الفصول الأربعة/ نيفين ضياء الدين

1- قتل البراءه

تركت حجرتها تركت الاسوار و الحواجز الشائكه تركت الحوائط الأربعة المجوفه لزنزانة السجن التي تسرق انفاس طفولتها.تركت علبة الكبريت وزواياها الاربع التى
تكاد تطبق انفاسها "كطى السجل للكتب"(سورة الأنبياء) تركت الحجره خاوية العروش, جحر الفئران ذى التصدعات الأربعة ,عتاد بلا عمد, سقفها يتعانق مع ارضها من شدة التلاصق بينهما, وكأن السقف "قاب قوسين او ادنى"(سورة النجم الاية 8-9) من الارض.ترى في اى حجره تعيش؟هل تعيش حبيسه داخل قفص للدواجن و الطيور؟ام داخل اسوار خلية نحل مكدسه بالاجساد البشريه المتراصه كصفوف جيوش النمل؟ اين تعيش تلك الطفله البريئه؟انها تعيش في قفص كعصفور كسير الجناح مسلوب الحريه , مسلوب الحياه و الاراده.انها تعيش داخل "غيابات الجب"(سورة يوسف الايه10) في رحم كهف مظلم تنفتح زنزانته في ساعات النهار كى تبدأ رحلة اكتساب الرزق و القوت وتغلق اسواره عند حلول الليل وهجوم الظلام.


اين تعيش هذه الدميه المسكينة؟ من اين اتت تترنح في خطى ضعيفه امام عيونى؟انى اراها كل يوم في مشهد متكرر لا ينساه قلبى...تخرج في ثوبها الابيض هائمه كالملاك كريشة عصفور كسير.اراها كموج البحر ولكنها تسبح عكس التيار تخرج من زقاقها الضيق الدائرى المتحور وكأنه بيت للثعابين, تخرج مع خيوط الفجر الاولي. ارى اشعة الشمس الذهبيه تلمس سلاسل شعرها الاصفر تحتضنها وتضمها في صدرها في حنان و كأنها امها.ارى ضحكتها الكسيره تضئ المكان بنور ابيض كحبات اللؤلؤ المنثور رغم ثيابها الرثه ورغم الغبره التي تكسو ثوبها ووجهها. من الذي اغتال براءة عسل وجهها الطفولى؟ اراها تمشي في ضعف...تحاول ان تتسلق السور لتختصر المسافه مسافة العبور من الزقاق الي الشارع.اراها تهبط و تصعد تعلو و تنخفض تقع و تقف في اباء وعزه وشموخ علي اقدامها الصغيره.اراها تحمل علي رأسها المقطف ملئ بالخضروات الخضراء اللون كلون قلبها الملائكى الطاهر.اراها تمسح حبات العرق المتناثره علي جبهتها كقطرات المطر,تتسند علي السور في خطى واثقه وعذيمه جياشه رغم العثرات و الحجاره التي تعترض طريقها.


اراها تحمل المقطف, تحمله "وهنا علي وهن"(سورة لقمان الايه14) المقطف صديقها, المقطف دميتها تتحكم فيه ويتحكم في مصيرها, المقطف كيانها و مكنون ذاتها.الي اين تذهب تلك الفراشة الهائمة؟الي السوق بدلآ من الحديقه ,تسير بين الاذبال بدلآ من الورود,كيف تختنق براعمها اليانعه بأشواك حاضرها وهموم واقعها؟كيف ترفرف هذه الحمامه البيضاء بجناحها الكسير في سماء النيران,نيران واقعها الملئ بالحرمان؟كيف نخنق رحيق طفولتها؟كيف نقتل عبير برائتها؟اراها تدنو من قلبى في خطى حزينه,اري خيالها في عقلى يرسم قوس قزحا ليس من الوان الطيف ولكن من الوان الغيوم الوان عبيرها الكسير,ارى قامتها القصيره هيكلآ ينهار في مخيلتى, يرنو نحو طوق النجاه ليستعيد قوامه ثم اراها تمد يدها لاخيها كي يساعدها في الهبوط من علي تلال السور.اراها تنحدر كقطرة ندى علي وريقات الورد ثم لا تلبث ان تستقيم قامتها كي تكمل رحلتها في خطى واثقه نحو نهاية الزقاق,تصبح صفحة وجهها شبحا لا في مخيلتى ولكن في جوف الطريق ,تلتهمها رحلتها, تصبح زكراها دخانا ابيضا لا في مخيلتى التي هي دارها ولكن في طي النسيان


2- مكنون ذاتها

تعود رؤياها في بؤرة بصرى, تتلأ لأ كراقصة باليه في سماء احلامى, تلعب كحوريه علي قيثارة ضفائر شعرى,تحاكينى واحاكيها,تسألنى احيانا فأجيبها,تستعجب من اهتمامى بها,تترآى كسمكه تسبح في ظلمات المحيط الهادى,كغيمه خضراء توقظنى من خرافات نومى...تعس في الظلام تصرخ باكيه في محاكاه بريئه مع أحمد شوقي:الست انت القائل" واذا رحمت فأنت أم او أب هذان في الدنيا هما الرحماء "(من قصيدة ولد الهدي) ؟ اخبرنى يا امير الشعراء اين ذهب لبن امى؟اين ضاع حنان ابى؟يتنحى شوقي ,يمتنع عن الاجابه,يتركها في ظلمات الحيره,فتراقبنى واراقبها,تندمج في مداعبة افكارى , تسألنى من هي؟فأقول لها دميه...لا بل هرما شامخا بلا قواعد...لا بل قوقعه بها مخاط هلامى محاط بالاشواك...ثم اقول لا انما انت درة مستتره في فم حوت ذي النون علية السلام...اقول لها ليس يهم من تكونين فأنت محراب قديسه مريميه تحمل مقطافا ام مهدا للمسيح عيسي عليه السلام...تنام في لحد الزحام ام تسير داخل قبو داخل مقبرة فرعونيه كمليكة محاطة بعبيدها...هل انت ملكة النحل محاطه بعبيدك من الدبابير؟ام انك دودة القز تنسج خيوطا من حرير تلفها حول نفسها تنسج شرنقة وفاتها تخنق انفاسها بخيوط حريرها...من انت يا طفلتي؟ يا قطرة الندى فوق صخور الهاويه المحاطه بزبانية جهنم...هل انت حورية البحر تقطنين في ممالك المحيطات ام انك جنية تستعر لهبا ونارا غائبه عن العيون؟ هل انت حبة القمح الخضراء عند القطاف ؟هل انت شوكه قسمت ظهرى؟ ام انك حرير غطى جسدى؟انك حبات رمانيه حمراء تتتخفى في الوان من فنون السحر...انك شهاب اخطأ طريقه في ظلمات الليل,فهبط علي ارض بلاهواء ... انت فقاعه حريرية الملمس...ملح البحر المترسب علي الصخور...انت المرمر المدفون في قيعان الجبال ... انت درة مكنونه ...انت شمعة بلا فتيل في دائرة الازمان.

CONVERSATION

0 comments: