شربل بعيني الملك الأبيض: كتاب جديد للأديب التونسي كمال العيادي


صدر في سيدني أستراليا كتاب جديد للأديب التونسي كمال العيادي بعنوان: شربل بعيني الملك الأبيض، وهو كناية عن تعليقات رائعة كتبها العيادي تحت مقالات الشاعر اللبناني شربل بعيني المنشورة في موقع (دروب) الالكتروني عام 2006، لتخرج اليوم إلى النور ضمن كتاب أنيق مؤلف من 112 صفحة من الحجم الوسط، مبشّرة بمدرسة جديدة في أدب التعليقات.
وها نحن ننشر مقدمة الكتاب، وكلمة الغلاف الخارجي:

مقدّمة
بقلم د. علي بزّي
رئيس مجلس الجالية اللبنانية في أستراليا

علّمونا في مدارس أيام زمان عن أدب الرحلات، وأدب الرسائل وما شابه، ولم يدر بخلدهم أننا سنصل إلى يوم نعلّم به أطفالنا عن أدب التعليقات.
أجل، أدب التعليقات.. وخير دليل على ذلك هذا الكتاب الغارق حتى نقطه وحركاته بالنثر البديع، والشعر الرفيع.
وها أنا أطلعكم على حبيبات قليلة جمعتها عن بيدر (العيّادي) المتخم بخيراته، علّني أعطيكم ولو لمحة بسيطة عن أدب قد يبدأ ساعة صدور هذا الكتاب، ومن يدري فقد يغيّر شكل التعليقات التي نقرأها، ونشمئز منها، ونشفق على أصحابها لتفاهة معظمها، لدرجة أن العديد من أصحاب المواقع يسارعون الى التخلص منها كما نتخلّص من نفاياتنا كي لا تزكم الانفاس أو تنشر الجراثيم. أولئك الذين عناهم العيادي حين أبدع:
كثيراً ما أطرق أبواب نصّك العديدة،
لأستريح من نزق الريح،
وفساد السرد المليء بالغبار،
وبما هو صالح وطالح،
وكنت دائماً مطمئناً إلى أنني واجد
في حدائقك من الأرض
ما يكفي لأرى السماء صافيّة.
فهو، إذن، لا يرى السماء صافية إلا بالسرد الصالح الخالي من الغبار. كيف لا، وهو الذي أبى أن ينزف قلمه، أينما كتب وحيثما كتب، إلا الدرر، فأضحى الرائد في عالم أدب التعليقات:
أنا المكوّر كاللوز الفج
خاتم رسائل حبّه..
...
آيتي الليل والقمر ورجع الأنين..
...
أنا الذي يفكّ القيد ويرفع حرج النساء.
أنا خشب الصندل المعطّر بريح السفن القديمة.
...
هذا الربيع ليس له علامة..
ربما كذبت كل الفراشات
وربّما كذب الخطّاف ثانية..
...
وحدهم الشعراء لا يموتون
...
أنا أحييه متعمّداً ألاّ يرى من وجهي إلا نصفه المبتسم.
بربكم، هل هذا كلام تعليقات؟!
اسمعوه إذن حين يمدح:
نبلك يغرقني في لجة من الغبطة والزهو.
حقّ لمثلي أن يتطاول بمثلك.
أو حين يعضد:
غابة حزنك مثمرة أشجارها،
وتغري كل مساء بالتوغل فيها من جديد.
أشدّ بكل حبّ وفهم وقوّة على يديك،
راعياً جديداً،
يقشّر بثُور الزمن بصوت نايه،
ويحدّث العشب عن نزق الأشجار التي تحلم بالرحيل..
وقد تفعل.
أما إذا أراد أن يعايد فيترك (للزوّار حرية التجول بين الفوانيس، والتلاقي عند مداخل أبواب المحبة السبع).. إلى أن يلقي قنبلته الوردية:
سنة شربلية بكل ما في الإسم من معنى يفيض ويضوع منك عليه.
أمام هدايا كمال العيادي يصمت جميع أمراء الكلام وملوكه:
إسمع، هذا ما تبقّى، خذه: سور القيروان الشرقي!
وأمام شكره يرتجفون أيضاً، إذ أنه لن يرضى بأقل من هذه العبارة الملكة:
شكراً أيها الملك الأبيض.
بعد هذا، أصبحت على يقين من أن حاتم الطائي تونسي المنشأ.
أصدقاؤه خط أحمر، والويل ثم الويل لمن يتطاولون عليهم، فلسوف يضرب الجبان منهم كي يخرّ أمامه الصنديد:
القردة قردة،
والجرابيع جرابيع،
والأسود أسود،
كل يعوج على طبعه.
فكمال الأديب ليس كباقي الأدباء، إنه (الجوّال بين أودية الكلمة المعتّقة) لا يطمع من (سقط الدنيا بغير بعض قلب مما تحمله أنت).
أف، كم أنت محظوظ يا شربل بعيني بصحبة كمال العيادي، فلقد بدأت أغبطك عليها، فمن غيره يحلّق بقلب الشاعر كي يطرد (الجعلان من سياق اللغة، ومن مزارع المساجد والكنائس).
من غيره أقسم أن لا يزيح قيد أنملة قبل أن يحقق هذا الهدف، لأن اللغة (أرض كل شاعر لا يخون).
عظمة كمال العيادي ليست برونق لغته، ولا بسلاسة أسلوبه، بل بتواضعه الجمّ، رغم مقدرته الأدبية، ومن غيره يتجاسر على قول ما قال لشربل:
عجبك أنني أخرج من كل معركة منتصراً، فسببه أنني أتعلّم منك، ومن الكبار أمثالك من الكتّاب.
قليلون جداً هم الكتّاب الذين يعترفون بالتلمذة الدائمة، فلقد أصبحوا، أو هكذا تخيلوا، عباقرة زمانهم منذ الخرطشة الأولى، كي لا أقول: الشخبطة.. شخبط شخابيط، وأتّهم بسرقة أغنية نانسي عجرم.
لله درّك يا ابن تونس، فلو تابعت الاستعانة بكلماتك لما كتبت كلمة واحدة من عندي، إذ أنها تسحرني، وتشدني الى الاستعانة بها دون إدراك مني، وها أنا أهديه ما أهدانا:
إنّك ملاّح بين قلّة،
يعيد فتنة العبارة،
وأنوثة البحر،
لبيت الشعر الصافي.. شعر الينابيع.
لو شئت لكتبت كتاباً في شرح هذه التعليقات، ولكنني سأكتفي بهذا القدر كي لا أؤخركم عن الاستمتاع بها، كونها البداية لأدب إلكترونيّ جديد، يقدر أن (يستحيل النور والضوء معاً).
كمال العيادي.. شربل بعيني.. ألف شكر لكما.
**
كلمة الغلاف الخارجي التي أهداها شربل بعيني لصديقه كمال العيادي: 
ما أصعب أن تكتب عن أديب كتب عنك وأبدع، فلسوف تقف أمامه كالتلميذ أمام معلمه، له الكلمة والطاعة، وما أجمل الطاعة حين يكون الكلام معلماً.
أنا أعرف تماماً أن العيادي كتب هذه التعليقات بسرعة الضوء، لأنها مضيئة كالشمس. كتبها وهو يرشف قهوته الصباحية، أو يتأهب للنوم.. كتبها وهو يسرع إلى قضاء حاجة، أو وهو يدخّن النرجيلة، ولكني ما زلت أجهل كيف تمكن وهو على هذه الحال من ابتكار عبارات أدبية وصور شعرية أقل ما يقال فيها إنها رائعة.
هنا يكمن صدق الكلام، فلو لم يعجب كمال بما قرأ لا يمكن أن يكتب ما كتب، وبالتالي لا يمكن أن أعجب أنا أو أنتم بما كتب. فالأدب عكس المرآة لا يريك نفسك فحسب، بل يسلّط عليك المجهر ليراك الآخرون.
وها هو العيادي تحت المجهر، فاحكموا عليه: هل أبدع؟.. هل كان السبّاق في ابتكار أدب التعليقات؟ هل أعطى درساً قاسياً لكل من علّق على مقال بتفاهة تخجل منها الكلمة؟ وأخيراً، هل سيغيّر هذا الكتاب سير التعليقات المستقبليّة في عالم الإنترنت؟
أجل.. هذا ما سيحدث، وإلى أن يحدث، سأردد على مسامعكم ما رددت في خلوتي: شكراً يا كمال.. شكراً أيّها التونسي الأخضر، من وحي أغنية فريد الأطرش: تونس أيا خضرا.. قد نلتقي، وقد لا نلتقي، قد نتعانق وقد لا نتعانق، ما هم، المهم أننا لن نرحل عن هذه الفانية كباقي الناس، بل سنبقى معاً، وسنعيش معاً إلى أبد الآبدين ضمن جنّة هذا الكتاب.. الملك.
**
ألف مبروك للعيادي وللبعيني بهذا المولود الأدبي الجديد الفريد من نوعه في عالم الأدب.

CONVERSATION

0 comments: