رحيل الشاعر الكبير والرائع يونس الابن.. الى قطعة سما من لبنان


المستقبل ـ يقظان التقي
رحل الشاعر الحلو يونس الإبن، الذي بنى أجمل لبنان. عرّاف الحب والسما والينابيع ولبنان الحقيقة في كيان شاعر، وأي شاعر "لم يُعط الحياة التي يستحق" ومرّ كالحلم: تأمل، تألّم، حبَّ، جنَّ ومات.
رحل يونس الإبن الشاعر الجميل المتهكم، والمتوجع وحياته كانت كأنها سمفونية أصوات غير كاملة وغير قابلة للانتهاء.
كتب في حياته عن أقلام كثيرة كتب عن هكتور خلاّط وسعيد فريحة وسعيد عقل وأنسي الحاج واميلي نصرالله وزكي ناصيف ونجيب حنكش وأسعد سابا وريكد وهبي، وأفلام كثيرة كتبت عنه ومنها ميخائيل نعيمة وسعيد فريحة والياس ربابي وايليا أبو شديد الذي يشبهه كثيراً وكذلك فؤاد الخشن وأنسي الحاج ومنصور عيد.
وكان هو فيما كتب وكتب عنه شاعراً مجنوناً شاعر الحب وفي داخله أكثر من أنثى ومن أحبّ الشعراء الى قلب الكثيرين الى كونه عمل رئيساً للتحرير و مديراً ومحرراً في صحف لبنانية عدة كانت خاتمتها في دار "الصياد".
كتب بالعربية والفرنسية، أغنى المكتبة الشعرية من هو يونس الإبن؟ مقاربة كانت "المستقبل" أعدّتها للنشر على هامش إصدار الطبعة الجديدة (عن "دار نلسن" للنشر ما يشبه الأعمال الكاملة لكلماته حيث هي وهو في أبدية الشعر:
"أربع خمس كلمات" طباعة جديدة (عن "دار نلسن") لكتاب شعري للشاعر الكبير يونس الابن نشر العام 1966 وفي مقدمته "قطعة سما عالأرض". كأنه اعادة كتابة دفعة واحدة لأربع خمس كلمات ولعمر يتدفق، كتابه قصائد أشبه بكتابات الحكمة القديمة من خالص التجربة والذاكرة والتأمل والتألم والحب.
"وهادا العمر بـ اربع خمس كلمات"!.
حكاية أنيقة مشغولة بالخط اليدوي. فيها الكثير من الألفة والايقاعات لشعر خالص مقطّر يستذكر زمناً مضياً. كأن يكون الشعر العهد الذي مضى، والعهد الآتي والعهد الذي سيأتي على مدى أفقٍ من خمسين سنة وأكثر.. وما زال كما هو حيث كان الراحل سعيد فريحة المبشّر الأول بهذا الشعر وذلك الشاعر، وذلك الحب، زاوية القلب في أعلى الزمن الشعري وأعلى الصفحة بجغرافيته الخاصة، بلغته النابضة وبالتوقيع الذي يضم زمناً يأتي من تلك الجهة القريبة بجديتها ونبضها المفتوح على قصائد، كلمات على نضارتها والتماعها وعلى غير سهولة.
تجربة شعرية بدأت بمحاولة أولى العام 1961، محاولة فرضتها حياة كاملة اختارت لغتها والفكرة الى "قبل" وبال "بعد" وللنقطة البعيدة التي انطلقت لعبره الابن "المدلّل الغنوج اللي اسمو الحب"، الذي يعبث بكل القوانين والشروط الجاهزة.
الشاعر يونس الابن طائر مغرد خارج السرب في الشعر العامي. فهو منذ ستين عاماً كتب القصيدة العامية، التي تقترب من الحداثة بتركيبها ورقيها وإيماءاتها بحيث يمكن أن نجد عنده ملامح رمزية أحياناً ورومنطقية وغنائية بين القصيدة المتوسطة وبين القصيدة الالتماعية التي لا تتجاوز أحياناً الأربعة أسطر أو ألـ 6 أسطر.
هذا نوع جديد أدخله يونس الابن الى تراث القصيدة العامية. ثم خرجت من الزجل. ثم استقلت بفروقات جوهرية وبنوية أساسية على خلاف كبار شعراء الزجل "شحرور الوادي" و"زغلول الدامور" واميل مبارك ومصطفى سعيد وخصوصاً خليل روكز، أحد كبار الشعراء والذي كان له أن يكتب قصائد طويلة ذات ايقاعات متناغمة ومتماسكة تشبه القصائد الموزونة العربية التقليدية.
لقد خاض يونس الابن مختلف الأنواع والأجناس والمواضيع والقصيدة الوطنية "لبنان يا قطعة سما" الى قصائد الحب، الى القصائد السياسية غير المباشرة الى القصيدة اليومية كل ذلك ضمن أسلوبية خاصة به، أبعدته عن الذوبان في بعض الأنماط في الشعر المحلي ورائدها ميشال طراد، والتي هيمنت على الساحة الغنائية والشعرية وتأثر بها الأخوان رحباني وسعيد عقل وطلال حيدر..
فهو هنا في استقلالية كتابية تشبه نوعاً ما استقلالية ايليا أبو شديد. أي كوّن عالمه الخاص، عالمه الجمالي الخاص، الانساني الخالص والنظرة الاجتماعية الخاصة.
يونس الابن شاعر على حدا. لم ينجرف الى المهرجانات الشعرية ولا الى الخضوع لما هو سائد.
عزلته، صمته من كل هذه اللغات النمطية التي ما زال يتأثر بها كل من كتب الشعر بمن فيهم ميّ المر مثلاً وهنري زغيب وجوزف حرب وآخرون وهذه تحسب ليونس الابن.
يونس الابن بقي الطير الذي يغرّد خارج السرب وهو طائر متعدد التعبير. ولكن ضمن بنية لغوية لا تنقلب على نفسها وانما تتطوّر لنفسها من الداخل.
ولهذا، ومع أنه كان يكتب يومياً بما يشبه اليوميات في جريدة "الأنوار"، إلا أنه لم يكن "مكثاراً" ولم يكن "ثرثاراً"، ولم يكن يلبي طلبات الأغنية أو طلبات المطربين أو طلبات على الموضة. فهو شاعر خارج الموضة، لأنه في قلب الحداثة الشعرية، التي تبقى متفردة، خاصة، حميمية، داخلية. لم يبحث يونس الابن إلا عن الشعر في الشعر وليس عن الاستهلاك. وإذا عمد بعض المطربين الى اختيار قصائد له، فهو كان يأبى أن يجري أي تعديل عليها أو فيها. فهو ليس شاعر أغنية وليس شاعراً طربياً أو شاعر مطربين وليس شاعر ملحنين!.
كتب يونس الابن الشعر كتعبير داخلي عن هواجسه وأفكاره وعن مشاكله الذاتية والوطنية. وحتى القصائد الوطنية التي كتبها، كانت تتميز بجماليات عالية، خارج الشعارات وخارج الأنماط المتداولة.
كتب يونس الابن قصيدة وطنية لأنه عايشها بالشعر كإحساس أولاً. وإذا كان لبنان كموضوع وانتماء له حيزه في شعره، فليس لأنه أراد أن ينحاز أو يكتب للمناسبات الوطنية وغير الوطنية. انه شاعرٌ حقيقي يكتب الشعر خارج الغرائز والسهولة والاستهلاك.
كوّن الابن أسلوبه، ولم يقع في الأسلوبية. ومع أنه حافظ على خصوصيته، فإنه لم يقع في الانغلاق، ولأنه لم يقع في الانغلاق ولأنه يتشبّث بعزلته، فإنه لم ينخرط في الفولكلوريات الاجتماعية والسياسية. ولهذا كتب قصائد وغابت عنه "الطقاطيق" الخفيفة والسهلة والعابرة.
إنه شاعر تراثه موصول، ليس فه نتوءات تشوب اقتناعاته وجمالياته وحرصه على المستوى الدائم الذي لا نراه عند كثيرين من الشعراء.
في هذا الاصدار الأخير والذي وقّعه في احتفالية أخيرة أقامتها له بلدية "المزيارة" مجموعة من القصائد الشعرية ما يشبه الأعمال الكاملة، جمعها وكتبها بنمط يده في زمن الحرب كطقس يرعى الحب والشمس في زمن الحرب وبعينين "عرافتين شعريتين صافيتين ضعيفتين من وجهة الحب والتمزقات والألم والجوع الجارح من لحظة شعرية الى أخرى.
وربما زمن كزمن يونس الابن، سلطان الحروف، قيثارة شعرية تعكس الظل والظل يعاكسها، والظل حكمتها وقيثارتها ينسلخ من الذات الى الذات الساحرة والمساحنة.
قصائد فيها التنوع والفرادة والطزاجات على الرغم من أنه يطعن في الشعر وليس في السنوات.
الى مجموعة القصائد كتابات الابن عنها وإليها وأقلام كتب إليه وعنه.
هنا مقتطفات من تلك المجموعة الشعرية:
لبنان،
يا قطعة سما
عالأرض،
تاني ما إلا.
لوحات
...... الله راسما،
بشطحات
...... أحلى من الحلا!
عالطامعين محرّما،
للخاشعين محلِّلا؛
بالسيف، ما بتغلا وما
والضيف، منقلّو: "هَلاَ!"
لبنان، يا قطعة سما،
إسمك
..... على
..... شفافي
......... صَلاَ...
يُسعد صباحك،
هالحلو،
يالأنت للدنيا صباح!
روس الجبال تكمّلو
بالنور،
وتنفّض جناح
بُلبُل حلو،
ياما إلو
صابر على جنون الرياح!
عرّم، بريشو البَلَّلُو
قطر النِّدي
وترغل وصاح:
لبنان، يا قطعة سَما،
إسمك
.... على
.... شفافي
....... صَلاَ"...
[ و"لبنان"،
شو "لبنان"؟!
ـ هالكمّ أرزه، العاجقين الكون،
هاد (قبل ما في كون) كانو هون...
شاب الزمن والأرز باقي شب،
عاكل أرزه، ألف قصة حب...
ومُروج خضرا، كل مرجة لون،
هالـ ساجده تصلّي لأرز الرّب...
وغبرة دهور عتاق
وتاريخ وخيالات
ومطامع وأشواق
انتحرو، عهالتّلاّت...
وبعدو الزمن، ما فاق
من وهلتو، عميان...
والأرز، بعدو مشرّع الأغصان
وبحملة التاريخ مش تعبان!
الله يديمك أرز، يا لبنان...
[ وْ "لبنان"
مُش هالأرزة السّمرا،
هاللي الخَلَقْها تاه عن عُمْرَا...
"لبنان" فكرَه، وهيبة الأرزه،
البِقيت بقلب الدّهر منفرزه
وعا هالزّوابع فارضه أمرا÷
رمز الخلود وحجة الإيمان...
فهِمْتِي، يا حُلْوِه، شو "أرز لبنان"؟.
مَشِّي معي، عاراس شي تلّه:
هالكون كلُّو؟
مْنَغْمرُو، بطَلِّه...
ومِن اللِّبيقول: "السما بعيده"،
تا مُد إيدي وْطالِها بـْ إيدي
لو كان بدِّي عالجبل علي...
طُلِّي معِي،
شوفي دني جديده....
عصافير سكرانِه
هالزَايفَه عالنُّور،
وهيْصات وغناني
مع دخنِة التنّور،
ونايات ولهانِه
صحيت مع الرِّعيان...
وبتحسِّبي صوت الصّدى الهَربان
وِديان عمترْكُض ورا وِديان...
شو عمتقولي؟!.
[....... وشو "جبل لبنان"؟
ـ تْوَقِّي تِدوخي! ميِّلي عالشّط:
عاهالصخور انخَطّ أَول خَط
(الحرف الهِجائي) فجِر أول نور...
وهَون "الحَرِف" جسّد الفكر سطور...
ومِن هون، طير العلم طار وغطّ...
وهون الحضاره عرفت الإنسان...
ومن هون لازم تعرفي لبنان...
كان الحب بعدو بأول خطوه من أطول
رحله، بين هالشاعر، اللي صار بالقمر، وبين
"الجنيّه" (مثل ما كان يسمّيها)... والناس، ضلو،
متل كل الناس، همهم يعرفو: كيف؟"، "ليش؟"،
"مين؟" و"من وين؟"...
وكان، مّنو، هالجواب:
... وبتسألوني، ما بقى تحلّو:
"من وين جايب هالشعر كلّو؟!"...
وقدّيش حلوه كُلّما حشّور،
منكم، سألني، جاوبو قلّو:
ـ من وين؟"، من موجة أمل، عدْرا،
عا شط بحر عيونها الخضرا؛
من قلب (يسلم لي!) ولد غنّوج،
بالكاد صاحي وفرشتو بصدرا...
كانت صبيّة برمّة المريول،
شي مبلّشه تصحا عـ شي مجهول...
يعني سبعتشر قمر نيسان
عميرقصو، تيمرقًصو "أيلول"...
ويعني: أنا "أيلول"... يعني: عُمر
مليان، نصّو ليل، نصو خَمر؛
يعني: اللِّباقي من قلب تعبان،
هربان من جمر الليالي الحمر...
وْهمسات! شهقة عُطر مخنوقة
دابت عأنفاسي اللمحروقة...
وْلَمْسَات! أندى من ندَى "نَوّار"
عـ جفون ورده نص مطبوقه...
وشو حُب! أيّا زنبقه؟! فِكرَه
وملوّنه بالحلم والذكرى...
وشو دودخة أربع حمس كاسات؟!
شو حرب صحوِه معنِّدِه وسَكره؟!
وْ "من وين جايب هالشّعر؟"! من هون:
من حب شفتو أكبر من الكون...
من هون، صار الحرف نسمة روح...
ومن هون، لملمت النغم واللون...
ولحَدّ هون وبس... مُش معقول،
من ما سألني، هيك رد وْ قول...
بس، الْبِيسْأل هيك شي، إنسان
بِيحبّ يكسر قوة المجهول...
بيحب يعرف كيف رعشة إيد،
بجرِّة قلم، بتشق كون بعيد...
وْبيحبّ يعرف كيف، يعني، الحب
علّم الشاعر يولد من جديد...
وكتار، غيرو،
ما بقى يحلُّو:
*"من وين جايب
هالشعر كلّو؟"...
وكتير مش معقول
أني قول...
"عميسألو"؟
معليش، يتسلّو ...
ـ صحيح، مثل ما بيقولو، بتحبيّه؟"،
سألتها جارتها "الحشّورة"، فجاوبت:
بْيكذبو...
شو بيكذبوا!
مين قال: حبّيتو"؟
عمري، لا حاكاني
ولا حاكيتو...
صدفة تلاقينا،
ومن غير ما حكينا،
كُلمِن شي بدربو؛
إي. بس عينينا
التفتو لعند بيتو...
وشو بيكذبو!
مين قال؟
مين قال: "حبّيتو"؟...
مشبت ومِشي حدّي:
بدّي وما بدّي...
إلا فـ مسك إيدي!
إي، ما قدرت هدّي
وْلا قدِرِت هدّيتو...
وْشو بيكذبو!
مين قال؟
مين قال: "حبّبيتو؟...
ومِنْ غير ما نحكي،
غصّيت بالضحكة.
مرقنا عبِركة مي،
تفرْكَشت بالبركه،
تزَحْلَقت.. ضمّيتو...
وشو بيكذبو!
مين قال؟
مين قال: "حبّيتو"؟...
و... إي، عند هالضمِّه،
صرّخت: يا أمي!"...
أزعَر! ما بعرف كيف
تِمّو لِحق تِمّي
ولا كيف ردّيتو!...
وشو بيكذبو
مين قال؟
مين قال: "حبّيتو"؟...
وْ من يومها، ما بنام
وبعيش عالأحلام؛
وصَرلي، عهالحاله
أربع خمستيّام...
شو؟ بكون حبّيتو؟
إن كان
هادا الحب،
معقول حبّيتو...
صديق للطرفين تدخل للصلحة، وصار يزور "الجنية" ويجرب يطلف الجو... فكان جوابها انو: يمكن كانت تحب الشاعر، بالماضي، بس، اليوم، صارت تكرهو... وصار حلمها انها تتزوج واحد غني، يزين صدرها بعقود اللولو.
ما هم شو صرتي وشو كنتي،
ولا هم، بكره، شو رح تكوني.
انتي الخلقتي غربتي، وانتي،
بإيدك فتحتي الباب لجنوني...
انتي للعةدتي عصدري الـ"آه"،
انتي الطبعتي عاشفافي الكاس،
وانتي اللفجرتي شعر، لولاه،
لليوم بعدي متل كل الناس..
انتي..ز وغصب عني وغصب عنك،
صرنا، بفوضى الحب، "اسطورة"
بهالصورة اللي عملتها منك
وما عاد حقي شوه الصورة...
بشعري، اللي كلو حب، حبوكي
الحلوين، وازتعوشي معي، وجنو...
وياما، وياما، عليه حسدوني،
هالشعر، هالـ صرتي نفس منو!
إي! مين قدي، مين؟ عاطيكي
وعامل خيالك شي من غيونو؟
مين العحجق تلت الدني فيكي؟
ومين اللفيكي اله جنونو؟!
مين اللعالتاريخ فرضك فرض،
وتا يسهل دروبك، نسي دربو؟
اي! عيب، والله، وجودكم عالأرض،
انتو، يا هالما بتعرفو تحبو...
صرتي، بعدمني، بتتمني
ايا غني (ويكون شو ما كان)
تا يشتركي، يسرقك مني
وتلف ذكري غبرة النسيان...
يالكل همك: تضحك سواره
بزندك، ويرهج حدها اللولو،
وتعرمي عا صدر سيارة،
وشو ما يقولو عنك يقولو...
"لولو"، يا معرورة؟! حقير السعر!
يعني: صحيح "اللي استحو ماتو"!
وهالشاعر العملك الاهة شعر
تخلد بـ"اربع خمس كلماتو"؟
هالشاعر، اللبعصر مجد العلم،
تجند يكون لطيرتك ريشه،
راجك حقيقة ما عرفها حلم
وكليوم عمبيموت تتعيشي...
هالشاعر الفجر شعورو حروف،
عاود وعي، سرح جناحو، طار...
وانتي ازحفي، درب النمل معروف
وخيرات نمل الارض بالاوكار...
وهيك الداجةجة، ان عشقها نسر،
او طار فيها، بالها بالقن...
واللي بيربى عاصغيب الاسر،
بيضل قلبو للعبيد يحن...
"لولو"؟! لهون وبس، وقفتي؟!
ولهون آخر مد احلامك؟
بما فزعتي من الفضا، وخفتي
من فسحة التاريخ، قدامك؟
الله معك، يا دجاجتي، روحي...
جناحك معقد، ما خلق للريح...
وما هم، بعدك دم بجروحي،
وقلبي كتير كبير للتجريح
وما هم شو صرتي وشو كنتي
ولا هم، بكره، شو رح تكوني...
بيكفي خلقتي غربتي انتي
وانتي الفتحتي الباب، لجنوني...
رفيق للشاعر، من هالخُبرا بالحب والليل والكأس،
من كل عقلو، قعد ينصح الشاعر بشرب النبيد المعتق...
و"النبيد"، بلغة صاحبنا، بيعني "المزا، المخّمرة"، مش
البنت اللي بعدها حصرمه عالداليه...
الشاعر بيقرر يجرّب ويسمع نصيحة الرفيق
الخبير ويشربلو قنينة نبيد معتق... وعمجرّب يشرب:
المشروب
صار نبيد،
بلّشت
عهد جديد...
ما عاد في، عندي،
جَلَد
عالخمرة
الْبَعْدا وَلَد
وخيّاتها، بالدّالية، عناقيد...
ماشْبِعِت
.... وعد
.... وشوق
......... ومواعيد؟!
بيكفي أمل كذاب...
شو الحب؟ تَلْج وداب...
بدّي، بشراهة اشربو
نبيد المعتّق بالقَبو...
اشرب واشرُد والمجال بعيد.
عقلي رجعلي وْعن التوبه تاب...
إِي، حيد من دربي، يا قلبي،
حيِد...
حولي، الدّني، كُلا،
سكْرَه، شغل الله...
وْ، حولي، البشر عميسكرو
مش فاضيين يفكرو...
إِي، ليش عن هالناس أبقى بعيد؟
منضل بالأحلام نتسلى؟
شو الحلم؟ وهم بوهم...
شو بيفيد.؟!.
ومثل البشر، بَسْكَر
وبْصير اتذكّر...
وخدلك عهبه شارده
سخنه وهبّة باردة،
وذكرى وعود وشوق ومواعيد،
وماضي عنيد، وحاضر مسكّر،
وصرخات
مبحوحة من التنهيد:
ـ لا، لا... ما بدي نبيد
يرد العتيق جديد...
المتلي انولد، لما انولد
للخمرة البعد ولد
وخيّاتها، بالداليه، عناقيد.
وعمري: وعود وشوق ومواعيد...
لا، لا...
ما بدي نبيد...
بيمرق بحياتنا ناس، ظروفنا الخاصة تخلينا نحبهم أو نكرههم. من غير ما يحسو بكرهنا أو يشعرو بحبنا مثل واحده اسمها، جيزيل، كانت سب تبادل الاعتراف بالحب، بين الشاعر والجنيه...
رح يخبر جيزيل، هو، "كيف! وليش؟.
بحبّك؟ كتير! وبكرهِك أكتر...
وْ، لا تواخذيني، الذنب مش ذنبك:
حقي عـ قلبي الـ (ياي! شو معتّر!)
عـ حساب عيّرك حبك وْ سبّك...
قدّيش سهله، هون، كلمة "ليش؟"!
المش سهل أني جاوب عليها...
وْ، معليش، بدّي شغّل الـ"معليش"،
بحكايتي الـ "فيها وما فيها"...
مْأكّد نسِيتي ليلة الكُنّا،
صدفه سوا، انتي وأنا وهيّي،
و "هيّي وأنا" عمينشرو عنا،
مع كل طلعة شمس خبريه...
بتصدقيني؟ كان بعدو بكر
حبّي لها، ما تجسّد بكلمه؛
يعني: بقي، سنتين، فِكر بفِكر،
همّو يطرّي حلمها وحُلمي...
و من يومها، حكينا حكايتنا،
وكان السبب، كل السبب، أنتي:
وكانت بدايتها نهايتنا...
يا ريت ما كنا ولا كُنتِي...
بتتذكّري؟ قرّبت، قُلتلّك:
"منشوفكن بكره؟" وقُلتيلي:
"بُكره، أنا عندك!"، ضحكتلّك،
قُدّامها، وانتي ضحكتيلي...
ضحكنا وقاطع تِمّها الضحكة،
وْ لفّت شطوط عيونها الغيمات؛
وصارت تنرفز، كيفما أحكي،
وعاشفافها تتخانق الكلمات...
شو؟ قال: عضّت قلبها الغِيره!
عوّدتها، سنين، عاملها
عـ حساب طفله مدلّله زغيره،
وصوّر لها كل الدني إلها...
إي، سمعتكم عمتهمسي: "بُكرَه"،
وتخيّلت... الله بيعرف أيش!
صارت تنفّض غبرة السّكره
وتشوف كل الكون "كيف؟" و"ليش"؟...
من يومها، اعترفت بغِيرتها،
ومن يومها، صارحتها بحبّي،
ومن يومها، عملت مخدّتها
صدري وغفيت عانغم قلبي...
واليوم؟ ضاع الحب وتعتّر،
الله يسهّل دربها وْ دربك...
بحبك كتير وبكرهك أكتر...
وْ (لا تواخذيني) الذنب مش ذنبك...
وحدي، ليل، سكوت
مكوم عابيروت...
والحي، حواليي،
شبابيكو مطفية،
ولفحات شمالية،
مدري منين تفوت،
تنقزلي عيني،
من الغفوة، وتموت،
وسكوت...
عين ترف، وعين
غابت بين بين...
وشي، مثل الدوامة،
يفلفشلي قدامي
افراحي وآلامي
ويضحك عالتنتين...
وآمالي وآلامي
تنتفض وتموت.
وسكوت...
وحدي؟ وحدي كتير!
وخدلك عا تعتير:
دوخة تشقلب راسي
وتلهب احساسي
وتاخدني مع كاسي
مشاوير مشاوير،
علا ضو النواسه
المبحوح، المبغوت...
وسكوت...
وعالحيط، خيالات
واشباح وهالات...
وماضي يغفا ويوعى،
بزحمة هالمجموعة
الضحكتها مسموعة،
ومسموعة الهمسات
المبحوحة، الممنوعة
عالحب المكبوت...
وسكوت
فبيلومو الجيران
هالـ"جار الحيران"
الـ"مع اوهامو بيحكي!"
و"بيضحك وبيبكي!"
و"يخنق دمعه بضحكة!"
و"ليلة سهران
مع قنينة وسكي!"
و"ليلية بيموت!"...
وسكوت...
وبيفتح الباب: "خير، ما في غير الخير:
جايين، حسب الاتفاق، ياخدوه للصاروخ الرايح عالقمر... بيلتفت صوب رماد اوراقو وذكرياتو.. بيشوف خيال الجنية، بيقلها: "انا مش هون..".
وبيغيب بأسكر سكره...
انا مش هون، مش انسان عادي،
تفكيري صلا وكفري عباده،
كتير بحب اتعذب بحبي:
عذاب الحب نوع من السعادة...
انا مجنون، ما بيفهم جنوني
غير القال للاكوان: "كوني"،
نظرة ناشفة بتقلقب حياتي
وبرجع بنتشي بنظرة حنونة...
انا ما بخاف الا من ضميري،
مربي فيه من ربي خميري،
بضحي بدم قلبي، بنور عيني
ولا تتخدش النفس الكبيرة...
وانا حبيتك، وانتي عرفتي
حبي كيف ولمستي وشفتي...
وتنفرض صار، بكره، الحب ذكرى،
انا وما خفت، انتي ليش خفتي؟
انا وانتي بداية، مش نهاية،
لحب كبير ما تقعد بغاية...
حكاية حبنا؟ بحب اكتبيها:
العمر بيمر، وبتبقى الحكاية...


CONVERSATION

2 comments:

رئيس رابطة إحياء التراث العربي في أستراليا.. إيلي ناصيف يقول...

رابطة إحياء التراث العربي في أستراليا التي آلمها خبر رحيل الشاعر الكبير يونس الابن، تعلن للجميع عن مشاورات سرية كانت تدور في الخفاء من أجل إحضار الشاعر الفقيد الى أستراليا بغية تكريمه ومنحه جائزة جبران العالمية، ولكن الموت كان له بالمرصاد فخطفه الى أعلى سماء.. الى قطعة طالما شبّه لبنان بها، فاحتلها روحاً بعد أن احتلها شعراً وعبقرية.
إنها خسارة أدبية لا تعوّض.. ولكن ذكره حي فينا للأبد.
رحمك الله يا من زرعت في حقل الشعر (أربع خمس كلمات) لتصبح بيدراً تقتات من خيراته الاجيال.
رحمك الله يا ابن مزيارة..
يا يونس الابن..
يا حبيب لبنان المقيم والمغترب.

عصام ملكي ـ سيدني يقول...

يونس نقل قالو عا تاني حيّ
ولو مات بدّو يضلّ عنّا حيّ
هلّي عا شكلو بلّشو يقلّو
هوّي الابن لكن أنا بقلّو
للأبجديه إنت أم وبيّ