شروق فسطوع فأصيل فمغيب. هلال فبدر فمحاق. طفولة فشباب فشيب فمغيب. هذه هي صيرورة الطبيعة والبشر، نحسّ بفضل دفء وضوء الشمس لما لهما من أهمية في حياتنا، ونشعر بفضل المميزين من الرجال بقدر ما تركوا من منجزات لتطور ورقي شعوبهم وللبشرية جمعاء، أو مبتكرات خلدت أسماءهم وأسهمت في التقدم العلمي والأدبي.
تكاد كتب التاريخ والمجلدات تغص بعدد أسماء العظماء. جلهم أعطى ومضى ولكنه ظُلِمَ لأن عطاءه لا يمس أمور حياتنا اليومية ولم يسمع به الكثيرون، ولكن من منا لم يسمع باسم أرخميدس الذي ولد في صقلية في العام 287 قبل الميلاد وتوفي في العام 212 قبل الميلاد. تخبرنا الكتب المدرسية عن أفضاله العلمية ولكنها لا تخبرنا كيف مات.
إضافة إلى إنجازه العلمي حول مسألة طفو الأجسام في الماء وقصة "يوريكا" المعروفة ، أنجز دماغ أرخميدس العديد من الابتكارات كالمنجنيق والأسطوانة الحلزونية لسحب المياه من الآبار وغيرها من الإختراعات. ذلك الدماغ ذاته ما قتل أرخميدس حين سأله الجندي الروماني عن اسمه ولكن دماغ أرخميدس عجز عن الرد لأنه كان مستغرقاً في حل مسألة هندسية على الرمل فقتله الجندي.
كثيرون منا مروا في حفظ وترديد بحور الشعر العربي التي ابتكرها الخليل بن أحمد الفراهيدي، سيد علم العَرُوض، والذي هزىء به ابنه حين كان الخليل يكثر وبهوس العباقرة من ترديد عبارتي "فعولن .. مستفعلن " متأثراً بما سمعه من طرق النحاسين على الأواني " طق .. طق" ثم طقق .. طقق " . وبينما الخليل منشغل باكتشافه الجديد يردده وهو يروح ويجىء في منزله ، يشغل أصابع يديه على ذلك الإيقاع الموسيقي لاحظ سخرية ابنه منه فتوقف ولامه بهذين البيتين :
لو كنتَ تعلمُ ما أقولُ عذرتني/أو كنتُ أجهلُ ما تقولُ عذلتكا
لكن جهلتَ مقالتي فعذلتني/وعلمتُ أنك جاهلٌ فعذرتكا
كيف مات ذلك الجهبذ ؟ يُروى بأن قدمه عثرت وفقد توازنه وهوى صادماً برأسه عموداً فشج رأسه ونزف حتى الموت .
سمعنا عن "بخلاء" الجاحظ أكثر مما سمعنا كيف سقطت عليه الكتب بينما كان يقرأ في دكان أحد الوراقين وقضى نحبه تحتها. و سمعنا عن روايات وروائع تشارلز ديكنز أكثر مما سمعنا عن عبارته التي قالها في لحظات فراقه للحياة والتي كانت آخر كلمات تفوه بها على المنبر : "إلى الأرض" وهوى العملاق، فاستجابت أمنا الأرض لطلبه وتلقفته بذراعيها ولم تتركه.
0 comments:
إرسال تعليق