فاطمة الزهراء فلا تحلل ديوان "دموع على وجنة الثورة" للشاعر طارق شعبان أبو النجا

الشعر ؛ ماهو إلا َّ مشاعر جيَّاشة ، قد تصنع شاعرا ً وقد تصنع أديبا ً.
لأنها – ببساطة – تتحول دون أن ندري الى كلمات تدق بداخلنا ، فنبحث عن مؤلفها وكاتبها ليضاف الى قائمة من نحب أن نقرأ لهم في دنيا الكلمـــــــــات .
أمَّا أنا – حقيقة ً – لم أكن أدري أنى سوف أضُم هذا الشاعر المتأجج الى قائمة الشعراء اللذين يغزوننى بكتاباتهم !
في البداية ... لم يلفت نظري ؛ فإنه " شاعر " كأي شاعر ٍ يأتي في أمسيَّة ٍ ، ثم ينفض السامر ، وقد لاأرى هذا الشاعر بالسنيين .
طارق أبو النجا ...... أهداني ديوان له بعنوان " دموع على وجنة الثورة " .
والعنوان محبط ٌ ؛ ليس للشاعر وحده ، ولكن لكل ابناء الوطن .
فالصور التى نقلها الينا صورا ً تغوص في اعماق النفس .
نقل الينا معاناته وهو يقع فريسة ً بين أنياب اليأس . هذا عن العنوان .
أما " القصائد " فهى تعصف بنا عصفا ً .
فلقد سكن الليل القلوب حين يقول في قصيدة ( ابني الوليد ) :

بيقولوا :  ابنك
 اللي من صلبك وفكرك
مستحيل يصبر على الظلم وهوانه
حالف يرجع فجرنا اللي فات أوانه
أبوه صحيح مقدرش يعمل ثورته
ظروفه صعبه والحياه جت هدته

هى دعوةٌ للثورة على الظلم و المهانة اللتين يلقاهما جيل الآباء
لكن هاهو يثور ، لم يعد يحتمل هذا الظلم والكابوس الذى يجثم على صدره – تصوير أكث من رائع ؛ حين يقسم الابن أن يعود بالفجر الذى كان لابد أن يطلع منذ زمن ، وقد آن أوانه و فات .
واعتقد ان هذه القصيدة ؛ هى قصيدة الإعداد للثورة – من أقوى القصائد في الديوان ؛ وهو يستعد – اقصد الابن – ليس ثورة
" بالبنادق ولا مشاعل نارها حمره " ولكنها كانت مفاجأة للعالم بأجمعه .
دوران القصيدة يذهب بنا و يطوف بالمشاعل ، ليشعل نار الثورة بالفكر و العلم .
وما أجمل تعبيره حين يخرج كطلقة الرصاص ...إن الحياة شوكها عال ٍ إن كنت تريد الزهــر .

والشاعر ... يجمع في شعره بين الفكر و الطرفة – حين تقرأ قصيدته -  أنا جالي حشيش من غزة .
أنا جالي حشيش من غزه
 معجون دم الشهداء
نفسين وتحس بلذه
تنسى مدابح الاعداء

وعلى الفور يفهم القارئ أن الحدوتة عميقة بعمق الجرح الذى نعانيه من احتلال فلسطين و غزة ؛ و العذابات اليومية التى يلاقيها الشعب الفلسطينى .
والبيت واضح لايحتاج لتفسير :

نسقيكم احلى حشيش
موتوا  واحنا  اللي نعيش
انتم لامؤاخذه بهايم
وإش  قوة " سبع " ونايم ؟
ومكسح مابيمشيش ؟

وهذه القصيدة فيها دلالة واضحة على تعذيب الشعب الفلسطينى عن طريق وسائل الإعلام المختلفة ؛ وكأنها المخدر و المنوم الذى يجعلنا نرى مايحدث في الأرض المحتلة ؛ ونعرف ان مايحدث فيها ، يحدث لنا .... لأننا نتعذب في كل لحظة من قهر الحياة
ورغيف العيش و البطالة التى يعانى منها شبابنا فيجلسون على المقاهى و يتعاطون كافة أنواع المخدرات .

****
رُص  لنا  يا" ريس "  رُصّ
م انت في " غـُرزتنا " البـُص
رُصَّ  وخليها تولع
العيش والزيت والرز
عارف اننا مساطيل
ومقلعنا البناطيل

نفس مايعانى منه الشعب الفلسطينى ، تعانى منه الشعوب العربية ،و بالأخص مصر حين يذكر " الزيت و العيش و الرز " وهى متطلبات يومية ضرورية بالنسبة للشعوب .
وتسلمه القصيدة هذه من ثورة لأخرى من الغضب ليتحدث بلسان " السادس من نيسان " ونيسان هو شهر ابريل ... وكلنا قد علم دور (حركة السادس من ابريل ) في الثورة !
فيقول :

السادس من نيسان
إسمح لى إن كنت صديقى
أن أنفث غلى وحريقى
أن أصرخ من ألم الضيق
إسمح لى .. أسخر من نفسى
أتهكم من عجز اليأس
فالعيش حلا  لى  بالبأس
وإغفر لى ....
إن خرج الزيت على كفى
أتجشأ  حمضا  من جوفى
وبثور تملأ واجهتى
ملآى بالقيح ؛ وبالخوف
إغفر  لى ....
إذ راهنت على فرس أعرج
قاومت سنينا رغبته فى أن يخرج
واليوم يجرجر خيبته
إكليلا من "روث" أخرج
إغفر  لى .. ماوسع الغفران
فأنا أتوشح بالخسران وبالقطران

يالها من معان ٍ يقشعر لها البدن ..........
أعرج .. خيبة .. روث .. خسران .. قطران ..
الى أن يقول :

والعار   بحار  تغرقنى
وأبول  كما  بال  الصبيان

حالة من العجز تتوقف على حالة الوطن المصاب بالكساح و العجز والوهن ... ويصل الى النهاية التى تفيض باليأس و الهم :

هنيئا .... ياملك بلادى
هنيئا .... ياسيف السلطان
بقيت " الراعى " كما  شئت
إذ  كنا  لعصاك "الحملان" !!

**
وينتقل بنا " طارق شعبان " من قصيدة لأخرى مابين العامية و الفصحى ، وكلها تقريبا ً تتحدث عن حالة الشعب قبل الثورة ؛ فتدور محاور قصيدته " أنا عديت " ..... والتى يتحدث فيها عن جمال مصر وحالها بعد أن هجرها الابناء الى بلاد أخرى باحثين عن رغيف العيش الخالي من " المسامير ".... وان مجلس الشعب يصفر و يطبل .
**
الثورة ومابعدها
ينتقل ( طارق شعبان ) – الشاعر الذى ربط المراحل – ليأخذ القارئ في رحلة يطوف به من حال الشعب قبل الثورة ....... ثم
حاله بعدها ؛ و أنه أصرَّ على أن يكتب قصيدة عن     يوم الثورة  "  شرطه تحت عيد الشُرطة "
وفيها قام بفرشاته ورسم لنا عدة لوحات رائعة ، تؤجج المشاعر
حين يقول :

الناس بحالها في الميدان رافعه كفوفها
****
الموج اللى جواكم ماتحوشو أيد
****
الصوت كأنه فرح ؛ كأنه زعقة آدان
****
محروم من الدنيا وصابر وقانع
****
أنا الشاب اللى مرمي في الشوارع
****
أعتقد أن هذه القصيدة ؛ صورةدقيقة ومؤثرة لشكل الناس في مصر وحالتهم الاجتماعية وكأن بيده كاميرا يقوم فيها بتصوير فيلم تسجيلي ؛ مثل الفيلم الذى أخرجه " خالد يوسف " – حين ميسرة – وساعتها قامت الدنيا والحكومة في مصر ولم تقعد ؛ لأن مصر التى في معتقداتهم تأكل الشيكولاته وتستحم بالشامبو .....
ومازال يحكى .. الى أن يصل بالثورة الى ميدان التحرير
زغاريت بعدد النجوم بترقع في سما بلدى
****
ثم يكتب قصيدة كلها تفاؤل و أمل بعنوان " رجعت لك " .
وكذلك قصيدة " شكرا ً يازمن شكرا ً " .
متوسما ً بأن الخير على الاعتاب
ثم يختم في احدى قصائد ديوانه بقصيدة " قولوا ياناس "
وفيها نقد لاذع للثورة .... حين يقول :

****
قولوا ل"عمروأديب" يسيب الميكرفون
الثوره حامضه مش محتاجه ولا عصرة ليمون
لو كان للثوره صاحـــــب يا  " أديب "
كنا نمنا والأمل  ملو ّ الجفون
****
انها الدموع التى اغرقت وجنة الثورة
العديد من القصائد العامية والفصحى .
أمتعنى الديوان ... ولو تمهل الشاعر الذى امتدح الثورة لعرف النتائج ؛ وتمهل في اصدار ديوانه لتغير رأيه !
الدوان صرخة شاعر ؛ تمرد على واقعه قبل الثورة ، وتمرد عليه بعد الثورة . ولم يبق في جعبته إلاَ الدموع في لوحة في حضن صالون .
فاطمة الزهراء فلا

CONVERSATION

0 comments: