فورولو وعمر تحت ظلال الفقر/ عبد القادر كعبان

من أهم المشاكل التي عاشتها الجزائر قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية حالة الفقر التي أدت الى انخفاض الأجور و تفشي البطالة التي دفعت الكثيرين الى ركوب سفينة الغربة باتجاه فرنسا بحثا عن مصدر لإعالة أسرهم و كانت الهجرة بعينها أمرا شاقا لاسيما لشعب كثير التعلق بأرضه كالشعب الجزائري مما دفع كتاب الجزائر الى دخول عالم النفس الطويل الرواية و أول عنوان أثار الجدل حول تلك المعظلة رواية مولود فرعون الموسومة "نجل الفقير" التي تطرقت الى الفقر كظاهرة تناثرت على جبال القبائل الكبرى أثناء فترة الإحتلال و تعتبر هده الرواية سيرة ذاتية الى حد بعيد تصف طفولة الكاتب و مراهقته.
لم يعرف ضباب الجزائر متعة الطفولة الأولى و كانت أفكارها محصورة نحو الطعام ووسيلة الوصول اليه لذا قلما تخطر على فكرهم عملية الخوض في غمار اللعب و التسلية و كيف يمكنهم مجرد التفكير في ظل ظروف صعبة يعيشها أولياء أمورهم و هكذا نرى منراد فورولو بطل الرواية منشغل بالصعوبات المالية التي يواجهها والده فيستاء الى درجة كبيرة من كلمات معلمه الدي يظن أنه منشغل فقط باللهو و المرح مع رفاقه و هذا ما نجده عند شخصية أخرى برزت بقلم محمد ديب وهي شخصية عمر البالغ من العمر التاسعة فقط دائم الجوع٬ اهتمامه الوحيد ينصب على ايجاد طريقة للحصول على الطعام في رواية "الدار الكبيرة" ولكن عمر بعكس فورولو فهو يشترط على معظم زملائه في المدرسة مقابل توفير الحماية وعدم تعرضهم للمشاحنة من قبل الأولاد الكبار أن يعطوه شيئا من طعامهم و هذا لم يمنعه أيضا من التوجه الى وسائل مغايرة داخل الدار الكبيرة بحثا عن قطعة خبز يأكلها مقابل تقديم المساعدة للجيران.
رغم الفقر المدقع الذي يعيشه عمر نجده لا يتردد في تقديم العون و المساعدة للغير الذين هم بحاجته و لكن بعيدا عن التنازل عن مبادئه و المساس بكرامته كإنسان فقد كان دائم الاعتزاز بنفسه و يأبى أية حسنة يمكن أن تسبب له نوعا من الإذلال أو التحقير و يرضى بما يقدم له فقط بعد الالحاح الكثير من طرف العاطي.
إن كلا من عمر و فورولو يلجآن الى مختلف الوسائل للحصول على الطعام و كان فورولو أكثر حظا من عمر لأنه كان ينتمي لأسرة تميز بين الذكور و الاناث و نتيجة لذلك فقد كان مدللا يحظى دائما بنصيب من الطعام أكبر من نصيب أخواته البنات و مما لا شك فيه أنه كان دائم الجوع على العكس فإن عمر كان الأكثر فاقة و بؤسا دائم الجوع لكنه نجح في ترويض جوعه وعاش معه كرفيق عزيز بل و قد أكسبته تجربة الجوع دراية وفهما لإنعكاسات و مشاعر شعبه الجائع من خلال ما كان يسمعه و يراه داخل الدار الكبيرة و خارجها.
تكشف لنا سيرة حياة كل من محمد ديب و مولود فرعون الأوضاع المالية المقلقة التي عاشتها كلا العائلتين عائلة عمر و عائلة فورولو منراد ومدى واقعية أحداث الروايتين التي عكست بالفعل واقعية الشخصيات بإمتياز.
يمكن أن نختم قائلين بأن كلا من مولود فرعون و الى حد أقل محمد ديب قد تخطيا حدود الخيال من خلال شخصيتين وهما فورولو و عمر حيث وقف كليهما تحت ظلال الفقر و قد عمد الكاتبين الى وصف النضال الجزائري مقابل الحصول على رغيف الخبز اليومي.
*كاتب جزائري

CONVERSATION

0 comments: