حماس... والقرار الأوروبي/ راسم عبيدات

ثمة ما يجعلني أتوجس واتشكك في كل ما يأتي من الغرب الإستعماري وعلى رأي المأثور " ما بيجي من الغرب اللي بيسر القلب"،فقرار المحكمة الأوروبية في بروكسل برفع حركة حماس من قائمة "الإرهاب"،والتي تم وضعها على تلك اللائحة إستجابة لضغوط أمريكية - اسرائيلية،وقرار الرفع هذا،والذي ليس نهائيا فهناك مدة اعتراض قانونية مدتها ثلاثة شهور،وبالفعل بعض الدول الأوروبية بدأت تعترض على قرار المحكمة،خوفاً من اسرائيل والتي وصفت السلوك الأوروبي وهذا القرار بالنفاق،وخوفاً من ان تشهر في وجهها اسرائيل،الجرائم الأوروبية بحق اليهود"الهولوكست" الذي يجري إستغلاله "كلما دق الكوز في الجرة"،وما يعزز ويثير هذا الشكوك وتلك التوجسات،أن ثمة معطيات تشير الى أن الهدف من هذا القرار هو تطويع حركة حماس ودفعها لتغير لون جلدها السياسي وتطويعها للمشاركة في مشاريع سياسية لاحقة تخطط لها امريكا واوروبا الغربية،فأمريكا واوروبا الغربية قد يستغلون الحركة في منازعة منظمة التحرير شرعية التمثيل الفلسطيني،او أن يكون هناك دور للحركة في مرحلة ما بعد عباس،على اعتبار ان عباس عمره الإفتراضي قد انتهى،وأوروبا ستواصل الضغط على الحركة التي رحبت بهذا القرار،واعتبرته تصحيح لخطأ سياسي من قبل الإتحاد الأوروبي،من خلال قنوات الإتصال السرية بين الحركة وسويسرا والنرويج،المعروفة بطبخ المشاريع السياسية على نار هادئة،وكذلك امريكا ستحاول إستغلال حليفتها الموثوقة،مشيخة قطر من اجل الضغط على حماس من اجل تقديم تنازلات سياسية،تجعلها مقبولة في المشهد السياسي العالمي والإقليمي والعربي،وكذلك حتى اسرائيلياً،وهذا القرار أتى توقيته بعد قيام حركة حماس بتصحيح علاقاتها السياسية والعسكرية مع ايران،حيث زار وفد رفيع من حماس برئاسة عضو مكتبها السياسي محمد نصر قبل أقل من اسبوع طهران لهذا الغرض،وكذلك في الذكرى السابعة والعشرين لإنطلاقة حماس،وجه قادة حماس العسكريين وعلى رأسهم محمد ضيف الشكر لإيران على دعمها العسكري والمالي والسياسي والإعلامي ،وهذا يعني بأن الحركة تنسحب بالتدريج من تحت عباءة المحور القطري- التركي،لكي تعود الى المحور السابق العدو اللدود لقطر وتركيا وحركة الإخوان المسلمين،محور ايران - حزب الله - سوريا،وهذا يعني وقوع الورقة الفلسطينية تحت سيطرة المحور الإيراني،وهذا ما لا تريده لا امريكا ولا اوروبا الغربية ولا مشيخات النفط والكاز ولا جماعة التتريك واسرائيل،وهذا القرار الأوروبي بمثابة الجزرة المقدمة لحركة حماس،تلك الجزرة التي تحمل رسائل شتى في اولها للسلطة الفلسطينية،بأن أي اصرار على تقديم المشروع الفلسطيني لمجلس الأمن للتصويت عليه،وفق النص الفلسطيني،من اجل تحديد سقف زمني لإنهاء الإحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة عام/1967،تنتهي مع شهر تشرين ثاني/2016،فهذا يعني أن السلطة حكمت على نفسها بالموت والبديل جاهز،والسلطة واضح انها إستجابت لهذا الضغط،ولذلك هي اجرت تعديلاً على مشروعها المقدم لمجلس الأمن،حيث أصبح يقترب كثيراً من المشروع الفرنسي المقدم باسم الإتحاد الأوروبي،بحيث المشروع لا يتحدث عن التحديد للسقف الزمني للإنسحاب الإسرائيلي،بل يتحدث عن عودة لمفاوضات جادة لمدة عام،ومن ثم يصار لتحديد الموعد الزمني،وحتى هذا المشروع والطرح الجديد والتغير غير مقبول لا امريكياً ولا أوروبيا،والسلطة التي وضعت كل بيضها في السلة الأمريكية،يبدو انها ستقبل بالمشروع الفرنسي كما هو، فهي قدمت مشروعه باللون الأزرق أي مسودة مطروحة للتعديل،وليس للتصويت الفوري،حيث تعكف دول اوروبية (فرنسا وبريطانيا والمانيا) على صياغة قرار اوروبي،ربما يهبط بسقف المشروع الفرنسي،لكي توافق عليه أمريكا،وتتجنب السلطة التوجه للمؤسسات الدولية،التصديق على ميثاق روما والتوجه لمحكمة الجنايات الدولية،وواضح بأن جملة الحركة السياسية الدولية والاقليمية والعربية،والضغوط المكثفة التي تمارس على السلطة الفلسطينية،ستدفعها للموافقة على المشروع الفرنسي،وخصوصاً بأن العالم والعرب وحتى الفلسطينيين،أصبحوا لديهم شكوك كبيرة حول خيارات السلطة وتهديداتها،وبالتالي عدم أخذ تلك التهديدات على محمل الجد،فهي أضاعت فرصة اتخاذ قرارات مصيرية،إنتظرها الشعب الفلسطيني،بعد جريمة إغتيال القائد أبا عين،فكل الحديث والتهديدات بالقرارات المصيرية،وفي مقدمتها وقف التنسيق الأمني والتوجه للمؤسسات الدولية،اتضح بأنها،ليست أكثر من انشاء و"فقاعات" كلامية،حيث أكدت السلطة الفلسطينية في ختام اجتماعات قيادتها على إستمرار التنسيق الأمني مع اسرائيل،وفيما يتعلق بالتوجه للمؤسسات الدولية،هناك حالة من العجز والتلكؤ،وعدم القدرة على اتخاذ القرار،حيث الخوف والارتعاش من العقوبات الأمريكية،ف"كيري" هدد عريقات في لقاءه معه بشكل واضح ،بأن امريكا ستتخذ عقوبات جدية بحق السلطة الفلسطينية،ومن هنا جاءت الموافقة الفلسطينية بالتخلي عن المشروع الفلسطيني لصالح المشروع الفرنسي.

المشروع الفرنسي للعلم والتذكير، يرتكز على بعض الأسس، منها:
1 - الدعوة لاستئناف المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية على ان تستمر بين عام ونصف وعامين.
2 - تكون المفاوضات تحت الرعاية الأميركية الكاملة 
3 - تصبح القدس عاصمة للدولتين .
4 - في نهاية المفاوضات تقوم دولة فلسطينية ويتم الاعتراف بها، فوق حدود اراضي 1967، بعد اجراء "تبادل اراضي متفق عليه"، وبما يضمن "المصالح الأمنية لاسرائيل".
وفي نظرة فاحصة للمشروع الفرنسي،فهو لا يتطرق الى "توحش"و"تغول الإستيطان،وسياسة العقوبات الجماعية،هدم منازل المقدسيين،تهويد القدس،محاولات التقسيم الزماني والمكاني للأقصى،طرد وترحيل جماعي..الخ،وفي الحديث عن الفترة الزمنية،فالمشروع الفرنسي،يتحدث عن فترة جديدة للمفاوضات،وليس عن فترة تلزم بها اسرائيل بإنهاء الإحتلال،وبما انه لا يجري الحديث عن عقوبات وخطوات إلزاميه في حالة فشل المفاوضات،فهذا يعني بأننا سنعاود الدوران من جديد في نفس الحلقة المفرغة،ولكن بخسارة وضرر اكبر على قضيتنا وحقوقنا ومشروعنا الوطني.

صحيح حماس تلقت ما يشبه الاعتراف بها، جزءاً من الحركة الوطنية الفلسطينية،وفصيلاً شرعياً بشهادة صناديق الاقتراع،وسوف يكون بمقدورها بعد اليوم، “المجادلة” بأن ما تقوم به،هو مقاومة مشروعة وليس إرهاباً كما يميل البعض لتوصيفه، بشهادة المحكمة الأوروبية،ولكن الحذر ...الحذر فأوروبا الغربية التي اوجدت هذا الكيان في قلب الأمة العربية،تدس السم في العسل،وتخفي اهدافاً خبيثة حول توقيت القرار والغرض والهدف منه....

CONVERSATION

0 comments: