الرحيل/ عبدالقادر رالة

قصة قصيرة
   أمرت أمي أختي الصغيرة أن تنطلق الي خالتي وتطلب منها أن تسرع الي بيتنا الجديد، ستجد جدتي في انتظارها وأيضا ابن عمي.. وعليها أن تنظف غرفة المطبخ وصالة الضيوف جيدا بالماء...
   وما هي الا لحظات حتى سمعت أزيزا خارج البيت، لقد وصلت شاحنة خضراء اللون.. شرع والدي والسيد ميلود ينقلان اليها الأواني والأفرشة وكان سائق الشاحنة يساعدهما....
   أما الجيران فواقفون ينظرون بصمت...فرحين وفي نفس الوقت حزناء ،اليوم يرحل جارهم الطيب الى بيته الجديد...
   وصل الخصام بين والدي وعمي الى ذروته ، وصارا دائمي الشجار لسبب أو دونه ولولا تدخل جدتي بينهما لكان الخصام انتهى الى اقتتال بالمديات! فاقترح السيد ميلود أن يعطي والدي غرفة فارغة اضافية لا يحتاجها ، يسكن فيها حتى ينهى منزله الجديد...تردد والدي في البداية ثم رفض بشدة...كيف تعيش أمي في منزل رجل لا تعرفه؟ وكيف يسكن هو مع زوجة ميلود التي لا يعرفها! هذا غير جائز ولا يكون...ميلود مجرد صديق تعرف عليه أثناء الخدمة الوطنية ! لكن ميلود ألح عليه بشدة مرارا وتكرارا قائلا: أنا لا أعتبرك صديقا وانما أخا .. أخ حقيقي! ولا أنسى أبدا تلك الأيام الجميلة التي قضيناها في القبة و بوغار ..أنت انسان طيب لا أريد  أن يشمت بك! الغرفة واسعة ... تكفيك أنت  وزوجك وأمك وطفليك .. أرجوك اقبل.. وأنا متأكد انك سترحل الى منزلك الجديد قبل أن يكمل العام دورته!...
   وما أذهل والدي أن ميلود رفض بقوة أن يتقاضى ثمن الكراء ولو سنتيما واحدا، بل غضب لما مد له والدي مسبق ثلاث أشهر!.. كانت جدتي دائما تمدحه وتصفه بالإنسان الأصيل! وابن العائلة المحترمة، وتدعو له بالخير والبركة له ولأولاده!...
   تفقدت أمي، ليست في الغرفة ،أين ذهبت؟ تخطيت الحوش نحو الجهة التي يسكنها ميلود وعائلته... تناهى الي صوت أمي تبكي كأنها طفلة صغيرة! ونفيسة زوجة ميلود تكفكف لها دموعها...
ـ ألم أقل لك يا زينب ،سيكون لك بيتك الخاص لك ولأولادك! مثل كل النساء.. كنت دائمة التشكي من زوجك وخائفة أن لا ينهى بناء المنزل...ها أنت اليوم راحلة الي بيتك الجديد!
ـ يعز علي كثيرا فراقك يا نفيسة ! السيد المحترم زوجك كان أفضل من الأخ الذي ينجبه البطن الواحد! وأنت كنت أفضل من الأخت ..وأفضل من زوجة حموي .. مهما قلت ومهما فعلت فإني لن أستطيع أبدا أن أوفيك حقك!... ولا أعرف لا أنا ولا زوجي كيف نرد أفضالكما علينا وعلى ولدينا الصغيرين!
ـ لا تقولي مثل هذا الكلام ! لما أخبرني زوجي بأنه سيعطي الغرفة الفارغة لفلان...زوجك أعرفه ...أكثر الناس احتراما في المدينة...  هادئ و ودود...لم أعترض...وعلينا نحن الكبار دائما التفكير في الاطفال الصغار الذين لا ذنب لهم في الصراعات العائلية!...
دخلت الغرفة...فوجدتهما متعانقتان...نظرت إلي نفيسة :
ـ أنظر يا لطفي الى أمك بدل أن تبتهج فإنها تبكي!
 ارتميت بين أحضانها أقبلها ....
ـ أنا أيضا غير سعيد لأننا سنفترق! ..أنت...السيد ميلود.. بن علي ..كريم...خير الدين الصغير ...كنا عائلة واحدة... بن علي  أخي الأكبر.. وكريم أخي الأصغر... ما أصعب الفراق يا خالتي نفيسة!  حاولت نفيسة أن تحبس دموعا فلم تستطع .... 
ـ هذه هي الحياة يا بني! من يسمعك تتكلم يعتقد أنكم راحلون  الى فرنسا أو الهند! الحي الجنوبي  فقط...وبإمكانك أن تزورني في أي لحظة!
   لما عدت من الشارع وجدت السيدة نفيسة عندنا ... وقبل أن أحييها وأقبلها صرخت في وجهي:ـ أيها الذئب الصغير! نسيتنا بسرعة ! لماذا لم تزرنا؟  ثم توجهت بالكلام الي جدتي
ـ يا عمتي غنية! ما أصعب الحياة بدونكما ، أنت والسيدة زينب.. أصبحت وحيدة لما رحلت وتركتموني ،البيت كله مظلم !
اغرورقت عينا أمي بالدموع....
ٌقلت أنا :ـ سنعود الى غرفتنا القديمة...هذا الحي سيء ، الجيران أشرار غير طيبين !! وكذلك أولادهم...
 وانفرجت أسارير السيدة نفيسة على ابتسامة واسعة ....
عبدالقادر رالة/ الجزائر

CONVERSATION

0 comments: