رفعت بنظري ووجدتني بين جيش من البشر يجمعهم زي موحد ويفرقهم رقم. رقم إستطاع تمييز كل فرد عن الآخر. ١٠٤٥٢ كان الرقم الذي حملته بورقة على صدري. إلى يميني رجل كهل قد طالت فترة خدمته؛ سألته عن سبب تواجدنا في هذا المكان ولكنه لم يجب. فرأيتني اكرر سؤالي على مسمع شاب إلى يساري، وقد بدا عليه الحماس، إلا أن حماسه لم يساعده على اعطائي الجواب. فعبثاً ضاعت محاولتي.
كان الصمت سيد الموقف، يخرق حرمته صوت، لم يكن بالغريب. يقوم بتعداد الأرقام الواحد تلو الآخر. ومع كل رقم، يتقدم طابور الموجودين فنقترب من الصوت أكثر فأكثر.
في الواجهة، على التنظيم، ماردان يحددان مسار كل رقمٍ لإحدى الحجرتان الموجودتان في القبو.
تملكني خوفان لم أعرف أيهما أكبر، أهو خوفي من الصمت، أو خوفي من الظلمة الذي حثني إلى الخروج من هذا المكان؟ فما كان مني إلا أن أقلب ورقتي إلى جهتها البيضاء. بعد أن قيد من أمامي، وقفت بمواجهة الماردان والرجل المنادي. تسمرت الأعين على ورقتي البيضاء. وإذا بهذا الصوت المألوف يصرخ بما أردت سماعه:”إلى الخارج.”
القيت بنظرة أخيرة على المكان متمعنة فتوضح لي أنه قصر كتبت على بابه “قصر زعيم من لبنان”.
كان ثمن حريتي ورقة ولحظة رعب تملكت الزعيم. أخافته ورقتي الفارغة وكبلته فكرة أن أدون عليها حقيقة أن قصره بات سوق نخاسة وأنه عبد هذا القصر.
مشيت ولم أسأل عن القصر، ما همني القصر وسيده سارقه، وأهله عبيده.
خرجت ورائحة الغيرة الممزوجة بالحسد تطاردني. سيد القصر يحسد حريتي ويتوق للمس ورقتي البيضاء. فإذا بي أعكر صفاء غيبوبته وأبعث له برسالة مختومة برقم ” عبوديتي”:
أدخلتني قصرك تحت شعار “من سواك بنفسه ما ظلمك” ولكن من قال لك أن ضخامة قصرك تغريني، ومرارة كأسك تروي عطشي. ظمئي لا يروى من عالمك الواسع بل من حبر قلمي. ما همني الخلود بين حاشيتك، أغرتني لحظة حرية على حساب خوفك.
يوماً ما سأعود… سأعود من أجل كهل اليمين وشاب اليسار. سأعود وشعاع ورقتي سيضيء حجرتي الموالاة والمعارضة. سأعود وسواد الأرقام سيسقط على جبروت السلطات الثلاث. سأعود ورقم عبوديتي سيتسلل إلى خارطتي من جديد
1 comments:
أريد أن أكون أول المعلقين من جديد :)
إلى النفس الحرة والعقل الحر الذي حرر قلمه من الأفكار التقليدية، ألف تهنئة وأفضل التمنيات لمستقبل واعد...
إرسال تعليق