كفاح/ عبدالقادر رالة

  لمحه من بعيد، إنه هو، والد حبيبته! ...الجميع يحييه...ارتعدت فرائسه خوفا . خوف تأكد لما بدأ الوالد يتفحص  كامل المقهى بعينيه القاسيتين تحت النظارة السوداء...إنه يبحث عنه ،اليوم ستكون نهايته ! إنه غني جدا ورائحة الأموال تفوح من كل مكان يضع فيه رجليه!
  المدرسة ليست مثل المجتمع فهي لا تعترف بالفوارق بين فقير وغني! ففي المدرسة أعجب بها اعجابا طفوليا تحول مع كر الأيام الى حب مستمر، حب استمر بالرغم من أنه اضطر الى النزول الى الشارع باكرا بينما أكملت هي دراستها حتى تخرجت من الجامعة! حب لم تنطفئ جذوته وظل قويا متقدا، حتى أن كل سكان المدينة كانوا يحسدونه ،لأن ابنة ثالث أغنى رجل في المدينة تحبه وتعشقه!
 اليوم تيقن من أن الحسد تحول الى وشاية، وأن علاقتهما قد انكشفت...أشار اليه أحد مرتادي المقهى...تقدم نحوه الرجل الكهل بخطوات بطيئة لكن ثابتة...جلس أمامه...
ـ أنت بن صفية مبارك!
   تردد في الجواب ...لو قال نعم سوف يبهدله أمام الناس الشامتين، وربما يكبله الأن بالسلاسل....ثم يرميه في السجن بدون محاكمة...التهمة؟... النفوذ لا يعترف بالتهمة...تلفيق التهم هو أسهل عمل يقوم به الانسان! ألم تلفق التهم والأكاذيب في حق كبار الأبطال التاريخيين؟  بل وفي حق أعظم إنسان في الوجود! بل ان اليهود عليهم لعنة الله لفقوا التهم لله سبحانه وتعالى.. فقالوا له البنات ..وأنه بخيل !!
   ـ إني أسألك؟
فانتبه فجأة لكنه يم يجب....
ـ قيل لي أنك تواعد ابنتي!
ـ قيل له...الوشاة الملاعين لماذا ينكدون على الانسان حياته! لم أستطع الاستمتاع بالغنى فلماذا لايتركوني أهنأ بالحب ؟
ـ حسنا...كن معي رجلا حقيقيا وسأكون معك رجلا ونصف....سأزوجك ابنتي...يبدو أن البنت متعلقة بك كثيرا فقد رفضت الكثير من الخطاب.. وأنا لست من الاغنياء البقارة  ...  لا أريد أن أبيع ابنتي وانما أريد لها الحياة السعيدة...
  إنه يكاد يطير من الفرح، لولا الحياء لكان أطلق زغرودة قوية...
أضاف الوالد:ـ أعرف أنك فقير.. سأتكفل بكل شيء ...المهر، الحلي ..الحلوى.. حفلة الرقص..
اطعام المدعوين ... ومن اليوم الذي تزف فيه  ابنتي اليك لا تعرفني ولا أعرفك، هي زوجتك وعليك أن تتدبر أمورك  وتؤكد قوامتك عليها...        
وجد الحياة الزوجية الواقعية تختلف عن حياة الحب الحالمة! الحب جميل لكن الزواج شاق!  وبدأت المشاكل تطفو بين الحين والأخر لكنه تحداها ووسع قلبه ،فقد أعطى عهدا لحموه ..كان يعمل نهارا وليلا . يعمل كل شيء فلا يتكبر على أي عمل لأجل تدبر لقمة العيش له ولزوجته وابنهما الصغير...ولطالما اقترحت عليه والدته أن يطلب المؤونة من حموه فيرفض بشدة.. أما أصدقاءه فيجزمون أن صهره بخيل شحيح!
   وبعد خمس سنوات التقاه حموه في نفس المقهى الذي التقاه فيه أول مرة... جلس أمامه ثم ابتسم قائلا:ـ أنت رجل حقيقي! أكدت لي أنك تختلف عن أولئك الشبان الفقراء الذين لا يتقنون شيئا سوى الثرثرة و التشكي من الحكومة  أو المجتمع والقدر...
ثم وضع أمامه فوق الطاولة مفتاحا وشيكا بنكيا....
ـ هذا مفتاح السيارة هدية لحفيدي العزيز! وهذا شيك بملغ 200مليون سنتيم هدية لابنتي.. وبما أنك أنت رب العائلة فلك حق التصرف الكامل في السيارة والنقود.. وبما أن مستواك الدراسي لا يسمح بمزاولة مهنة معينة  فأقترح عليك ممارسة التجارة...التجارة لا تحتاج الا الى الصدق والنهوض باكرا...ولو أردت العمل برأي فإن تجارة ملابس الأطفال رائجة ومربحة...
 وبعد خمس سنوات أخرى هو الذي  ذهب  يبحث عن حموه في مقهى" الأنيق" الذي لا يرتاده الا الاثرياء والمقاولين...استأذن ثم جلس قبالته...ثم وضع مفتاحا وشيكا بنكيا على الطاولة الكرستالية....
ـ ماهذا يا بن صفية؟ أنا لم أعرهما لك وإنما قلت هدية لابنتي وحفيدي! أعرف أن شابا طموحا وذو إرادة مثلك لا يحتاج الى مالي!
 وقف أمامهما النادل...
ـ ما ذا تشرب حضرتك؟
 الجزائر

CONVERSATION

0 comments: