صفد عروس الجليل.. حاضرة في الغياب!/ شاكر فريد حسن

استكمالاً للمشروع الذي بادرت اليه ، بالحديث عن المدن الفلسطينية التاريخية بمناسبة ذكرى نكبة شعبنا الفلسطيني ، وذلك بهدف تعريف اجيالنا الناشئة بالتاريخ الفلسطيني، ولتبق هذه المدن عالقة وراسخة في الذهن والذاكرة الحية .. وفي هذه الحلقة نلقي بقعة ضوء على مدينة صفد ، عروس وعاصمة الجليل المتربعة على صدر وسفوح جبال الجرمق ، المتأخمة للحدود اللبنانية . هذه المدينة التي عرفت بجغرافيتها ومناخها وقلعتها وينابيعها العذبة ، وتتميز بطبيعتها الخلابة وأشجارها الباسقة اليانعة ، التي تغنى فيها الشعراء ، وقال فيها الشاعر الفلسطيني الراحل سالم جبران :
غريب أنا يا صفد
وأنت غريبة
تقول البيوت : هلا
ويأمرني سكانها
ابتعد
علام تجوب الشوارع
يا عربي علام؟
اذا ما طرحت السلام
فلا من يرد السلاما
لقد كان اهلك يوماً هنا
وراحوا
قلم يبق منهم أحد
على شفتي جنازة "صبح"
وفي مقلتي
مرارة ذل الأسد
فوداعاً
وداعاً صفد.
 وصفد مدينة فلسطينية قديمة العهد تقع في شمال فلسطين ، ومبنية من الحجارة البيضاء، وهي ذات تاريخ عريق حافل وموقع استراتيجي هام . بناها وانشأها الكنعانيون على جبل كنعان ، واحتلها الرومان وطوروها واقاموا فيها مرافق عديدة ، وعرفت في عهدهم وزمنهم بأسم صيفا ، وحكمها الصليبيون بعد ان احتلوها وشيدوا قلعتها الشهيرة ، ثم فتحها صلاح الدين الأيوبي وأستردها بعد حصار  طويل وشديد لقلعتها . وفي الرابع والعشرين من نيسان احتلتها العصابات الصهيونية المسلحة وطردت اهلها الفلسطينيين الى سوريا ولبنان .
حكم صفد الشيخ عمر الزيداني ، وارتبطت بالعديد من الشخصيات الوطنية  والنضالية الفلسطينية ، التي ولدت فيها ، نذكر منها صبحي الخضراء، والمفتي أسعد قدورة ، وفؤاد حجازي ، الذي نفذ بحقه حكم الاعدام شنفاً مع محمد جمجوم وعطا الزير في سجن عكا ، والشهيد وديع حداد أحد أبرز قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وسمير الرفاعي رئيس وزراء الأردن سابقاً ، وهايل عبد محمد من مؤسسي حركة "فتح" بالمانيا، والرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) وسواهم الكثير .
وفي صفد الكثير من المعالم الأثرية الشاهدة على الهوية العربية الاسلامية منها : جامع الظاهر بيبرس أوالجامع الاحمر ،وجامع الجوكنداري ، وجامع السوق ، وجامع العوادي الذي هدم وبقيت مئذنته ، وجامع يعقوب الذي تحول الى مخزن للأخشاب، ومسجد السرايا، ومسجد الشعرة الشريفة وغير ذلك .
ومن أشهر ينابيع صفد نبع الرمانة ، الزرقاء ، الحمراء، بئر الجوزة، عين الجن ،وعين التينة .
واشتهرت صفد بأسواقها ومقاهيها الشعبية، ومن اشهر هذه المقاهي مقهى محمود سلمى في نزلة السوق .
وصفوة القول، صفد مدينة حاضرة في الغياب ، لم تبرح صورتها عيون اللاجئين والمشردين الفلسطينيين ، التي ترنو وتتطلع اليها ، وتحن الى ترابها وقلعتها وكنائسها وجوامعها وأمكنتها التاريخية ، بانتظار العبور على جسر العودة . ولا تزال بعض معالمها وآثارها ماثلة للعيان ، رغم محاولات السلطة طمس وتغيير هذه المعالم وتشويهها .

CONVERSATION

0 comments: