فى البئر/‏ محمد نجيب الرمادى

 دفعنى الزمن فجأة إلى بئر عميق مظلم مخيف، لم يوح إلىَّ فلست بنبى، ولم يأتنى سيارة ليدلوا دلوه.
مكثتُ هناك بلا حراك فلست مخلوقا من نور يضئ بنوره المكان حوله، الظلام دامس حتى إذا أخرجت يدك لا تكد تراها، لست أدرى كم مر علىَّ من الزمن وأنا على هذه الحالة.
فى الظلام يمر عليك الزمن متواريا به فلا تملك وسيلة لحسابه.
فجأة سمعت صوتا
صرختُ: آيا بنى هل أنت هنا؟! ..لم يرد ، بعد قليل سمعت صوتا
صرخت: آيا ابنتى هل أنتِ هنا؟! لم ترد, أعقبه صوت أمى
آيا أماه، لم يرتد إلىَّ عدا صدى صوتى
حاولت أن أدير برأسى هنا وهناك كنتُ أحاول أن أسمع شيئا متوسلا الخوف أن يبتعد عنى ويتركنى ، فى حلكة الظلام لايبتعد الخوف إلا بإيمان منقطع النظير حتى بدت لى ابتسامة لم تظهر ملامح صاحبها لكنى أعرفها من منا لا يعرف ابتسامة أبيه؟!
فى لهفة لم أعهدها ناديت أبى, ازدادت ابتسامته ، قلت فيم الابتسام وأنت تعلم ما أنا فيه؟!،
قال: لم أجن عليك ياولدى، قلت: ولم أجن على أحد يا أبتى..
لكنهم الجناة العصاة الجبابرة، منذ قديم الأزل وهم يحاولون قتل الحلم ، كلما حلمت حلما قتلوه، إلى متى يقتلون أحلامى يا والدى، أهى أحلام مزيفة تستحق القتل، هل هناك أحلاما مزيفة ياوالدى وأحلام غير مزيفة؟!، هل هناك أحلام تستحق القتل وأخرى تستحق الحياة؟!، إلى متى أصارع الحياة من أجل حلم مشروع قابل للتحقيق يا أبتى؟!
سكت أبى برهة ثم قال إن كنت تؤمن بحلمك إلى أبعد حد فقم بثورة ، لا حلم هناك يتحقق دون تضحية ما لتحقيقه ، هل أنت مستعد للتضحية ياولدى
أيها الشيخ العجوز .. وهل ترانى غير مستعد إلا لذلك إن البعض يرى الحلم خيالا وأراه امتدادا للحياة ، إن الحياة بدون حلم ما يتحقق نؤمن به لهى حياة لا يجب علينا أن نعيشها أو نمارسها .. لكنى خائف
خائف صرخ أبى ما عهدتك فمن أى شئ ياولدى
من الثورة المضادة يا أبتى
قال فلتقرأ التاريخ إذن، لا يخاف الثورة المضادة إلا كل جاهل وأحمق، إلا الخوف ياولدى إلا الخوف، من أجل أمك وإبنك وإبنتك ومن أجلى ومن أجل كل من مات ياولدى دون ذنب اقترفه
وحبيبتى يا أبى التى مازلت على قيد الحياة
ابتسم حبيبى العجوز وفى تنهيدة قال : آه تلك الحورية التى حطت عليك فى غفلة من الزمن واختزلت العمر فى لحظة
قلت: نعم
قال : ألم تختزل الأماكن فى قلبها
قلت: نعم
قال: هى أجدى .. فقط أترك أمرها وأمرك للأقدار تدبر أمركما
ومازلت فى البئر أسترق السمع لكلمة يابشرى هذا فجر جديد
ـ مصر

CONVERSATION

3 comments:

فاتن خوارزمي يقول...

لا أخاف عليك يا ولدي أن تموت و انت ثائر بل اخاف عليك أن تموت و يموت حلمك معك!

M.N.Elramady يقول...

الأستاذة/ فاتن خوارزمى
شكرا جزيلا لمرورك وعمق تعليفك .. ولا يموت الحلم إلا إذا أراد صاحبه..تحياتى وتقديرى

Unknown يقول...

من حقنا أن نخاف من يغتال الحلم فينا... الباطل أقوى بعنفه.. والحق أقوى بقناعاته... قد يمد الله في طغيان الباطل... ليزيده عمى وضلالا ليأتيه يوم لا مرد له... ويبقى الحلم كل ما نملك لمواجهة الباطل... ليس الحلم بل الأمل بل العمل والسعي وبذل الجهد العقلي واليدوي والانفعالي والنفسي... لبناء التفاؤل... ولتحويل الحلم إلى واقع معاش...
دام إبداعك أ. محمد الرمادي
أحمد بدر