ماذا في كتاب " المُلهِمات"؟/ د. عدنان الظاهر

( رواية لفاتحة مرشيد ) *
عالجت فاتحةُ في كتابها الجديد هذا أموراً وظواهر شتّى منوّعة خطيرة الشأن في حياة الرجل والمرأة في أيامنا هذه . ولامست موضوعات بجرأة وجسارة وقدرات أدبية ومعرفية وطبية ـ نفسانية تراكمت لديها عَبرَ السنين شاعرةً وروائية متميّزة ثم طبيبة إختصاصية . لم أرها قبلاً جريئة إلى أقصى الحدود كما وجدتها في كتابها الجديد " المُلهِمات " . كشفت الحُجب وأزاحت السُتُر وسلّطت الأضواء ساطعة على سلوك عناصر روايتها من كلا الجنسين دون مجاملة أو حذر أو تردد . كان العصب المركزي والعمود الفقري الذي يجمع بين فصول روايتها [ 29 فصلاً ] هو فكرة أو فرضية قريبة أنْ تكون نظرية تؤمن فاتحة مرشيد بها ، كما قد يتهيأ لي. الفرضية ـ النظرية هذه ليست جديدة بشكل مطلق إذْ عالجها عالم التحليل النفسي سيكموند فرويد حين فسّر سلوك البشر جميعاً سلوكاً جنسياً حتى أنَّ عملية إرضاع الطفل من ثدي أمّه لا تخلو من الجنس إذْ يتلذذُ الطفل الرضيع بإرتشاف ما في نهد مُرضعته وملامسته ومداعبته والضغط عليه بين آونة وأخرى . حتى عملية مضغ الطعام ـ حسب فرويد ـ لا تخلو من هذا الدافع وإلاّ لكفَّ البشر عن تناول طعامهم اليومي . ما الجديد في الفرض النظري الذي قدّمته فاتحة في طول وعرض كتابها الجديد ودافعت عنه بدون تحفظ أو مواربة أو مداراة دفاع الطبيب الخبير والعالم البصير ؟ خلاصة هذه النظرة ـ وفيها شيء من التطرف والمبالغة ـ أنَّ الإبداع هو ممارسة جنسية وأنْ لا إبداع بدون هذه الممارسة . كباحثة أدبية واجتماعية وطبيبة نجحت في عرض نموذج مجسّم بأبعاد ثلاثة متحرك في جميع الإتجاهات وعلى جميع الصُعُد إختارته أستاذاً جامعياً وكاتباً ناجحاً هو السيد إدريس . أنقل مقتطفات مما قال إدريس في موضوع علاقة الجنس بالإبداع :
(( قصتي مع الكتابة ممزوجة بقصتي مع الحب / الصفحة 25 ))
(( عادت إليَّ بجسدها الذي يمنحني متعة الحب ومتعة الإبداع / الصفحة 27 / مع زوجته هناء ))
(( سَرعانَ ما اعتادت هناء على طقس الكتابة الذي يكمل طقس المعاشرة الجنسية. إستطعتُ بلباقة أنْ أجعلها تحسُّ بالفخر كطرف فعّال في عملية الإبداع ، طرفا أساسياً وضرورياً مما جعلها تجتهد في إنجاح العملية الجنسية حتى أستمتع أكثر وأكتب أغزر / الصفحة 28 ))
(( بحيث كلّما انتهينا من ممارسة الحب ، موظفين الخيال العلمي والفنتازيا، وجلستُ إلى المكتب، إلاّ وتنهالُ عليَّ الأفكارُ من حيث لا أحتسب . فمع كل لقاء بها أخطُّ قصة بأكملها .. أكونُ أول من يُفجأ بالبناء المتماسك لأحداثها / الصفحة 69 / مع طالبته الجامعية ياسمين ))
(( بعد هذا العراك الحيواني اللذيذ ، جلستُ مباشرةً ، في عريّ تام ، على المكتب وشرعتُ بمتعة عارمة في الكتابة / الصفحة 87 / مع الخادم الأمازيغية زينة ))
(( كانت تُسعد كلما كتبتُ شيئاً بعد مضاجعها / الصفحة 114 / مع ثريا ، زوج صديقه )) .
لا تختص فرضية فاتحة بالكتاب المبدعين حسبُ ، إنما تعممها فتجدها صحيحة حتى بالنسبة لفناني التصوير الفوتوغرافي [ الفصلان 17 و 18 / صبري الفلسطيني وأمينة ] ورسامي اللوحات بالألوان [ الفصل 19 / الأستاذ الجامعي إدريس مع الرسامة الألمانية رجينا في برلين ] .
كيف أجد الأستاذ إدريس ؟ لم تكشف فاتحة لنا شيئاً ذا بال فيما يخص عمله الجامعي والأكاديمي وكيف كان بين زملائه في قسمه وكليته وما هي خصائصه الجسدية وكم كان عمره وأي وجه يحمل أكان دميماً أو وسيماً وغير ذلك من الأسئلة . لم نعرف عنه إلاّ مغامراته في عالم الجنس مع نساء شتى لم يتعفف حتى عن إستدراج وممارسة إحدى طالباته في الجامعة بل وحتى ممارسته الجنس مع قرينة أحد أصدقائه . أيُّ رجلٍ وحشٍ هذا وأيُّ أستاذ جامعي ؟ لا أراهُ إلاّ جذعَ نخلةٍ خاوياً ورجلاً مريضاً بائساً عقّدته علاقة والدته المِثلية مع إحدى قريباتها إذْ شاهدهنَّ في وضع مريب تتبادلان القبل عارياتٍ في الفراش وما كان قد مضى على وفاة والده في حادث سير إلاّ وقت قصير وكان يومذاك طفلاً في السابعة من عمره. هل أدريس هو هاملت آخر ؟ يغلب على ظني أنَّ الطبيبة فاتحة مرشيد حاولت تفسير سلوك إدريس في مقبل أعوامه تفسيرات نفسانية فرويدية فعزت شبقه الفائق للجنس وتقلباته الحادة بين النساء وفقدانه للإستقرار إلى تأثير ما قد رأى ذات ليلة مظلمة بأم عينه . نقرأ ما كتبت هي أو على لسانه هو :
(( كان هذا الحدثُ أول زلزال في علاقتي بالنساء / الصفحة 180 / حول علاقة والدته المثلية بقريبتها السيدة دادة الغالية ))
(( إنقلبت طباعي بين ليلة وضُحاها، أصبحتُ عنيفاً لا أسمع الكلام ، أنفعل لأقل سبب، لا أقبل نصيحة وأجتهدُ في جعلي محط عقاب من قبل الجميع كأنني ألومُ نفسي على رؤية شيء مُحرّم عليَّ / الصفحة 181 )) .
(( بعد أنْ صرتُ بحاجة إلى النساء بدأ التمزّقُ في علاقتي بهنَّ ... علاقة مضطربة وغير مستقرة تملأها التناقضات. كثيراً ما سمعتُ منهنَّ بأنني غير عادي وكذلك كنتُ . كنتُ في علاقتي بالمرأة أعيش ازدواجية كمن يعاني من إنفصام في الشخصية .. بداخلي رجلان أحدهما عاشق من نار ... والرجل الثاني مراوغ لئيم يطمحُ إلى المخادعة ، يتضوّر جوعاً للنساء ولا شيء يُشبعُ شهيته إلاّ مؤقتاً . لكنْ يعصره الشكُّ في صفائهنَّ ونقاء سريرتهنَّ فيستغلهن لمصلحته ويرمي بهنَّ كعود ثقاب أُشعل وانتهى / الصفحتان 182 و 183 )) .
اليس في الأمر الكثير من المبالغات والتضخيمات ؟ أيصلح إدريس نموذجاً للتحليل النفسي وقبل ذلك أستاذاً جامعياً ؟ أين نجد الإبداع وتأثير الممارسات الجنسية عليه صعوداً وارتقاءً ؟ أكان ممكناً أنْ يكون كاتباً مُبدعاً بفضل تأثيرات الممارسات الجنسية دون الحاجة لذكر [ أو افتعال ] حادثة رؤيته لوالدته تمارس الجنس مع قريبتها دادة الغالية ؟
صباح والسعودية رجاء / الأختيار ، حرية الإختيار
في نموذجين إثنين تعرّضت السيدة فاتحة لموضوع حرية المرأة الجنسية . صباح سيدة مغربية تعمل في حقل الإخراج السينمائي . رجاء سيدة سعودية مطلّقة تعمل في حقل الصحافة . ماذا قالت فاتحة عن صباح ؟
(( ... إختارت عن قناعة ألاّ ترتبط بعقد زواج وأنْ تعيشَ حياتها العاطفية والجنسية بكل حرية / الصفحة 31 )) . وما قالت فاتحة في السعودية المطلّقة رجاء ؟
(( ... وعندما نزعت تُبّانها ، أو ما يشبه ذلك ، ظهر وشمٌ في أسفل البطن على شكل فراشة بألوان زاهية يمتدُّ من صرّتها إلى منبت الشعر فيما ينحدر الجناحان جانبي عضوها. لأول مرّة أرى وشماً بهذا الشكل وبهذا الموضع. سألتها ونحن نسترجعُ أنفاسنا ورأسي على بطنها عن سرّ هذا الوشم . قالت إنها رغبة في المصالحة مع منطقة من جسدها كانت سببُ كل مصائبها . أليس هذا المثلث سبب زواجها المبكّر الذي جعل منها أمّاً قبل الأوان ليتمزّقَ وينكمش كقماش بالٍ وهي لا تزالُ في ريعان شبابها ؟ أدركت بعد طلاقها أنه لا بدَّ أنْ تتصالحَ مع هذه المنطقة بالذات ، فزيّنتها لتصبحَ روضةً للفراشات ، تفتحُ أبوابها متى قررت هي وبمحض إرادتها نكايةً في كل الوجع الذي سبّبهُ لها هذا المثلث / الصفحات 162 و 163 / إدريس ورجاء )) . ثم قالت :
(( منذُ أنْ وضعتُ " التاتو " على المثلث أصبحتُ أحبُّ جسدي ولا أخجلُ من عضوي. أصبحت الإفرازات رحيقاً، ودم الحيض نبيذاً أحمرَ يسيلُ من جداولي مرّةً في الشهر ليذكّرني بالأنثى التي اخترتُ أنْ أكونها / الصفحة 163 )).
كان إدريس ــ حسب فرويد وفاتحة ـ ضحية مركّب لتعقيدات نفسية سببها ما رأى ذات ليلة من ممارسة جنسية بين والدته وقريبتها ولكن كيف تفسّر الكاتبة وقبلها فرويد سلوك ومواقف كل من صباح ورجاء ؟
طيّب ، صباح ورجاء سيدتان متحررتان من كافة القيود تمارسان الجنس مع من يرغبن ممارسته من الرجال بملء حريتهنَّ ووفق كامل رغباتهنَّ ومتى شئنَ. الأولى لم تتزوج أصلاً لأنها ضد الزواج ، أما الثانية فإنها مطلّقة تركت أطفالها الأربعة مع والدهم. الآن أتوجه للكاتبة بسؤال بسيط نابع من سياقات الرواية : أين موضوعة الإبداع وتأثير الجنس عليه وما أبدعت صباح ورجاء ؟ لا شيء. لا علاقة لهنَّ بالإبداع علماً أنَّ صباح هي مُخرجة تلفزيونية والأخرى مراسلة جريدة محلية . ما الذي حدا إذاً بفاتحة أنْ تفرد فصولاً لهاتين السيدتين المنفلتتين من كل عقال وعرف وتقليد ؟ نفهم ظاهرة صباح ورجاء إذا افترضنا أنَّ أطروحة فاتحة الأساس ومجمل مواقفها من الجنس موضوعة أصلاً في إطارها الأعم والأشمل : حرية ممارسة الجنس بالنسبة للذكور والإناث كحق طبيعي بدهي لا يحتاجُ إلى تبريرات ومسوّغات ودوافع وعوامل كيميائية مساعدة [ كاتاليزاتورات ]. الجنس قوة في الإنسان مفروضة عليه ما دام هو عنصر مواصلة وإدامة الحياة على سطح الكرة الأرضية. الإنسانُ ( وكافة الأحياء ) عبدٌ للطبيعة الكونية وواسطة تكرير الجنس البشري فإذا كفَّ عن ممارسة الجنس انقرض هذا الجنسُ. هنا لا نحتاج إلى نظريات فرويد وتنظيرات وتطبيقات دكتورة فاتحة مرشيد. يظلُّ فضلها الكبير في أنها طبّقت أقوال فرويد العامة على حالات بشرية خاصة كان أكثرها وضوحاً وإثارة مثال الكاتب الناجح السيد إدريس. هل وجدتِ يا فاتحة إبداعاً في سلوك وممارسات صباح ورجاء الجنسية ؟ أنيري أمامنا الطريق رجاءً ! قد يسألُ سائل : هل فاتحة مقتنعة بما قالت وكتبت وهل تسلك وتنهج عملياً مسلك ومنهج بطلات قصّها وما تروي؟ وهل هذا السؤال مقبول أم مرفوض ؟
الحب المِثلي بين النساء/
(( ... إتجهتُ وسط الظلام إلى غرفة والدتي أستجدي بعض الحنان .. لأجدها بين أحضان دادة الغالية في وضعية تفوقُ الحنان . كانت الواحدة تُقبّلُ الأخرى بشغف وقد تحررتا من ملابسهما / الطفل إدريس / الصفحة 179 . كان هذا الحادث أول زلزال في علاقتي بالنساء / الصفحة 180 )).
أفردت فاتحة فصلاً كاملاً ( الفصل 26 ) لهذا الموضوع تركت إدريس فيه يصولُ ويجول وكانت بارعة حقاً فيما كتبت عن تأثيرات ما كان الصبيُّ إدريسُ قد رأى من فعل جنسي غير مألوف تمارسه والدته مع قريبتها . هل ثمّةَ من إبداع في ممارسة هذا النوع من الجنس وما هو وما تفسير فرويد له ؟ لماذا تحب المرأةُ المرأةَ والرجلُ الرجلَ ؟ هل هو شذوذ أم شكل آخر من أشكال الطبيعة ؟ رأيت في أحد متاحف العاصمة الدنماركية كوبنهاكن منحوتة من حجر البازلت الرصاصي الغامق وبالحجوم الطبيعية لإمرأتين تمارسان الفعل الجنسي لفت نظري قناع وضعه النّحات على وجه الفارسة التي تركب رفيقتها وجهاً لوجه. إحترتُ في تفسير سبب وجود هذا القناع حتى اهتديتُ لبعض الحلول كان أقواها أنَّ العملية من حيث الأساس ليست طبيعية تتضمن تزييفاً للطبيعة وتنكراً لنواميسها وأسس دوامها . وأنَّ الراكبة تخجل من مثيلتها وهي تمارسها ركوباً لذا لا تجرؤ على أنْ تنظر في عينيها . ما تفسيرُ القارئ الكريم ؟
كنا صغاراً تلاميذَ مدارس إبتدائية وكان بعضنا يروي لنا ما كان يحدث بين أبويه ليلاً حيث تعيش عائلة كاملة في حجرة متواضعة واحدة يعيشُ وينام تحت سقفها الأب والأم والأخوة والأخوات وحتى بعض الأقارب. لم ألحظْ أي تعقيد أو شذوذ على هؤلاء الأطفال حتى بعد أنْ كبرنا وأنضجتنا الحياة فغدا البعضُ منّا يقصُّ علينا أحاديثَ مثيرة أخرى مغايرة من قبيل المغامرات الرومانسية وما يرتادون وما يكتشفون من عالم المرأة وممارسة الجنس. أتذكر إبن الخبّازة الخالة حسنة
الزميل " جاسم " حيثُ قصَّ علينا ذات يوم كيف أنه لم يعدْ يُطيق صبراً على ما كان يتحسس ويرى تخيّلاً تحت جنح الظلام وما كان يسمع من أصوات وحسرات وتنهدات وما يحدث خلال الممارسات الجنسية بين أبويه . قال الزميل جاسم : رفعت حجراً كنتُ أضعه تحت مخدّتي لتزداد ارتفاعاً ووقفت على رأس والدي وهو يهتز ويرهزُ وينفخ مثل ثور هائج وأمرته أنْ يكفَّ ويترك والدتي على الفور وإلاّ حطمت رأسه بهذا الحجر . كفَ المسكين بالفعل ونهض ممتثلاً لأمري وتهديدي . دأبتُ كلما رأيته بعد ذلك بسنوات أنْ أذكّره بهذه القصة فكان يُضحكني بقوله : إنتقلنا بعد حادث التهديد الحجري ذاك إلى بيت فيه أكثر من حجرة واحدة واستقل الوالدان عن باقي أفراد العائلة . رأيته رجلاً حكيماً يدير مقهى خاصاً به وله العديد من البنات والأولاد لا يعاني من أية عقد وتعقيدات جرّاء ما كان يحدث بين أبويه زمان طفولته المبكّرة . أما الزميل " كريم " فكان بارعاً في تصوير وتمثيل ما كان يجري بين أبيه وأمّه وكان مرحاً متفائلاً ساخراً منكّتاً بارعاً لا أثر للعقد النفسية عليه نتيجة ما عايش من حوادث وأحداث كانت تجري أمامه أو في حضوره في كل ليلة بل وحتى كانت تجري نهاراً أحياناً كما كان يقول . العيش في حجرة واحدة أو في كوخ بسيط واحد أمر مألوف جداً في قرى وأرياف العراق .
الأستاذ إدريس والفنانة رجينا / في برلين / الفصل 19
(( ها هي فنانة تشكيلية من بلد آخر وثقافة أخرى تمارسُ طقوسي .. تجعلُ من ممارسة فنها امتداداً لممارسة الجنس / إدريس / الصفحة 136 )).
مع نظرية فرويد وتفسيراته للجنس مددت فاتحة مرشيد دراستها النفسانية وأخضعت الفن والفنانين لها وقد أحسنت بجمعها الأنموذجين المتطرفين معاً : إدريس المعقّد الذي رأينا والرسّامة البرلينية رجينا [ رجيكنا ] التي لها عالمها الفني الخاص وأمزجتها الخاصة وطريقتها الخاصة في فهم الفن وطرق الإبداع فيه . لا أميلُ إلى تصديق كل ما قالت الروائية فاتحة عمّا كان يجري في مرسم الفنانة هذه بينها وبين الكاتب الناجح إدريس . التطرف والمبالغة واضحتان أمام عيني لكنَّ فاتحة أحرزت أعلى درجات النجاح في رسم الصور وشرح ما كان يجري بين مبدعة ـ لا تعاني من عقدٍ من أي نوع كان ـ ومبدع جاء برلين ليقضي فيها فترة شهرين له نظرياته في الجنس ووسائل ومحفّزات الإبداع . أنقل ما رأى السيد إدريس في مرسم الفنانة رجينا ثم أضيف تعليقاً طريفاً له علاقة بما حدث :
(( ... وإذا بها تأخذُ قماشاً وتنظّفُ يديها، ثم ترفعُ قميصها الأبيض بكل تلقائية وكأنني غير موجود لتخرجَ نهدها الأيسر، تُلطّخ حلمته بلون أحمر قانٍ وتطبقه أسفل اللوحة.. موقِّعة إياها بأروع بصمة عرفها تأريخ الفن التشكيلي / الصفحة 135 )).
كنتُ يوماً في زيارة لقريب لي ضابط شرطة فدخل فلاّحٌ قروي في يده عريضة
( عرض حال ) يتظلم فيها من أمر ما . قرأ الضابطُ العريضة وطلب من القروي أنْ يوّقع على الطابع أسفل عريضته. إرتبك المراجع المسكين ولم يتحرك فرفع الضابطُ صوته وكرر الأمر . رفع الفلاّح ثوبه [ والناس في القرى والأرياف لا يرتدون ملابس داخلية بل ويستنكفون منها ويعتبرونها من فنطازيا وبُدع أهل الحضر أي الحضريين سكنة المدن ] ... رفع ثوبه ووضع رأس عضوه الذكري فوق الطابع. كاد أن يموتَ الضابطُ من الضحك ، وحين هدأ وبرد وتماسك نهض غاضباً وصفع القروي المسكين صارخاً مهدداً بالويل والثبور. كيف رد هذا الرجل المصفوع ظلماً وسوءَ فهمٍ ؟ قال للضابط : سيدي ، دخل الله ودخيلك ... نحن في القرية هكذا نواقع حريمنا بما أعطانا الرب من سلاح وأنا نفّذتُ أمرك وهو أمر الحكومة. لم يميّز المسكين بين معنيي الفعلين (( وقِّعْ )) و (( واقعْ )) فحسب ذاك الفعلَ هذا وتورّط. هكذا وقّعت الفنانة رجينا لوحتها دون أنْ تدري أنَّ قروياً عراقياً أميّاً مارس قبلها بعقود هذا الضرب من التوقيع فناله من الضرب ما ناله ولم يقل له أحدٌ إنك مبدع يا رجل. كلٌّ يوقّع بطريقته الخاصة وأسلوبه الخاص وثقافته الخاصة. يا فاتحة ويا رجينا تعلما من تجارب بسطاء الناس ففي تجاربهم ثراءُ وغنى. هذه مقدمة للأمر الأكبر الذي لا يتوقعه بشرٌ ولم يدر في خلد أحد على حدّ علمي. أنقله حرفياً لأنَّ فيه من المغازي والمعاني ما لم يدركه أحدٌ قبل السيدة فاتحة ذات الثقافة العميقة المتعددة الجوانب والخيال الواسع والعميق واترك التقدير للقرّاء الكرام :
(( جهّزت لوحة كبيرة بحجم سرير مُريح، ناصعة البياض، وضعتها على الأرض وأحاطتها بشموع صغيرة. وحده شوبان كان شاهداً على نواياها. خلعت عني ملابسي وخلعتُ عنها ملابسها ثم أمسكت بفرشاة في صمت مطلق وأخذت تغمسها في عُلب الألوان وتصبغ كل قطعة من جسدي بلون مختلف. ثم أمدّتني بالفرشاة وطلبت مني أنْ أفعل الشئ نفسه مع جسدها. أنا الذي دفن حلمه يوماً في رسم اللوحات ها أنا أرسمُ على جسد حيٍّ : النهدان بالأحمر، الذراعان بالأبيض، البطن بالأزرق، الردفان بالأسود .. و ...
وما أنْ أصبحنا كفراشات الربيع حتى دعتني لأتمددَ فوق سرير اللوحة التي على الأرض وتمددت بجانبي... ومارسنا الحب بكل ألوان الطيف. غادرنا اللوحة السرير لندعها تجف كما هي وبدون إضافات من الفنانة التي علّقت وهي تقرأ تساؤلاً بعيني : " ليس من اللائق إضافة شيء للكمال " )).
كيف يفهم القارئ هذه اللوحة الواضحة المغزى والمعقدة الطروحات ؟ وضوح سطحي وسوريالية عميقة توحي لكنها لا تبين. تقول اللوحة هذه إنَّ الفن من الجنس ( آيروس ) ورسم لوحة فنية هو ممارسة جنسية ينفّذها الرسّام بالألوان فالألوان هي وسيلة وأداة الممارسة الجنسية أي أنها أداة الذكورة لدى الفنان. الفنان هو الذكر واللوحة هي الأنثى. النساء تحب الألوان لذا تهوى الزهور وتهوى الأطياف اللونية فيما تختار من ملابس فالألوان إحدى نقاط ضعفها يعرف الفنان الأصيل المبدع كيف ومتى يستغلها لترويض المرأة حتى تقتنع وترضى بمشاركته الفعل الجنسي . الفعل الجنسي في لوحة رجينا الطبيعية الأخيرة أدّته وأدريس المغربي بالألوان لتقول لنا إنَّ الرسمَ ـ والفن عموماً ـ هو ممارسة جنسية طبيعية مارساها متداخلين في قلب اللوحة وبما قد اختارا من ألوان.
لله درّكِ يا فاتحة مرشيد ! إقتحمتِ ميداناً تطبيقياً جريئاً ما سبقك إليه أحدٌ من الأدباء. قال قبلك فرويد نظريات لكنك أفدتِ منها بذكاء ووضعتيها موضع التطبيق الحار الحي. ليس لديَّ قناعةٌ ما أنَّ خبرتك الطبية قد ساعدتك في خوض هذا اليم الجليل لكني على قناعة تامة أنَّ ذكاءك وقدراتك الإبداعية الأصيلة والمتأصلة فيك ومعايشاتك اليومية للناس كانت هذه جميعاً دافعك ومساعدك والمعين الذي لا ينضب تغرفين منه ما تشاءين بمُكنة واقتدار. هل نفترض أنَّ إدريس نفسه أو أحداً سواه كان قد قصَّ عليك هذه القصة فسقتيها بأسلوب أدبي ناجح ومُغرٍ وشديد السخونة ؟ أشكُّ كثيراً في هذا الفرض !
ما دام الشيء بالشيء يُذكر فلا أرى بأساً من ذكر ما كنتُ قد قرأتُ وما عرفتُ حول علاقة الفن بالجنس وتأثيرات هذا على ذاك. قيل إنَّ الفنان الأشهر الإسباني الأصل بيكاسو ما كان يرسم لوحة أو بورتريه لسيدة إلاّ بعد ممارسة الجنس معها برضاها أو حتى إغتصاباً . كان يزعم أنْ لا معنى ولا من مذاقٍ ولا من إبداع في رسم صورة لإمرأة دون أنْ يجامعها ويكتشف ويختبر ويجرّب جميع عوالمها وزوياها وخفاياها وما ظهر منها وما بطن. معنى هذا أنَّ الوجود الحقيقي والطبيعي للمرأة في ممارستها الحب وهي مخلوقة أصلاً لهذه الممارسة ما دامت هي حاملة أجنّة الحياة وووعائها ثم حاضنة المواليد الجدد أبناء وبنات الحياة وآباؤها وأمهّاتها مستقبلاً . كنت ذات يوم على ساحل بحيرة [ شتانبرك ] في ضواحي مدينة ميونيخ حيث تعرّفت على سيدة رومانية قالت إنها فنانة مختصة برسم الوجوه. قلت لها مازحاً هل تنوين رسم وجهي ؟ قالت بكل جديّة إنها لا ترسم وجه كائنٍ من كان ، إنما ترسم وجه الرجل الذي تشعر بإلفة قوية تجاهه تتطور إلى حب شبيه بالتوله وبدون هذا الحب هي عاجزة عن الرسم. طبيعي كانت تقصد ممارسة الجنس مع مّن تنوي رسم صورته. يبدو أنها كانت على علم بفلسفة سلفها بيكاسو !
فاتحة والمحيض / إدريس ورجاء / الفصل 23
(( وفي الليلة الأخيرة جاءت غرفتي قائلةً بغنجها المُعتاد إنها حائض. ظننتها كمعظم النساء سوف تمتنع عن ممارسة الجنس، لكنها على عكس ذلك كانت أكثر تألقاً . قالت : منذُ أنْ وضعتُ " التاتو " على المثلث أصبحتُ أحب جسدي ولا أخجل من عضوي. أصبحت الإفرازاتُ رحيقاً ودمُ الحيض نبيذاً أحمرَ يسيلُ من جداولي مرّةً في الشهر ليُذكّرني بالأنثى التي اخترتُ أنْ أكونها. في كل حيض إجهاض يحررني من أمومة استعبدتني. أصبح اللونُ الأحمرُ لونَ الحريّة .. لون المتعة التي لا يُنتظرُ منها شيء سوى أنْ تتحقق / إدريس ورجاء / الصفحتان 163 و 164 )).
هذا الكشف والإنفتاح الصريح جديد على الدكتور فاتحة مرشيد. بلى، كانت جريئة فيما كتبت سابقاً من أشعار وروايات ولكن لم تتخطَ حدوداً معينة حافظت عليها والتزمتها بصرامة وجد ووعي كامل فما الجديد الذي جرى لفاتحة وغيّر مواقفها ومجمل نظرتها في الكتابة ومن أين أتتها هذه الدفعة [ السونامية ] الجديدة التي لم أكنْ أتوقعها من العزيزة فاتحة ؟ عزا صديقٌ السببَ إلى تجاوز فاتحة لسن الخمسين أي سن اليأس وانقطاع حيضها وحنينها لأعوامه ولشهور الحمل ثم ، أضاف الصديق ، متى ما تجاوز الإنسانُ سن الخمسين تساوى ليله ونهاره ، هزله وجّده ، خفّته ووقاره ...
وليس إلى أية تطورات أو تغييرات في هندسة ومعادلات حياتها البيتية والعائلية الخاصة. ما زالت في عصمة زوج محترم وما زالت الأم المثالية لبنت وولد وما زالت تمارس مهنة طب الأطفال في عيادتها الخاصة في الدار البيضاء الكائنة في زنقة إبن بطوطة مقابل سوق الخُضار المركزي. واضح أنها عالجت أو مسّت موضوعَ ممارسة الحب في فترة المحيض أو [ القروء بالعربية القديمة ] من زاوية طبية وقررت أنْ ليس من خطر في هذه الممارسة ولا من ضرر. قالته ولكن بلسان الرجل المعقَد اللاهي [ بلاي بوي ] الأستاذ الجامعي إدريس :
(( ... خطاب كهذا لا يمكنُ إلاّ أنْ يُسعدني، أنا الوحشُ الذي قضّى عمره في إقناع النساء بأنَّ ممارسة الجنس أثناء الدورة الشهرية مسألة طبيعية . كنتُ قد اجتهدتُ في الموضوع حيث بات باستطاعتي إقناع كل عشيقاتي بالإستمتاع بأجسادهنَّ طوال أيام السنة، وبأنَّ هذه الأفكار غير صحيحة علمياً / الصفحة 164 )). قالت لي سيّدة متزوجة ـ ولا أعرف الدوافع ـ إنها تسيغ ممارسة الحب في زمن دورتها الشهرية بل وتستمتع به للحدود القصوى. وكان ذاك أول بوح أسمعه من نوعه حتى قرأتُ ما كتبت الطبيبة السيدة فاتحة في كتابها الأخير " المُلهِمات " . هل كان هذا مسعى مقصوداً من لدن الكاتبة لتثقيف الناس رجالاً ونساءً ودعوتهم لممارسة الحب 365 يوماً في السنة وبدون توقف [ نونستوب ] ؟
رسالة الأدباء والكتاب والمتنورين من كلا الجنسين أنْ يثقفوا القرّاء وأنْ يعلموهم ما لم يعلموا ويعرّفوهم على ما لا يعرفون من حقائق وبيانات يقف العلمُ وراءها. وهي لا ريبَ رسالة نبيلة لا تختلف في جوهرها عن رسائل الرسل والأنبياء . ففي القرآن نص صريح لا يُحرّم ممارسة الحب بين الرجل وامرأته في زمن المحيض لكنه يحضُّ على تجنب إتيانه لأنَّ فيه أذىً [[ ويسألونك عن المحيضِ قلْ هو أذىً فاعتزلوا النساءَ في المحيضِ ولا تقربوهنَّ حتى يَطهُرنَ فإذا تطهّرنَ فاتوهنَّ من حيثُ أمَرَكم اللهُ إنَّ اللهَ يُحبُّ التوّابينَ ويُحبُّ المتطهرين / سورة الققرة الآية 222 ]].
أين الإبداع في هذا الفصل ( 23 ) يا فاتحة ؟ مارس صاحبنا الكازانوفا المغربي إدريس الحبَ مع المطلّقة السعودية أسبوعاً كاملاً لم يستطع خلاله كتابة أي نص أو قصة ! فلماذ سكت صوت الإبداع القصصي في قلم إدريس وهو واحدٌ من قلمين لديه ؟ ضاعت جهوده الجنسية هباءً ! قد يقول هو إنَّ السبب الأول والأخير في أنه مارس ما مارس مع ( السيدة ) رجاء بدون حب ! كانت علاقة سياحية قصيرة طارئة ما جاءت عن حب ولا أدّت إليه وأرى هذا تفسيراً معقولاً. إذاً ليس كل ممارسة جنسية تقوي الإبداع وتبعث الحياة فيه وترفعه وترفع الكاتب أو الكاتبة درجاتٍ . قال إدريس :
(( تصوروا : لقد كانت أول مرّة أمكثُ فيها بين أحضان إمرأة بعد ممارسة الجنس ولا أُحسُّ بأدنى رغبة في الكتابة ... أحسستُ معها بسَكرة الأقاصي وجذبتني لذّةُ الضياع / الصفحة 163 )).
كان الختام أكثر من رائع حيث امتزجت عبقرية فاتحة الطبيعية بموهبتها الكتابية المكتسبة بالمران والممارسات الكثيرة الدؤوبة وكثرة ما نشرت من كتب الشعر والروايات فجاءت لوحة سوريالية الوضوح وواضحة في سورياليتها ولا أعرف من أين تأتي مثل هذه اللوحات لخواطر فاتحة :
(( بعد ليلة حمراء على جميع المستويات تبوّلتُ دماً. ظننته في البداية من مُخلّفات دم حيضها، لكنه تكرر بعد عودتي إلى المغرب مما أقلقني وجعلني أستشير الطبيب الذي شخّصَ سرطان البروستات لديَّ / إدريس / الصفحة 164 )). خلطت الكاتبة دم داء السرطان بدم طمث رجاء في اللقاء الأخير بين هذه وصاحبها الأستاذ فجاءت النتيجة مأساوية جداً . دمُ محيض رجاء غدا نذير موت إدريس فهل هذه هي الحرية الحمراء التي تريدها رجاء حيث قالت على نفس الصفحة (( أصبح اللونُ الأحمرُ لونَ الحرية ... لون المتعة التي لا يُنتظرُ منها شيء سوى أنْ يتحقق )). في حريتها تلف مَن يشاركها متعتها الجنسية . هل قرأت رجاء بيت أحمد شوقي يقول فيه (( وللحرية الحمراءِ بابٌ // بكل يدٍ مُضرّجةٍ يُدقُ )) ؟
هل الإفراط في ممارسة الجنس يتسبب في الإصابة بسرطان البروستات ؟ نورينا يا طبيبة !
أمينة غير الأمينة / هي زوج الكازانوفا الآخر الغائب عن الوعي.
أفردت السيدة فاتحة لأمينة ثمانية فصول كاملة لكنها غيّبت زوجها عمر بأن جعلته يرقد في المستشفى فاقد الوعي بعد تعرضه لحادث تصادم أودى بحياة عشيقته كوثر ونجا بحياته لكنه فقد وعيه . هل كان هذا جزاء خيانته لزوجه أمينة التي لم تخنه في مجرى حياتهما الزوجية الطويلة رغم علمها بكثرة عدد مغامراته وعدد عشيقاته ؟ هل أقدارنا تثأر لنا ممن يوجعنا ويتسبب في أذانا خاصة إذا كنا عاجزين عن أخذ الثأر ؟ لماذا أزاحت الروائيةُ السيد عمر وأبرزت قرينته بدلاً منه ؟ لم تزحه بالكامل إذْ كرّست له أوقاتاً عرفنا منها أين كان وكيف كان ومن هم زائروه في مستشفاه . كانت فاتحة بارعة بتوظيفها آلية [ تكنيك ] إخفاء أحد عناصر الرواية وتسليط الضوء على البديل. عانت آمنة الكثير قبل حادثة إغماءة زوجها ولم تخنه وظلت وفية أمينة حتى عرّفتها على مصوّر فلسطيني صديقتها صباح التي لا تؤمن بالزواج ولا بقدسية الروابط الزوجية وتمارس الجنس مع إيّما رجل يعجبها تختاره هي (( إختارت عن قناعة ألاّ ترتبطَ بعقد زواج، وأنْ تعيش حياتها العاطفية والجنسية بكل حرية / الصفحة 31 )). نتابع الحوار التالي بين أمينة وصديقتها صباح (( ما هذه المقارنة ؟ أظن أنَّ هناك فرقاً بين امرأة متحررة مثلك ومومس. ما هو الفرق في نظرك ؟ الفرق أنكِ أنتِ لا تبيعين جسدكِ ولا تعيشين من ممارسة الجنس. أجلْ، لكنَّ الفرقَ الأساسي يمكنُ اختصاره في كلمة واحدة : " الإختيار ". أنا أختار عشّاقي بينما هي يختارها زبائنها. حريّة الإختيار هي التي تجعلُ مني امرأة حرّة / الصفحة 80 )). هذه هي فلسفة صباح في الحب والجنس والعلاقات بين المرأة والرجل وقد نجحت في توريط أمينة في علاقة رومانسية قصيرة الأجل مع رجل فلسطيني بعد أنْ تمنّعت واستعصمت سنينَ عددا وترفّعت عن خيانة زوجها مثلما كان يخون . لكنها استسلمت أخيراً تحت ضغط الحرمان والوحدة في بيتها وقناعتها الجديدة بما قالت لها مرّةَ إحدى النساء (( قالت لي مرة إحدى السيدات المجرِّبات إنَّ الشيء الوحيد الذي يُشفي المرأة التي يخونها زوجها هو أنْ تخونه هي أيضاً ولو لمرة واحدة. بل مرة واحدة تكفي لتغيير نظرتها إليه وإلى الحياة وتكسر صورة " سي سيّد " الزوج المستبد الذي يسمح لنفسه بكل شيء ويمنع عنها أي شيء / الصفحة 168
)). جمعت صباح بين أمينة ومصور فلسطيني إسمه صبري ( الفصلان 17 و 18)).
ملاحظات ختامية /
أثبتت الدكتور فاتحة مرشيد مرة أخرى أنها تختزن قدرات هائلة منوّعة مختلفة الأعماق والألوان والمستويات وأنّ لغتها دوماً طوع يدها وفكرها تجول معها وتسيح حيثما جالت وساحت. عرضت في كتاب " الملهمات " أموراً في غاية الأهمية والخطورة في حياتنا في هذه الأيام وأثبتت أنها قادرة على معالجة أصعب الموضوعات وأكثرها تعقيداً بأساليب فنية تجعل القارئ لا يصدّق ما يقرأ لفرط قوة فاتحة في تخدير وأسر قارئها بالأفكار والصور والمجازات والإحالات الكثيرة على شعراء وكتاب كبّار وأدباء عالميين. كانت في كتابها هذه جريئة وغير مبالية وقد عرفتها فيما سبق من كتبها غير ذلك. سيغضب منها الكثير من الرجال لكنْ ستقف معها غالبية النساء الكبرى مصفّقةً مشجعةً معجبة بها أيّما إعجاب. لها قدرات مشهودة في تقمص أي دور رجولي أو نسائيّ تغوص فيه حتى الأعماق السحيقة. وما أروعها حين تتكلم بأسلوب المناجاة الروحية الصوفية كما هو الحال على الصفحة 43 إذْ يتكلم إدريس مع زوجه الراحلة هناء. أو في محادثات أمينة مع زوجها الفاقدِ وعيَهُ حيث كانت تقرأ عليه رسائلها المتبادلة مع عشيقها العابر صبري. لم تفرض هذه المحادثات على السياقات جزافاً وتعسفاً بل قدمت لها ومهّدت لبريرها من حيث أنَّ محادثة فاقد الوعي مسألة ينصح بها الأطباء ولديهم حدس أنه يسمع الكلام . إنها بحق سيّدة التمهيد والتسليم وربط الحدث بما سبقه بأشكال وأساليب سلسة منطقية كبيرة الإقناع. في الصفحة 83 نموذج ممتاز لقدرات فاتحة على التمهيد ثم الربط .
أحصيت في كتاب الملهمات 15 إحالة واستشهاداً أعجبني فيها خاصة ما اقتبست من لورد بَيرِن وهي العاشرة وردت في الصفحة 91 .
*
الملهمات / رواية لفاتحة مرشيد . الطبعة الأولى 2011 . الناشر : المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء – المغرب .

CONVERSATION

0 comments: