التاريخ الإسبانى برؤية عربية موضوعية/ عمر مصطفى لطف


        قدّم لنا الدكتور عبادة كحيلة هذا العام الطبعة الثانية من رائعته "القطوف الدوانى فى التاريخ الإسبانى"، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهو المتخصص فى التاريخ الأندلسى بكلية الآداب بجامعة القاهرة العريقة، والتى تتسم كتاباته الأندلسية – رغم قلتها- بالدقة والموضوعية والتحليل المنهجى، وهو ما يكسب الكتاب مصداقية فى الحقائق التى يتناولها.
    يتناول الكتاب تاريخ إسبانيا منذ بداية العصور الوسطى حتى بداية العصور الحديثة . وتعود أهمية تناول تلك الفترة أن التاريخ الإسبانى شغل الكتّاب الغربيين ولم يشغل الكتّاب العرب إلا فى شطره الأندلسى ، رغم أن التأريخ العربى للتاريخ الإسبانى أمر له دلالته القصوى – كما يوضح المؤلف- حيث نستطيع من خلاله فهم تاريخ من شاركوا وجود المسلمين فى المنطقة الأندلسية ، ونقصد هنا الإسبان. وتبرز إشكالية أخرى فى تأريخ العرب للتاريخ الإسبانى وما شابه هذا التأريخ من قصور عظيم ، ولهذا يلجأ المؤلف بكتابه هذا إلى معالجة ذلك القصور، معتمداً على كتب غربية مهمة مثل "تاريخ اسبانيا فى العصور الوسطى" لجوزيف أوكالاهان، وكتاب "تاريخ مستعربى اسبانيا" لفرنسيسكوا سيمونت ، وغيرهما.
  كان منهج المؤلف فى كتابه هو عرض الوقائع الكبرى واستجلاء نتائجها ، وبالتالى فالكتاب موجه إلى عامة المثقفين وخاصتهم على سواء. ولهذا فقد صدرت طبعته الثانية فى خلال أقل من عقدين من الزمن . والكتاب مقسم إلى ثلاث أبواب (أجزاء) يسبقهم تمهيد مهم عن الوصف الجغرافى والانثربولوجى لإسبانيا، ثم تناول تاريخ اسبانيا فى الحقبة الرومانية.
  يتناول الباب الأول (ذا الفصول الثلاثة) تاريخ مملكة القوط (الإسبان) الغربيين فى إسبانيا منذ القرن الرابع الميلادى إلى الثامن الميلادى، مروراً بالحديث عن البناء الاجتماعى والثقافى للمجتمع القوطى. ويتوقف الباب عند حكم فيتيزا Witiza (المسمى فى المصادر العربية بغيطشة).
  الباب الثانى (وهو الأكبر حجماً فى الكتاب) ، يتحدث – فى فصوله السبعة – عن إسبانيا الإسلامية (الأندلس) – الفردوس المفقود- ويوجز فيه المؤلف تاريخ الأندلس – إيجاز غير مخل بالأحداث الهامة وغنى بالتفاصيل الأساسية فى التاريخ الأندلسى- منذ الفتح الإسلامى لها عام (92هـ/ 711م) حتى نهاية الحكم الإسلامى (هـ/ 1492م) متناولاً عصور السيادة الإسلامية (عصر الولاة – الإمارة ثم الخلافة الأموية- عصر الطوائف – عصر المرابطين والموحدين- مملكة غرناطة والفترة الموريسكية) من الناحية السياسية والاجتماعية والعلمية. ومن أهم النقاط التى تناولها المؤلف فى هذا الفصل تناوله الموضوعى والمنطقى لـ "حركة الشهداء" فى قرطبة – فى عهد عبد الرحمن الأوسط وأوائل عهد ولده محمد - مستعينا بالمصادر النصرانية والإسلامية ، وأيضاً تناوله لسمات عصر الطوائف (بداية النهاية للوجود الإسلامى فى إسبانيا).
  الباب الثالث (وهو الأهم فى الكتاب) يؤرخ فيه لإسبانيا النصرانية ، فى فصوله الثلاثة، من خلال الحديث عن ممالك إسبانيا النصرانية (ليون – قشتالة- البرتغال- نيرة – قطالونيا – أرغونة). ولم يكتف د. عبادة كحيلة بتناول الناحية السياسية لهذه الممالك ، ولكنه يقدم تفاصيل البناء الاجتماعى لها (النبلاء – رجال الدين – الأحرار – العبيد – اليهود – المسلمون (المدجنون))، ثم الناحية الثقافية من فكر دينى ولغة وأدب وشعر وكتابات تاريخية، موضحاً التأثير الإسلامى فى هذه الناحية الحضارية الهامة.
   وفى نهاية الكتاب يقدم المؤلف نخبة من المراجع (العربية – الأجنبية ) الهامةالتى تساعد الباحث الذى يؤرخ لهذا البلد العزيز على قلوبنا جميعاً، وفى فترة زمنية غفل الكثير من مؤرخينا عن التصدى لتأريخ جانب منها، وهى (الفترة النصرانية).
  وفى النهاية نؤكد مدى احتياج المكتبة العربية لمثل هذه الكتابات التى تكشف لنا معلومات تاريخية عن وطن عشنا فيه وعاش فينا .. تناولنا فترة أعتقدنا إنها تخصنا فقط ولم نتناول التمهيدات التى سبقت تلك الفترة ولا الفترة اللاحقة لها، رغم أهميتهما لفهم تاريخنا الأندلسى جيداً.

CONVERSATION

0 comments: