المرحلة الراهنة التي نعيشها هي مرحلة مليئة بالتناقضات والهزات الارضية العميقة في كل جوانب الحياة العربية ، السياسية والفكرية والاجتماعية والاخلاقية . فمجتعاتنا تواجه حالة من التشرذم الطائفي والتقوقع الفئوي ، وثمة ردة سياسية وفكرية وظلامية دينية واجتماعية أخلاقية، وغياب للديمقراطية، وهجوم شرس على حرية التفكير والتعبير والتنظيم والعمل السياسي والحزبي والشعبي والحريات الديمقراطية.ناهيك عن اضمحلال وانحسار القوى الشعبية الوطنية الديمقراطية والتيارات العقلانية المتنورة.
ولا شك أن غياب الديمقراطية في العالم العربي خلق مناخاً لممارسة القمع الايديولوجي والسياسي وصعود البيروقراطية والفساد الاداري ونمو الأصولية الدينية وانتشار قواها بين الأوساط والطبقات الشعبية المسحوقة والمستضعفة.
ومن الطبيعي أن تعيش الثقافة هموم الواقع ، بتناقضاته وتحولاته، وتعبّر عن الارهاصات والتصدعات والأزمات فيه وتستشف ملامح المرحلة الانعطافية الحادة ، التي تحياها شعوبنا العربية.. والسؤال: ما هو المطلوب من الثقافة ازاء الواقع الراهن والبؤس الثقافي الذي نحياه؟
أن المرحلة الحالية تتطلب رؤية عصرية وديمقراطية شاملة ، وصياغة جديدة للأفكار والأهداف الانسانية وواجب الثقافة ليس التعبير عما يدور ويجري على أرض الواقع من هموم وأزمات ، وأنما البحث عن حلول ومفاتيح للمشاكل والمسائل العالقة والقضايا المطروحة والبحث عن اّفاق وأفكار جديدة والتبشير بالاتي ، والعمل على التغيير وبناء المجتمع المدني الديمقراطي الانساني والحضاري، الذي يضمن كرامة وحقوق الانسان والمساواة الكاملة بين المرأة والرجل ، وتحقيق الديمقراطية والتعددية الحزبية ـ السياسية والمشاركة الشعبية الواسعة في التفكير والتخطيط والتنفيذ، واحترام حق الفرد في التعبير عن مواقفه الفكرية ومعتقداته السياسية.
أن القوى العصرية الديمقراطية يجب أن لا تمتعض فقط ، وتنتكس تاركة الساحة للتعصب والشعوذة والسلفية ، بل يجب أن تصارع لانجاز الثورة الاجتماعية المدنية الديمقراطية ، التي تؤسس لمجتمع عربي مدني وحضاري تعددي يعايش ويجاري الشعوب للتقدم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي في ظل الديمقراطية.
النقد مقياس الديمقراطية
قرأت مرة جملة لأحد فلاسفة عصر التنوير الاوروبيين تقول " أني اقدّم حياتي فداءً ان تقول كلمتك " وهذه الجملة تجسد نموذجاً للديمقراطية الحقيقية واسلوباً للتعامل بين الأفراد والجماعات في شتى مناحي الحياة. ولكن أين نحن من قول هذا الفيلسوف ؟!
ان الكثيرين من مثقفينا وكتابنا وقياداتنا لا يطيقون سماع كلمة نقد واحدة بخصوص طروحاتهم وأرائهم وكتاباتهم ، وفي الوقت نفسه يتبجحون ليلاً ونهاراً بأنهم ديمقراطيون.!
البلطجيه السياسية والقمع الفكري مرفوضان رفضاً قاطعاً ويجب مقاومتهما واحلال البديل الديمقراطي بدلهما، ولنتقبل النقد البناء والهادف بروح طيبة وهادئة ونسمع الرأي الاخر , ولنكن ديمقراطيين ولتتح الفرصة أمام جميع الأراء ووجهات النظر ، ولتحكم الجماهير بدون تهديد ووعيد على صحة المقولات والأفكار المطروحة على بساط البحث والجدال.
هل هناك مثقف محايد؟!
ينقسم المثقفون في المجتمع الى قسمين : مثقفون تقدميون رافضون للواقع ويقفون في خندق الكفاح المعادي للسلطة ، وفي خدمة قضايا الطبقات المسحوقة والفقيرة . كما ويشكلون الطليعة السياسية والنخبة الفكرية الداعية الى بناء مجتمع مدني وحضاري وديمقراطي وتعددي. ومثقفون برجوازيون موالون للسلطة الحاكمة وخداماً لها ويقومون بتخدير الجماهير وبث روح اليأس والاحباط والهزيمة بين قطاعات الشعب المقهور . والسؤال : هل هناك مثقف محايد؟
برأيي المتواضع لا يوجد مثقف محايد ، فاما الوقوف في صف التيار التقدمي والديمقراطي الذي يطرح بديلاً ثورياً جديداً للواقع وللحكم القائم ، واما مع التيار الانهزامي والأستسلامي الذي يدعو الى التسليم بالأمر الواقع والقبول بالسلطة القائمة.
العلاقة بين الثورة والأدب
كثيراُ ما تطرح علاقة الأدب بالثورة الاجتماعية وبالقوى السياسية والحركات الفكرية والاجتماعية، الداعية للتغيير التقدمي والديمقراطي الشامل، طرحاً يتميز بالتبسيط . ويجري اغفال الأدب كشكل من أشكال الوعي الاجتماعي والسياسي وفهم الواقع الموضوعي. ومن البديهيات المعروفة أن السياسي ينعكس ويمثل موقعاً خاصاً وطليعياً يتفاوت ظهوره بتفاوت الأجناس الأدبية ، وأن الالتزام السياسي التقدمي يبقى جزءاً لا يتجزأ من عقيدة المبدع والتزامه هذا ،يمتد الى ميدان الجماليات . ولذلك يمكن القول أن الأدب الجمالي العظيم هو انعكاس للتغيرات والتحولات الاجتماعية العاصفة ، والعلاقة بين الادب والثورة الأجتماعية هي علاقة معقدة وغير مستقيمة باستمرار ،وانما تتعرج في كل مرحلة نتيجة عوامل ومؤثرات كثيرة ، وفي وحدتها وتضاداتها يمكن اكتشاف هذه العوامل والأسباب.
0 comments:
إرسال تعليق