عملية ولادة قيصرية. هذا هو الانطباع العام عن حكومة نتنياهو الرابعة. غير ان المولود جاء مشوها ولا يبدو انه ابن معيشة. حتى اسما رسميا (برنامج حكومة) لم تكن له ضرورة، لسبب يمكن تأويله انها حكومة لزمن لن يكون إلا لتحضير الانتخابات القادمة.. أو لأن تركيبتها الهجينة سياسيا تجعلها حكومة "تصفية آخر الموسم" !!
حكومة ستبيع وعودا بلا رصيد. كل من هدد استلم منصبا وزاريا، حتى أيوب القرا صار نائبا للوزير، رغم انه يستحق حسب رأيي ان يكون وزيرا هاما، مثلا وزيرا للخارجية. ان استعراض أسماء وزارة نتنياهو تكاد تكون استعراضا لتشكيل سيرك للألعاب البهلوانية!!
خطاب نتنياهو كان فارغا من أي مضمون سياسي، متجاهلا واقع دولة تتعرض للمقاطعة متعددة الأشكال، ونقدا دوليا واسعا ضد نهجها ألاحتلالي. ان عدم تقديم نتنياهو خطوطا عريضة لسياسة حكومته، قد يكون ساهم بإنجاح تركيبة السيرك الوزاري، وأنقذه من الإدلاء بتصريحات مثل ان "دولة فلسطينية لن تقوم ما دام هو رئيسا للحكومة"، وتراجعه رسميا في الكنيست في خطاب عرض حكومته، عن مقولته الاحتلالية الشهيرة تلك، ليرضي واشنطن رسميا على الأقل، كانت ستجر عليه غضبا من شركائه، ربما استقالات جماعية قبل التصويت على الحكومة. فهل يصل به الغباء ليغضب شركائه؟ ألا يكفيه ان واشنطن تهدد بأنها لن تستطيع توفير الحماية لسياسة حكومة نتنياهو الاحتلالية في مجلس الأمن؟
أي خيار مختلف سيكون خيارا سيئا. إذن عدم طرح خطوط سياسية (او غير سياسية) لحكومته الجديدة هي الحل لإنقاذ ما تبقى من ماء الوجه!!
لأول مرة تُعرض حكومة بلا برنامج سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي، من يحتاج هذه البرامج ما دام الهدف حكومة إعداد لانتخابات قادمة قريبة؟!
لا بد من تسجيل إعجابي غير العادي من خطاب زعيم المعارضة يتسحاق هيرتسوغ. لأول مرة أسمع مسئولا حزبيا صهيونيا يلقي خطابا لا تأتة فيه، جريئا في نقده لسياسة الحكومة، ومحددا اتجاها سياسيا يستحق بكل معنى الكلمة ان يكون بديلا لحكومة السيرك.
هاجم هيرتسوغ رئيس الحكومة نتنياهو بوضوح وبرؤية صحيحة بكلمة هامة واعتقد انها أهم خطاب سياسي استمع إليه منذ خطاب رئيس الحكومة الأسبق يتسحاق رابين الأخير في ساحة رابين قبل مقتله بدقائق. اتهم هيرتسوغ نتنياهو انه "استغل كل الوسائل والطرق من اجل العودة إلى منصبه، مستخدمًا حربًا إعلامية وعنصرية وتمييزية". انتقد تحريضه على الأقلية العربية بجرأة لا أعهدها بالخطاب السياسي الصهيوني وأعلن انه سيقف بقيادة الدفاع عن حقوق الجمهور العربي ، قال موجها كلامه لنتنياهو: " لقد أهنت المواطنين العرب في إسرائيل الذين يشكلون 20% من السكان، وقلت أنهم يتدفقون في الحافلات للتصويت، انه العار عليك وعلى حكومتك وعلى الدولة اليهودية ان تتفوه هكذا بحق المواطنين وأنت رئيس حكومتهم".
انتقد الخطر على المحكمة العليا وجهاز القضاء ، وانه سيكون على رأس الدفاع عنه، انتقد خطط نتنياهو للسيطرة على وسائل الإعلام ، وأعلن انه سيقف بقادة النضال ضد سياسته.كان خطابة طرحا لرؤية سياسية عقلانية بأي مقياس كان، ويشكل هذا الخطاب ، حسب رأيي رؤية سياسية هامة للمستقبل ، المستهجن انه جاء متأخرا جدا، كنت أود ان اسمع مثل هذا الخطاب عشية الانتخابات، وليس بعدها.
تابع قائلًا لنتنياهو: "لقد شكلت حكومتك بالكذب والتضليل، انها حكومة سيرك وما يحدث هنا عبارة عن فضيحة كبرى هدفها في النهاية البقاء على كرسيك كرئيس حكومة"
ووجه هيرتسوغ كلمة لوزير المالية في حكومة نتنياهو موشيه كحلون (رئيس حزب كلنا) قال له :"لا يمكنك في مثل هذه الحكومة ان تخرج مشاريعك وبرامجكم من الدواليب".
طبعا انتهى عرض السيرك الأول بحصول حكومة نتنياهو على أكثرية صوت واحد، لتبدأ منذ تلك اللحظة التحضير للانتخابات القادمة.
0 comments:
إرسال تعليق