نجاح مجموعة من الأفراد مرهون بتعاونهم، وعملهم بروح الفريق الواحد المدرك لإهدافه، والمتحرك وفق رؤية واضحة وبرنامج زمني محدد.
هذا ما لمسته من حضوري مؤخرا لفعاليات منتدى الصحافة العربية في دبي في دورته الثانية عشر. إذ إستطاع الفريق الذي تقوده ثلاث من خيرة بنات الإمارات وهن منى المري مديرة المكتب الإعلامي لحكومة دبي، ومريم بن فهد المديرة التنفيذية لنادي دبي للصحافة، ونائبتها منى أبوسمرة أن يحول هذا التجمع السنوي إلى ما يشبه دافوس الإعلاميين العرب - بحسب تعبير الدكتور زياد الدريس - بل إستطاع الفريق أن يبدد الصورة المختزنة في عقول الكثيرين من أن دبي ليست سوى ناطحات سحاب، وبلد سياحة التسوق العابرة، ويضع مكانه صورة البلد القادر أيضا على نشر العلم والفكر والثقافة والفن والتنوير والابتكار والإبداع إلى جانب التسلية والترفيه والمرح.
ولعل أحد الأسباب الأخرى لنجاح هذا الثلاثي وفريقهن المكون في معظمه من الإناث لجهة تنظيم برامج المنتدى وفعالياته بإتقان وحرفية، والسهر على راحة أكثر من 3500 إعلامي في وقت واحد هو الثقة التي أولاها لهن باني نهضة دبي ومهندسها الأول سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي أهداني وأهدى كل مشارك نسخة من كتابه الجديد "ومضات من فكر" الذي يضم خلاصة حوارات أجريت مع سموه.ومن يقرأ هذا الكتاب لابد أن يتوقف مطولا عند حديث سموه عن المرأة وقوله أنها روح المكان وصاحبة عاطفة جياشة وقلب رحيم وعقل ذكي وروح طموحة ونظرة مختلفة إلى الأمور، وقوة أكبر مما يظنه الكثيرون.
وأستطيع اليوم أن أجزم أن ثقة الشيخ في بنات بلاده كانت في محلها، فهن لم يكتفين بما سبق ذكره، وإنما صرن يتطلعن اليوم إلى دور في التخطيط لبناء دبي المستقبل عبر إستمزاج آراء أهل العلم والخبرة، وفحص النماذج الخارجية الناجحة، وتقديم "وصفة" لما يجب عمله خلال السنوات العشر أو العشرين القادمة كي تحافظ دبي على مكانتها النموذجية في المنطقة. ففي دورة المنتدى الأخيرة دعت الأستاذ منى المري نخبة من المشاركين إلى حفل عشاء في أحد أكثر الأماكن فخامة (فندق أرماني)، لكن هذه الدعوة لم تكن من أجل أن نملأ بطوننا بما لذ وطاب فقط وإنما بهدف أن تضع أيضا كل مجموعة من المدعووين على طاولتها تصورها الخاص لما يجب أن تخطط له دبي اليوم من أجل المستقبل.
أما جلسات المنتدى هذا العام فقد تميزت بتماهيها مع الملفات الإعلامية الأكثر سخونة وتداولا بين الجماهير. حيث كانت هناك جلسة حول الإعلام الساخر، أدارها الإعلامي اللبناني الموهوب طوني خليفة بحرفية، وشارك فيها مع آخرين عميد البرامج التلفزيونية الساخرة وصاحب الجماهيرية الطاغية داخل مصر وخارجها الدكتور باسم يوسف. في هذه الجلسة طلب أحد المشاغبين المداخلة ليقول ان التكليف الشرعي يحرم ويجرم السخرية مصداقا لقوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم" (سورة الحجرات)، فتصدى له باسم، شارحا أسباب وظروف نزول الآية، وإنتفاء علاقتها بما يفعله هو لجهة السخرية من نظام سياسي إقصائي ومتخبط في قراراته، الأمر الذي أوقع المتداخل في حرج شديد.
كما كانت هناك جلسة بعنوان "الخبر في زمن الطفرة الرقمية"، خـُصصت لمناقشة تغول وسائل التواصل الإجتماعي على وسائل الإعلام التقليدية لجهة نشر الخبر وتفاصيله، وشاركت فيها الإعلامية اللبنانية الجميلة ريما مكتبي التي قالت "إن الإعلام العربي يعيش حالة جديدة خلقت ما يمكن تسميته بالمواطن الصحفي". وخرجت هذه الجلسة بإجماع على ضرورة التعامل مع وسائل التواصل الإجتماعي كأدوات مكملة للإعلام التقليدي وليست بديلة عنها، وبتأكيد على أنه رغم أهمية الوسائل الحديثة، إلا أنها تفتقد إلى ما تتميز بها الوسائل التقليدية من مصداقية وثقة.
وكان للغة العربية، التي تواجه تحديات كبيرة في ظل ثقافة وسائل الإتصال الحديثة ذات اللغة المتهالكة السريعة، حضور في المنتدى من خلال جلسة عــُنونت بـ "مذبحة الضاد"، أدراتها بإقتدار الإعلامية البحرينية "بروين حبيب" التي تشق طريقها بثبات في الحقل الأكاديمي في دبي، وشارك فيها أستاذنا "المحبر" سمير عطاالله، وفاروق شوشة الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالقاهرة. وسمير عطاالله، بالمناسبة، ضيف دائم على المنتدى، ويسعد الجميع به لطراوة حديثه ومخزونه الثقافي الكبير المتأتي من سنوات عمله الطويلة في كبريات الصحف، ناهيك عن قدرته الفذة على الإيجاز والإختصار.
لم يحالفني الحظ هذه المرة في الالتقاء بحارس الأمن الأول في دبي الفريق ضاحي بن خلفان الذي اعتقد أنه ما كان ليتخلف عن حفل إطلاق فعاليات المنتدى لولا إنشغاله بمؤتمر أمني عقد بالتزامن، لكن العوض كان في لقاء جمعني برأس السلطة التشريعية في الإمارات الحبيبة الصديق الأستاذ محمد المر العاشق حتى النخاع للموسيقى الكلاسيكية والاوبرالية، والعارف بأسرارها ورموزها وسيمفونياتها. إنه حقا لأمر رائع ان يكون على رأس المجلس الوطني الإتحادي رجل بهذه المواصفات التي تساعده حتما على التوفيق بين الآراء المتباينة وتجسير الهوة بين أصحابها بهدؤ وإتزان، على الرغم من أن وجوده في هذا الموقع الرسمي حرمنا مؤقتا من إبداعاته في حقله الثقافي الطبيعي.
كثيرون هم الأصدقاء الذين إلتقيت بهم على هامش فعاليات المنتدى. فمن الإعلامي القدير حسن معوض صاحب الماركة المسجلة بإسمه (أليس كذلك؟) في برنامج "نقطة نظام" من قناة العربية إلى الكاتب اللبناني الموهوب في إختراع المفردات والمصطلحات العربية الجديدة حازم صاغية، الذي فاز بجائزة أفضل عمود صحفي. ومن الأستاذ عثمان العمير صاحب جريدة إيلاف الإلكترونية والشخصية التي تأسرك أحاديثه وطرائفه وذكرياته، إلى الكاتب في صحيفة الإقتصادية السعودية الأستاذ عبدالله العلمي الذي زاملني في السنة التحضيرية بكلية البترول والمعادن قبل أن تفرق السبل بيننا قبل أربعين عاما، فإلى الصديق رشيد الخيون الباحث العراقي المتبحر في شئون التراث والمذاهب الإسلامية وغير الإسلامية.
على أن أكثر ما أسعدني هو الإلتقاء بثلة من الإعلاميين السعوديين الشباب ممن إختاروا دبي مكانا لإقامتهم وعملهم من أمثال الأستاذ تركي الدخيل صاحب برنامج إضاءات من قناة العربية والأخ فهد الشقيران الذي يتولى حاليا رئاسة دار مدارك المعروفه بالنشر الرصين، والأخ محمد العمر الذي لم أعرفه، لكنه بادر طواعية بتعريف نفسه قائلا: "محمد العمر صحوي سابق" الأمر الذي أثار فضولي ودفعني إلى سبر أغواره للتعرف على قصته، وهي قصة يجب أن تروى، بل رويت بالفعل من خلال رواية "الطائرة الخامسة: أوراق إرهابي فاتته رحلة أفغانستان"، فهو كان قد حزم حقائبه إستعدادا للسفر إلى أفغانستان للجهاد، لكنه ما أن حل في مطار دبي كراكب ترانزيت، ورأى ما رآه من تألق وبهجة ووجوه تواقه للحياة وإعمار الكون بدلا من هدمه، حتى تغيرت قناعاته وترك الطائرة تذهب إلى أفغانستان من دونه.
وأخيرا فإن السؤال المحوري الذي واجهني به كل من إلتقيت كان عن البحرين! كيف حال البحرين؟ وإلى أين تتجه؟ وهل هناك بصيص أمل في خروجها من النفق الذي أدخلتها فيه ثلة من حملة هويتها، لكن ممن هواهم في مكان آخر خارج حدودها؟
هذه الأسئلة تدل بالطبع على مدى ما يكنه الكثيرون للبحرين من محبة وأمنيات صادقة. واحدة فقط كنت أحسبها تعشق البحرين وتقف بجانبها، إستنادا إلى ترددها علينا وإستضافتنا لها في أكثر من منتدى وندوة ومؤتمر، فإذا بها تنحاز إلى موقف ورثة الجبهة الشعبية البائدة لتحرير عمان والخليج العربي وحلفاؤهم من جمعيات الذيل خيبة الله عليهم.
د. عبدالله المدني
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي
تاريخ المادة: مايو 2013
البريد الالكتروني: Elmadani@batelco.com.bh
0 comments:
إرسال تعليق