قراءة لديوان "حتى لا يبوحَ الصمت" لكريمة الحراق/ أحمد التاغي

عندما قدمت لي الشاعرة كريمة الحراق ديوانها "حتى لا يبوح الصمت" قصد قراءة نقدية للديوان، شعرتُ بجسامة المسؤولية، لأنني عادة لا أحب المجاملة أو الإطراء في غير مكانه، نعم لقد حان الوقت أن نحطم في أعماقنا أغلال الآراء المسبقة والأحكام الجاهزة، ونقوم بقراءة تحليلية لأفكارنا وأوضاعنا التي تحتاج إلى الكثير من المراجعة والنقد الذاتي العقلاني. وفي نفس الآن، إن كنت لا أحب المجاملة فإنني أيضا لا أحب التمظهر كمن يبحث عن السلبيات ويتصيد الأخطاء.. وبين هذا وذاك، وبعد تفكير عميق، قررت أن أخوض تجربة النقد الأدبي، بعد مغامرتي الشعر والتنشيط الثقافي .
نقد الكلام في اللغة، معرفة جيده من رديئه، وذكر محاسنه أو عيوبه، سواء كان شعرا أو نثرا. والنقد الأدبي هو فن تفسير الأعمال الأدبية يشترك فيها الذوق والفكر معا ليكشفا عن مواطن الجمال والقبح في العمل الأدبي. ولا يمكن لنا أن نحكم بوجود نقد أدبي صائب وأخر خاطئ، وإنما كل ما في الأمر أن هناك درجات متفاوتة في النقد الأدبي الذي يكون من مهامه تأويل وتفسير العمل الأدبي .
" حتى لا يبوح الصمت" شجعني لخوض تجربة النقد الأدبي، وبمحاولتي لمعانقة هذا العمل الأدبي محاولا تبيان قيمته، أرجو أن أكون قد وفقت ولو قليلا في إظهار القيمة الفنية لهذا الديوان الرائع .

إذا كان "النقاد" قديما قد أبدعوا وأجادوا في مجال نقد الكلام وارتباطه بالمعاني والقوافي والأوزان والأسجاع، فإن النقاد الجدد المعاصرين قد تفننوا وتوسعوا في نقد الشعر كفن من الفنون الجميلة وما تحمله القصائد من خيال واسع

وصور ذهنية ودوافع عاطفية. إن الشعر عند كريمة الحراق- من خلال ديوانها- هو بمثابة عاطفة إنسانية قوية، تختلج في نفسها، تحسها إحساسا صادقا، وأنت تنتقل من قصيدة لقصيدة إلا وأنت تحس أن الشاعرة كريمة هي كريمة أيضا وليست بخيلة، فهي تمد جسور التواصل مع القارئ، تحاول أن تشاركه أحاسيسها الجياشة من فرح وحزن، شعر كريمة الحراق هو قبول وتقرب، فشاعرتنا لا تحب الانطواء على نفسها، الشعر لديها هو محاولة رسم خريطة طريق لحوار داخلي وتواصل مؤسس على الفعالية مع القارئ والتأثير فيه .
قراءتي للديوان، ستكون من خلال ما يلي :

1- قراءة نقدية للديوان من خلال العنوان "حتى لا يبوح الصمت ".

2- قراءة نقدية للديوان من خلال افتتاحية الديوان نفسه :

تقول الشاعرة كريمة الحراق في افتتاحية ديوانها "حتى لا يبوح الصمت ":

" في هذا الكتاب، ستجدني تلك الصدفة التي تلاطمت بين أمواج اليم، ثم تمددت على حافة الشط منكسرة، لكنها لازالت متشبثة بأعناق الرمل المتدفق. ستجدني زهرة الأركيدا تعشق الرقص على إيقاع الفالس، إيقاع الجسد. ستجدني ريحا ثائرة بكبرياء. وستجدني أيضا دمعة موجعة على خذ الذكرى عند كل مساء". (ص 4 )
وسنقف معا، عزيزي القارئ، ما إذا كانت الشاعرة كريمة الحراق قد أوفت بما ذكرته في الافتتاحية .

3- قراءة نقدية للديوان من خلال القصائد بمجملها .

4- قراءة نقدية للديوان من خلال قصيدة "حتى لا يبوح الصمت ".

أولا : لماذا اختيار عنوان "حتى لا يبوح الصمت"؟

من المتعارف عليه أن الإصدارات الأدبية تقدم لنا نفسا من خلال عناوينها، و"حتى لا يبوح الصمت" عنوان يحيلنا عن عمل قامت به الشاعرة، ترى ماذا فعلت حتى لا يبوح الصمت؟ وهل يمكن أصلا للصمت أن يبوح؟ ولماذا التخوف من البوح، مع أن البوح هو علاج نفسي كما يؤكد علماء النفس ..
" حتى لا يبوح الصمت ":

حتى: في معجم 'لسان العرب ": حرف من حروف العطف، ومعناه الغاية .

لا يبوح: البوح: ظهر الشيء، وباح الشيء: ظهر. البوح، الإفصاح عن مكنون القلب بعد سكوت، الإعلان عن أسرار كانت إلى عهد قريب غير متاحة للآخرين، لكن في الحالة التي أمامنا، سياج الكتمان لا يزال هو السيد، والبوح الذي يجلب معه مجموعة من الأسئلة هو مرفوض ومفروض حتى الآن .
الصمت : كلمة تحمل من الحكمة الشيء الكثير، وتحمل أيضا من الموت الكثير والكثير، قديما، قالوا "شوف واسكت" و"الصمت حكمة"، فعن أي نوعية من الصمت الذي تتحدث عنه الشاعرة، هل هو الصمت الذي يؤدي إلى الحياة أم ذلك الصمت القاتل، الذي تتبعه الزوابع والأزمات. وكيف للصمت أن يبوح؟

CONVERSATION

0 comments: