي إنَّ الشاعرَ مؤمنٌ بوحدة المادة ووحدة الوجود فالكائن الحي هو إمتدادٌ للمادة غير الحية وأعلى شكل من أشكال ودرجات تطورها. إضطرب الشاعر فاضطربت مياه النهر وجاش فجاشت . تغيّرت نفسيتُه فتغير الفحم الصلبُ وتغيّرَ الماء السائل. لا ثبات في الكون .. كل شيء وكل ذرة تتحرك فتتغير والإنسان جزء من هذا الكون. في وضعه القلق المضطرب هذا قرر الشاعر أنْ لا يبارح النهر والجسر ففي الماء الشفاء فذكر الربيع والخُضرة في شهر نيسان وذكر بنات الماء وتذكّر وطنه لُبنان وطيب وطيّبات لُبنان لكنه انتكسَ. تلمّس جسر واترلو فوجده ينحلُّ ويهوي ويهوي الشاعر معه [ لقاعٍ لا قرارْ ] فيلتمس صديقه ، وجهه الآخر، ماضيه، توأمه فلا يجد أيّاً منهم فيضع خاتمة لهذه القصيدة. نقرأ هذا الجزء :
[[ وبناتُ الماءِ ما زلنَ على الدهر صبايا
ربّما كان لديهنَّ قواريرٌ من البلسمِ،
أعشابٌ، تعازيمٌ عجيبةْ
تمسحُ التحفيرَ عن وجهكَ
تسقيهِ غِوى سُمرتهِ الأولى المهيبةْ
لونُ لُبنانٍ وطيبَهْ.
مُتعبٌ، دوّامةٌ عمياءُ،
هذا اللولبُ الملتفُّ حولي،
ذلكَ التيّارُ دوني والدُوارْ
مُتعبٌ .. ماءٌ .. سريرْ..
مُتعَبٌ .. ماءٌ .. أراجيحُ حريرْ ..
مُتعبٌ .. ماءٌ .. دُوارْ ..
وتلمّستُ حديدَ الجسرِ
كان الجسرُ ينحلُّ ويهوي،
صُورٌ تهوي وأهوي معها،
أهوي لِقاعٍ لا قرارْ
وتلمّستُ صديقي أين أنتَ،
كيف غاب ؟
الضبابُ الرطْبُ في كفيّ
وفي حَلقي وأعصابي ضَبابْ
ربّما عادتْ إلى عنصرها الأشياءُ
وانحلّتْ ضبابْ ]].
يُلفت النظر في هذا الكلام كثرة ذكر الماء دلالة الظمأ المزدوج ، ظمأ الجسد ثم ظمأ روح الشاعر وجدبها والفراغ القاتل الذي يُحسه فيها. تماماً مثل مطر بدر شاكر السياب في قصيدة " أُنشودة المطر ". ثم لولب خليل حاوي مثل لولب، كويل شكسبير في مسرحية هاملت
Coil
سوى أنَّ كويل حاوي يلتف حوله [ هذا اللولبُ الملتفُّ حولي ] أما كويل هاملت الشكسبيري ففي رأسه المتهم بالجنون.
ما الذي يرمزُ له الجسر حسب منظومة تصورات الشاعر ؟ ما أسباب إنحلال هذا الجسر وتهاويه ؟ ينهارُ الشاعر ويهوي مع هذا الجسر لتكونَ النتيجة هي إستحالة بلوغ القطار الواقف في محطة واترلو والمتأهب للمغادرة . بلوغ الشاعر حالة السكون الميّت، لا من أمل. إنه الفراغ الروحي ... الإحباط من لندن والحياة فيها بل وربما القنوط واليأس من الحياة نفسها وفي هذا اليأس كانت نهاية الشاعر المأساوية : الموت إنتحاراً بإطلاقة من مسدسه الشخصي ! لماذا اختار الشاعر الموت على جسر يربطه بمحطة قطار والقطار نافذته للهرب مما هو فيه أي أنَّ خلاصه في القطار وفي المحطة التي يقف القطارُعلى رصيفها نافثاً صبره وروحه بخاراً ودُخانا . لم ينتحر الشاعر في بريطانيا ولا في لندن إنما قتل نفسه على أرض وطنه لُبنان. لم يسعفه صديقه ، وجههه الثاني ، توأمه كما عجز ماء لندن عن إنقاذه بعد أنْ خذله جسر واترلو حين التمس حديده فلم يُسعفه ولم يعِنهُ على التماسك بل خانه وتحلل أمامه ثم هوى كما يهوي من السماء نجمٌ . لوحة معبّرة ومكثّفة .
أكان خليل حاوي غائباً عمّا في لفظة جسر ومحطة قطار واترلو من كلمة ماء ؟
لا أظن ذلك ، فحاوي يعرف اللغة الإنكليزية ويعرف كيف يتهجى ويكتب واترلو
Waterloo
Water + loo
لذا فإكثاره من لفظة " ماء " ينسجم كثيراً مع لفظة واترلو . ثم جمعه للماء في نهر التايمس وجسر واترلو ومحطة قطارات واترلو خلق لوحة عميقة التأثير والتعبير تتابعها عين القارئ فتراها مجموعة صور محكمة الربط حيوية في حركاتها فالماء تحت الجسر يتحرك ولا يمر تحت الجسر مرتين حسب قول بعض فلاسفة الإغريق، الشاعر يمشي على الجسر، القطار يتأهب للحركة فالبخارُ والدخان علامتا إحتراق للوقود وتحوّل الماءُ إلى بخار كطاقة هي أصل حركة ماكنة القطار / لوكوموتيف . الكل يتحرك إلاّ هو، الشاعر ! تهاوى مع الجسر ... تداعى وتهاوى والمتهاوي على جسر لا بدَّ من سقوطه في الماء وربما غرقه في هذا الماء. سوداوية عميقة ولوحة غارقة بالسواد صممها أستاذ فلسفة متمكن من فكره ومن مادته الشعرية ومن لغته وهي عنده لغة صُلبة صارمة مقولبة محسوبة بدقة حروفاً وألفاظاً وهي في هذا شبيهة بلغة بعض قصائد بدر شاكر السياب ومخالفة للغة عبد الوهاب البياتي فهذه سَلِسلة سيّابة بِرهاوة وغَنَج ناعمة الملمس عبيرية أريجية واثقة تمام الثقة.
سؤال قد يبدو غريباً : هل كان في ذهن خليل حاوي الشاعر بعدٌ آخر بعيد ـ قريب له علاقة بمغامرات بونابرت وخسارة هذا المدوية في معركة واترلو التي وضعت نهاية للحرب من جهة ونهاية لطموحات ومغامرات هذا الرجل الداهية القصير القامة ؟ هل يأسى خليل حاوي لنهاية بونابرت ويأسف ويندب ويلطم صدره ؟ هل كان نابوليون مثله العالي فسقط الشاعر بسقوط العسكري الواسع الطموح ؟ سقط القائد العسكري في ميدان معركة واترلو وسقط الشاعر على جسر واترلو إذْ كان في طريقه لمحطة قطار واترلو !! هناك كان سقوط وهنا اليوم سقوط وواترلو المكان هو ساحة وميدان هذا السقوط. ربط الشاعر الماضي بالحاضر كما ربط الغائب ـ نابوليون ـ بالحاضر، الشاعر نفسه. إستحضر التأريخ وجعل بقعة معينة في مدينة لندن عاصمة الإمبراطورية البريطانية التي ما كانت تغيب الشمس عن ممتلكاتها المترامية الأطراف ... جعل من هذه البقعة المحدودة المحصورة بين جسر ومحطة قطار ، جعلها مشهدَ معركة تصادم كونية ضروس ميدانها الشاعر نفسه. هنا وفي هذه المعركة تقرر مصير الشاعر الإنسان : الموت ! خسرَ المعركة التي سبقه نابليون إلى الخسران فيها. يُمكنني أنْ أستخلصَ أنَّ الشاعرَ ما أحبَّ بريطانيا وربما كره لندن التي لم يجدْ فيها إلاّ مبغى السوهو وجسراً تهاوى به إلى قاع لا قرارَ له ثم محطةً للقاطرات مُعبأً هواؤها بدخان أسود وبُخار أبيض علامة الفراغ فالبخار يتبخر ويختفي في العيون ثم الأبيض هو لون رايات الإستسلام أمام الأعداء. يأسٌ واستسلام.
قوّة وإحكام وصرامة وقولبة الأفكار ودقّة تنظيمها تنأى بالشاعر عن آفاق ومتطلبات الشاعرية وتفقدُ هذه رونقها الطبيعي واندفاعاتها العفوية فتتعقد الفطرة الفنية وتلتوي ويصيبها شيء من التشوّه. أفكار الشاعر في هذه القصيدة ناجحة وناضجة ومستوفية للشروط اللغوية لكنَّ الشعر شيءٌ آخر وطبيعة أخرى ونهج آخر ومزاج مختلف فضلاً عن الشروط سالفة الذكر. يفتقر شعر حاوي للطلاوة الشعرية والحركات الهفهافة التي تختال متباهية في دلال وبهجة مع شيء من الأبّهة. أقول هذا الكلام وفي رأسي شعر المتنبي ثم البياتي ثم بلند الحيدري ونزار قباني.
سوف لن نجد هذه الحركات وهذه الصور في قصيدة البياتي التي ذكر فيها واترلو كما سنرى. ركّز البياتي على لقاء عابر جمعه ليلاً مع فتاة وكانت هذه الفتاة محور ومركز وجوهر قصيدة عبد الوهاب البياتي .
واترلو البياتي **
ذكر البياتي واترلو في آخر قصيدة من ديوان " قمر شيراز " ووضع تحتها التأريخ 2ـ12ـ1974 . تتكون القصيدة من 16 مقطعاً بين متوسط وقصير ومُفرط بالقصر. إسم القصيدة " حبٌّ تحت المطر " . لم يذكر البياتي جسر واترلو ولا محطة قطارات واترلو إنما ذكر واترلو حسبُ لكنَّه أوحى للقاريء أنَّه كان قد وصل لندن للتو بالقطار الذي توقف في المحطة المسماة بمحطة واترلو الشهيرة بعد محطة قطارات فكتوريا و باتنكتون الأقل أهمية وشهرة. ترك المحطة وعبر جسر واترلو وبعد العبور إلى الجهة الأخرى من نهر التايمس إلتقى فتاة وتم التعارف بينهما تحت المطر والبرق والرعد. لم نرَ امرأة في قصيدة حاوي بل صديقاً هو صورة حاوي نفسه .. توأمه، لكنه تمنّى ( لو دعته امرأةٌ ربما طابت لها الخمرُ وطاب الشعرُ .. ) . وسوى الجسر وماء النهر والسوهو وأبخرة وأدخنة قاطرات محطة واترلو لم يذكر حاوي أشياء كثيرة تخص الطبيعة عدا شهر نيسان و( حضن الماءِ مرجٌ دائمُ الخُضرةِ نيسانٌ أراجيحٌ تغنّي .. ) . أشرك البياتي الكل في الكل [[ شوارعُ لندنَ كانت تتنهّدُ في عُمقٍ والفجرُ على الأرصفةِ المبتلّةِ في عينيها يتخفى في أوراقِ الأشجارْ ]]. ثم [[ كان يراها في كلِّ عيون نساءِ المدنِ الأرضِيةِ بالأزهارِ مُغطاة وبأوراقِ الليمونِ الضاربِ للحمرة تعدو حافيةً تحت الأمطار تُشيرُ إليهِ تعال ورائي ]]. الفوارق كبيرة بين القصيدتين فأهداف الشاعرين مختلفة ووسائلهما الشعرية وما في رؤوسهما من أفكار هي عميقة الإختلاف والناس متفاوتون مختلفون في كل شأنٍ وأمر. ما مزايا قصيدة البياتي الرئيسة وبم اختلفت عن قصيدة حاوي فضلاً عمّا بيّنتُ قبل قليل ؟
الأمل، الفرح، النصر، الحب، الأسطورة، التأريخ. نقرأ المقطع الذي يحمل الرقم 1 /
[[ واترلو كان البدءُ وكلُّ جسور العالمِ كانتْ تمتدُّ لواترلو، لتعانقه، لترى مُغتَرِبين التقيا تحت عمودِ النورِ، ابتسما، وقفا وأشارا لوميضِ البرقِ وقصفِ السُحبِ الرعدية. عادا ينتظرانِ، ابتسما، قالت عيناها : " مَنْ أنتَ " أجابَ : " أنا ! لا أدري " وبكى، اقتربتْ منه، وضعت يدها في يدهِ، سارا تحت المطرِ المتساقطِ حتى الفجرِ، وكانت كالطفل تغني تقفزُ من فوق البِركِ المائيةِ تعدو هاربةً وتعودُ. شوارعُ لندنَ كانت تتنهّدُ في عُمقٍ والفجرُ على الأرصفةِ المُبتلّةِ في عينيها يتخفى في أوراق الأشجارْ. أجابَ : " أنا، لا أدري " وبكى. قالتْ : " سأراكَ غداً " ، عانقها، قبّلَ عينيها تحت المطرِ المتساقطِ. كانتْ كجليدِ الليلِ تذوبُ حناناً تحتَ القُبُلاتْ ]].
ما أحلى وما أروع هذه التقدمة يصف الشاعرُ فيها ساعة وصوله لندن في ليلة ماطرة بارقة راعدة قادماً إليها في قطار توقف في محطة واترلو. لم يتوقف الشاعر في محطة واترلو ولم يخصصْ لها وقتاً بل انتقل على الفور إلى جسر واترلو فاعتبره جسر الجسور ورمزها وأصلها [ واترلو كان البدءُ وكلُّ جسورِ العالمِ كانت تمتدُّ لواترلو ]. كأنَ هذا الجسر ما أُقيم في هذه البقعة على نهر التايمس اللندني إلاّ ليربطه بفتاة ما عرفها قبلاً : لتعانقه .. لترى ..مُغتَرِبينِ التقيا تحت عمودِ النورِ ... في هذه الليلة الباردة الماطرة المعتوتمة انفتح في عينيِّ الشاعر أملٌ انشقَّ كعمودٍ من نور : أمل في علاقة حب جديدة مع فتاة ربما كانت إنكليزية أو من جنسية أخرى أو ربما كانت إحدى مومسات الليل. لوحة ما أحلاها صممها ثم نفّذها البياتي باقتدار ومُكنةِ شاعرٍ حاذقٍ ماهر جمع فيها الرومانس الليلي والمطر والرعد ثم مهّدَ لبزوغ الفجر أروع تمهيد [ شوارعُ لُنْدُنَ كانت تتنّهدُ في عُمقٍ والفجرُ على الأرصفةِ المُبتلّة في عينيها يتخفى في أوراقِ الأشجارْ ] . هذا بعض واترلو الشاعر عبد الوهاب البياتي. رومانسية غنائية فيها أمل وفيها خوف من احتمالية ضياع هذا الأمل : هل تدوم علاقته الجديدة هذه مع تلك الفتاة التي عانقها وقبّل عينيها تحت المطر المتساقط ؟ سنرى حال البياتي فيما بعد ومصير تلك الفتاة في بقية مقاطع قصيدة " حبٌّ تحت المطر ".
أكان الجوُّ الماطرُ والبرقُ والرعدُ من الضرورات الملحّة لإتمام اللقاء الرومانسي المفاجئ أم أنها كانت مجرد إطار تجميلي معاكس للحدث الدرامي وليس مُهيئاً ثم متمماً له ؟ أفلا يتمُّ الحب إلاّ بالرعود وتحتها وتحت ما يرافقها من بروق ثم مطر ؟ البرق ـ الرعد ـ المطر ... ثلاثية قد .. قد تبدو لي أنها صدىً لشعار الثورة الفرنسية الثلاثي : حريّة ـ إخاء ـ مساواة وما كان نابوليون بونابرت إلاّ وليد ونتاج الثورة الفرنسية التي خطفها ممن قام بها وورطَ فرنسا من ثمَّ في مغامرات شاسعة واسعة إنتهت به إلى الخسارة الكبرى في معركة واترلو ! وانتهى به المطافُ أسيراً ثم منفيّاً في إحدى الجزر.
في قصيدة البياتي صور غير مسبوقة بالغة الروعة لم يأتٍ حاوي في كل ديوانه الشعري بمثيل لها أبداً. إنه شاعر آخر ووزن آخر وطبيعة أخرى وثقافة مغايرة وأعصاب أُخَرُ. صور خليل حاوي صور عقلية ميكانيكة شبيهة بصور الكاميرات العادية أو كاميرات السينما والفيديو تؤثّر في القارئ بالمسِّ الخفيف الخاطف ولا تشعره بالمتعة التي تتركه فيه صور البياتي المجازية التي تجبر القارئ على التوقف والتفكير وخلال فترة التوقف والتفكير هذه تنجح هذه الصور في التغلغل عميقاً في لاشعور القارئ وتتركه يفكّرُ فيها ردحاً من الزمن يحاول الإمساك بها ولكنْ هيهاتَ هيهات ! أقدّمُ أنموذجاً من صور البياتي الشعرية وأدعو القارئ الكريم والقارئات الكريمات للتفكير معي في روعة وجمالية معنى ومغزى الصورة :
المقطع رقم 13
[[ كانت في يدهِ دُمية شمعٍ يغرزُ فيها دبّوساً من نار .. حبّيني قال لها واتقدت عيناهُ بشرارةِ حُزنٍ يصعدُ من قلبِ المأساةْ .. شاحبةً كالوردةِ تحت عمودِ النورِ رآها .. جاءت قبل الموعدِ ... / المقطع 13]] . هذا مشهد يصوّرُ الشاعرُ نفسه فيه وهو في الطريق للقاءِ حبيبته الجديدة حسب موعد مُسبق إتفقا عليه. خانه صبره الذي كان كطبيعة الشمع الذي ينصهر بالنار. يحترق الشاعر منصهراً مثل دمية شمع ينغرزُ فيها دبّوسٌ من نار. هل تأتي أو لا تأتي ؟ يخشى ألاّ تأتي فتاته فتشتعلُ أعصابه وتتقد عيناه. لماذا الدُمية ؟ الدمية جلبها العاشق معه هدية لصاحبته التي رآها في ساعة اللقاء الأولى [ كالطفل تغني، تقفزُ من فوق البِركِ المائية تعدو هاربةً وتعودُ .. ]. ليس بالقليل مثل هذه الصورة في أشعار البياتي التي أراها ( علامة فارقة أو ماركة مُسجّلة باسم عبد الوهاب البياتي باتنت )
Patent
إلتقى الشاعر بصديقته الجديدة في مكان آخر لا علاقة له بواترلو الجسر والمحطة ولكن لم يقل الشاعر كم مرة إلتقيا وأين ؟ ذلك أمر غير ذي شأن. ما مصير هذه العلاقة ومن هي هذه الفتاة ؟ يكشف الشاعر لنا أنَّ هذه الفتاة فتاة أسطورية اسمها عائشة وإنها إبنة أحد الملوك الغابرين :
[[ عائشةٌ اسمي قالت وأبي ملكاً أسطوريّاً كانْ .. يحكمُ مملكةً دمّرها زلزالٌ في الألف الثالثِ قبلَ الميلادْ ]].
يتطابق هذا التأريخ ، الألف الثالث قبل الميلاد ، مع تأريح مملكة سومر جنوب العراق ! أيُّ قدرة متخيّلة خلاّقة في رأس هذا الشاعر ؟ نقلنا من رومانس ليلي عابر في لندن إلى مملكة السومريين أصحاب كلكامش وأنكيدو وعشتار. هل عائشة إذاً هي عشتار السومرية بعد كل هذه التحولات في التأريخ البشري وفي الحقب والقرون المتتالية أخذت الإسم الإسلامي " عائشة " ؟ إخترقت الزمن لتلتقي بشاعر عراقي [[ أراها صورته بلباس البدوِ الرُحلِّ قالت : من أنتَ ؟ أجابَ : أنا لا أدري ، وبكى .. كانت صحراءٌ حمراءْ .. تمتدُّ إلى ما شاءَ اللهْ / المقطع 13 ]].
لا أنوي نقد هذه القصيدة مطوّلاً فلقد سبق وأنْ نشرتُ عنها مقالاً خاصاً .. إنما موضوعنا اليوم هو واترلو !
هوامش :*
ديوان خليل حاوي / الناشر : دار العودة، بيروت. الطبعة الأول 1972 .. الطبعة الثانية 1979 .
**
ديوان عبد الوهاب البياتي / الناشر : دار العودة، بيروت. الطبعة الرابعة 1990 .
خليل حاوي شاعر لبناني درس الفلسفة في جامعة كمبردج البريطانية وبعد أنْ نال شهادة الدكتوراه رجع إلى لبنان ليمارس التدريس في إحدى الجامعات اللبنانية ( الجامعة الأمريكية ؟ ) . ما كان يميل لحياة الصخب والحفلات والطرب واللهو مع الصحاب والرفاق وما أهدر وقته جرياً وراء مغامرات رومانسية وعقد صفقات وقتية مع هذه السيدة أو تلك الشاعرة خلا قصة واحدة مع كاتبة لبنانية معروفة. كان في حياته التي اختار لها العُزلة التي تذكّرُ بالرهبنة توترٌ ظاهرٌ وربما اضطرابات عصبية تتسرب من خلال أشعاره ولكنْ بحذر وتحت رقابة وحسابات. في مقدمة نشيد " البحّار والدرويش " من ديوان نهر الرماد كتب حاوي ما يلي وما كتب ذا دلالات شديدة العمق تفسّر أو لعلها تُفسّر بعض الظواهر التي عصفت بحياة هذا الإنسان الزاهد شبه المتصوف الكثير التأثر بالروحانيات ثم بطبيعة وحياة الغجر :
[[ طوّف مع " يوليس " في المجهول، ومع " فاوست " ضحّى بروحه ليفتدي المعرفة، ثم انتهى إلى اليأس من العلم في هذا العصر، تنكّر له مع " هكسلي " فأبحر إلى ضفاف " الكنج " منبت التصوّف ...! لم يرَ غير طينٍ ميّتٍ هنا، وطين حار هناك. طين بطين !! ]] . إنه اليأس من الحياة معنىً وماهيّةً ووجوداً ! الكنج هو النهر الذي يتقدس به الهنود ويُكتب بالإنكليزية
Gang
وفي مقدمته للمقطع الذي يحمل العنوان " الناي والريح في صومعة كيمبردج " من ديوان " الناي والريح " كتب خليل حاوي :
[[ قابضٌ على الريح يسيّرها كيف شاء ]] . هذا القول شبيه بقول المتنبي :
على قلقٍ كأنَّ الريحَ تحتي
أوجهُها جَنوباً أو شمالا
سوى أنَّ حاوي قابضٌ على الريح وأنَّ المتنبي يمتطيها ولا يقبضُ عليها ... كلاهما سيّد الريح وصاحب السيطرة عليها.
حاول الإنتحار أكثر من مرّة فنجح في الأخيرة لشديد الأسف. هل هو شقيق زعيم الحزب الشيوعي اللبناني السابق السيد جورج حاوي ؟ لا أدري.
تميّز بأسلوبه الخاص في كتابة الشعر ومنهجية صارمة حيث التزم في أشعاره كافة إيقاعاً تفعيلياً واحداً لكأنه أراد القولَ إنَّ شعره قاطبة إنما يشكل ديواناً أو كتاباً شعرياً واحداً مترابطاً في عضويته وحيوتيه وفلسفته الشعرية والحياتية : أن الوجود واحد ، تأكيد وحدة الوجود إنسانا وما في الكون من مادة . لم يسبقه إلى هذا الأمر أحدٌ قبله أو بعده إلاّ إذا استثنينا لزوميات المِعرّي وذلكم أمرٌ آخر مختلف سوى من جهة الإلتزام الصارم بنهج خاص في كتابة الشعر. لكنَّ شعره لم يخلُ من عيوب شعر معاصريه من شعراء التفعيلة ولا سيّما السياب ونزار قباني والبياتي ... أعني تسكين أواخر السطور مخالفين روح اللغة العربية وقواعدها وأصولها المتحركة . وقعوا جميعاً تحت تأثير الشعر الإنكليزي خاصة فالإنكليزية لغة ليست متحركة . أجهل الفرنسية لذا لا أستطيع ذكرها أو ذكر تأثيرها على شعراء العربية المعروفين. ثقافة حاوي ودراسته إنكليزيتان فهل كانت ثقافته الأصل فرنسية كما هو شأن أغلب مثقفي وشعراء وكتّاب لبنان ؟ لا أدري.
ـ نظم أشعار ديوانه الأول " نهر الرماد " في الأعوام 1953 / 1957 / 1961
ـ قال عن سنوات كتابته للديوان الثاني " الناي والريح " ما يلي : نُظمتْ هذه المجموعة بين عامي 1956 و 1958 ، أُعيدَ النظر في بعض قصائدها عام 1960 .
ـ أما ديوان " بيادر الجوع " وهو الثالث فقد نظمه الشاعرُ بين عامي 1961 / 1964 .
ـ هل نشر خليل حاوي كتباً آخرى لا علاقة لها بالشعر أو لها علاقة ما وتداولها الناس في وخارج لبنان ؟ محتمل .
لو أمعنا النظر في سنيِّ كتابة أشعار حاوي لوجدناها أعواماً مُفعمة بالحوادث الجسام والتغيّرات العميقة التي ضربت المنطقة العربية وخاصة الشرق الأوسط. ثورة يوليو 1952 في مصر وغزو مصر الثلاثي خريف عام 1956 ثم ثورة 14 تموز عام 1958 في العراق وإنقلاب شباط 1963 في العراق. كانت مجلة الآداب اللبنانية لسهيل إدريس حاضنة الشعراء وعن طريقها قرأت لخليل حاوي وبلند الحيدري وقباني والبياتي وقبلهم السياب وغير هؤلاء من الشعراء العرب.
درس خليل حاوي الفلسفة ودرّسها في الجامعات لذا فالبُعد الفلسفيُّ عميق في فكر هذا الشاعر وفي شاعريته. ليس مطلوباً من الشعراء أنْ يكونوا فلاسفة أو أنْ يُقحموا الفلسفة في شعرهم إلاّ إذا اعتبرنا منهجيتهم الشعرية نوعاً من الفلسفة في عالم الشعر وذلك أمر مقبول ومُبرر فلكل شاعر منهجه وخطه الشعري ولغته الخاصة.
ما الذي دعاني لعقد مقارنة بين خليل حاوي والشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي ؟ قصيدة واحدة ... بل ومفردة واحدة : واترلو ! وردت في شعر كلا الرجلين فكيف وردت وما كانت المناسبات ؟ ذلكم هو السؤال. علماً أنَّ واترلو هو اسم المعركة الشهيرة التي خسرها نابليون عام 1814 أمام جيوش بريطانيا وحلفائها في بلجيكا وعلى البقعة المسماة واترلو . كما أنَّ في لندن اليوم محطة قطار واترلو يمتد أمامها جسر يحمل اسم جسر واترلو فأي واترلو قصد الشاعران ؟ سنرى لاحقاً . تكتب واترلو بالإنكليزية كما يلي :
Waterloo
في آخر قصيدة من ديوان " قمر شيراز " التي تحمل عنوان " حبٌّ تحت المطر " كتب البياتي التأريخ 2ـ12ـ1974 فهل هذا هو تأريخ كتابة هذه القصيدة وهي آخر قصيدة في ديوان قمر شيراز ؟ لا يوجد ما يمكن أنْ يحول دون أنْ يكون الجواب نعم. هذا السؤال هام لأنَّ خليل حاوي كتب عن جسر واترلو في أوائل ستينيات القرن الماضي فمتى كتب البياتي عن هذا الجسر ؟ كل الشواهد تدلُّ أنَّ البياتي كان قد أنجز كتابة ديوان قمر شيراز أوائل سبعينيات القرن الماضي [ حوالي التأريخ 2ـ12 ـ 1974 ] أي بعد ديوان الناي والريح لحاوي بأكثر من عشرة أعوام. ذكر خليل حاوي في نهاية ديوان الناي والريح الملاحظة الآتية [[ نُظمتْ هذه المجموعة بين عامي 1956 و 1958 .. أُعيد النظر في بعض قصائدها عام 1960 ]]. ليس قصدي من هذه المقارنة أنْ أقولَ إنَّ البياتي لحق حاوي وأخذ فكرة واترلو منه أو أنه تأثر به فالفروق جدَّ كبيرة فيما قال الرجلان عن واترلو سواء في التناول أوالأهداف والتشعبات والإستطرادات فلكل مقاصده وفي كل قصيدة مقتضيات أدّتها مفردة " واترلو " لاعبةً أدواراً مختلفة في قصيدتي الشاعرين كما سنرى. لم يقمْ البياتي في بريطانيا ولم يدرس هناك كما كان الشأنُ مع خليل حاوي.
واترلو خليل حاوي *
سأتناول قصيدة حاوي لأنها الأقدم . إنها تحملُ رقم الجزء السادس ( 6 ) من نشيد " وجوه السندباد " وهذا النشيد جزءٌ من ديوان الناي والريح. عنوان الرقم السادس هذا طويل ثلاثي المكوّنات وكما يلي
[[ 6 ـ الأقنعة، القرينة، جسر واترلو ]]. / الصفحة 208 من الديوان الكامل للشاعر.
ما الذي يربط بين هذه المفردات الثلاث ولكلِّ مُفردةٍ دلالاتها الخاصة ؟ لماذا الأقنعة والقرينة ثم جسر واترلو ؟ نقرأ القصيدة ونرى :
[[ لو دُعاءٌ عابرٌ للبيتِ،
للدفء، لكأسٍ مُترعةْ،
سوف يحكي ما حكى المذياعُ،
يحكي : " سُرعةُ الصاروخِ،
تسعيرُ الريالْ،
جوّنا المشحونُ بالإشعاعِ
والموتى بحمّى الخوفِ،
لا، شؤمٌ، مُحالْ،
طيّبٌ جوُّ العيالْ،
إبتذالْ. " ]]
هذا هو الجزء الأول من هذه القصيدة لا نجد فيه أَثراً أو ذِكراً لجسر واترلو أبداً. إنها مقدمة شاحبة متشائمة فيها سخرية لاذعة من وسائل الإعلام في بلد رأسمالي مثل بريطانيا. العيال بخير رغم أخطار الصواريخ ولا سيّما حاملة الرؤوس النووية ورغم الأجواء المشحونة بالإشعاعات الذرية جرّاء تفجيرات القنابل الذرية هنا أو هناك من باب الإختبار للقوة التدميرية لهذه القنابل بمعيار الميكاطن من مادة تي أنْ تي. العالم بخير إذاً !!
ما زال الشاعر في لندن فبعد قليل يذكر حي السوهو، حي البغايا في لندن القريب جداً من شارع أكسفورد حيث يربطه به طريق ضيّق يُدعى " دين ". يمشي الشاعر مع صديق في درب " سوهو " حيث يختلط الوجهان فما مغزى هذا الخلط وما دلالة هذا الإختلاط ؟ كتب حاوي ما يلي :
[[ إنَّ في وجهكَ بعضَ الشَبْهِ
من وجهِ صديقْ
ـ فلأكنْ ذاكَ الصديقْ
كنتُ أمشي معهُ في دربِ " سوهو "
وهو يمشي وحدهُ في لا مكانْ
وجهُهُ أعتقُ من وجهي ولكنْ
ليس فيهِ أثرُ الحُمّى
وتحفيرُ الزمانْ
وجهُهُ يحكي بأنّا توأمانْ
ولماذا ساقني للجسرِ
حيثُ الموجُ إثرَ الموجِ
يدوي يتداعى
مُدخناتُ الفحمِ تعوي
من محطات القطارْ
والبُخارْ
وضبابٌ كالحٌ ينبعُ
من صوبِ البحارْ
كلّها تغزلُ حولَ الجسرِ
حولي أفعواناً، أُخطبوطاً
وَسِخُ الأظفارِ، أشداقاً رهيبةْ ]] ....
أجلْ، هنا نجد ضالتنا المنشودة فهنا جسر واترلو وهنا محطة قطارات واترلو، بل وهنا نجد حي السوهو الملاصق للمدينة الصينية في قلب لندن ( هل سوهو كلمة صينية ؟ أظنُّ ذلك .. ولو أنَّ في هذا الظن إثماً ... فسوهو هو حيُّ الرِجسِ والبغاء )
Soho
في هذا المقطع إشكاليات جديّة يمكن تفسيرها بسهولة ولكنْ أيَّ تفسير بسيط سهل لا يفي بالغرض المطلوب ... فخلف بعض الجُمل والصور الشعرية تقف معانٍ وأفكارٌ عميقة لا تخلو من أبعاد فلسفية والغازٍ وإشارات ومجازات ينبغي الحذر الشديد حين الدنو منها. ما دور الصديق هنا ومن هو ؟ ثم [[ كنتُ أمشي معه في درب سوهو وهو يمشي وحده في لا مكان ]] . أيسر تأويل يقول إنَّ الشاعر يتخيل أنَّ في وجهه مخايلَ وسماتِ أحد أصدقائه وأنه متحرجٌ وخجلان من ارتياده لدور المومسات فليتخيل أنَّ إنساناً غيره دخل بيوت الدعارة وليس هو. إنه منشقٌّ على نفسه جرّاء معاناته من ضيق ومن حرج فليكن داخل هذه المواخير أحدٌ غيره دفعاً للضيق وللحرج [[ كنتُ أمشي معه في درب سوهو وهو يمشي وحده في لا مكانْ ]]. وجد الحل الناجع الذي يعفيه وينقذه من الورطة التي هو فيها. أو أنَّ الشاعر يستحضر بعض ماضيه وبعض سني شبابه السالف حين كان يرتاد هذا المبغى قبل أنْ تغيّر الأعوام والأحداث وجهه وتُحيله إلى ما هو فيه اليوم، يوم زيارته لحيِّ السوهو. أهذا هو القناع، الأقنعة التي ذكرها في عنوان هذه القصيدة ؟ وحين ذكر محطات القطار ذكر البخار الذي يتصاعد من ماكنات القطارات. كما ذكر ضباب لندن المعروف في العديد من أيام السنة بالنظر لقرب لندن من البحار التي تحيط بالجزيرة البريطانية التي عصت على الغزاة منذ نابوليون الذي تحطم وهُزمَ في واترلو حتى هتلر الذي هُزم فمات منتحراً ولم تطأ أقدامُ جنده تراب الجزيرة البريطانية. ذكر الشاعر القطار فلا بدَّ للقطار من محطة يتوقف فيها لإنزال راكبيه ولصعود مسافرين جُدد وللتزوّد بالماء ووقود الفحم الحجري. وهذه محطة قاطرات واترلو التي تنفث مداخنها أدخنة الفحم المحترق الذي يُسخّن الماء فيتصاعد بخاراً يحرّك العتلات ومحوّلات الحركة فتتحرك العجلات ويتصاعد باقيه في أرجاء الفضاء تراه العين المجرّدة . جمع الشاعر هنا الضدّين معاً : بياض بخار الماء وسواد دُخان الفحم الحجري في مكان واحد هو محطة واترلو. وما ذاك البياض إلاّ من هذا السواد. وضع أمامنا ثنائية النهار والليل وتواليهما المطّرِد لكأنَّ الأول وليد الثاني ليغدو الثاني وليد الأول. هذه هي حياتنا : نهار وليل، بياض وسواد، أمل ويأس، فرح وبكاء. وضعنا خليل حاوي في جو حقيقي لمحطة قاطرات فشغلت مركزاً رئيساً في هذه القصيدة. لم يسعَ الشاعرُ لبلوغ هذه المحطة إنما وجهه الآخر، توأمه الذي سعى فما مغزى هذا القناع وليس في زيارة محطة قطار ما يُخجل أو يُحرج ؟ قبل الجسر والمحطة دخل الشاعر حي سوهو، وقُبيل دخوله السوهو فضح الضوءُ سخافة التخفي خلف قناع [ عَتمةُ الشارعِ والضوءُ الذي يجلو فراغ الأقنعة .. ]. إذا تحرّج من زيارته لدار بغاء فذلك أمر مفهوم ولكنْ علامَ الخجل من الوجود في محطة ؟ أفي نيته ترك لندن ومغادرة بريطانيا إلى بلاد أخرى ؟ لكنه ليس مواطناً بريطانياً وفي وسعه مغادرة هذا البلد متى ما شاء كأي أجنبي آخر . جسر واترلو يُفضي بالمار فوقه إلى محطة قطار واترلو. تمرُّ مياهُ نهر التايمس تحت هذا الجسر فرآى الشاعرُ أو تخيّلَ أنَّ النهر غاضبٌ هائج داوٍ بالموج في هارموني قوي مع الجو النفسي المضطرب للشاعر الحيران الذي خلع نفسه عن نفسه وأعارها لشخص آخر يحاكيه في صورة وجهه وأنهما توأمان. ثم أجاد فأضاف طقساً آخر ألوانه عميقة داكنة فربط أمواج نهر التايمس الصخّابة المدوية بأجواء محطة قطار واترلو حيث الهواء أسود جرّاء إحتراق الفحم الحجري ثم بخار الماء الذي يترك طبيعته الفيزيائية المعروفة [ سائل ] متحولاً إلى غاز ينتشر في الفضاء. التحوّلات ! تحوّلٌ في أعماق نفسية الشاعر الحائر وتحول في الفحم الحجري من حالة الصلابة إلى حالة الدخان الغازية ثم تحول الماء السائل إلى بخار فأين ومتى القرار النفسي والإستقرار المكاني ؟ قلت في بداية مقالي إنَّ الشاعرَ مؤمنٌ بوحدة المادة ووحدة الوجود فالكائن الحي هو إمتدادٌ للمادة غير الحية وأعلى شكل من أشكال ودرجات تطورها. إضطرب الشاعر فاضطربت مياه النهر وجاش فجاشت . تغيّرت نفسيتُه فتغير الفحم الصلبُ وتغيّرَ الماء السائل. لا ثبات في الكون .. كل شيء وكل ذرة تتحرك فتتغير والإنسان جزء من هذا الكون. في وضعه القلق المضطرب هذا قرر الشاعر أنْ لا يبارح النهر والجسر ففي الماء الشفاء فذكر الربيع والخُضرة في شهر نيسان وذكر بنات الماء وتذكّر وطنه لُبنان وطيب وطيّبات لُبنان لكنه انتكسَ. تلمّس جسر واترلو فوجده ينحلُّ ويهوي ويهوي الشاعر معه [ لقاعٍ لا قرارْ ] فيلتمس صديقه ، وجهه الآخر، ماضيه، توأمه فلا يجد أيّاً منهم فيضع خاتمة لهذه القصيدة. نقرأ هذا الجزء :
[[ وبناتُ الماءِ ما زلنَ على الدهر صبايا
ربّما كان لديهنَّ قواريرٌ من البلسمِ،
أعشابٌ، تعازيمٌ عجيبةْ
تمسحُ التحفيرَ عن وجهكَ
تسقيهِ غِوى سُمرتهِ الأولى المهيبةْ
لونُ لُبنانٍ وطيبَهْ.
مُتعبٌ، دوّامةٌ عمياءُ،
هذا اللولبُ الملتفُّ حولي،
ذلكَ التيّارُ دوني والدُوارْ
مُتعبٌ .. ماءٌ .. سريرْ..
مُتعَبٌ .. ماءٌ .. أراجيحُ حريرْ ..
مُتعبٌ .. ماءٌ .. دُوارْ ..
وتلمّستُ حديدَ الجسرِ
كان الجسرُ ينحلُّ ويهوي،
صُورٌ تهوي وأهوي معها،
أهوي لِقاعٍ لا قرارْ
وتلمّستُ صديقي أين أنتَ،
كيف غاب ؟
الضبابُ الرطْبُ في كفيّ
وفي حَلقي وأعصابي ضَبابْ
ربّما عادتْ إلى عنصرها الأشياءُ
وانحلّتْ ضبابْ ]].
يُلفت النظر في هذا الكلام كثرة ذكر الماء دلالة الظمأ المزدوج ، ظمأ الجسد ثم ظمأ روح الشاعر وجدبها والفراغ القاتل الذي يُحسه فيها. تماماً مثل مطر بدر شاكر السياب في قصيدة " أُنشودة المطر ". ثم لولب خليل حاوي مثل لولب، كويل شكسبير في مسرحية هاملت
Coil
سوى أنَّ كويل حاوي يلتف حوله [ هذا اللولبُ الملتفُّ حولي ] أما كويل هاملت الشكسبيري ففي رأسه المتهم بالجنون.
ما الذي يرمزُ له الجسر حسب منظومة تصورات الشاعر ؟ ما أسباب إنحلال هذا الجسر وتهاويه ؟ ينهارُ الشاعر ويهوي مع هذا الجسر لتكونَ النتيجة هي إستحالة بلوغ القطار الواقف في محطة واترلو والمتأهب للمغادرة . بلوغ الشاعر حالة السكون الميّت، لا من أمل. إنه الفراغ الروحي ... الإحباط من لندن والحياة فيها بل وربما القنوط واليأس من الحياة نفسها وفي هذا اليأس كانت نهاية الشاعر المأساوية : الموت إنتحاراً بإطلاقة من مسدسه الشخصي ! لماذا اختار الشاعر الموت على جسر يربطه بمحطة قطار والقطار نافذته للهرب مما هو فيه أي أنَّ خلاصه في القطار وفي المحطة التي يقف القطارُعلى رصيفها نافثاً صبره وروحه بخاراً ودُخانا . لم ينتحر الشاعر في بريطانيا ولا في لندن إنما قتل نفسه على أرض وطنه لُبنان. لم يسعفه صديقه ، وجههه الثاني ، توأمه كما عجز ماء لندن عن إنقاذه بعد أنْ خذله جسر واترلو حين التمس حديده فلم يُسعفه ولم يعِنهُ على التماسك بل خانه وتحلل أمامه ثم هوى كما يهوي من السماء نجمٌ . لوحة معبّرة ومكثّفة .
أكان خليل حاوي غائباً عمّا في لفظة جسر ومحطة قطار واترلو من كلمة ماء ؟
لا أظن ذلك ، فحاوي يعرف اللغة الإنكليزية ويعرف كيف يتهجى ويكتب واترلو
Waterloo
Water + loo
لذا فإكثاره من لفظة " ماء " ينسجم كثيراً مع لفظة واترلو . ثم جمعه للماء في نهر التايمس وجسر واترلو ومحطة قطارات واترلو خلق لوحة عميقة التأثير والتعبير تتابعها عين القارئ فتراها مجموعة صور محكمة الربط حيوية في حركاتها فالماء تحت الجسر يتحرك ولا يمر تحت الجسر مرتين حسب قول بعض فلاسفة الإغريق، الشاعر يمشي على الجسر، القطار يتأهب للحركة فالبخارُ والدخان علامتا إحتراق للوقود وتحوّل الماءُ إلى بخار كطاقة هي أصل حركة ماكنة القطار / لوكوموتيف . الكل يتحرك إلاّ هو، الشاعر ! تهاوى مع الجسر ... تداعى وتهاوى والمتهاوي على جسر لا بدَّ من سقوطه في الماء وربما غرقه في هذا الماء. سوداوية عميقة ولوحة غارقة بالسواد صممها أستاذ فلسفة متمكن من فكره ومن مادته الشعرية ومن لغته وهي عنده لغة صُلبة صارمة مقولبة محسوبة بدقة حروفاً وألفاظاً وهي في هذا شبيهة بلغة بعض قصائد بدر شاكر السياب ومخالفة للغة عبد الوهاب البياتي فهذه سَلِسلة سيّابة بِرهاوة وغَنَج ناعمة الملمس عبيرية أريجية واثقة تمام الثقة.
سؤال قد يبدو غريباً : هل كان في ذهن خليل حاوي الشاعر بعدٌ آخر بعيد ـ قريب له علاقة بمغامرات بونابرت وخسارة هذا المدوية في معركة واترلو التي وضعت نهاية للحرب من جهة ونهاية لطموحات ومغامرات هذا الرجل الداهية القصير القامة ؟ هل يأسى خليل حاوي لنهاية بونابرت ويأسف ويندب ويلطم صدره ؟ هل كان نابوليون مثله العالي فسقط الشاعر بسقوط العسكري الواسع الطموح ؟ سقط القائد العسكري في ميدان معركة واترلو وسقط الشاعر على جسر واترلو إذْ كان في طريقه لمحطة قطار واترلو !! هناك كان سقوط وهنا اليوم سقوط وواترلو المكان هو ساحة وميدان هذا السقوط. ربط الشاعر الماضي بالحاضر كما ربط الغائب ـ نابوليون ـ بالحاضر، الشاعر نفسه. إستحضر التأريخ وجعل بقعة معينة في مدينة لندن عاصمة الإمبراطورية البريطانية التي ما كانت تغيب الشمس عن ممتلكاتها المترامية الأطراف ... جعل من هذه البقعة المحدودة المحصورة بين جسر ومحطة قطار ، جعلها مشهدَ معركة تصادم كونية ضروس ميدانها الشاعر نفسه. هنا وفي هذه المعركة تقرر مصير الشاعر الإنسان : الموت ! خسرَ المعركة التي سبقه نابليون إلى الخسران فيها. يُمكنني أنْ أستخلصَ أنَّ الشاعرَ ما أحبَّ بريطانيا وربما كره لندن التي لم يجدْ فيها إلاّ مبغى السوهو وجسراً تهاوى به إلى قاع لا قرارَ له ثم محطةً للقاطرات مُعبأً هواؤها بدخان أسود وبُخار أبيض علامة الفراغ فالبخار يتبخر ويختفي في العيون ثم الأبيض هو لون رايات الإستسلام أمام الأعداء. يأسٌ واستسلام.
قوّة وإحكام وصرامة وقولبة الأفكار ودقّة تنظيمها تنأى بالشاعر عن آفاق ومتطلبات الشاعرية وتفقدُ هذه رونقها الطبيعي واندفاعاتها العفوية فتتعقد الفطرة الفنية وتلتوي ويصيبها شيء من التشوّه. أفكار الشاعر في هذه القصيدة ناجحة وناضجة ومستوفية للشروط اللغوية لكنَّ الشعر شيءٌ آخر وطبيعة أخرى ونهج آخر ومزاج مختلف فضلاً عن الشروط سالفة الذكر. يفتقر شعر حاوي للطلاوة الشعرية والحركات الهفهافة التي تختال متباهية في دلال وبهجة مع شيء من الأبّهة. أقول هذا الكلام وفي رأسي شعر المتنبي ثم البياتي ثم بلند الحيدري ونزار قباني.
سوف لن نجد هذه الحركات وهذه الصور في قصيدة البياتي التي ذكر فيها واترلو كما سنرى. ركّز البياتي على لقاء عابر جمعه ليلاً مع فتاة وكانت هذه الفتاة محور ومركز وجوهر قصيدة عبد الوهاب البياتي .
واترلو البياتي **
ذكر البياتي واترلو في آخر قصيدة من ديوان " قمر شيراز " ووضع تحتها التأريخ 2ـ12ـ1974 . تتكون القصيدة من 16 مقطعاً بين متوسط وقصير ومُفرط بالقصر. إسم القصيدة " حبٌّ تحت المطر " . لم يذكر البياتي جسر واترلو ولا محطة قطارات واترلو إنما ذكر واترلو حسبُ لكنَّه أوحى للقاريء أنَّه كان قد وصل لندن للتو بالقطار الذي توقف في المحطة المسماة بمحطة واترلو الشهيرة بعد محطة قطارات فكتوريا و باتنكتون الأقل أهمية وشهرة. ترك المحطة وعبر جسر واترلو وبعد العبور إلى الجهة الأخرى من نهر التايمس إلتقى فتاة وتم التعارف بينهما تحت المطر والبرق والرعد. لم نرَ امرأة في قصيدة حاوي بل صديقاً هو صورة حاوي نفسه .. توأمه، لكنه تمنّى ( لو دعته امرأةٌ ربما طابت لها الخمرُ وطاب الشعرُ .. ) . وسوى الجسر وماء النهر والسوهو وأبخرة وأدخنة قاطرات محطة واترلو لم يذكر حاوي أشياء كثيرة تخص الطبيعة عدا شهر نيسان و( حضن الماءِ مرجٌ دائمُ الخُضرةِ نيسانٌ أراجيحٌ تغنّي .. ) . أشرك البياتي الكل في الكل [[ شوارعُ لندنَ كانت تتنهّدُ في عُمقٍ والفجرُ على الأرصفةِ المبتلّةِ في عينيها يتخفى في أوراقِ الأشجارْ ]]. ثم [[ كان يراها في كلِّ عيون نساءِ المدنِ الأرضِيةِ بالأزهارِ مُغطاة وبأوراقِ الليمونِ الضاربِ للحمرة تعدو حافيةً تحت الأمطار تُشيرُ إليهِ تعال ورائي ]]. الفوارق كبيرة بين القصيدتين فأهداف الشاعرين مختلفة ووسائلهما الشعرية وما في رؤوسهما من أفكار هي عميقة الإختلاف والناس متفاوتون مختلفون في كل شأنٍ وأمر. ما مزايا قصيدة البياتي الرئيسة وبم اختلفت عن قصيدة حاوي فضلاً عمّا بيّنتُ قبل قليل ؟
الأمل، الفرح، النصر، الحب، الأسطورة، التأريخ. نقرأ المقطع الذي يحمل الرقم 1 /
[[ واترلو كان البدءُ وكلُّ جسور العالمِ كانتْ تمتدُّ لواترلو، لتعانقه، لترى مُغتَرِبين التقيا تحت عمودِ النورِ، ابتسما، وقفا وأشارا لوميضِ البرقِ وقصفِ السُحبِ الرعدية. عادا ينتظرانِ، ابتسما، قالت عيناها : " مَنْ أنتَ " أجابَ : " أنا ! لا أدري " وبكى، اقتربتْ منه، وضعت يدها في يدهِ، سارا تحت المطرِ المتساقطِ حتى الفجرِ، وكانت كالطفل تغني تقفزُ من فوق البِركِ المائيةِ تعدو هاربةً وتعودُ. شوارعُ لندنَ كانت تتنهّدُ في عُمقٍ والفجرُ على الأرصفةِ المُبتلّةِ في عينيها يتخفى في أوراق الأشجارْ. أجابَ : " أنا، لا أدري " وبكى. قالتْ : " سأراكَ غداً " ، عانقها، قبّلَ عينيها تحت المطرِ المتساقطِ. كانتْ كجليدِ الليلِ تذوبُ حناناً تحتَ القُبُلاتْ ]].
ما أحلى وما أروع هذه التقدمة يصف الشاعرُ فيها ساعة وصوله لندن في ليلة ماطرة بارقة راعدة قادماً إليها في قطار توقف في محطة واترلو. لم يتوقف الشاعر في محطة واترلو ولم يخصصْ لها وقتاً بل انتقل على الفور إلى جسر واترلو فاعتبره جسر الجسور ورمزها وأصلها [ واترلو كان البدءُ وكلُّ جسورِ العالمِ كانت تمتدُّ لواترلو ]. كأنَ هذا الجسر ما أُقيم في هذه البقعة على نهر التايمس اللندني إلاّ ليربطه بفتاة ما عرفها قبلاً : لتعانقه .. لترى ..مُغتَرِبينِ التقيا تحت عمودِ النورِ ... في هذه الليلة الباردة الماطرة المعتوتمة انفتح في عينيِّ الشاعر أملٌ انشقَّ كعمودٍ من نور : أمل في علاقة حب جديدة مع فتاة ربما كانت إنكليزية أو من جنسية أخرى أو ربما كانت إحدى مومسات الليل. لوحة ما أحلاها صممها ثم نفّذها البياتي باقتدار ومُكنةِ شاعرٍ حاذقٍ ماهر جمع فيها الرومانس الليلي والمطر والرعد ثم مهّدَ لبزوغ الفجر أروع تمهيد [ شوارعُ لُنْدُنَ كانت تتنّهدُ في عُمقٍ والفجرُ على الأرصفةِ المُبتلّة في عينيها يتخفى في أوراقِ الأشجارْ ] . هذا بعض واترلو الشاعر عبد الوهاب البياتي. رومانسية غنائية فيها أمل وفيها خوف من احتمالية ضياع هذا الأمل : هل تدوم علاقته الجديدة هذه مع تلك الفتاة التي عانقها وقبّل عينيها تحت المطر المتساقط ؟ سنرى حال البياتي فيما بعد ومصير تلك الفتاة في بقية مقاطع قصيدة " حبٌّ تحت المطر ".
أكان الجوُّ الماطرُ والبرقُ والرعدُ من الضرورات الملحّة لإتمام اللقاء الرومانسي المفاجئ أم أنها كانت مجرد إطار تجميلي معاكس للحدث الدرامي وليس مُهيئاً ثم متمماً له ؟ أفلا يتمُّ الحب إلاّ بالرعود وتحتها وتحت ما يرافقها من بروق ثم مطر ؟ البرق ـ الرعد ـ المطر ... ثلاثية قد .. قد تبدو لي أنها صدىً لشعار الثورة الفرنسية الثلاثي : حريّة ـ إخاء ـ مساواة وما كان نابوليون بونابرت إلاّ وليد ونتاج الثورة الفرنسية التي خطفها ممن قام بها وورطَ فرنسا من ثمَّ في مغامرات شاسعة واسعة إنتهت به إلى الخسارة الكبرى في معركة واترلو ! وانتهى به المطافُ أسيراً ثم منفيّاً في إحدى الجزر.
في قصيدة البياتي صور غير مسبوقة بالغة الروعة لم يأتٍ حاوي في كل ديوانه الشعري بمثيل لها أبداً. إنه شاعر آخر ووزن آخر وطبيعة أخرى وثقافة مغايرة وأعصاب أُخَرُ. صور خليل حاوي صور عقلية ميكانيكة شبيهة بصور الكاميرات العادية أو كاميرات السينما والفيديو تؤثّر في القارئ بالمسِّ الخفيف الخاطف ولا تشعره بالمتعة التي تتركه فيه صور البياتي المجازية التي تجبر القارئ على التوقف والتفكير وخلال فترة التوقف والتفكير هذه تنجح هذه الصور في التغلغل عميقاً في لاشعور القارئ وتتركه يفكّرُ فيها ردحاً من الزمن يحاول الإمساك بها ولكنْ هيهاتَ هيهات ! أقدّمُ أنموذجاً من صور البياتي الشعرية وأدعو القارئ الكريم والقارئات الكريمات للتفكير معي في روعة وجمالية معنى ومغزى الصورة :
المقطع رقم 13
[[ كانت في يدهِ دُمية شمعٍ يغرزُ فيها دبّوساً من نار .. حبّيني قال لها واتقدت عيناهُ بشرارةِ حُزنٍ يصعدُ من قلبِ المأساةْ .. شاحبةً كالوردةِ تحت عمودِ النورِ رآها .. جاءت قبل الموعدِ ... / المقطع 13]] . هذا مشهد يصوّرُ الشاعرُ نفسه فيه وهو في الطريق للقاءِ حبيبته الجديدة حسب موعد مُسبق إتفقا عليه. خانه صبره الذي كان كطبيعة الشمع الذي ينصهر بالنار. يحترق الشاعر منصهراً مثل دمية شمع ينغرزُ فيها دبّوسٌ من نار. هل تأتي أو لا تأتي ؟ يخشى ألاّ تأتي فتاته فتشتعلُ أعصابه وتتقد عيناه. لماذا الدُمية ؟ الدمية جلبها العاشق معه هدية لصاحبته التي رآها في ساعة اللقاء الأولى [ كالطفل تغني، تقفزُ من فوق البِركِ المائية تعدو هاربةً وتعودُ .. ]. ليس بالقليل مثل هذه الصورة في أشعار البياتي التي أراها ( علامة فارقة أو ماركة مُسجّلة باسم عبد الوهاب البياتي باتنت )
Patent
إلتقى الشاعر بصديقته الجديدة في مكان آخر لا علاقة له بواترلو الجسر والمحطة ولكن لم يقل الشاعر كم مرة إلتقيا وأين ؟ ذلك أمر غير ذي شأن. ما مصير هذه العلاقة ومن هي هذه الفتاة ؟ يكشف الشاعر لنا أنَّ هذه الفتاة فتاة أسطورية اسمها عائشة وإنها إبنة أحد الملوك الغابرين :
[[ عائشةٌ اسمي قالت وأبي ملكاً أسطوريّاً كانْ .. يحكمُ مملكةً دمّرها زلزالٌ في الألف الثالثِ قبلَ الميلادْ ]].
يتطابق هذا التأريخ ، الألف الثالث قبل الميلاد ، مع تأريح مملكة سومر جنوب العراق ! أيُّ قدرة متخيّلة خلاّقة في رأس هذا الشاعر ؟ نقلنا من رومانس ليلي عابر في لندن إلى مملكة السومريين أصحاب كلكامش وأنكيدو وعشتار. هل عائشة إذاً هي عشتار السومرية بعد كل هذه التحولات في التأريخ البشري وفي الحقب والقرون المتتالية أخذت الإسم الإسلامي " عائشة " ؟ إخترقت الزمن لتلتقي بشاعر عراقي [[ أراها صورته بلباس البدوِ الرُحلِّ قالت : من أنتَ ؟ أجابَ : أنا لا أدري ، وبكى .. كانت صحراءٌ حمراءْ .. تمتدُّ إلى ما شاءَ اللهْ / المقطع 13 ]].
لا أنوي نقد هذه القصيدة مطوّلاً فلقد سبق وأنْ نشرتُ عنها مقالاً خاصاً .. إنما موضوعنا اليوم هو واترلو !
هوامش :*
ديوان خليل حاوي / الناشر : دار العودة، بيروت. الطبعة الأول 1972 .. الطبعة الثانية 1979 .
**
ديوان عبد الوهاب البياتي / الناشر : دار العودة، بيروت. الطبعة الرابعة 1990 .
CONVERSATION
ليلة الشك/ ميمي أحمد قدري
تتنهد تنهيدة ألم بنـَفـَسِ متقطعِ وهي ترفع فنجان الشاي لتداعب برشفاتهِ (شفتاها)..
الليلة ليلة الشك .. لحظات ويجتمع شمل شيوخ الأمة لتحديد هل الغـد أول شهر رمضان أم اليوم الأخير والمكمل لشهر شعبان..
تتذكر طفولتها وعشقها لهذا الشهر بعبقه ونسماته الرحمانية وفرحتها الغامرة بفانوس رمضان.. تتذكر عائلتها والتفافهم حول مائدة الإفطار والإبتسامة العريضة التي كانت تعلو شفاه كل منهم وتمتماتهم بالدعاء وثقتهم اللامتناهية في تحقيق أحلامهم ..
أطلقت العنان لأنين أفكارها وشجن روحها ، منذ فترة طويلة لم تشعر بحلاوة هذا الشهر الكريم.. لم تذق شهده.. منذ تزوجت.
كانت تتمنى أن تـُحلق فراشات الأمل فوق زهور بيتها لتسكب الأمان والطمأنينة في قلوب أطفالها..
كانت تتمنى أن تعـبر هي وزوجها نهر الود الدائم ؛ ولكن زوجها - سامحه الله - يتفنن في وأد بذور المحبة ، وهدم جسور التواصل بين قلوبهما بعصبيته ، وبتفجيره الدائم للمشاكل ، ومعاملته السيئة لكل أهل بيته ؛ فالتكبر خــُلق له لكي يتعالى على زوجته وأولاده..
على مدار السنوات الماضية ظلت دعوتهم أن يرحمهم الله من هذا الأب المتعجرف بساديته.. المريض بحب إيذاء كل رعـيته.. كانوا يستظلون بصحاري الحلم وأمنيتهم الوحيدة أن يمرر الله شهر رمضان عليهم بالخير والسلام ، بدون إهانة منه أو عصبية ، أو محاولة منه لإغضابهم على الطعام ، وكسر الباقي من سعادتهم أثناء تناول الإفطار الذي يحلمون بشهيته طيلة النهار.
تنهض الأم من جلستها عندما يصل إلى سمعها أن الغد أول أيام رمضان.. يعلو صوت الألحان الآثيرة للقلوب (رمضان جانا وفرحنا به أهلا رمضان ..)
تسمع صدى آتٍ من غرفة الطفلين ، وفرحة عادة لا تكتمل بحلول هذا الشهر... تبتسم ابتسامة مكلومة ، و تختنق في صدرها آهة وجع وتـُمَنـِّى الروح والنفس أن الغد أجمل...
بالرغم من الدموع التي تـُحاصر أهدابها ؛ تحاول اصطناع البشاشة..
تدخل إلى مطبخها تطمئن أن كل شيء متوفر... الجبن , البيض , الخس , الخيار.. والزبادي الذي تعودت أن تصنعه بيديها لطفليها ...
وحدها تسأل ويجيب لسان حالها - بعد فترة تركيز ليست بالقليلة - آآآآه نسيتُ الفول لا يوجد بالثلاجة فول!!. وأولادي لا يمكن أن يتسحروا بدونه!!
بسرعة وبصوت حنون نادت على ابنها:
- يا عـمر
أجاب..
- نعم يا أمي هل تريدين مني شيئاً؟
- نعم يا حبيبي أريد منك أن تخرج الآن لتشتري لنا الفول من أجل السحور
- حاضر , هل تريدين شيئاً آخر؟.. فكري قبل أن أخرج؟
- لا ياحبيبي كله جاهز ، والثلاجة فيها كل شيء.. لو أنت أردت لنفسِـك شيئاً أولأختك.. اشتريه بدون تفكير, فالغد صيام ويجب أن تأكلا كل ما تتمناه نفسيكما وغداً إن شاء الله سوف أُجهز لكما أطيب سفـرة وأشهى طعام
- حقاً يا أمي؟.. ربنا يحميك ِوتسلم إيديكِ أنا أرغـب في الحمام المحشي
- أُجهز لك حمام ومحشيات وجلاش.. واختار أنت وأختك الحلو
- يارب يديمك لنا يا أحلى أم..
وفي سرعة البرق خرج الإبن لشراء طلبها لكي تكتمل وجبة السحور.. ظلت الأم تـُرتب أفكارها وتشحذ خيالها طالبة من الله العون في هداية زوجها أو رفع حراب ظلمه عنهم..
عادت لنفس السؤال.. كيف يكون أول يوم في رمضان؟.. وكيف تستطيع بهدوئها وصبرها الحفاظ على فرحة طفليها؟.. وتفادي الإستجابة لمنغصات الأب.. وكيف تستطيع أن تتجنب أفعاله في حقها وحق الطفلين.. رافعة عينيها المتلألئتان بالدموع إلى السماء
مرددة: الحل في الصلاة والصبر والدعاء ، وتحمل الألم من أجل الله فقط.. ثم الأبناء.
شعرت بثقلِ في جفنيها ، وكأن النوم يُداعبهما..
لحظات وسمعت دقات متسارعة على الباب.. فتمددت بواسق القلق وأورقت في مرايا الروح ، وانقبض قلبها.. وبخطوات تـُسابق دقات قلبها.. اتجهت إلى ناحية الباب.. فتحته.. شاهدت الرجال يحملون زوجها وهو غارق في دمه ينبض نبضاته الأخيرة.. صرخت.. استغاثت.. ولكن الزوج والأب لفظ أنفاسه الأخيرة وهو بين أحضانها.. وكانت آخر كلماته: (ريم سامحيني..)
تركها لأسنة الوحدة تمزق أوصال حلمها بالسعادة.. غارقة في نهر من الحيرة واليأس!!..
نهضت ريم مفزوعة من غفوتها على صوت زوجها وهو ينهر أبنائهما ويكيل لهما الكلمات على سببِ تافه كعادته التي لم ينساها في ليلة الشك.. أو غيرها
حينها تمنت أن تعود وتـُبحر أكثر في غفوتها.
بقلم ميمي قدري
الى ملف نور رمضان الإبداعي
الليلة ليلة الشك .. لحظات ويجتمع شمل شيوخ الأمة لتحديد هل الغـد أول شهر رمضان أم اليوم الأخير والمكمل لشهر شعبان..
تتذكر طفولتها وعشقها لهذا الشهر بعبقه ونسماته الرحمانية وفرحتها الغامرة بفانوس رمضان.. تتذكر عائلتها والتفافهم حول مائدة الإفطار والإبتسامة العريضة التي كانت تعلو شفاه كل منهم وتمتماتهم بالدعاء وثقتهم اللامتناهية في تحقيق أحلامهم ..
أطلقت العنان لأنين أفكارها وشجن روحها ، منذ فترة طويلة لم تشعر بحلاوة هذا الشهر الكريم.. لم تذق شهده.. منذ تزوجت.
كانت تتمنى أن تـُحلق فراشات الأمل فوق زهور بيتها لتسكب الأمان والطمأنينة في قلوب أطفالها..
كانت تتمنى أن تعـبر هي وزوجها نهر الود الدائم ؛ ولكن زوجها - سامحه الله - يتفنن في وأد بذور المحبة ، وهدم جسور التواصل بين قلوبهما بعصبيته ، وبتفجيره الدائم للمشاكل ، ومعاملته السيئة لكل أهل بيته ؛ فالتكبر خــُلق له لكي يتعالى على زوجته وأولاده..
على مدار السنوات الماضية ظلت دعوتهم أن يرحمهم الله من هذا الأب المتعجرف بساديته.. المريض بحب إيذاء كل رعـيته.. كانوا يستظلون بصحاري الحلم وأمنيتهم الوحيدة أن يمرر الله شهر رمضان عليهم بالخير والسلام ، بدون إهانة منه أو عصبية ، أو محاولة منه لإغضابهم على الطعام ، وكسر الباقي من سعادتهم أثناء تناول الإفطار الذي يحلمون بشهيته طيلة النهار.
تنهض الأم من جلستها عندما يصل إلى سمعها أن الغد أول أيام رمضان.. يعلو صوت الألحان الآثيرة للقلوب (رمضان جانا وفرحنا به أهلا رمضان ..)
تسمع صدى آتٍ من غرفة الطفلين ، وفرحة عادة لا تكتمل بحلول هذا الشهر... تبتسم ابتسامة مكلومة ، و تختنق في صدرها آهة وجع وتـُمَنـِّى الروح والنفس أن الغد أجمل...
بالرغم من الدموع التي تـُحاصر أهدابها ؛ تحاول اصطناع البشاشة..
تدخل إلى مطبخها تطمئن أن كل شيء متوفر... الجبن , البيض , الخس , الخيار.. والزبادي الذي تعودت أن تصنعه بيديها لطفليها ...
وحدها تسأل ويجيب لسان حالها - بعد فترة تركيز ليست بالقليلة - آآآآه نسيتُ الفول لا يوجد بالثلاجة فول!!. وأولادي لا يمكن أن يتسحروا بدونه!!
بسرعة وبصوت حنون نادت على ابنها:
- يا عـمر
أجاب..
- نعم يا أمي هل تريدين مني شيئاً؟
- نعم يا حبيبي أريد منك أن تخرج الآن لتشتري لنا الفول من أجل السحور
- حاضر , هل تريدين شيئاً آخر؟.. فكري قبل أن أخرج؟
- لا ياحبيبي كله جاهز ، والثلاجة فيها كل شيء.. لو أنت أردت لنفسِـك شيئاً أولأختك.. اشتريه بدون تفكير, فالغد صيام ويجب أن تأكلا كل ما تتمناه نفسيكما وغداً إن شاء الله سوف أُجهز لكما أطيب سفـرة وأشهى طعام
- حقاً يا أمي؟.. ربنا يحميك ِوتسلم إيديكِ أنا أرغـب في الحمام المحشي
- أُجهز لك حمام ومحشيات وجلاش.. واختار أنت وأختك الحلو
- يارب يديمك لنا يا أحلى أم..
وفي سرعة البرق خرج الإبن لشراء طلبها لكي تكتمل وجبة السحور.. ظلت الأم تـُرتب أفكارها وتشحذ خيالها طالبة من الله العون في هداية زوجها أو رفع حراب ظلمه عنهم..
عادت لنفس السؤال.. كيف يكون أول يوم في رمضان؟.. وكيف تستطيع بهدوئها وصبرها الحفاظ على فرحة طفليها؟.. وتفادي الإستجابة لمنغصات الأب.. وكيف تستطيع أن تتجنب أفعاله في حقها وحق الطفلين.. رافعة عينيها المتلألئتان بالدموع إلى السماء
مرددة: الحل في الصلاة والصبر والدعاء ، وتحمل الألم من أجل الله فقط.. ثم الأبناء.
شعرت بثقلِ في جفنيها ، وكأن النوم يُداعبهما..
لحظات وسمعت دقات متسارعة على الباب.. فتمددت بواسق القلق وأورقت في مرايا الروح ، وانقبض قلبها.. وبخطوات تـُسابق دقات قلبها.. اتجهت إلى ناحية الباب.. فتحته.. شاهدت الرجال يحملون زوجها وهو غارق في دمه ينبض نبضاته الأخيرة.. صرخت.. استغاثت.. ولكن الزوج والأب لفظ أنفاسه الأخيرة وهو بين أحضانها.. وكانت آخر كلماته: (ريم سامحيني..)
تركها لأسنة الوحدة تمزق أوصال حلمها بالسعادة.. غارقة في نهر من الحيرة واليأس!!..
نهضت ريم مفزوعة من غفوتها على صوت زوجها وهو ينهر أبنائهما ويكيل لهما الكلمات على سببِ تافه كعادته التي لم ينساها في ليلة الشك.. أو غيرها
حينها تمنت أن تعود وتـُبحر أكثر في غفوتها.
بقلم ميمي قدري
الى ملف نور رمضان الإبداعي
CONVERSATION
"رؤى" إصدار جديد للكاتبة آمال عوّاد رضوان
"رؤى"؛ مقالات من مشاهد الحياة ثقافيّة واجتماعيّة، هو عنوان الإصدار الجديد للكاتبة آمال عوّاد رضوان، والذي أصدِر عن دار الوسط اليوم للإعلام والنشر في رام الله، وقد جاء في 232 صفحة من القطع الكبير.
كما ضمّنت إصدارها الجديد إهداءً خاصّا لموقع ديوان العرب، ولمُحرّر صفحة رؤى في جريدة الرؤية العمانيّة الكاتب عبدالله خميس، وللقارئ العربيّ، فيما حمل الغلاف إحدى لوحات الفنان التشكيليّ الأردنيّ سعيد حدّادين.
وقالت آمال عوّاد رضوان في إهدائِها: أهدي هذا الإصدار لديوان العرب عربون امتنان لتقديره آمال عوّاد رضوان ككاتبة متميّزة، ومنحها درع ديوان العرب لعام 2011، كما أهدي هذه المشاهد للرؤية العمانيّة ممثَّلة بمحرّر صفحتها "رؤى" الزميل الكاتب والصديق الأستاذ عبدالله خميس، ودفعها لي في تناول موضوعات الكتاب، وأهديها للقارئ العربيّ مَن واكب نبض مقالاتي الهامسة المشاكسة، ومَن تابع إيحاءات عناويني الملغومة المكتومة، ومَن ساهم في نبش سطوري العاصفة الكاشفة على مدار أكثر من عاميْن.
وقالت الكاتبة: معكم نمضي، ومع كلّ صوتٍ حرّ يعتلي بفكرةِ الحرّيّةِ إلى سموّ أحلامِنا وشعوبنا وأوطانِنا، ومعكم نحملُ رسالاتنا بينَ ضلوعِنا المغمورة بالجَمالِ والمحبّة، نمتطي صهوة الآمالِ والأحلامِ، ونتعربشُ بحروفِ أفراحنا فوقَ سطورِ الآلام، لننقشَ مِن ذواتِنا الإبداعيّةِ معابرَ وجسورًا للنفوس في كلّ بقعةٍ تنطقُ بلغةِ الوطنِ والإنسان.
من خلال رؤى بنّاءة نمنح الحرفَ واللوْنَ والصوتَ والوترَ والفِكرَ وهجَ إبداعٍ، استيقظت إرادته على سفوح وعيٍ عنيد لا تُرضخُه رياحُ الفُرقة، ومعًا نلملمُ ذواتنا بفنونِها وإبداعاتِها وتشكيلاتِها، بعطاءاتِها التي لا تنضبُ وإراداتِها التي لا تستكين، كي تُعمّدَ طهارة لحظاتِنا الخالدةِ، بتعابيرِ وجودٍ يستدعي التفرّدَ والتميّزَ الصادق بطرح الحقائق على بساطِ البحث.
في أوطانِنا المنهوبةِ ثمّة حكاياتٍ وروايات ما زالت تتوشّحُ بالصمت والبوْحِ المهذّب اللمّاح، تستحقُّ منّا الالتفاتَ إليها، لتمنحَ كينونتَنا بتكويناتِها المؤتلفة والمختلفة مساحاتٍ لتعبيرٍ راقٍ متألّق، يُشكّلُ جسورًا متينة لحيواتنا الغالية الحاضرة، ولمستقبلٍ يحملُ في طيّاتِهِ فوانيسَ فِكرٍ ناضجٍ وقلبٍ مسكونٍ بالمحبّة والتسامح، لننيرَ معًا دروبنا ودروب التائهين في لعنة الجهل والتجهيل والتخلف والتهميش، وحيث يخيّمُ عليها العتم والتعتيم.
في كونِنا المنكوبِ بالشرورِ والحروبِ والشتاتِ الطويل، ثمّة غربةٍ تستنهضُ الحنين إلى الرجوعِ والعودةِ للأوطان ولجوهرِ الإنسانِ والإنسانيّة، التي اكتوتْ بنيرانِ ظلم احتكرت تكويناتنا الوجوديّةَ على الأرض!
بالوحدة معًا نعبُر الماضي لنجتازَ مرارةَ الحاضر بأقلّ خسائر، ومعًا نمضي إلى ملاذِ الإبداع الموضوعيّ، وبطموحات لا تنبري، بعيدًا عن القمع الفكريّ والتربويّ وفرض وهيمنة الرأي الأوحد، لنعانق غدًا جميلاً خاليًا مِن وفاضِ الأسر، ومتحرّرا مِن قيودِ المُشكّكينَ بسُموّ الفِكرة وطهارتِها!
واقتبست الكاتبة ما ورد في رسالة ديوان العرب الذي اختارها فارسة عام 2012 والتي جاء فيها: "كعادتها في تشجيع المبدعين العرب في مجالات الثقافة والأدب والفكر ودعم الأقلام الشابّة والمبدعة، التي وضعت نصب عيونها خدمة الثقافة العربيّة ورفع شأن الثقافة والفكر والأدب، تُقدّم ديوان العرب درع الديوان للكاتبة المبدعة الشاعرة آمال عوّاد رضوان من فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨، التي ساهمت بنشاط في ديوان العرب، وقدّمت الكثير من المقالات والنصوص الأدبيّة الراقية التي تجاوزت المئة، أسرة التحرير تهنّئ الزميلة آمال وتدعو لها بمزيد من النجاح والإبداع، فأمّتنا بحاجة لتلك الأصوات الحرّة النقيّة التي تقاوم الرياح ولا تنكسر أمامها".
وقد تضمن الإصدار الجديد "رؤى" 96 مقالاً، عكفت الكاتبة على كتابتها ونشرها على مدى أكثر من عاميْن .
CONVERSATION
توقيع كتاب "الدويهي منارة مسكونية" للخوري يوحنا مخلوف
الغربة ـ فريد بو فرنسيس
برعاية وحضور صاحب السيادة المطران جوزاف معوض النائب البطريركي على نيابة إهدن – زغرتا، أقيمت ندوة حول كتاب الخوري يوحنا مخلوف "البطريرك العلامة مار إسطفانوس الدويهي الإهدني "منارة مسكونية" السابع ضمن سلسلة منائر إهدنية وذلك في باحة كنيسة القديسة مورا – إهدن بحضور المطرانين فرنسيس البيسري ويوسف ضرغام وممثلين عن جمعيات وهيئات اجتماعية وثقافية وكهنة الرعية ورؤساء أديار الرهبانية في الشمال، راهبات ورهبان وحضور ومدعوين.
بداية النشيد الوطني اللبناني، ثم نشيد الرعية فكلمة للإعلامية ماريا يمين تضمّنت لمحة عن سيرة حياة المكرّم البطريرك الدويهي التي نرى فيها: "ان الدويهي تدفق إلى قلبه ينبوع القداسة باكرًا، وان الذي اختاره، قدّمه إلى رتبة النقاء، لذلك وأنت تقترب إلى اسمه تحس بطعم البخور السماوي. هو بالأمس القريب مكرّمًا وغدًا طوباويًا ثم قديسًا جديدًا من عنا".
ثم كانت كلمة المطران جوزاف معوض وممّا جاء فيها: "يدور الكتاب الجديد حول البطريرك العلامة إسطفان الدويهي (1630-1704) في حياته وكتاباته ورسالته. لقد جمع البطريرك الدويهي مزايا عديدة في شخصه جعلته منارة وضاءة في تاريخ الكنيسة المارونية. فهو المصلح الليتورجي، وقد ظهر ذلك بنوع خاصّ في مؤلفه "منارة الأقداس... والدويهي وجه ثقافي، ارتبط اسمه بالعلم... وكما اهتمّ بالإكليروس الأبرشي، اهتمّ كذلك بالرهبان... وجمع الدويهي في شخصه بين الحياة الروحية والعمل الرسولي. فعلى الصعيد الروحي، كان المصلي والصائم والمتقشف والصابر على صعوبات الحياة. وعلى الصعيد الرسولي، اتسم بالعزيمة والمثابرة" .
فكلمة الأخت دومينيك الحلبي تحدّثت فيها عن البطريرك الدويهي والنسك الرهباني قائلة: "إنّ البطريرك الدويهي كان بطريركًا عظيمًا لأنّه كان ناسكًا عظيمًا تحلّى بالتخلي الكامل عن مظاهر العالم، وتفرّغ لعبادة الله وخدمة أبنائه وبناته بعفوية وتسام ندر وجودهما. عاش البطريرك الدويهي مع النساك، ناسكًا فقيرًا، متقشفًا، عفيفًا وكلي الطاعة لإرادة الله، فأدرك بسمو بصيرته حاجة جماعة النساك إلى من يدبّر أمورها وينظّم حياتها مراعيًا الشأنين النسكي والرسولي. فأقدم على الأمر بشجاعة، وتجلّى عمله في تثبيت قوانين الحياة الرهبانية في ما أطلق عليه اسم "كنيسة النسك"."
ومن ثمّ كلمة الأب الياس حنا الذي قال: "على مثال معلّمه وربّه الذي اختار البتول ليتجسّد منها لخلاص البشر، اختار الدويهي ست النسا ليتجسّد هو أيضًا بشفاعتها وحمايتها في حشا كنيسته. تجسّدت رؤية الدويهي لمستقبل كنيسته من خلال النذر والرؤيا: النذر حفظه سرًا لذاته، فكرّس كيانه ووجوده لخدمة الكنيسة المارونية. والرؤيا التي من خلالها لازمته مريم حياته كلّها. فكان يتحدّث معها، يفاتحها بمكنونات قلبه وهموم الكنيسة وآلمها، وهي تستجيب له بما لها من دالة على ابنها. ومن يستعرض حياة البطريرك الدويهي وكتاباته وأعماله يمكنه أن يكتشف عناصر هذه الرؤية المتجسّدة التي كانت وراء تأسيس الكنيسة المارونية من جديد. وهذه العناصر هي: الهوية، الإيمان والعيش."
كما كانت كلمة شكر للخوري مخلوف صاحب الإصدار.
ومن ثم توقيع الكتاب فتكريم الشيخ إميل معوض، أكبر قارئ معمّر في زغرتا.
CONVERSATION
ليلة عاصفة/ عبدالقادر رالة
رفضت طلب أمي بأن أنام لأني غدا سأنهض باكرا لأجل المدرسة.. تريد أمي أن تصفعني لكن جدتي تمنعها ...كان أخي الصغير مستغرقا في نوم عميق ولذيذ، أما أنا فلم أستطع النوم...
ـ لا أعرف لماذا تصر هذه البنت أن تبقى لهذا الوقت المتأخر من الليل البارد؟!
تصمت جدتي ولا تجيب... لم يعرف النعاس طريقه إلي لأني رأيت أمي وجدتي مضطربتين ...
سبب ذلك الاضطراب الشديد هو القلق على والدي الذي لم يعد بعد...وعمي الذي ينتظره، بين الحين والأخر يطل من غرفة نومه، يتحسس وقع أقدام أو دق على الباب الخارجي الخشبي....كانت ليلة شديدة البرد من ليالي جانفي ...تساقط الثلج هذا العام بكميات كبيرة ، وابيضت الارض ،وفي الليل ينعكس ضوء العمود الكهربائي الذي أمام بيتنا متلألأ على تلك الأرض البيضاء....
من وراء الباب الخشبي تناهت الى سمعي دقات خفيفة فأسرعت أريد أن أفتح...لكن عمي أمرني بشكل مفاجئ....
تصمت جدتي ولا تجيب... لم يعرف النعاس طريقه إلي لأني رأيت أمي وجدتي مضطربتين ...
سبب ذلك الاضطراب الشديد هو القلق على والدي الذي لم يعد بعد...وعمي الذي ينتظره، بين الحين والأخر يطل من غرفة نومه، يتحسس وقع أقدام أو دق على الباب الخارجي الخشبي....كانت ليلة شديدة البرد من ليالي جانفي ...تساقط الثلج هذا العام بكميات كبيرة ، وابيضت الارض ،وفي الليل ينعكس ضوء العمود الكهربائي الذي أمام بيتنا متلألأ على تلك الأرض البيضاء....
من وراء الباب الخشبي تناهت الى سمعي دقات خفيفة فأسرعت أريد أن أفتح...لكن عمي أمرني بشكل مفاجئ....
ـ ارجعي إلى غرفتكم!...
وقفت وسط الفناء...نظرت إلى جدتي فأشارت إلى بالعودة...
. فتح عمي الباب...دخل أبي يترنح ثملا...أوقفه عمي ثم أمسكه بشدة من ياقة معطفه...
ـأين كنت ؟ ألا تخجل من نفسك؟ دائما مخمور!
ـ لا داعي لأن تنتظرني أو تقلق لأجلي! ابنتي ، أو زوجتي تفتح الباب!
ـ الليلة أريد أن أتحدث معك...علي أن أوضح بعض الأمور.....
ـ أي حديث؟ إذا كنت تقصد البيت...بيت الوالدة..لا رغبة لي فيه ومستعد للتنازل عن حقي فيه...لكن اصبرعلي فقط بضع أشهر حتى أنهي بيتي...
. فتح عمي الباب...دخل أبي يترنح ثملا...أوقفه عمي ثم أمسكه بشدة من ياقة معطفه...
ـأين كنت ؟ ألا تخجل من نفسك؟ دائما مخمور!
ـ لا داعي لأن تنتظرني أو تقلق لأجلي! ابنتي ، أو زوجتي تفتح الباب!
ـ الليلة أريد أن أتحدث معك...علي أن أوضح بعض الأمور.....
ـ أي حديث؟ إذا كنت تقصد البيت...بيت الوالدة..لا رغبة لي فيه ومستعد للتنازل عن حقي فيه...لكن اصبرعلي فقط بضع أشهر حتى أنهي بيتي...
ـ لا أقصد هذا! فهذا أمر واضح ..وإنما التحرش بزوجتي!
صمت أبي ذاهلا...صفعه عمي بقوة حتى أسقطه على الأرض.. ركضت جدتي نحوهما حافية القدمين وهي تصرخ:ـ أسكت! أيها الحقير ...ما هذا الكلام ! ألا تخجل من قول هذا أمام ابنته! عيب، رجل مثلك وبموستاش أسود يستمع الى زوجته الـ.....
صمت أبي ذاهلا...صفعه عمي بقوة حتى أسقطه على الأرض.. ركضت جدتي نحوهما حافية القدمين وهي تصرخ:ـ أسكت! أيها الحقير ...ما هذا الكلام ! ألا تخجل من قول هذا أمام ابنته! عيب، رجل مثلك وبموستاش أسود يستمع الى زوجته الـ.....
حاولت جدتي أن ترفع والدي من على الأرض......
ـ لم أتصور أبدا أن تكون حقيرا بهذا الشكل! أخوك .سكير..لكن كل الوقت الذي قضيناه في هذا الحي ما اشتكى منه أحد من الجيران أو قال أنه أخطأ و دق على باب أحدهم! بل الجميع يمدحونه لاحترامه لهم!
ـ ما أريده هو أن لا يبقى في بيتي ولو لليلة....
ـ بيتك! لم أكن أعلم أنك ورثتني وأنا حية!.....
بعد يومين تعمدت اختلاس السمع ، وأنصت إلى حوار بين أمي وزوجة عمي، جدتي لم تكن بالبيت....
ـ لم أتصور أبدا أن تكون حقيرا بهذا الشكل! أخوك .سكير..لكن كل الوقت الذي قضيناه في هذا الحي ما اشتكى منه أحد من الجيران أو قال أنه أخطأ و دق على باب أحدهم! بل الجميع يمدحونه لاحترامه لهم!
ـ ما أريده هو أن لا يبقى في بيتي ولو لليلة....
ـ بيتك! لم أكن أعلم أنك ورثتني وأنا حية!.....
بعد يومين تعمدت اختلاس السمع ، وأنصت إلى حوار بين أمي وزوجة عمي، جدتي لم تكن بالبيت....
ـ أستحلفك بالله العظيم! وبحق أمك الغالية ، وإبنك العزيز....أن تقولي لي الحقيقة ! هل فعلا تحرش بك مروان أو نظر اليك نظرة تختلف عن نظرة الأخ الى زوجة أخيه؟!..بحق...
ابتسمت زوجة عمي:ـ لم يفعل...وإني لن أنسى أبدا صنيعه معي لما كنت حامل بإبني الأول.. لولاه لما كان مُد لي في الحياة.....
ـ الحمد لله! لكن لماذا الكذب وتسويد قلب الأخ على أخوه؟!
ـ أعرف أن الأخ لن يفوت أخاه! وأن الدم لن يفرط في دمه! لكن لي أربعة أولاد يجب أن أفكر فيهم وأقلق على مصيرهم...وزوجك استطاع أن يشتري قطعة أرض....
ـ لكن ليس بهذه الطريقة!...
ـ أعرف أن الأخ لن يفوت أخاه! وأن الدم لن يفرط في دمه! لكن لي أربعة أولاد يجب أن أفكر فيهم وأقلق على مصيرهم...وزوجك استطاع أن يشتري قطعة أرض....
ـ لكن ليس بهذه الطريقة!...
لم يمضِ وقت طويل حتى رحلنا الى بيتنا الجديد. وكان عمي وزوجته وأولاده يزوروننا بين الحين والأخر ، فتستقبلهم أمي بالترحاب ونمضي الوقت في الضحك واللعب وتبادل ذكريات طفولة عمي وأبي، وجدتي تروي أيامها الجميلة معى جدي الله يرحمه!و الأكيد أن لا أحد يرغب في تذكر تلك الليلة العاصفة....
/ الجزائر
CONVERSATION
الاشتراك في:
الرسائل
(
Atom
)
إقرأ أيضاً
-
Trifles أشخاص المسرحية سبعة وهم : جورج هندرسون (مفوض المقاطعة) ، هنري بيترز ( الشريف)، لويس هايل ( مزارع وجار لآل رايت) ، السيدة بيترز (زوج...
-
حازت الروائية والشاعرة اللبنانية المقيمة في فرنسا فينوس خوري غاتا (74 سنة)، جائزة أكاديمية "غونكور" للشعر 2011 عن مجمل أعمالها، ع...
-
يعتبر التراث الشعبي لكل أمة حجر الزاوية في بناء حضارتها وتطورها وتقدمها،والتراث هو ما ورثناه عن الآباء والأجداد وتناقلته الأجيال المتعاقبة م...
-
تحقيق ريما يوسف سلس، عذب، يتهادى على أنغام ربانية، تخرج من الحنجرة بأروع قافية وخاتمة، روعته تكمن بالتحدي، وسحره بتسلسله المتناغم،...
-
ما من شك ان العمل الذي اقدمت عليه جماعة الإخوان المسلمين في مصر أثناء عملية فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة ، بإشعال النيران في منزل الصح...
-
السيدة الوزيرة وانا اصاحب احدى السيدات لتضع مولودها بإحدى المستشفيات العمومية، حيث تقف عن وجه من او...
-
يغادرنا اليوم اللواء أنطوان لحد الذي غاب عن الاعلام منذ الإنسحاب الإسرائيلي من الجنوب سنة 2000 وهو كان قاد جيش لبنان الجنوبي مدة 16 عاما و...
-
كل فرد فى المجتمع يعيش بداخله أمل فى ان يحقق نجاح على المستوى العملى او العلمى او الإجتماعى ولديه هدف معين يسعى لتحقيقه وربما ينجح اويفش...
-
خليل حاوي * خليل حاوي شاعر لبناني درس الفلسفة في جامعة كمبردج البريطانية وبعد أنْ نال شهادة الدكتوراه رجع إلى لبنان ليمارس التدريس في إح...
-
الغربة من فريد بو فرنسيس أقامت بلدية مزيارة حفلاً تكريميًا للشاعر يونس الإبن، وذلك برعاية معالي وزير الثقافة الأستاذ غابي ليون مم...
0 comments:
إرسال تعليق