لمحات من تاريخ اليهود فى مصر الأيوبية/ عمر مصطفى لطف

   نقدم فى مقالنا هذا بعض اللمحات من تاريخ يهود مصر فى العصر الأيوبى ( لنؤكد أن المصريين اليهود عاشوا فى وئام مع بقية أبناء وطنهم من أصحاب الملل الأخرى.
الدولة واليهود: سار الأيوبيون على نهج الفاطميين فى معاملتهم لليهود، فكان لليهود فى عهدهم حقوقهم المدنية والدينية وحرية العمل والعبادة وهى التى كانت مكفولة لهم من قبل فى العهد الفاطمى. وتركت الدولة لليهود حرية ممارسة شعائرهم الدينية، وظل التشريع والقضاء والتعليم والمساعدات الاجتماعية من صلاحيات رئيس اليهود، مع الحفاظ على حق اليهود دائماً في اللجوء إلى القضاء الإسلامى إذ رغب فى ذلك. وكان من حقهم الشكوي إلى السلطان مثل باقي الرعية.
ولقد تمتع اليهود برئاسة مستقلة امتداداً لما كان قائما فى عهد الفاطميين، وهو المنصب الذى عُرف بالناجد (الناغيد)، والذى تولاه عدداً من كبار اليهود، وأصبح وراثياً منذ القرن (13م) في مصر، وكان رؤساء اليهود الواسطة بين الدولة ورعاياها من اليهود، واعتبرتهم الدولة دائماً من الموظفين الرسميين في الدولة.
اليهود ومناصب الدولة: تولى أهل الذمة المناصب فى الحكومة، وكان عددهم كبيرا فيها. وقد اهتم السلطان صلاح الدين الأيوبى بالأطباء من أهل الذمة وبخاصة أطباء قصره والعاملين في البيمارستانات، ومنحهم الهدايا والصلات وقربهم، وأجرى عليهم الرواتب المجزية، وسمح لهم باستخدام الخيل، وعطف عليهم في مرضهم وشيخوختهم، وشمل أولادهم بالرعاية بعد وفاتهم. وبرز اليهود فى مهنة الطب، وكان لأطباء القصور نفوذ كبير ومكانة عالية فبسط معظمهم حمايته على بقية اليهود، ولم يتوقفوا عن أداء هذا الدور طالما سمحت لهم الظروف بذلك، وذاعت شهرة الكثير من الأطباء اليهود، حتى إنه "يمكن القول بأن زعامة الطب في العهد الأيوبى انتقلت إلى اليهود بسبب عطف السلاطين الأيوبيين وتسامحهم ورعايتهم لليهود"
 الدولة والجزية: لم يهمل سلاطين الدولة رعاياهم من أهل الذمة، والرأفة بهم فى النواحى الإقتصادية، فكانت تجبى الجزية على ثلاث طبقات طبقا للمستوى الإقتصادى :
1- عليا: ومقدارها أربعة دنانير وسدس
2- وسطى : ومبلغها ديناران وقيراطان.
3- سفلى : ومقدارها دينار واحد وثلث وربع حبتين.
ويضاف إلى كل جزية "درهمان وربع عن رسد المشد والمستخدمين (المباشرين)"، أى أن المضاف رسم للقائمين بجمعها.
   وكان لا تجبى الجزية غالباً من الفقراء الذين لا كسب لهم ومشايخهم (أى كبار السن الغير قادرين على الكسب على العمل) ، هذا بالإضافة إلى اعفاء النساء والصبيان والرهبان والعبيد والمجانين من أهل الذمة. وكانت الجزية تجبى من أهل الذمة سواء كانوا من الفلاحين أو من أهل الحضر.
   أما عن ميعاد جباية الجزية فكما يقول المؤرخ ابن مماتى، فلقد "جرت العادة بإستخراجها في مستهل المحرم من كل سنة، وهى الآن (فى العصر الأيوبى) تستأدى فى أيام من ذى الحجة".
  وفى نهاية الأمر فجدير بالذكر إنه لا نجد إشارة واحدة عن التعسف فى أخذ الجزية من أهل الذمة على الرغم من أهميتها فى ميزانية الدولة فى تلك الفترة.
 الدولة وأوقاف اليهود: اطمأن أهل الذمة في العصر الأيوبي إلى حماية الدولة لأملاك وأوقاف وأحباس كنائسهم وأديرتهم ومعابدهم. ويقدر جواتياين الدخل السنوى العام من الأوقاف بعشرة الآف درهم (حوالي سنة 1180م)، وقد غطي هذا المبلغ نفقات الطائفة على الخدمات الضرورية إلى حد كبير.
أعداد يهود مصر:  أن النسبة العددية لليهود كانت تزيد فى المدن والمؤانى الرئيسية عنها فى المناطق الريفية، ورغم أن اليهود المصريين عاشوا أيضاً فى الريف حيث مارسوا أعمال المال والتجارة الصغيرة، ولكن نسبتهم العامة فى الريف كانت أقل من نسبتهم فى المدن، وذلك لأنهم لم يشتغلوا بالعمل الزراعى
الحياة الفكرية ليهود مصر:  كانت اللغة العربية وتعليم الخط العربى من ضمن المناهج اليهودية ابتداء من المرحلة الابتدائية. وكان اهتمام اليهود بتعليم اللغة العربية والخط العربي لأولادهم يعود إلى تقريب الدواوين فى القرن الأول للهجرى حتى يتسنى لهم تولي الوظائف الحكومية. وكان الكتّاب اليهود يكتفون باللغة العربية والعبرية، وتعلموا في مدرسة الخطين العربى والعبرى سوياً.
  تشير كتابات ابن ميمون إلى ممارسة بعض اليهود الصوفية على النمط الاسلامي، ولقد تأسست حلقة صوفية يهودية بالقاهرة، وأخرى بالإسكندرية، ضمتا جماعة من وجهاء اليهود، سواء أطباء أو قضاة أو علماء أو موظفون. ويبدو أن ازدهار التصوف الإسلامي في مصر قد شكل محطة على طريق كثير من اليهود لاعتناق الإسلام.
"المقال خلاصة كتاب (يهود مصر الأيوبية .. دراسة تاريخية جديدة/ القاهرة 2009م) لكاتب المقالة"
• عمر مصطفى لطف

CONVERSATION

0 comments: