النظام السعودي القديم كانت فرصته الأخيرة لكي يثبت قدرته على البقاء وإدارة الأمور بحنكة وفاعلية،وإستيعاب ما يجري من تطورات وتغيرات عربية وإقليمية،وخصوصاً بعد اللطمات التي وجهتها أمريكا للنظام السعودي أكثر من مرة،المرة الأولى المفاوضات مع طهران حول ملفها النووي،بدون علم النظام السعودي،ومن ثم التوقيع على الإتفاق بشكل أولي على هذا الملف دون أي اعتبار للإعتراضات السعودية،بل السعي لتوريطها في الحرب على اليمن،ومن ثم القول لقيادتها بأن الخطر على عرشها ومشيختها يأتي من الداخل،من السياسات التي تنتهجها وغياب الديمقراطية وعدم المشاركة في الحكم،والتي تدفع بالشباب السعودي نحو البطالة،وان يكون وقوداً للجماعات الإرهابية والتكفيرية،وليس من ايران والتحريض عليها،وأيضاً بان الأولوية للحرب على الإرهاب،وليس الحديث عن الخطر الإيراني والنفخ والتحريض على الصراعات المذهبية والطائفية،وكذلك فإن الحرب على اليمن،وإخفاق السعودية في تحقيق أي نجاحات تذكر،تساهم في تثبيت سلطتها وسيطرتها على اليمن،وأن تبقى متسيدة المشهد العربي سياسياً ونفوذاً وتأثيرا،بفضل قوة وسطوة المال والبترودولار،وتخلي حلفائها عنها الذين كانت تراهن عليهم مشاركتها الفاعلة في حربها على اليمن مثل باكستان وتركيا ومصر،مثّل صدمة كبرى للقيادة السعودية،وكانت هذه القضايا بمثابة الصاعقة التي نزلت على القيادة السعودية،ووضعتها أمام خيارات صعبة،أن تستمر على السير وفق سياساتها ونهجها السابق،وما يحمله من مخاطر على وحدة واستقرار المملكة،أو الإستجابة ومواكبة التطورات الحاصلة،التي تمكن من تحقيق حالة من الإستقرار والإلتفاف حول القيادة من خلال توسيع دائرة المشاركة في القرار والحكم وتقاسم الثروة،لأن التطورات المحيطة بالمملكة تحمل مخاطر جدية على استقرار المملكة وزعامتها للخليج والعالم العربي،فلربما الحرب على اليمن ستطول وبالتالي بحاجة الى مجهود حربي وأموال طائلة،وقد تتدحرج الحرب على اليمن الى حرب أكبر وأبعد من اليمن،وهذا يعني بأن النسيج المجتمعي السعودي قد يتخلل،وتحدث ثورات وهبات شعبية وجماهيرية ضد نظام الحكم والعائلة الحاكمة،وكذلك مستوى معيشة السكان والإقتصاد السعودي القائم على النفط ومدخولات الحج والعمرة،سيتضرر بشكل كبير.
وليس هذا فحسب فمشروع زعامة وقيادة السعودية للخليج والعالم العربي،رهن بالتطورات والمفاوضات والمحادثات السياسية التي ترعاها عُمان، وما ينتج عن ذلك،وكذلك التطورات الميدانية على الصعيد العسكري في سوريا،حيث السعودية ومعها قطر وتركيا و"اسرائيل"،تريد أن تثبت أقدامها ووجودها هناك،وفرض شروطها في أي عملية سياسية قادمه مع النظام السوري،وتعويض الخسارة الناتجة عن الفشل في اليمن،والدخول في الصياغات النهائية للاتفاق الأمريكي- الايراني،ولذلك رأينا الإندفاعات في دعم العصابات الإرهابية في الشمال والجنوب السوريين،وتوحيد مرجعياتها من نصرة و"داعش" و"سلفية" "وإخوان" تحت قيادة واحدة ،من قبل السعودية وقطر وتركيا و"اسرائيل"، حيث جرى ضخ ألآلاف الإرهابيين الشيشان والتركمان عبر تركيا وتزويدهم بأحدث الأسلحة والمعلومات الإستخباراتيه عبر غرفتي عمليات انطاكية التركية والموك الأردنية،وما توفرانه من صور عبر الأقمار الصناعية لتوجيهها،وإرشادها لوجود القوات والأسلحة السورية والطرق وغيرها...وهذا ما مكن تلك العصابات الإرهابية من السيطرة على مدينة إدلب وجسر الشاغور،وكذلك كانت الأمور تسير في نفس الإتجاه في الشمال السوري،والهدف فصل الشمال والجنوب السوريين عن سلطة الدولة المركزية.
اذا جملة هذه التطورات دفعت تجاه ان تشهد السعودية تغيرات واسعة في هيكلية نظام الحكم السعودي،تغيرات وقرارات ملكية ليست بالعادية،فلربما كما قال جو بايدن بأن التغيرات في كل الخليج ستحدث والبداية من السعودية،وهي ستكون وفق خطة موضوعة ورزنامة متفق عليها،قد يجري نقاشها أو الإتفاق عليها وتنفيذها في اللقاء المقبل في "كامب ديفيد" بين الرئيس الأمريكي وزعامة مشيخات النفط والكاز،ومن هنا كانت التغيرات الكبيرة في بنية وهيكلية القيادة السعودية والقرارات غير المسبوقة،والتي طالت مقرن بن عبد العزيز وسعود الفيصل،وهما من قادا الإستخبارات والدبلوماسية السعودية لأكثر من ربع قرن،ورحل قبلهما بندر بن سلطان قائد ومسؤول العمليات السوداء والغرف المظلمة والذي تولى هذا المنصب والمهمة لربع قرن أيضاً....ويبدو ان التغيرات والتطورات المحيطة بالمملكة وخصوصا ما يجري في اليمن،هي واحدة من الأسباب الرئيسة لما حصل من هندسة لنظام الحكم في السعودية،حيث أقصي مقرن وعين بدلاً منه محمد بن نايف (35) عاماً ولياً للعهد ومحمد بن سلمان ولياً لولي العهد وسفير المملكة من خارج العائلة المالكة في واشنطن عادل الجبير وزيراً للخارجية،والتغير هذا بدخول ثلاثة قيادات سعودية لقيادة المملكة،معروفة بإرتباطاتها بالقيادة الأمريكية،يعني أنه ليس كما يحلو للبعض ان يشطح ويحلل بأن التغير يأتي في ظل حالة خذلان سعودي من الدور الأمريكي وإنكشاف حقيقة هذا الدور الذي يهمه بالدرجة الأولى المصلحة الأمريكية،او ان ما يحدث هو "ثورة بيضاء"،بل تغيرات تجري وفق رؤيا أمريكية لما ستكون عليه مشيخات الخليج في ظل التطورات الحاصلة عربياً واقليمياً ودولياً،ولذلك هل سنشهد ولادة ممالك دستورية في الخليج بعيداً عن التوريث العائلي والإقطاعيات العشائرية والقبلية؟؟؟،هل سيولد دستور ملكي؟هل سيجري تقاسم الثروة مع السعوديين من قبل عائلة مالكة محتكرة لها..؟؟.
أنا قانع بأن التغيرات في هيكلية الحكم السعودي،لن تكون حدثاً عادياً،ولكن تلك التغيرات،ستبقي للعائلة المالكة سيطرتها على مفاصل الحكم،من خلال ابقاء حقائب الدفاع والخارجية والداخلية بأيدي العائلة المالكة،مع مشاركة الفعاليات العائلية والاقتصادية والمجتمعية في القرار والى حد ما الحكم،وتقاسم الثروة في حدود معقولة،وبما لا يهدد سلطة العائلة الحاكمة.
التطورات السياسية في اليمن،والتطورات العسكرية والميدانية في سوريا،والتوقيع في نهاية حزيران على الاتفاق الأمريكي- الإيراني بشكل نهائي،وما يعنيه ذلك من تحرر الإقتصاد الإيراني من اعباء وقيود كثيرة،وعودة ايران الى الساحة الإقليمية والدولية بشكل فاعل كقوة إقليمية مقررة في الكثير من ملفات المنطقة،سيحدد طبيعة التطورات والتغيرات الحاصلة في المملكة والخليج وشبكة علاقاتها وتحالفاتها.
0 comments:
إرسال تعليق