هذا ما حدَّثتُ به نفسي في الحمّام/ أسعد البصري

(1)
لم يكن جان بول سارتر سوى رجل يتحدث الى نفسه
يتحدث بكثرة . روايات و مسرحيات و محاضرات و مجلدات فلسفية
مصير الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية في لغته و كلامه
كان لا يقدم حلولا شافية بل قاتلة أحيانا
مع هذا كان عدد كبير من الناس متعلقا بما يقول و يكتب
كان سارتر مجرد إنسان في محنة
لكنها من النوع الذي يخص الجميع
هيرمان هيس كان يكتب الرسائل لمواطنين ألمان معذبين لا يعرفهم بعد الحرب
في هذه الأثناء كان مارتن هيدغر في الغابة السوداء منعزلا عن البشر
الزمن تغير يبدو لي أننا نعيش عصرا معاديا للثقافة
يبدو لي أن الشركات اكتشفت ضررا كبيرا في الثقافة
وإلا كيف يمكن بناء كل هذه المكتبات العامة الفارغة تماماً من الناس
(2)
تتعب مهما كنت قويا تتعب
وكما كنا نصطاد البلابل يتم اصطيادك
كنا نطارده بشكل جماعي
نضرب كل شجرة يحاول أن يحط ويستريح عليها
في النهاية يتعب و يسقط على الأرض في أيدي أعدائه
كنا نستدل على البلبل من غنائه
فكيف يحارب بصوت هو دليلنا إليه
هل أفعل كما يفعل غيري ؟؟
أكتب دراسة عن طقوس الزواج في العهد الأكادي ؟؟؟
أو ربما عن الشاعرات في بابل ؟؟
تأثير ابن رشد على سيرڤانتس أم علاقة دانتي بالمعري ؟؟
هذا الهروب لا يروق لي أبدا .
(3)
ثقافة الإحتلال والعملاء تستفيد من خبرات متطورة في قمع الثقافة
لا يتركون الثقافة تتطور في حوار وطني محتمل في الهوامش كما مضى
يشغلونك بأي شيء آخر حتى لو جلبوا قردا وداروا حوله يمجدون عبقريته
ستترك كل شيء لتثبت للناس بأن هذا مجرد قرد
بعد ضياع الوقت والجهد تكتشف بأن الجميع يعلم حقيقة القرد
وأن الحفلة كانت لإضاعة الوقت وهدر طاقة المثقف
بدليل أنهم يجلبون قردا آخر للتمجيد في حال شعروا بإحراج
صناعة ثقافة وهمية و منحها مراكز وامتيازات
للتشويش على الثقافة الوطنية المهمشة القليلة الباقية .
(4)
ولماذا علي كتابة هكذا أشياء ؟؟ رجل مثلي يتفرغ للأدب والنصوص
المشكلة هناك كلام لا يقوله أحد عليك أن تقوم بهذه المهمة حتى لو كانت فوق قدراتك وأبعد عن اختصاصك واهتمامك .
في الخمسينات من القرن الماضي كنا نوجه نقدنا إلى الإستعمار و الشركات المتعددة الجنسيات ونطالب بالعدالة الإجتماعية والبعث القومي للأمة كلها بالتعليم والكفاح . اليوم لا نوجه نقدنا إلا للإسلام وللطوائف والهوية ولا نحارب سوى بعضنا . حتى تحت الإحتلال الأمريكي يقتل الشيعي السني في العراق . المثقف نفسه يكتب مقالات تنتقد الذات ولا تنتقد الإستعمار . الشعوب تعاقب بشكل جماعي . التنوير يتوقف والنهضة تتوقف والمنجزات الإجتماعية تتراجع ، تتفشى الأوبئة الطائفية والعنف باسم الحرية والديمقراطية . ديمقراطية الشيطان والإحتلال والتقسيم .
لقد كان الشيوعيون والقوميون يتمتعون باحترام و قوة
لأنهم كانوا حالمين و كانوا شعراء
المثقف اليوم أكثر واقعية من سماسرة البيوت
كائنات بلا روح .
(5)
من قرية جميلة نائية في الهند أو الصين أو العراق أو أثيوبيا
يأتون بعائلة رائعة باسم اللجوء والحروب والهجرة
بعد صعوبات وانتظار و أدعية في المخيمات
يرمون هذه العائلة في مدينة بشعة قاسية مثل تورونتو
ما هي النتيجة ؟؟؟ الأب يعمل ليل نهار
الأم تتعلم اللغة الأجنبية ، تتحسس الدولارات لأول مرة في حياتها وتفكر بالخيانة
هل حقاً على الشعراء الحالمين القبول بهذا الواقع البشع ؟؟
شاعر عراقي يأخذ صوراً تحت شلالات نياغرا و قرب أبراج تورونتو
وكأنه اخترع هذه الأشياء
يجب أن يتكلم الشاعر كشاعر إن وُجد
وليس كدليل سياحي ، و تاجر عقارات أو وكيل استثمارات .
الشاعر الحقيقي في حضارة عجوز كهذه يجب أن يكون مخرباً .
الرأسمالية ليست فكرة لقد انتهى زمن الأفكار
لم تعد الدولة مهتمة بأفكار الناس و قناعاتهم
الرأسمالية هي قانون و محنة اقتصادية تحتاج إلى عمل
والعمل هو الذي يعاقب الإنسان و يجعله مفيدا للدولة وللرأسمالية .
كل تفاؤل مشكوك في قيمته
خصوصا التفاؤل الفلسفي والفني .
إن حزناً في ساعة الموت أضعا
فُ سرورٍ في ساعة الميلادِ
المعري
(6)
هل الخبر الجديد هو أننا لسنا عربا لا توجد أمة بهذا الإسم
وإسرائيل دولة ديمقراطية عظيمة تحترم الإنسان والحرية
ونحن مَنْ نحن ؟؟ ماذا تقصد ب نحن ؟؟ العرب ؟ العراقيين ؟؟ الشيعة ؟؟
السنة ؟؟ أهل الجنوب ؟؟ المثلث السني ؟؟ النجفيين ؟؟ التكارتة ؟؟
نحن زيت البنادق و حطب الحروب الأهلية
ولأنه لا معنى لحياتنا يخترع أعداؤنا لنا سبباً للموت والإنتحار والحروب الأهلية
مَن هو العدو ؟؟ إنه العرب ، لا لا إنه الإسلام
لا لا لا إنه نحن ، نحن العدوّ يجب أن نقتل بعضنا .
(7)
لم أدخل الغرب موفداً من جامعة إلى جامعة ك طه حسين و عبد الرحمن بدوي بل دخلته لاجئا يبيع السگائر في قاع المدينة ، دخلته لأعيش على المساعدات الإجتماعية و أسكن في شارع مدمنين ، لأطلق زوجتي و أعيش في ملجأ مشردين ، لأدخل السجن بسبب خلاف عائلي ، لأرى لعبة النقود والمحامين ومحنة الرجل و عزلة الإنسان ، لأشتغل في شركات وهمية ، لأتناول حبوب الإكتآب وأرى العيادات النفسية . هذا هو الغرب الحقيقي وليس ما يراه السائح . الرأسمالية ليست مزاحا .والتقدم أسرع من يقظة الروح و متابعتها للحاضر لهذا تزداد غيبوبة الإنسان واغترابه . نعم هناك واحد بالألف يعيشون كآلهة مقابل غيبوبة الباقين في الإستهلاك و فخ الوجود .
إن تصوير الغرب وكأنه جنة بديلة بطريقة رومانسية هو مجرد منطق ديني و منطق معجزات بصيغة أخرى . هذا تصوير كارتوني غير حقيقي . ما هي الحرية ؟؟؟ . اتفق معك بأن الحرية مهمة ، لكن هل وصلنا إليها ؟؟ .
البارحة كنت في تورونتو ، مدينة كبيرة و قطارات تحت الأرض ، وجوه البشر مخيفة من الوحدة والإغتراب و نقص الحب ، لا تنس معاناة الإنسان في المدن الكبيرة و موته الغريب فيها .
والمال شيطان المدينة ، حيث تتفتح كأزاهر الدفلى مصابيح الطريق كعيون ميدوزا تحجر كل قلبٍ بالضغينة ، ألم يكن هذا موقف الشاعر بدر شاكر السياب و شعوره تجاه المدينة ؟؟ ماذا جرى لشعراء اليوم ؟؟؟ .
ماذا أريد أن أقول ؟؟ لا أعرف ولكن هذا ما حدثت به نفسي في الحمام .

CONVERSATION

0 comments: