تاء وهمزة/ عبدالقادر رالة

كلما يذكرون المعلمين الأكفاء الجيدين أمامي إلا وتحدثوا بإعجاب عن تاونزة، يذكره أترابي ، كما يذكره الذين هم أكبر مني في السن! وتلاميذه الأن معلمون وأساتذة وأطباء!...يتحدثون عنه بإعجاب واحترام كبيرين،يتحدثون عن صداقته المميزة بالأستاذ أبو علي منذ أن كانا زميلين في معهد تكوين المعلمين في منتصف السبعينات. والحقيقة أن حديثهم كان دائما يشوقني لرؤيته والأسف لأني لم أدرس عنده! أما تاونزة فكنيته ؛من تاء وهمزة لأنه معلم لغة عربية!
لم يمكث في مدينتنا الصغيرة سوى الستة سنوات لكن ترك مكانه جميلا وذكراه عطرة بالرغم أنه غادر المدينة متألما ، فمنذ أن غادرها لم يعد إليها رغم وفاة العديد من أصدقائه المقربين!
كان محبوبا لأنه كان معلم لغة عربية متمكن في زمن كان التفكير بالعربية قليل وتعريب التعليم في بداياته! وأخلاقه العالية وتواضعه، وأيضا روح الدعابة التي كان يمتاز بها !
لماذا غادر مدينتنا وقطع العلاقة معها نهائيا ،رغم أنه أحبها وأحبه أهلها من معلمين ،وتلاميذ، وجيران، ورغم أن مدينته الأصلية لا تبعد عنا الا ثلاثين كيلومترا؟!
سألت صديقي الأستاذ يحي الذي درس عنده فابتسم وقال :ـ الانتخابات!
قلت مشمئزا:
ـ الانتخابات! الانتخابات! وهل السياسة تلاحق الجميع؟ وحسب ما أعرف ،تاونزة رحل عن مدينتنا قبل التعددية السياسية وظهور مرض الحساسيات الدينية والوطنية والفكرية!
ـ بل في زمن الحزب الواحد، إذ أراد أن يترشح للانتخابات البلدية ، بل ترشح لمنصب رئيس البلدية.... ويوم فرز الأصوات لم يتحصل على أي صوت ! ولا صوت واحد!...جن جنونه ولم يصدق... وكأنه اكتشف حقيقة الناس المتخفية تحت الابتسامات! واعتقد أن الناس ... بدأ يصرخ بشكل جنوني...أين صوتي؟ أين صوت زوجتي؟ كم كنت مخطئا لما اعتقدت أنكم تحبونني ! لكن يا للأسف حب غيرحقيقي! حب سطحي ومخادع! يا للأسف ،مهما عشت معكم إلا أنكم اعتبرتموني أجنبيا! لست ابن مدينتكم، ولا جدي وُلد هنا! فكيف تسمحون لي بتسيير شؤونكم! لست دهلاسيا، ولا غاديا، ولا قبليا، ولاحداويا، ولا جرداويا! فكيف.... إذن ما فائدة التعليم؟ وما فائدة الجهود التي يبذلها رجال التعليم ما دامت العروشية هي التي تتحكم! لن أبقى في هذه المدينة..... لم يتكلم أحد لأنهم يحترمونه....ترجاه صديقه الأثير أبو علي:
ـ لا تقل ....أنت معلم...درست وتكونت ،ولك الحق في التعليم في أي مكان.. أنت جزائري! وكلنا نقدرك ولا نقول فيك الا الخير...ـ أنا جزائري! ابتسم ثم انفجر يبكي...:
ـ أنا جزائري! لم تفهم يا صديقي! حسنا... هم غير مقتنعين بي! أقبل هذا...لكن لدرجة أن لا أجد صوتي وصوت زوجتي!.....هذا لا تفسير... الا أننا لا نحتاجك ويجب أن تلزم حدودك!
وبعد أيام ذهب الى أكاديمية التعليم في الولاية يحمل في يده طلب التغييرالى مدرسة أخرى، ولما رحل لم يخبر أحدا ، ولم يودع سوى أبو علي وثلاث من تلاميذه المتفوقين، وكان يحي أحدهم.....

CONVERSATION

0 comments: