آن لي أن أعود من حيث بدأت/ خليل الوافي

مرت عليك اللحظات دون أن تدري ٬ تجمع بنات أفكارك و ترتب أوراقك على الشكل الذي يوحي أن ثمة شيء يحتاج منك مجهودا مضاعفا ؛ لتحصل على ذلك التوازن المفقود في دواخلك ؛ تبحث جاهدا دون كلل و لا ملل ، يراودك الشك أحيانا ، و أحيان أخرى يحتويك إحساس فاتر أن الأمور بدأت تأخذ منحى تصاعدي نحو نهاية محتومة في مشهد الإنصات إلى الذات و ما يختلج القلب من حيرة زائدة ، تزيد من مؤشرات الضغط و الإنفلات من قبضة الشعور الغريب ؛ بأن خطبا ما سيقع ٠
تتراكم الصور و الأحداث تباعا كسيل نهر هائج يحمل معه فتات المدن الجديدة على سواحل البحار الثائرة في وجه العواصف الغربية ؛ لا مجال الآن لتشرق شمس هذا الصباح حيث الوجوه تحمل أقنعة الوحل ، و ترفع شعار الصمت ، وترتدي سحب الضباب ، و تصلي لإله الخوف في معابد النسيان ؛ تجد الجهل و ملامح الجاهلية الأولى تتربع على عرش القذارة ، و عبادة الحجارة على طقس الجذبة والندوب التي لم تترك مكانا في جسد يغالبه الصداع و الوجع اليومي ٠
يكثر الصمت في دروب العتمة ، و يرتفع صوت النواح في مداخل الجسد ؛ أبحث عن فصل الهدنة و ترك السلاح ، وإبعاد الموت قليلا عن عيون الأطفال ، و إخراج القذائف من بؤرة السؤال الحرج عن عدد القتلى و اليتامى و الهاربين من أوطانهم إلى حدود المجهول ، و التطهير العرقي لسلالة العربي من خريطة الألم ؛ لا نصيب لهم اليوم بإعتراف يقيهم حرارة هذا الصيف الممتد أكثر من نصف قرن ، وما تزال أوراش التهجير القصري تشتغل ليل نهار تخرج أفواج العاطلين عن وطن و شكل إنتماء ٠
تخاصمني عروبتي أمام باب السلطان ، وتقول : ماذا فعلت بي يا أيها العربي ؟ ؛ أتجاهل السؤال و أراوغ نفسي عن إسقاط المعنى في جوف الجواب العقيم أمام شاشة التلفزة ، لا تأتي الأسئلة ــــ كعادتها ـــ بريئة من إشارة خفية تختزل جرح أمة ، و تفقد الأشياء الجميلة بريقها الصافي مثل حبات الثلج ؛ وهي تلامس وجه براءة نازلة للتو من معارج السماء ، يهبط الوحي ثانية يعالج مسام الدعاء المباح فوق جبل التوبة ؛ أراني أسير في دربك أتلمس الخطى ، تزهر في طريقي شقائق النعمان ، و تحلق فوقي طيور البجع ؛ لا سماء اليوم تعرف أختها الأرض ، مادامت الأشياء تأخذ شكلها الطبيعي في سهول المطر ٠
أنعرج نحو أزقة طفولتي ، و ساحات اللعب ، و الركض الحر في أرض الخلاء ؛ كانت الأرض تحن إلى أقدامنا الصغيرة التي لا تهدأ بفعل الحيوية الزائدة ، و الشغف المفرط بحب الحياة كما كانت تتماثل إلينا في رحابة الأفق ، و إتساع مجال الرؤية إلى أبعد الحدود ؛ حيث يمتد الجسد بعيدا ، موغلا في رسم معالم جغرافيا جديدة ، تغير مشهد الألوان الشاحبة في وجه الإنفلات المجبر على خوض معركة الحياة ؛ عندها آن لي أن أعود من حيث بدأت ٠


خليل الوافي ـــــ كاتب و شاعر من المغرب
في طنجة بتاريخ : 15/12/2012
khalil-louafi@hotmail.com

CONVERSATION

0 comments: