الكاتب الإنتحاري/ أسعد البصري

أعطي من نفسي للآخرين
لأن ما أبحث عنه لا يوجد في كتاب
إنه هنا عند هذا الطفل الذي يغمض عينيه حين أضمّه
وحين أصحو في الصباح أجده تحت الغطاء
إن ما يبحث عنه الإنسان في الزمن كثير
وما يكتبه كثير
نكتب أمراضا عقلية أو سعياً وراء الرزق
حتى لو كنت كاتبا حقاً
ألن يحتاج الأمر إلى قاريء ؟؟
من أين نأتيك بقاريء ؟؟
نحن في عراق ديمقراطي صديقي
ولسنا في عصر دكتاتوري جميل
حيث الناس سواسية كأسنان المشط
في الديمقراطية
الشاعرة هيفاء الحسيني أهم من سعدي يوسف
إن الإبداع اليوم هو في القدرة على الصمت لا في الكتابة
الديمقراطية في العراق هيجت مواهب الغدر التاريخية عندنا
حيث يمكننا دائماً تحريض المتحمسين والقشامر ضد الحكومة
ثم نتخلى عنهم و نشي بهم لنكشف عن ولائنا الدائم للقوي
هذه هي ديمقراطيتنا اليوم
ديمقراطية مخبرين و قشامر
الثقافة المشبوهة حيث
الأصوات (( كأقدام فئران على زجاج مكسور ))
كما يعبر ت. س. إليوت يصبح فيها
كل شيء قائماً على خدعة و مؤامرة .
هكذا يكتب و يتكلم الرجال الفارغون
الذين لا أفهم سبب شعبيتهم .
يبدو أن الكلام الفارغ يجد صداه مباشرة في المجتمع الفارغ .
كائنات بلا إحساس تطبع دواوين شعرية
هذه هي ثقافتنا الوطنية العراقية
كانت الشعرية في العصر الدكتاتوري لا حدود لها
لأنها تمنحك ذلك التصور الجميل
وهو أن الناس ( كل الناس) ملائكة و ضحايا والمشكلة الوحيدة هي الدكتاتور
عدد كبير من الأبرياء صعدوا المشانق بسبب تصورهم الساذج عن الشعب
يتبخر هذا السحر الشعري في الديمقراطية
حين تكتشف الجشع والإجرام والطموح البشري
في الغرب لا توجد ديمقراطية بل يوجد نظام صارم رهيب
الديمقراطية في العراق حيث بإمكان الإنسان الظهور على حقيقته
نحن في العراق نفتقد الدكتاتور بعمق
لأنه كان يمنحنا ذلك التصور الجميل عن أنفسنا بالكمال والنقاء
كنا نتعذب ونشعر بأننا لا نستحق الظلم والعذاب
اليوم فقدنا ذلك الإحساس
صرنا نتعذب و نشعر بأننا نستحق هذا العذاب وأكثر
كان الألم يوحدنا ويبعث روح الشعب في زمن الدكتاتور
صار الألم يفرقنا ويبعث الحقد والفرقة في زمن الديمقراطية
الكتابة ليست خطراً
لكنها تصبح كذلك حين يظهر كتاب خطرون
وإلى أن يظهروا بإمكان الثرثارين
ملء هذه الصفحات الفارغة من الضمير والذوق والإحساس
الذي يكتب بصدق في مجتمع كهذا
هو انتحاري يفجر نفسه في حشد من الكذابين

CONVERSATION

0 comments: