كيف نشفى من حب تونس؟/ سامح عوده

على هامش الحادث الإرهابي في متحف باردو- تونس 
- فلسطين
استوقفني  محمود درويش محمود درويش وهو يبكي في وداع تونس بين فرحة العودة إلى الوطن وعلقم الفراق .. فراق تونس الدولة التي احتضنت الفلسطينيين، فأعطتهم كثيراً، واحتضنتهم أكثر.. لقد بكى درويش في مشهد لم نرَ مثله من قبل وهو يردد ..
" كيف نشفى من حب تونس الذي يجري فينا مجرى النفس..
لقد رأينا في تونس من الألفة والحنان ..
والسند السمح ما لم نره في مكان آخر ..
نقفز من حضنها إلى موطئ القدم الأول  
شكراً لأنكِ أنت من أنت .. شكراً لأننا تركنا فيكِ شهداءنا الذين نوصيكِ بهم خيراً" 
هذا ما أثار الحزن وجعلني أكتبُ عن الحادث الإرهابي الذي وقع في متحف " باردو " في العاصمة التونسية.
هذا الحادث  ألقى بظلاله على المشهد العام في تونس، واحتل المكان الأول في أجندة الأخبار  العربية والعالمية، كون تونس الدولة الشقيقة والتي استطاعت أن تنهض بالواقع السياسي والأمني للبد الذي ذاق مرارة الاستبداد وناضل ضد الإرهاب رافضاً تمزيق وحدته والعبث بنسيجه السياسي والاجتماعي والثقافي، لذلك استطاعت تونس أن توظف كافة الإمكانيات لمواجهة المتربصين بها وبأمنها، وانتقلت نقلة نوعية في بنائها الديمقراطي وهيكلها السياسي من الخلال الممارسة السياسية الفعالة.
الإرهاب الذي حاول أن يتسلل إلى تونس  - المثقلة بالجراح وبالأزمات – ليؤسس له مملكةً ظلامية على حساب المنجزات التاريخية والثقافية التي حققها الشعب التونسي عبر عقود مضت.
 صحيح أن تونس أثقلت بأزمات اقتصادية كبيرة منذ خلاصها من الاستعمار الفرنسي، لكن الإنسان التونسي بنى وبكل فخر مؤسسات دولة حديثة ما دعاها لأن تكون مزاراً أكاديمياً وثقافياً يؤمها البشر من كافة أرجاء الأرض، ليستمتعوا بجمال البلد الذي حباه الله ماءً وهواءً وإنسانا ناضل للتغلب على الصعاب، وبطبيعة الحال فان الثقافة والتجديد هي التي دعدت من تطأ قدميه هذا البلد يطلع على المنجزات والإرث التاريخي لتونس، لذلك لم يكن من باب الصدفة أن يكون معظم القتلى الذين قتلوا خلال الحادث الإرهابي الذي عصف في الجمهورية التونسية والذي ذهب ضحيته " 22" شخصاً قتلوا بدم بارد في متحف " بوردو " هم من جنسيات أجنبية مختلفة.
شكل هذا الحادث نقلة نوعية في مخطط الإرهاب الذي ضرب  القطر التونسي، إذ أن الإرهاب الذي أخذ يتمدد في شمال إفريقيا فأثخنه بالجراح والأزمات الاقتصادية والتفكك في البناء السياسي .. هذا ما يدعونا للوقوف ملياً أمام ما يجري ليس في تونس وحدها بل في معظم الأقطار العربية التي مزقها الاقتتال وحولها إلى ميليشات متصارعة.
 محاربة الإرهاب والتصدي له لا تكون بمحاربته في القطر نفسه، بل إن ذلك يدفع للتصدي للإرهاب في دول الجوار بحزم، فكيف يمكن لتونس أن تحارب الإرهاب داخلياً، والشقيقة ليبيا الجارة القريبة والملاصقة لها تغرقُ في مستنقع الاقتتال والصراع والحرب الداخلية؟
تونس .. منذ العام 2012 دخلت فصلاً من فصول الإرهاب الذي دعا التونسيين للتصدي له، والتغلب عليه مؤقتاً بدأت الإرهاب في هذا البلد بالاغتيالات السياسية وتطور إلى استهداف المؤسسة الأمنية والجيش التونسي، فجاءت هذه العملية مختلفة عن العمليات السابقة، كونها استهدفت منطقة إستراتيجية محصنة أمنياً، بهدف ضرب الاقتصاد التونسي الذي يعتمد على السياحة كمصدر هام في سلم العائدات الاقتصادية، وهو أيضاً إرباك للدولة التونسية التي تعيد ترميم ذاتها بعد ما لحق بتونس  من أزمات أثقلت كاهل المواطن وأوقفت برنامج التطوير والبناء للدولة التونسية. 
تداعيات هذا الحادث الخطيرة وانعكاساته ليس على تونس وحدها بل على دول المحيط كله، وإذا ما تتبعنا شكل العملية ومدلولاتها ستجدها أشبه بما تعيشه جهورية مصر العربية – ضرب الاقتصاد والقضاء على أي حالة نهوض- وغيرها من الدول العربية، وفي خضم الصراع الجاري لمواجهة الإرهاب فان المطلوب عربياً التوافق على برنامج عملي يحارب الإرهاب برمته في كافة الأقطار، ويؤسس لمرحلة جديد تستطيع النهوض بالواقع المعاش، وتواجه التحديات التي فرضت على الوطن العربي بأكمله، وهذا ما يدفع إلى الإسراع بوضع الخطط وتنفيذها عملياً وليس شعاراتياً حتى لا تطبق علينا النبؤة التي حققت ذاتها، أكلتُ يوم أكل الثور الأبيض..!!                  

CONVERSATION

0 comments: