فــي مواعيــــــدها تــــأتـي الطـيور/ صبحة بغورة

 ـ الجزائــــر ـ
لم يسبق لرئيس مصري أو عربي أن اجتمعت أمامه ومن حوله مثل هذه الأكوام الهائلة من التحديات الأمنية الخطيرة من داخل البلاد ومن خارجها ، وأن أحاط به في نفس الوقت هذا الحجم المتفاقم من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المخيفة مثل تلك التي يواجهها حاليا الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر ، كما لم يسبق في المقابل أن تجاوب الشعب المصري في مثل هذه الظروف الحرجة جدا بهذا القدر الكبير من الاندفاع المحموم والمؤيد لرئيسه والالتفاف الصادق حوله ، بالرغم من أنه شخصية عسكرية بالدرجة الأولى كان المتوقع بعد ثورة  25يناير أن لا يلقى القبول الشعبي لأنه لا يتوافق مع مطالب الثورة في إقامة حكم مدني لا يكون للمؤسسة العسكرية فيه وجود سوى قيامها بواجباتها الدفاعية المنصوص عليها في الدستور ، فما الذي حدث حتى يتوجه عموم غالبية الشعب المصري للتعلق به ثم التمسك به بانتخابه رئيسا للجمهورية ؟
طبيعة تكوين الشخصية المصرية عبر التاريخ الطويل ومنذ القدم هو عشقها للزعيم القدوة، والرمز الجامع الذي بالحق يمثلها ويعبر عنها ، كما أن من خصائص هذه الشخصية أنها تهوى الانتصارات وتحقيق النجاح وأنها تتعلق بكل من يلبي لها هذا الميل ، حدث هذا في زمن الفراعنة وما تلاها بعد الفتح الإسلامي وصد مختلف الهجمات الخارجية على العالم العربي و الإسلامي ، ثم جمع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وحدة الشعب حول تأميم قناة السويس ومواجهة العدوان الثلاثي على مصر وبناء السد العالي ، ثم حشد بعده الرئيس الراحل محمد أنور السادات ههم الشعب المنكسر بعد نكسة 5 يونيو 1967 وقاده للانتصار المجيد في حرب 6 أكتوبر 1973، ولما خالف الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك السيرة المعهودة وسارت سنوات حكمه "فاترة" خالية من المشاريع الوطنية المحفزة للعزائم والجامعة لإرادة الأمة في مواجهة تحديات التنمية، كان للشعب المصري حدودا لصبره عليه ، أما في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي فلم يكن هناك مجال للصبر عليه أطول من عام واحد لما تم التأكد أنه منصرف كلية عن قضايا الشعب وهموم الأمة ، وعليه قد لا يكون مستغربا أن يلمس الشعب في شخصية الرئيس السيسي تلك العودة إلى سنوات التحديات وزمن الانتصارات ، حيث جمع بين عذوبة القول ولطف الحديث وهدوء الطبع وابتسامة الأمل الدائمة على محياه مع حزم العسكري وانضباطه وعشقه للمواجهة الصريحة ، جمع بين حكمة التعامل مع شعب جريح في كرامته عانى على مدى سنوات من الإقصاء ، ثم عانى أكثر من الاغتراب في وطنه ومن كيد المؤامرات الخبيثة على عقيدته وهويته وأصوله التاريخية الثابتة ، أعاد الرئيس السيسي للشعب المصري عبق ماضي نضاله الأول وسنوات الكفاح والتحدي، فجمع شملهم حول قضية "الوجود"  في مواجهة التحديات الأمنية وقضايا التطرف،من جهة والمصاعب الاقتصادية من جهة أخرى ، فكان أن اتخذ قرارات صعبة في بداية عهدته الرئاسية بدت غير شعبية تماما ومخالفة لمنطق معالجة أزمة البلاد وذلك برفع الدعم الحكومي عن مواد الطاقة والوقود مع ما يتبع ذلك تلقائيا من ارتفاع أسعار هذه المواد وأسعار كل المواد التي يتم إنتاجها باستعمال الوقود بدء من الخبز إلى فنجان القهوة ، لم يثر هذا القرار أي رد فعل شعبي مناوئ أو إعلامي رافض أو موقف سياسي حزبي معارض وتم تطبيقه بعد تفهم الشعب لدواعيه بكل هدوء ، تبعه قرار آخر أكثر صعوبة بشق قناة السويس الجديدة فهب الشعب المصري شيوخه قبل شبابه في بادرة هي الأولى في مصر لتوفير تكاليفها واستطاع ـ رغم شظف العيش ـ جمع مبلغ 64 مليار جنيه في ستة أيام فقط ، وفي الحقيقة فان هذا لا يعنى سوى أن الشعب وثق فيه ، لمس مصداقيته وآمن بوطنيته التي لا تفرق في مهمة الحفاظ على كرامة أبناء الشعب الواحد بين مسلميه ومسيحيه هذا النموذج من القادة هو ما يحتاجه الشعب المصري ويريده في الوقت الراهن، فهل يمكننا القول أن الطيور قد أتت كعادتها دائما في موعدها ؟

CONVERSATION

0 comments: