محمود درويش باق فينا: المهرجان الشعريّ الاوّل/ د. حبيب بولس

ان تتسمّى مؤسسة باسم محمود درويش معناه انها تعي ما سوف تواجهه من مهمات وتحديات, ذلك لترقى الى مستوى الاسم اولا ولتحافظ عليه ثانيا, لان اسم محمود درويش اسم شامخ بارح ذاتيته ليعانق الانسانية والرحابة, وهذا فعلا ما نلمسه في مؤسسة محمود درويش للابداع اليوم. فهذه المؤسسة رغم حداثة نشأتها تدأب بشكل مثابر على نشر ثقافتنا وادبنا من خلال اعمال كثيرة قامت وتقوم بها.
هذه المؤسسة منذ انطلاقتها الأولى وضع لها أعضاؤها ومجلس مستشاريها نهاجيّة موضوعيّة مدروسة، تصدر عنها وتحاول تطبيقها على الشكل الارقى. هذه النهاجيّة تنهل وتمتح من احتياجات شعبنا العربي الفلسطيني هنا وفي كل اماكن تواجده. ففي ظلّ ما يجري وفي حمأة ما تشهده الساحة من تشرذم وضعف وانتشار للغيبيات ارتأينا أن نقدّم اعمالا حضاريّة أصيلة تردّ على شعبنا هيبته وتزيل ما علق باجسادنا التي هزلت وضمرت الادران والدسم وتمحو الاصباغ والمساحيق عن وجوهنا وتغسل ما تلط خ من الوان حطتنا التي اتسخت وترتق ما تفتّق من خيوط عباءتنا التي اهترأت، وذلك عن طريق ترسيخ تراثنا وتاصيل الكلمة الحرّة الصادقة الشريفة والحفاظ على تراث امير كلامنا ونشره كي نزيل بذلك كل ما تطيّن على مسيرتنا الحضارية من شوائب وما تراكم غليها من نتوءات متمثّلين في هذا كله بمحمود درويش الانسان الذي عاش جحيم المقلاة وعايش ازمنة القهر والعهر، فنذر حياته مهرا للقضيّة وراح بسيرته وشاعريّته يحوّل دخان الحرائق الى بساتين فرح ويستنبت من خاصرة الجرح حقول أمل ويحوّل قطرة الدمع الى زنابق ورياحين
والمؤسسة منذ البداية اتخذت من محمود سيرة ومسيرة نموذجا وبوصلة ترود لها الطريق، لعلمها أنّنا شعب لا يؤمن بعسكرة ولا بغطرسة ، إنما سلاحنا هو الكلمة ، الكلمة الصادقة المؤثّثة بالحبّ وبالسلام، بها نتحدّى ، وبها نقاتل، وبها نزرع الأمل لاجيالنا القادمة، فملعونة وخائنة هي الكلمة إن لم تكن كذلك وربّ كلمة أجدى من كتيبة، والكلمة هي الادوم وهي الابقى منذ فجر التاريخ الى اليوم.
الاخوات والاخوة
المؤسسة منذ كانت حفرت العمل شعارا لها والمواقف الوطنية نهجا. المؤسسة جاءت لتقول لنا انا لست من تلك الدكاكين التي تعيش وتعتاش على الجرح، وتلهث وراء المراكز والمادّة وتتغّنى ببطولات زائفة متثائبة وتتمطّى وتتسكّع على جدران قناعاتنا ،إنما أنا مؤسسة تعمل دون ان أتغيّا من عملي ربحا ودون أن أتشوّف إلى مركز ولا أتطّلع الى شهرة، من هنا رصدتها الدكاكينالزّئفة منذ البداية وغارت منها
ورصدها اولئك الذين أنعم من الزبدة كلامهم وأمّا قلبهم فقتال. ولكن فات هؤلاء أمر واحد يقول:
إذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود
نحن جئنا لنعمل ولنخدم وسنظلّ كذلك ومحمود درويش الانسان والشاعر والرمز باق فينا الى الابد نستلهمه ونهتدي به
وها نحن اليوم نقيم هذا المهرجان الشعري لنؤكد على ذلك وعلى اننا شعب حيّ يغزل من نبض الروح للوطن ضفيرة وينسج له من ثنايا القلب ثوبا من خزّ وتاجا من عزّة وكرامة
وانتم أيّها الشعراء، يا من تهندسون ارواحنا بكلمات مغروفة من القلب رجّوا بكلماتكم الصادقة أعمدة هذا الزمن وساحاته فتّقوا العاديّ والمألوف وانقلونا الى مناطق الشّدهة واحملونا زقفونة لندخل جنّة الشعر لنقيم هناك اعراس السنابل وضجّة الاضواء لكلّ وطني شريف قدّم للوطن عسلا ولبانا ومرّا ودفع حياته ثمن حرّيته.
ونحن بانتظار
د. حبيب بولس
نصّ الكلمة التي القيت في افتتاح مهرجان الشعر الاول الذي اقامته مؤسسة محمود درويش في شفاعمرو

drhbolus@yahoo.com

CONVERSATION

0 comments: