شـكـراً لكل مَريض مُـبتعـِد/ مايكـل سـيـﭘـي

سألـني صديقي أبو الحـق : مَن هـو المريـض ؟  
قـلتُ بـبـساطة هـو مَن به مرض ! قال وما معـنى ذلك ؟ قـلتُ يعـني كـل مَن إبتلي بوَعـكة ، قال كـيف ؟ قـلتُ هـو مَن أصابه ــ عامل المرض ــ وإنـتـزعَ عـنه عافـيته . قال وضـِّـح أكـثر ، قـلتُ هـو مَن لا يتمتع بصحة جـيـدة ، قال أريـد بـتـفـصيل : قـلـتُ هـو مَن دخـلتْ الجـرثـومة إلى نخاع عـظمه ولا تـزال بـداخـله تلعـب مع كـرياته الحـمراء والـبـيضاء في شـرايـينه وأوردته فـتسمِّـم دواخـله وتشـلّ عـضلاته . 
قال : وما أعـراضه ؟ قـلت نحـول في العـقـل ، شحـوب في الـفـكـر ، ضيق في الأفـق ، قـُـصْر في الـنـظـر ، هـبوط في الـقـيَـم ، تـنـَـكــُّـر الخـبز والملح ، تدهـور في السلوك ، وإذا إستـفـحـل به المرض يرفع أنـفه ويصبح من جـماعة أهـل الشجـرة وينسى العِـشرة ،! قال : وهـل للشجـرة أهـل ؟ قـلتُ وما أكـثرهم ! قال : ولكـن هـناك أناساً تبـدو خـدودهم حـمراء ، قامتهم هـيفاء ، بطـونهم ملساء ، هامتهم صلعاء ، عـيونهم ..... إلاّ أنَّ أجـسامهم كالـصحـراء ، وصوتهم جاف كالخـرساء وصورتهم حـمقاء !! أيجـوز هـذا ؟ قـلتُ كل شيء جائـز في هـذا الزمان ، إنّ الأفاعي وإنْ لانـتْ ملامسها ... عـنـد الـتـقـلـّـب في أنيابها العـطـبُ ، ولكـن قـل لي يا أبا الحـق ما الـذي دعاكَ إلى هـذا السؤال وأقـلـقـك ؟ قال رأيتُ كائـنات كـلما تـقـتـرب من بني البشر عـلى جهة يسارهم ، تـزيغ عـيونها نحـو جهة يمينهم فـتـنشغـل بالأشباح في شمالهم وبالأوهام من جـنوبهم ! .
فـسألتُ أبا الحـق : هـل هـي كائـنات حـية أم أصنام ؟ قال أعـتـقـد أنها أحـياءُ ، نعـم أحـياء ! قـلتُ إذا كانـوا من هـذا الصـنـف فـمُرافـقـتهم مُعـدية ، ومصاحـبتهم مؤذية !! فـقال أبو الحـق : الآن فـهـمتُ ، كـنتُ أرى كـل واحـد منهم خـفـيفاً ، يخـتـلَّ توازنه إذا جالسَ شخـصاً نـظـيفاً ، وألاحـظه يتجـنب الوقـوف مع الأطول منه كي لا تـتـقـطع نـوابـض قـبّانه ، وشاهـدتُه عاجـزاً لا يواجه الأقـدر منه كي لا تـزداد نبضات قـلبه ، إن طبـيعـته هـذه تـقـوده إلى تـصرّف الصبـيان مثل رَبعِه ، فـشـبـيه الشيء منـجـذب إليه ! و شـتـّان ما بـين الأجـوف والممتـلىء .
ثم سألـني صديقي : هـل تـُحـسَـب عـليهم زلة ؟ قـلتُ لا يا أخي ، بل تـضاف لهم نعـمة ! إنهم مشكـورون عـلى فـعـلتهم الخـسيسة ، وحـسناً يفـعـلون فلا يُـعـْـدون الآخـرين بأمراض نـفـوسهم الحـبـيسة ، وبهـذا يكـونون بحاجة إلى العـناية المركـزة النـفـيسة ، فلا تهـتم لهم بل راقـبهم من بعـيـد وإستمتع بحـركاتهم الـدسيسة !! إنهم كـجـلـود الـثعالب متـوفـرة في الأسـواق الرخـيصة . 
قال أيستحـقـون التـكـريم ؟ قـلتُ حـذاري حـذاري أن تهـملهم ، بل يستحـقـون تـكـريماً وشـفـقة أكـثر من غـيرهم ، لأنهم مرضى يا أبا الحـق ولا يعـرفـون عـلتهم ، حَـيِّـيهم بأحـسن تحـية ، وأكـرِمْهم كل أمسية وصُبحـية ، فـقال : وهـل يمكـن رؤية جـراثيمهم ؟ قـلتُ : يا أبا الحـق ، ألله يخـليك كافي عاد !! كـل هـذا الـذي رأيتَه فـيهم ولستَ تـعـرفهم ؟  إنهم هُـم جـراثيمُ أنـفـسهم . 

CONVERSATION

0 comments: