في محراب الثقافة الكويتية المعاصرة !!/ عبدالواحد محمد


كتبت الثقافة الكويتية المعاصرة حروفها من ذهب بفضل مبدعيها ومؤرخيها الذين ترجموا كثير من الصور والقضايا الاجتماعية والعربية والعالمية لواقع عملي يؤكد قدرة العقل الكويتي علي الإبداع والتحرر من الخرافة والدجل ومسايرة العصر بوعي ومنطق منهجي ومن بين هؤلاء المجددين نصاحبكم في رحلة تاريخ !..
الشيخ عبدالعزيز الرشيد مؤرخا
.....................................
هو أحد رموز الثقافة الكويتية المعاصرة المؤرخ الكويتي عبدالعزيز الرشيد ويعود مولده لعام 1887 بالكويت ودرس في بغداد كما تنقل بين مصر ودول الشام والحجاز وغيرهما من البلدان الإسلامية كما أشتهر بكتابه عن ( تاريخ الكويت ) والذي أجمع المؤرخين علي أهميته الكبري ومن بين هؤلاء الباحث الدكتور عباس الخصوصي مشيرا إنه ( مرجع أساسي ومهم لا يستطيع أي باحث عن الكويت الاستغناء عنه ) واللافت للنظر أن المؤرخ عبدالعزيز الرشيد جمع بين دفتي كتابه تاريخ الكويت بكل حيادية ودقة متناهية فيها كثير من الموروثات الأصيلة للشعب الكويتي كما كانت رؤيته للتاريخ واضحة وجلية من خلال تاريخ المسلمين وما لحق بهم في مراحل الضعف والهوان . وقد أطلع المؤرخ العراقي المعروف رفائيل بطي علي الكتاب فأعجب به وكتب عام 1926 ميلادي في رسالة للرشيد يقول عنه إنه ( أول تاريخ للكويت نشر باللغة العربية لذلك يعد فتحا جديدا في تاريخ الجزيرة .. وقد سلكت في تأليفه .. سبيلا يرضاه المؤرخين العصريون .. فتبسطت في ذكر أحوال الكويتيين الاجتماعية .. وإني لأحمد فيك النزعة الحرة المتمشية بين سطورك والصرخة الأليمة التي يسمعنا إياها كبار المفكرين الغياري مما ساد علي المجتمع العربي من الخمول والانحطاط وما يتبع هاتين العاهتين من التمسك بالخرافات والشعوذات التي تميت نفس الأمة وتداخلها في خبر كان )
والمعروف أن المؤرخ الكبير الرشيد قد أنتبه في سعيه لإعداد الكتاب إلي أهمية الوثائق الرسمية والتي وضعها الحاكم في خدمته . وكانت خير مرشد تاريخي كما استفاد الرشيد من الوثائق الأجنبية في كتابه الذاخر بالأحداث التي تؤرخ لدولة الكويت عبر مراحل وعقود زمنية هامة وحبلي بالتطور المعرفي والثقافي والتاريخي . ويعد الرشيد صاحب الفضل في أصدار مجلة الكويت في الفترة من عام 1928 وحتي عام 1930 ميلادي
ونجد أن الرشيد جمع في توجهاته الفكرية والاجتماعية عدة مدارس بين سلفية محافظة جدا وإصلاحية مستنيرة فهو مع الأولي في قضية المرأة مثلا ومع الثانية في الاستعداد لتبني المعارف والعلوم الجديدة . ولهذا لم يعاد الحقائق العلمية والمخترعات الآلهية ولم يتحمس لألوان التشدد الديني .
ومن ألمعيته التي تؤكد رؤيته الثاقبة للأحداث وتفاعله معها عندما وجد الكويت نفسها محاصرة في الجهراء عام 1920 بالمخاطر الخارجية المستندة إلي التزمت الديني . تولي الرشيد مهام رجل الدين المعتدل ومفتي البلاد الواثق من نفسه ودينه والرافض للتشدد والتعصب فجرد الخصم من امضي سلاح قائلا لممثل ( الأخوان ) الفقيه أبن غنيمان ( أنا عبدالعزيز آل الرشيد حنبلي المذهب سلفي العقيدة ولا أكتمك أنا سررنا أولا من إقبال الإخوان علي الدين ورجونا أن يكون علي أيديهم تقويم أوده ونشر الأخلاق الفاضلة .. ولكن خابت فيهم الآمال أخيرا لما أحدثوه من قتل النفوس وسبي الأموال .. والإسلام دين رفيق ولين ) ومن نافذة اخري نري قدر الرجل ومكانته كمؤرخ عندما قدمت محاضرتين حول الرشيد ألقاهما يوم 21/1/2001 في جامعة الكويت بالخالدية باحثان فاضلان ممن عرفوا ودرسوا الرجل حق المعرفة واحتفاء بمكانته ودوره الكبير..
أما المحاضرة الأولي: فهي بعنوان ( ريادة الشيخ عبدالعزيز الرشيد في تدوين تاريخ الكويت للأستاذ الفاضل د/ يعقوب يوسف الحجي صاحب المؤلفات العديدة في مجال تاريخ الكويت عام 1933 بتصدير من رئيس المركز الأستاذ الفاضل 1.د عبدالله يوسف غنيم .
أما المحاضرة الثانية : فهي للأستاذ يعقوب عبدالعزيز الرشيد أبن المؤرخ وهو جانب عمله الدبلوماسي السابق شاعر معروف كما أنه ساهم بالتعريف بتراث المرحوم الرشيد من خلال إعادة نشر كتاب تاريخ الكويت عام 1962 مع إضافات عن نهضة الكويت في الفترة اللاحقة لوفاة والده . كما بذل كل ما استطاع من جهد في سبيل إعادة نشر الطبعة الأولي من (مجلة الكويت ) عندما تولت إصدارها دار قرطاس بالكويت عام 1999. إن هذا المحتوي التذكاري الصادر احتفاء بمؤرخ الكويت الكبير في هذه المناسبة التاريخية مما كان له الأثر الكبيير في أختيار الكويت عاصمة للثقافة العربية لعام 2001 والجدير بالذكر أن المؤرخ العربي الكويتي عبدالعزيز الرشيد يعد علامة مضيئة في تاريخنا العربي بفضل تلك الاسهامات الجديرة بالتوقف دوما حول رجل من نجباء عصره وأمضي الفترة الأخيرة من عمره في أندونيسيا وحتي رحل عن عالمنا عام 1938 ميلادي من القرن العشريني المنصرف ..
الشيخ يوسف بن عيسي القناعي فقهيا ومصلحا
.......................................................
يعود مولده لعام 1876 ميلادي لأب كان يعمل بالتجارة كما كان مالكا لسفينة ( شط العرب ) وهي من السفن الكبيرة التي كانت تستخدم في السفر ونقل السلع بين الكويت والهند وشرق أفريقيا .. والمعروف عن الشيخ يوسف القناعي أنه ألتحق بالكتاب لحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة علي يد الملا دخيل الجسار ثم تنقل بعد ذلك طلبا للعلم في مدينة الأحساء بالمملكة عام 1902 م وقرا ما تيسير له من العلوم الفقهية ومنها ألفية بن مالك كما درس النحو وحفظ المتنبي والبشير في الفقه الشافعي ثم عاد مرة ثانية للكويت بعد عام تقريبا ودرس علي يد علماءها من أمثال الشيخ أحمد الفارسي ..ثم تنقل بين البصرة ومكة طلبا للعلم والمعرفة ..
وللعلم قدسيته في حياته الثرية بالكفاح والمغامرة فقد أفتتح المدرسة المباركية عام 1921 م لتكون نواة لمنظومة تعليمية معاصرة كما ساهم في استكمال طلابه لدراستهم بالخارج وقد تحقق ذلك بإيفاد أول بعثة تعليمية للعراق سنة 1924 م كما يسجل له التاريخ مساهاماته في تأسيس المكتبة الأهلية التي فتحت أبوابها للقراء عام 1923 م
الشيخ برلمانيا : سعي الشيخ القناعي إلي تأسيس مجلس للشوري في الكويت ونقلت هذه الرغبة في حينها إلي الشيخ أحمد الجابر إثر توليه مقاليد الحكم في البلاد فوافق علي الاقتراح المقدم إليه وشكل مجلس من اثني عشر فاضلا من اعيان البلاد ..
وكان للشيخ الجليل الدور البارز في غنشاء المجلس البلدي حيث تولدت هذه الفكرة في ذهنه إثر زيارته للبحرين عام 1929 م وكان لهذه المساعي والجهود الجبارة تأسيس البلدية عام 1347 هجري وأنتخب الشيخ يوسف عضوا فيها
الشيخ القناعي قاضيا : بعد وفاة القاضي الشيخ عبدالله الخلف الدحيان تولي منصب قاضي القضاة رغم مشاغله الكثيرة وبدون أجر عرفانا منه بدور المثقف والفقيه في خدمة بلاده فرق بين عصر وعصور ؟ ورجل ورجال ؟
الشيخ أديبا : كما شغفه الأدب فكان له مجلس يلتقي فيه مع مثقفي عصره ليتواصلون من خلال لغة لاتقبل مساومة بأن المثقف ضمير العصر وكان الشيخ القناعي صاحب نوادر وبصيرة جذبت إليه كل من عرفه وسمع به كما كان ينادي دوما بالأصلاح والتجديد كأحد الدعاة المؤمنيين بالمعاصرة
الشيخ مؤلفا : وللشيخ عدة مؤلفات منها ( المذكرة الفقهية ) في الاحكام الشرعية وهي رسالة مختصرة جمع فيها أمهات مسائل الفقه الإسلامي وطبعت الطبعة الأولي من كتابه في بغداد عام 1343 هجري كما يوجد له كتاب آخر معنون بأسم ( الملتقطات ) حكم وفقه وأدب وطرائف وصدر الجزء الأول منه عام 1367 هجرية ثم طبع مرة ثانية عام 1965 م ومن بين كتبه ( صفحات من تاريخ الكويت ) سجل فيه تاريخ الكويت منذ نشاتها وحتي وفاة الشيخ مبارك الصباح عام 1915 م كما طبع الكتاب بمصر عام 1365 هجري
الشيخ شاعرا : كما له العديد من القصائد المنشورة في الصحف وتضم إبداعاته الشعرية ما بين مدح ورثاء وكذلك كثير من القضايا الاجتماعية .. ومن شعره
أبن لي فدتك النفس ذنبي ولا تخف
وما كان غير الحق قصدي وبغيتي
ولست نقصا علي من امرئ
يبين خلالي الناقصات وزلتي
فما المرء إلا عرضة أينما سعي
لنقص وتقصير وسهو وغفلة
علي أنني ما زالت أبحث جاهدا
عن السبب المفضي لهجر الأحبة
فلم أر حقا ما يبرر هجرهم
سوي صفر كفي وهو أصل بليتي
وذاك هو الذنب العظيم إذا بدا
لدي جامع الأمرين جهل وثروة
ولو كنت ذا مال ولم ولم تلك عالما
لقلت إذا من جهله اليوم قد أتي
ولكنني ماذا أقول وعلمكم
به كنت حقا مثل شمس منيرة
وكنت به تحمي الضعيف من الأذي
وكنت به تبني علالي الفضيلة
وكنت به ملجآ الكويت وأهلها
إذا ما الخطوب السود في القوم حلت
وهنا نري مدي وعي الشيخ القناعي في نقل رسالته كأديب مستنير بكل شفافية مكنته فيها ثقافته العربية الأصيلة من التعبير الجيد عبر كل مواقفه مع رفاق الدرب
ومن شعره الخالد في مناجاة الخالق نطل علي عالمه الخاص في نيل الرضا والعرفان بدوره فيما حققه من إنجازات كان لها أثر كبير في الكويت الماضي والحاضر والمستقبل .
أحنو إليك برأسي
تذللا وابتهالا
وأختشيك بسري
مهابة وجلالا
وذلتي لك تحلو
أما لغيرك لا لا
ولا مراء تحمل كثير من سطوره وتؤكدها مدي علاقة الشيخ بربه وتضرعه له كل مناحي حياته لنتوقف عند قصيدته والحبلي بتلك النزعة الصوفية
حسبي اطلاعك سيدي
بسريرتي وجلي أمري
فأنا المقصرفي الوري
أخفي القصور وأنت تدري
وأنا الذي ألبستني
حللا سمت عن حصر شكري
فا تمم جميلك ياجميل ........... الصفح عن ذنبي ووزري
ومن خواطره الشعرية في شهر رمضان الكريم
عليك سلام الله يا شهر إننا
رأيناك معني للزمان استندناه
وياشهر لا تبعد فأنت وسيلة
وذوقدم عند الحبيب أدخرناه
ويا شهر لا تبعد لك الخير كله
فيارب مطروح نجابك أواه
ياشهر لا تبعد لك الخير كله
فرب محب تحت ظلك ناجاه
عليك السلام شهر صيامنا
وشهر تلافينا لدهر أضعناة
تفوح ثغور الصائمين مساءه
فلا المسك يحكيها بنفحة رياه
عليك سلام الله شهر قيامنا
وشهرا به القرأن يزهو بقراه
تطيب به الأصوات من كل وجهة
وتعذب منه بالدراسة أفواه
كما كان الشيخ القناعي مؤيدا لدور المرأة في بناء مجتمعها الكويتي كفقيه ومصلح من طراز فريد وهذا كان جليا في شخصيته عندما نادي من خلال الصحافة الكويتية بفتح الباب أمام المرآة لتشارك في البرلمان ومنحها حرية التعليم والزواج بإرادتها فكان رائدا بحق ومنصفا وسباقا في مجال تحرير المرآة من الجهل متأثرا بالشيخين جمال الدين الافغاني ومحمد عبده و من دور لدور لا ينتهي نجد حياة الشيخ ثرية وحافلة بكل ما هو إصلاحي كان له كثيرا من الاسهامات التي غيرت شكل الحياة الكويتية حتي رحل عام 1973 م
عضو نقابة الصحفيين الالكترونيين
abdelwahedmohaned@yahoo.com

CONVERSATION

0 comments: