قنصل الشعراء ماهر الخير: شاعرعالمي يصنع أسطورة في استراليا/ د. خالد الأسمر

في العاشر من حزيران، كانت دار الأوبرا تزهو بألوانها المزركشة التي تسطع على أشرعتها مضيئة بالأخضر والأحمر الأصفر، ليل سيدني البارد الدافىء بمهرجان الضوء والصورة،  ومن ضمن هذا التألق إنطلق العمل الريادي للقنصل الشاعر ماهر الخير مبشراً بالسلام الذي يأتي بعد عذابات شتى وشتاء من الشتات وشلال من الشهقات، ومن ثم تضيء الدار الشهيرة بإستضافة الأمسية المسرحية الشعرية الإبداعية بلغة الضاد قولاً وشعراً وأنغاماً وأحلاماً متراقصة ووصلات وجولات في عالم الميثولوجيا والإيحاءات والإيماءات المتداخلة ...فمن فم القصيدة يخرج الأمل بمستقبل زاهر واعد يلهم عدم الوقوف على الأطلال بل يستظل بكل أدوات الحداثة، ليصيغ صورة الغد، ومن هنا كان مدخل المسرحية لا صدفة عباءةً شرقية يدخل من خلالها الممثيلن البارعين،الشعراء واصحاب الرأي والفكر الحروالأحرار...
من هنا تنطلق القصة : "كان البدء ظلام فوق ظلمات ولكن مع بروز الشاعر من أنامل المستحيل أنطلقت قوافل وقوافي الشعر مترافقة مع نغمات سحرية نابضة بالحب والصراع الوجودي والغفران والحرية". هكذا جسدت المسرحية الشعرية " نقوش حب عربية" لماهر الخير في الصرح الثقافي العظيم دار الأوبرا هاوس قصة الخلق، والصراع بين الأخوة الأعداء والمغفرة ثم التوق الى التحرر من الشرور والأوزار لتكون البشرية جسداً واحداً يألم ويفرح لأي شيء يلم به والروح مغردة خارج القفص في سماء الحرية: " أيتها الحرية...سلام عليك".
 وفي هذا الخطاب الحداثي الممزوج بالتراث، نعيش دين الحب لإبن عربي من خلال تجليات الرقصات والأيادي الممتدة الى السماوات خوفاً وطمعاً بالنجاة، كما أننا نلحظ بوضوح تأكيد للفكر الجبراني الأنساني الذي يلغي الفوراق بين البشر ويدعو لرؤية جوهر الأديان كعامل محفز للعمل والمحبة والحرية بدلاً عن العنف والرياء والمظاهر الخداعة.
  وفي نفس السياق، يذكرنا مسرح ماهر الخير الريادي بدعوة الأمم المتحدة في اليوم العالمي للتسامح بأزالة الحواجز النفسية بين البشر بالرغم من كل الأخطاء التي ترتكب بحق الآخر، الإ إنه يجب تخطي وتذليل الصعوبات حتى ننال المحبة والحرية من خلال الأحترام المتبادل والأعتراف بأن الحوار الثقافي هو  أهم منبر للإتصال بين الشعوب والحضارات.

  ومن حسن الحظ أننا قد رزقنا هنا في أستراليا بشخص ذو عبقرية فذة أنبثق فكره من بوتقة الثقافات العالمية والمحلية، فالشاعر ماهر الخير نسج مسرحه ما بعد الحداثي من خلال الوسائل المرئية والبصرية والحسية، فنافورة الشعر عنده تطلق الموسيقى العذبة التي تذكرنا في بعض الأحيان، بأعمال جان موريس جار وفيليب جلاس الصاخبة الممزوجة بالأحساسيس والألوان، تتلوها أناشيد شعرية مترافقة مع فرق الرقص التعبيرية لتكون قصة الخليقة، قابيل وهابيل، مشهد العرافة والغفران والتحرر... ليححق الشاعرمع المخرج  عباس الحربي ومع رسومات حيدر عبادي فناً شمولياً يتخطى كل الأبعاد التقليدية لينقل الينا عن طريق الصوت والصورة والكلمة والموسيقى كل خلجات الروح والقلب وشعلة العقل المستنير  المضاء بأنوار المعرفة والتجليات الأدبية الرائعة.

CONVERSATION

0 comments: