من رواد المدرسة التاريخية المصرية: محمد عبد الله عنان.. المؤرخ الموسوعى الشامل/ عمر مصطفى لطف


منذ عدة أسابيع مرت ذكراه (7 يوليو)... وفى هذه السنة تمر ذكرى مرور 520 سنة على سقوط الأندلس (1492م) وهو رائد الدراسات الأندلسية فى العالم العربى ... والآن ينشغل الناس بالسياسة ، وكان من المشتغلين بها لعدة عقود ... إنه المؤرخ المصرى محمد عبد الله عنان .. الذى رغم عمله بالمحاماة لسنوات ... ولكنه تركها ليتفرغ لعشقه الكبير وهو الكتابة والتأريخ للعالم الإسلامى عامة ، الأندلسى خاصةً. ولكن ممارسته للمحاماة اكسبته صفة مهمة للمؤرخ، وهى التحقق وتقصى الأدلة والمقارنة، قبل أن يصدر حكما ما، وهو ما جعل كتاباته محل ثقة دارسى التاريخ فى أنحاء العالم.
ولد محمد عبد الله عنان بقرية بشلا بميت غمر بمحافظة الدقهلية فى (7 يوليو 1896م)، حصل على البكالوريا من المدرسة الخديوية بالقاهرة فى عام (1914م)، كما حصل على الاجازة من مدرسة الحقوق السلطانية فى عام (1918م). وقد عمل محاميا بجانب الصحافة، إلى أن التحق بالوظيفة الحكومية فى عام 1935، وظل بها إلى أن أحيل إلى المعاش فى عام 1955.
كان يجيد عدة لغات (الانجليزية- الفرنسية- الالمانية- الاسبانية) وعلى دراية باللغة اللاتينية، مما جعله يترجم كتب فى عدة فنون، ففى التاريخ ترجم كتاب يوسف أشباخ (تاريخ الأندلس فى عصر المرابطين والموحدين)، وفى الأدب ترجم بعض قصص ديماس الصغيرة من مجموعة "الجرائم الشهيرة"، قصة "قلنسوة الذهب" للكاتب الفرنسى زافييه دى مونتبان، ولكنه أشتهر بترجمته لأطروحة الأديب الكبير طه حسين لدرجة الدكتوراة "فلسفة ابن خلدون الاجتماعية، تحليل ونقد".
كان عنان أحد أربعة هم مؤسسو الحزب الاشتراكى عام (1921م)، ولكنه تركه بعد ذلك، وجمعته الصداقة مع الكاتب الكبير محمد حسين هيكل وابراهيم عبد القادر المازنى، واشترك معهما فى تأليف كتاب سياسى بعنوان "السياسة المصرية والانقلاب الدستورى". هذا بالإضافة إلى عشرات المقالات السياسية فى جريدتى "السياسة" و"السياسة الأسبوعية". وله كتب فى التعريف بالمذاهب الاشتراكية ، منها كتابه "المذاهب الاجتماعية الحديثة".
وله عدة كتب يمتزج فيها الأدب بالتاريخ، وأهمها "المآسى والصور والغوامض"، وهو مجموع من الصور التاريخية الشائقة. وكتاب ""مأساة مايرلنج" والذى أصدره باللغتين العربية والانجليزية.
ولإدراكه بقيمة وعظمة التاريخ المصرى، كانت له عدة رائعة فيه، مثل كتابه "الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية"، والذى حاول فيه تفنيد المزاعم المحيطة بشخصية الخليفة الفاطمى بأمر الله، وكتابه عن الخطط المصرية "مصر الأسلامية"، وكتابه عن المؤرخين المصريين "مؤرخو مصر الإسلامية"، بالإضافة إلى عدة كتب أخرى.
ولم يكتف مؤرخنا بهذه الفنون، بل دخل إلى مجال التحقيق، فى مطلع السبعنيات، فأخرج كتابين هامين للأديب الأندلسى المشهور لسان الدين بن الخطيب "الاحاطة فى أخبار غرناطة"، و"ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب"، بجانب فهرسته للقسم التريخى للخزانة الملكية بالرباط.
وله كتاب جليل (صدر بعد وفاته فى عام 1988م)، أسرد فيه سيرته العطرة بعنوان "ثلثا قرن من الزمان).
ولكن ما أشتهر به حقا العلامة محمد عبد الله عنان، هو كتاباته عن الأندلس، التى عشقها وارتحل إليها عشرات المرات (وهو ما جعله يستخدم المصادر المحفوطة فى الأرشيفات الاسبانية) ، فظل يبحث في تاريخها وحضارتها عدة قرون، قدم لنا فيها أعظم موسوعة تاريخية عن الأندلس، وهى موسوعة "دولة الاسلام فى الأندلس"، وهى من 7 أجزاء ، تغطى تاريخ دولة الإسلام في الأندلس منذ الفتح حتى السقوط، بالإضافة إلى تمهيد رائع لأحوالها قبل الفتح الإسلامى، مع خاتمة عن أحوال مسلمى الأندلس بعد سقوطها، بالإافة إلى جزء أخير (السابع) عن الآثار الإسلامية الباقية فى الأندلس. ولا يزال دارسى التاريخ الأندلسى فى الشرق والغرب يعتمدون عليها – رغم مرور عدة قرون على اصدارها- ويثقون فى المعلومات الواردة فيها. وكان رائد المدرسة التاريخية المشتغلة بالتاريخ الأندلسى.
وبعد هذا العطاء الضخم العظيم المتنوع فى جميع الفنون، توفى العلامة الكبير محمد عبد الله عنان فى العشرين من يناير 1986، بعد أن كرمته الدولة بحصوله على جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية فى عام (1977م)، ووسام الجمهورية من الطبقة الأولى فى عام 1978، ووسام الكفاءة الفكرية من الملك المغربى الحسن فى عام 1981، واختير عضوا بمجمع اللغة العربية ونادى القلم الدولى.
وفى النهاية فإن أفضل تكريم لهذا الرجل هو أن كتبه لا تزال تنشر حتى الآن، ويعتمد عليها الكثير فى أبحاثهم ، ولا يزال آلاف الناس يتذكرون ريادته للمدرسة التاريخية المصرية والأندلسية، .
ولم ينساه التاريخ كما نسى مؤرخين آخرون، كتبوا من أجل الشهرة أو من أجل النفاق... رحمه الله وطيب ثراه.

CONVERSATION

0 comments: