تاريخ/ عبدالقادر رالة

قررت أن أتوقف عن قراءة ما كتبه المؤرخون...لن أعيد قراءة ما قرأته من كتب...بدأت أشعر بالسعادة وبمعنى جديد لحياتي لما تخليت عن الكتب ، وأدركت لماذا لا يتعذب الناس العاديون ويشعرون بالغبطة لأنهم لا يعرفون التاريخ ! لا يعرفون خيانة الوطن ولا التنكر للدين والاستهزاء بالأمة.. لا تؤلمهم الهزائم المتكررة في المائة سنة الأخيرة....
تحولت الى انسان أخر جديد.. انصرفت إلى شؤوني الخاصة، والكتب كلها بعتها وأكلت ثمنها وشربته عصيرا وحلوى مع الأصدقاء في مقهى العربي... حتى الأصدقاء لا حظوا تغيري إذ صرت غير مبال بما يتحدثون وحول ماذا يتناقشون...لم أصر أتحمس للأبطال الحقيقيين في زمن العزة والكرامة...أو لأنصاف الأبطال في زمن الردة والمهانة...لم أصر أتحسر بألم عن حال أمتي التي كانت خير الامم فصارت أخرها وتكالبت عليها أمم كانت في زمن العزة تعيش في الكهوف والمغارات !
تغيرت كلية وصرت قليل الكلام...أتحدث قليلا وأصمت طويلا...وصرت أحس أن لا تاريخ لي ، رغم أن اولئك الأبطال العظام والجبناء القذرين والخونة الأشرار لا علاقة تربطني بهم سوى أنهم أبناء أمتي أو وطني...
لكني كنت دائم الاحساس أن شيئا ينقصني لا أعرف ما هو؟ لي طفلين .. بنت جميلة وولد رائع... و وظيفة.. أحسست أني انسان بلا جذور... تلك الجذور انقطعت منذ أن توقفت عن قراءة تلك الكتب، منذ أن انفصلت عن أولئك المؤرخين وأبطالهم....
الشجرة لا تستطيع ان تعيش بدون جذور واذا بقيت لمدة طويلة بدون جذور فإنها حتما ستيبس ثم سرعان ما تهوى على الأرض...وأنا أيضا صرت كالألة ، ألة بلا تاريخ وبلا أحلام...جميل أن يتشارك المرء مع أمته وابناء شعبه في الأحلام....الاكيد أني سأسقط يوما....
وبدون أن أشعر وجدت نفسي أعود الى كتب التاريخ... فعلى صفحاتها تنعكس روحي وأجد فيها نفسي، حتى وإن كانت كتبا لا تتحدث الا عن الألم والخيانة والهزيمة !

CONVERSATION

0 comments: