صبري يوسف يتخرَّج من جامعة ستوكهولم، باختصاص فنون جميلة

صبري يوسف ـ ستوكهولم

فجأةً وبعد أن تخرّجَ من جامعة دمشق، قسم الدِّراسات الفلسفيّة والإجتماعيّة، شعبة علم الاجتماع، قبل أكثر من ربع قرن، خطر على باله أن يلتحق بجامعة ستوكهولم، بعد أن كان قد اجتاز في السَّنوات الأولى من قدومه إلى السُّويد بدراسة المراحل الإعدادية والثَّانوية لمادَّتي اللُّغة السُّويدية والانكليزية، ممَّا أهّله الالتحاق بجامعة ستوكهولم لدراسة تخصُّص معيّن، يتعلّق بتدريس مادَّة معيّنة أساسيّة، ومادّتين فرعيتين، فاختار المادّة التخصُّصية الرَّسم (فنون جميلة)، واختار مادّتي اللُّغة السُّويدية والرِّياضيات كمادّتين فرعيتين، وقد نجح في كافّة المواد بما فيها رسالة التَّخرج لمادَّة الفنون العام الفائت صيف2011، إلا أنّه ما كان قد اجتاز امتحانات مادّة الرِّياضيات، حيث كان قد نجح في جزء من المادّة عام 2011 وظل جزءاً آخر، فأجَّله لعدّة اعتبارات، حيث وجد بعض تلك الاعتبارات في حينها أهم من ألف دراسة جامعيّة، منها على سبيل المثال إعداد حفل تأبين أدبي للأب يوسف سعيد، واشتراكه في حفل تأبين أدبي آخر في أربيل في نيسان الفائت، حيث تفرّغ لمدة أربع شهور تقريباً لهذا الأمر، لأنَّه يرى أنَّ كلَّ ما قدّمه من حفلات تأبين، ومتابعة ما هو مطلوب منه لما بعد التأبين من كتب حول ما قيل وما كُتب عن الأب الرَّاحل يوسف سعيد من نصوص شعريّة وشهادات أدبية ودراسات نقديّة تحليليّة وضمِّها إلى كتب، أهم بكثير من الدِّراسات الجامعية والَّتي ممكن تأجليها، وفعلاً تقدّم في نهاية أبريل/ نيسان الماضي إلى الجزء الثاني من مادة الرِّياضيات ونجح فيها وبهذا يكون قد تخرَّج من كافّة المواد والنقّاط/الدرجات المطلوبة منه للعمل كمدرِّس لمادّة الفنون، ومادة اللُّغة السُّويدية والرِّياضيات. وبنفس الوقت يشتغل منذ شهور على نشر كتبه عبر دار نشره في ستوكهولم، ويعمل على تبويب وإعداد الكتب الخاصة بالأب يوسف سعيد، لأنّه بصدد إعداد كتابين حول تجربة الأب يوسف سعيد وكتاب ثالث: رحلة فسيحة في رحاب بناء القصيدة عند الأب يوسف سعيد، كما سيتم نشر كل دواوين الأب يوسف سعيد مع كافة مخطوطاته على نفقة المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية في أربيل بإدارة الدكتور سعدي المالح.
يذكر أن صبري يوسف، كان قد درس الصَّف الخاص في محافظة الحسكة، آخر دورة من نظام السَّنة الواحدة، ثم التحق فيما بعد بجامعة حلب قسم اللغة الانكليزية، بعد أن تقدَّم لامتحانات الثَّانوية العامّة، القسم الأدبي للمرّة الثَّانية، لأن نظام الامتحانات في سورية في حينها كان يقتضي أن يحصل على الثَّانوية العامّة/ القسم الأدبي كي يتقدَّم الطالب إلى فرع جديد ومعهد جديد، وهكذا تموت الثانوية الأولى بالتحاقه بالصف الخاص، وبعد أن انتقل إلى السّنة الثّانية بجامعة حلب قسم اللغة الانكليزية، خطر على باله التَّوقّف عن متابعة هذا الفرع نظراً لأنّه كان يتطلَّب الدوام أو التفرُّغ الكبير، ولهذا قرَّر أن يغيِّر فرعه إلى قسم الفلسفة. والمؤلم بل المفلق في الأمر أن الطالب الذي كان ينتقل من السنة الأولى إلى الثانية ما كان يحق له أن يغيِّر فرعه، ولهذا تطلَّب منه أن يعيد الثانوية العامة للمرة الثالثة، والأغرب والأنكى من هذا، صدر في تلك الفترة قراراً من وزارة التعليم العالي، ينصُّ على عدم السَّماح للطالب أن ينجح أكثر من مرّتين في الثَّانوية العامة من نفس القسم، أي لا يحق للطالب أن يحصل على أكثر من ثانويتين أدبيتين، لأنَّ فرص النَّجاح كانت لمرَّتين فقط، وهكذا أُغلِقَتْ كل الأبواب في وجهه، كأنَّ القدر نفسه كان ضدَّه، وكأنّ القرارات كانت تُسنّ ضدَّه، فلا يحق له تغيير فرعه، ولا يحق له إعادة تقديم الثانوية العامة للمرّة الثالثة، وظلَّ يرواده حلم متابعة دراساته الجامعية، ولم يبقَ مكتوف الأيدي، لأنَّ طموحه ـ على ما يبدو ـ كان أقوى من قرار وزارة التعليم العالي، وهكذا فكَّر أن يخرق القانون بالقانون، لكن قانونه هو! وفعلاً خطّطَ ونفَّذ قانونه، ونجح نجاحاً باهراً في خرق القوانين السائدة، وكان يرى أن قانوه هو الأهم، والأصح، والأسلم والأرجح، والأرقى، طالما لا يتعدّى على غيره ويسعى إلى تطوير وتنوير نفسه وبالتالي تطوير المجتمع الذي فيه! وتبيّن منذ نشأته الأولى وصباه أن تركيبته المزاجيّة تجنح نحو تطبيق أفكاره مهما تطلَّب الأمر من نتائج ومغامرات، حتى ولو ظلَّت قوانين الكون برمَّتها في طريقه، خاصَّة عندما يرى أن هذه القوانين جائرة بحقّه وبحق الإنسان ـ المواطن والوطن، وهكذا توغَّل في ثغرات القوانين، حيث وجد أن كلّ القضية ممكن معالجتها بأن يتقدَّم بأوراقه لتقديم الثانوية كطالب حرّ، على أساس أنّه حصل على الإعدادية فقط، وليس كإعادة تقديم الثانوية وهكذا انطلى الأمر على مديرية التربية، وبما أن هناك في أروقة ملفاتها وأضابيرها دخل الحابل بالنابل ولا يمكن كشف الموضوع بكبسة زرّ، فلم يتمكَّنوا من كشفه لأنَّه أصبح له إضبارتان، إضبارة كمعلم ومتابع دراساته في الأدب الانكليزي ثم إضبارة جديدة مستقلة كطالب حرّ حصل على الإعدادية ويتقدَّم للثانوية كطالب حرّ، وعندما ذهب إلى القامشلي للتقدم لإمتحانات الثَّانوية للمرَّة الثالثة، بلّغ كلّ أهله وأصدقائه على أنّه سيتقدَّم للإمتحانات الجامعيَّة، ثم التحق بعد نجاحه بجامعة دمشق، دراسات فلسفيَّة واجتماعية، وتخصّص في السَّنة الثَّانية، علم الإجتماع وتخرَّج عام 1987 بتقدير جيِّد كطالب حرّ ولم يداوم محاضرة واحدة على مدى السَّنوات الأربع! والأطرف من كلِّ هذا الطُّموح، هو أنَّه بعد تخرّجه من جامعة دمشق وقدَّم مصدَّقة تخرُّجّه إلى مديرية التربية، وبإعتباره داخل الملاك فلا يحتاج إلا إلى تعديل وضعه من معلِّم إلى مدرّس، أي بنقل تعيينه من ملاك الإبتدائي إلى الثانوي، ولكي يتم زيادة راتبه بضع مئات من الليرات السورية، فلم يتقدَّم بطلب تعديل وضعه إلى مديرية التربية، وعندما سأله مدير التربية في إحدى لقاءاته، أجاب على تساؤل مدير التربية بأنني تابعتُ دراساتي الجامعية كنوع من الطموح وتحقيق الذات، وليس لتعديل وضعي التدريسي، وظلَّ فعلاً ضمن ملاك الإبتدئي كمعلِّم مجاز، ولم يتم نقله إلى ملاك الثانوي، لكنه ظلَّ طوال فترة عمله يعمل في الحلقة الإعدادية والثَّانوية كمعلِّم مجاز لتدريس مادة اللغة الانكليزية والتربية الاشتراكيّة ومواد أخرى، يقبض ساعاته الإضافية كمجاز وتعيينه كمعلّم، على شهادة الصف الخاص، ولماذا إذاً بذل كل تلك الجهود؟ الجواب هو مجرَّد طموح وتطوير الفكر والذات لا أكثر، ولو عدنا نسأله الآن نفس السّؤال، لماذا تابعت دراساتكَ الجامعية هنا بعد أكثر من ربع قرن من دراساتكَ الجامعية في دمشق، سيجيبنا أنّني تابعت دراساتي وتحصيلي العلمي والفنّي في جامعة ستوكهولم كنوع من الطموح وتحقيق الذَّات، ورغبةً منِّي في أن أصبح مدرساً لمادّة الفنون، وأكاديمي في دولة أقيم وأعيش فيها، ... هكذا تولد القصيدة مثلما تولد أية فكرة طموحيّة، وهو يرى أن كلَّ النَّجاحات الَّتي حقَّقها في مجال الدِّراسة والتَّحصيل العلمي، أشبه ما تكون نصوص شعريَّة وقصصيّة وأدبيّة، ولوحات تشكيليّة ساطعة على جبهة الحياة! وهذه المرّة سيتقدَّم بوثيقة تخرّجه للجهات المعنيّة كي يعمل بها في حال إذا تم تعيينه في مدرسة ما، لأنّه لا يملك بديلاً، ولا يوجد ما يستعيض عمَّا درسه هنا، ولكن تبقى كلّ الدِّراسات مجرَّد طموح في عالم الأدب والفن والإبداع، لأنَّه يهدف من خلال كلّ دراساته أن يعدَّ مشاريع شعريّة أدبيّة فنّية في المدارس التي سيعمل فيها، حول بعض المفاهيم التي اشتغل عليها فنّياً وأدبيَّاً منذ سنين، كالحب، والسَّلام والفرح، حيث يخطِّط لإعداد كتب عن طريق طلاب المرحلة الإبتدائية والإعدادية، كانطولوجيات صغيرة ثم يتوسَّع بها إلى أن تصبح كبيرة حول موقف الطّفل والفتى والمراهق من هذه المفاهيم الهامّة، الحبّ، الفرح السَّلام ضمن سياق شعري وأدبي ثم يقدِّم من خلالها بحوثاً حول تعميم ثقافة الفرح والسّلام والحبّ بين البشر كلَّ البشر، لأنَّه يرى أنَّ هذا الجَّانب مخروم في الكثير من بلاد العالم ولا بدَّ من التَّركيز عليه بجدية وبنائه منذ الطُّفولة والمراهقة والشَّباب مروراً بكلِّ مراحل الحياة، واعتباره محور هام في بناء المجتمع الإنساني الَّذي انحرف كثيراً عن جادة هذه المناحي الطَّيبة، لأنَّه يرى أنَّ البشرية بأمسِّ الحاجة لترويج ثقافة السَّلام والحبِّ والفرح في أركان المعمورة، أفضل مليار مليون مرّة من ثقافة الحروب والصِّراعات المريرة في الكثير من بقاعِ الدُّنيا!!!

CONVERSATION

0 comments: