نقاط الالتقاء والابتعاد/ التشابه والتخالف بين رواية: "الصخب والعنف" لفوكنر ورواية "ما تبقى لكم" لكنفاني/ د. حبيب بولس


بداية أود أن أُشير إلى أن مُعظم دارسي أدب غسان كنفاني أشاروا وألمحوا إلى تأثره في بناء روايته "ما تبقى لكم" باليات وليم فوكنر وانجازاته الفنية وأدواته الجمالية في رائعته "الصخب والعنف". وقد بنى جميعهم ذلك على ما قاله غسان في آخر مقابلة إذاعية معه نشرتها مجلة الهدف (1973-9-15), حيث قال: " بالنسبة لفوكنر, أنا معجب جدا بروايته الصخب والعنف , وكثير من النقاد يقولون إن روايتي ما تبقى لكم هي امتداد لهذا الإعجاب بالصخب والعنف, وأنا أعتقد أن هذا صحيح... أنا متأثر جدا بفوكنر, ولكن ما تبقى لكم ليست تأثرا ميكانيكيا بل هي محاولة للاستفادة من الأدوات الجمالية والانجازات الفنية التي حققها فوكنر في تطوير الأدب الغربي". (وادي ص74) و (خالدة الشيخ خليل ص130/ص 132) و (يوسف سامي اليوسف ص38 وما بعدها). و (رضوى عاشور ص82 وما بعدها).
ولكن بالرغم من أن الملاحظة صحيحة تماما, لم يقم أحد من هؤلاء الدارسين على الأقل الذين أعرفهم بإجراء بحث خاص مفصّل يشير إلى نقاط التأثر والشبه والاختلاف بين الاثنين, فان معظم ما قيل كان يقع ضمن خانتين: الأولى- إشارة عابرة سريعة, دون الوقوف على التفاصيل أو على بعضها. (وادي, خالدة الشيخ خليل). والثانية- اشارة مفصّلة لامست بعض الجوانب ولكن دون الولوج في الحيثيات والتعمق فيها. (عاشور, اليوسف). من هنا تستمد هذه الورقة طموحها وشرعيتها في الولوج إلى عالم الروايتين المشار إليهما سابقا لتشير إلى نقاط الالتقاء والابتعاد بين الروايتين. وكي يكون الكلام موضوعيا من جهة, ولكي لا ينفلت ويتشظّى ليطال جوانب أخرى من ثانية, سنسيّج الحديث ونمحوره في نقاط معينة هي: الظروف التي دفعت بالكاتبين وأحاطت بهما حتى اختارا هذا الشكل المتميز, والصراع والأفكار المحورية في الروايتين, وعنصر الزمان واستخدامه فيهما, ثم البناء الفني للروايتين.
الظروف والاتجاهات: يقول جبرا إبراهيم جبرا في مقدمة رواية "الصخب والعنف": الصخب والعنف كتاب فوكنر الخامس وقد شغل به زهاء ثلاث سنوات, وكان عمره عند نشره (سنة 1929) اثنتين وثلاثين سنة. وفي الحال التفت إليه النقاد ورأوا في كتابه رواية رائعة البناء والأسلوب. سماها البعض "رواية الروائيين" (جبرا, مقدمة الصخب والعنف, ص7). ويبين جبرا سبب اهتمام النقاد بالرواية وإعجابهم بها فيقول: " ... إن التركيب الفني في الصخب والعنف ما زال في جماله وبراعته معجزة الخيال" (جبرا ص7) ولا بد للباحث الذي يريد أن يتقصى ويفهم المنابع التي غرف منها فوكنر فنيته الملفتة للنظر في بناء روايته, من أن يقف على الظروف والاتجاهات الأسلوبية والشكلية والفنية التي شاعت قبل صدور الرواية والتي متح منها فوكنر أسلوبه وأدواته.
- من المعروف أن العقود الأولى للقرن العشرين (وهي الفترة التي شب فيها فوكنر), شكّلت فترة من أهم فترات التجريب وأخصبها في تاريخ الرواية الغربية. فهي الفترة التي لمع فيها شعراء مثل (ت.س. اليوت) و (عزرا باوند), وكلاهما يجمع بين الشعر والنقد, وكلاهما أيضا لسعة علمه أثّر في تغيير أشكال الأدب لا في الشعر بل بالنثر أيضا .. وهي الفترة التي ترسخت فيها نظريات (فرويد) و (يونغ) في اللاوعي, فصار "المؤلف يتغلغل نزلا في طوايا الشخصية ويكتشف طبقات الوعي السفلي, إلى أن يبلغ القرارة التي ترسّبت فيها تجارب الحياة وذكرياتها وأحلامها" (جبرا ص8). وهي الفترة التي ظهرت فيها السريالية مستمدة قوتها من نظريات اللاوعي ممثلة بأشعار (رامبو) ونتاج (كوكتو) وغيرهما. وقد ظهرت في هذه الفترة روايتان مهمتان أثرتا في معظم ما كتب فيما بعدهما: "البحث عن الزمن الضائع" (لمارسيل بروست), و "يوليسيز" (لجيمس جويس), وكلتاهما تعتمد استثارة الوعي والتداعي, وبخاصة رواية "يوليسيز" التي تعتمد استخراج ما في النفس من تجمعات الحوادث والخواطر دفقا عن طريق المونولوج الداخلي والرموز المتواترة والصور المترددة. و "انتشرت بين الأدباء عادة من الصعب ردّها إلى أصلها وهي أن يبني الكاتب قصيدته أو قصته على أسطورة قديمة في لباس حديث, أو أن يدخل في كتاباته حوادث تعود في الواقع إلى مراسيم بدائية, نتيجة لانتشار النظريات الأنتروبولوجية التي فصّلها السير (جيمس فريزر) في كتابه "الغصن الذهبي" (جبرا ص8).
وعلى ما يبدو فان فوكنر كان يتشرّب هذه التأثيرات على مهل. ولما جعل يكتب "الصخب والعنف" كان قد هضم تأثيرات فترته بحيث استطاع أن يجعل منها عدة لرواياته. فروايته تعتمد المونولوج الداخلي و "تأثير جيمس جويس واضح- ولكنه تأثير خلّاق لا محطّم... وكل شخص من أشخاصها الثلاثة المهمين (وهم أخوة) يعبّر عن إحدى الشخصيات اللاواعية التي أسماها فرويد: ألهو(ID), والأنا (Ego), والأنا الأعلى (superego), والأخت وابنتها تمثلان اللبيدو (Libido)- أي الطاقة الجنسية" (جبرا ص9).
وإذا انتقلنا لغسان كنفاني المولود (سنة 1936), نجد أن فترة شبابه وتفتحه كانت هي الأخرى في فترة خصيبة من فترات أدبنا العربي, حيث فيها كثر التجريب والتجديد على صعيدي المضمون والشكل في الشعر والرواية. وذلك بسبب التأثر الذي حصل من الأدب الغربي الوافد إلينا عن طريق الأصول أو الترجمات. ففترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وما تلاها حتى أواخر الخمسينات وأوائل الستينات شهدت تطورا ملحوظا وأنتجت أدبا فيه الكثير من التجديد, ويكفي أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر أسماء كالسّياب والبياتي وحجازي في الشعر, ومحفوظ, ومينة, وإدريس, وحيدر, في الرواية والقصة. وكان لغسان الطامح إلى الكتابة أثناء عمله في الكويت فترة ذهبية للاطلاع على هذه المنجزات العربية منها والغربية- حيث منهما انحدر إليه هذا التأثير في روايتيه "رجال تحت الشمس 1962" و "ما تبقى لكم 1966", ففيهما يظهر تيار الوعي واضحا عن طريق دفق التداعي والذكريات والمونولوج. ومن هنا جاء تأثره برواية "الصخب والعنف" وبأساليبها. وهكذا إذن فكما تأثر فوكنر بجويس وتبدى ذلك في روايته تأثر غسان بفوكنر, وهذا ليس جديدا في الأدب** ولكن يظل السؤال مفتوحا على مصراعيه إلى أيّ مدى كان هذا التأثر؟ هل كان مطابقة محطمة؟ أم أنه كان تأثرا خلّاقا؟
كي نجيب على هذه المساءلة, لا بد من أن نقف على عدد من النقاط في الروايتين لنشير إلى الالتقاء والتشابه والى الابتعاد والتخالف بينهما.
الصراع والأفكار المحورية: أول ما نجده من نقاط الالتقاء بين الروايتين, يتمثل بتشابه الصراع فيهما, حيث أن الصراع في رواية فوكنر- كما في معظم رواياته- يظهر في نقطتين أساسيتين: الصراع بين الشمال والجنوب, خاصّة بعد أن خسر الجنوب الحرب الأهلية وغزاه الشمال بوسائل شتى غيرت معالم الحياة فيه. "وهذا التغير بما فيه من انحطاط أو سموّ, من شهامة أو حقارة, وبما سبقه وتلاه من جرائم وصراع وهتك عرض, هو موضوع فوكنر. والشرف والإباء كلمتان تترددان في أكثر كتبه. الشرف والإباء والحب والشجاعة, وقد أحاطت بها قوى الفساد والجريمة والمادية والجشع والخسة. فأن فوكنر يرى في قصة الجنوب مصغرا لما حل بالعالم من فوضى خلقيّة وانحلال اجتماعي, ويرى في ذلك مأساة كونية" (جبرا ص4)*** ثم الصراع في الجنوب نفسه بعد هذا الغزو المشار إليه, بين القيم الزراعية القديمة في الجنوب والقيم الشمالية المادية الوافدة. "فالوضع في روايات فوكنر مبني على أن الشمال مادي والي, يعتمد على المدن الكبيرة التي تعيش فيها الملايين التي لا وجه لها ولا شخصية, وأنّ الجنوب زراعي يعتز بالشرف. وتيار الشمال الأرعن يهدّد بالقضاء على تقاليد الجنوب العريقة. ولكنها تقاليد فيها الكثير من البلى والوهم وتفوح منها رائحة الموت" (جبرا ص4)****.
في رواية "الصخب والعنف" نجد صراعا داخليا في الجنوب تجسده عائلة كومبسون, حيث أن الرواية تتحدث عن "انهيار العائلة بسبب عجزها عن الحب وانتصار الأنانية في نفوس أفرادها" (ميلجيث ص52). هذه الأنانية هي وليدة الجشع المادي وانحلال الأخلاق الوافدين من الشمال. ف"الصخب والعنف" هي رواية "كاري ومأساة كاري" (ميلجيث ص51) أو كما يلح فوكنر " إنها مأساة امرأتين ضائعتين معا كاري وابنتها كونتين" وذلك بسبب ما حدث من تغيرات في الجنوب. ف "كاري صارت بالنسبة لإخوتها الثلاثة فكرة متسلطة. كل منهم يخضع لتلك الفكرة بأسلوب مختلف. ولكن أساليبهم أنانية ذاتية محضة, لم يكن أحد منهم قادرا على حبها. كل واحد أراد أن يفرض عليها بسبب أنانيتها نمطا من السلوك القسري الذي يرضيه هو فقط" (ميلجيث ص51). الأمر الذي جعل كاري تثور ضد هذا التصلب من خلال ممارسة حريتها الجنسية. وهذا ما فتق أحداث الرواية وأزمتها. أما بالنسبة لغسان كنفاني فنجد أن الصراع عنده وفي معظم رواياته يدور هو الآخر حول محورين: الصراع الفلسطيني الإسرائيلي- أي واقع الاحتلال- والصراع داخل المجتمع الفلسطيني نفسه, خاصة مجتمع المخيم واللجوء. وكلا الصراعين يظهران جليّا في رواية "ما تبقى لكم". فحامد بطل الرواية يدور في داخله صراعان أساسيان: مشكلة زواج أخته مريم بالخائن زكريا وحملها منه, ومشكلة التخلص من العار والمخيم وذلّ اللجوء وذلك بالذهاب إلى الأم مرورا بفلسطين (المطهر). وفي هذا ينسجم الصراع مع "الصخب والعنف". أحد المضامين الرئيسية لأدب غسان هو انصياع القلق الفلسطيني الذي يفرزه عجز الوضع القائم آنذاك عن تجاوز نفسه. ولعل أهم ما يثبته هذا الأدب هو أن الفلسطيني يملك نفسانية خاصّة. أي له سمات نفسانية معينة, أهمها القلق والتمزق والضجر وعقدة الذنب والنزق بالواقع على تخوم العصاب... والرواية (ما تبقى لكم) هي "انفلات من الماضي" (يوسف ص22).
هذا الاستعراض لمحاور الصراع في الروايتين يؤدي إلى نتيجة تقول بالتقارب بينهما فكلاهما صور عائلة تنهار, الأولى بسبب ما جدّ على الجنوب من تغيرات والثانية بسبب ضغط المنفى. ولكن الفرق بينهما كامن في تكريس الظاهرة وتجميدها ففي حين لا يتجاوز أبطال فوكنر عجزهم على العكس يكون عند غسان حيث يدفعهم إلى المواجهة. وفي حين يرى فوكنر أن انهيار عائلة كومبسون ليس انهيار الجنوب فحسب بل العالم كله, يخصص غسان ذلك للتجربة الفلسطينية في ماضيها المعتم قبل (عام 1965) وفي حاضرها المشرق بعده.
يقول غسان: "فلسطين تمثل العالم كله في قصصي" (شؤون فلسطينية العدد 1974-7-3) من هنا أراد غسان أن "يحرق المسافة بين الخصوصية والكونية. والاحتراق الفعلي لم يتحقق إلا من خلال التقاط جوهر تفاصيل رحلة الفلسطيني وتجربته في شروطها التاريخية المتباينة" (وادي ص43).
بالإضافة إلى ما ذكر فان الروايتين تشيان بأن موضوعة الأرض هي عنصر أساسي فيهما. فعند فوكنر "الأرض نفسها, الأرض الحيّة, هي البطل, وهي الله, وهي العنصر الرئيسي في كلّ أعماله" (كوغلان ص82). إذ أن كل من يهجر أرضه ويتركها تجف وتيبس عقابه التحطم وهذا فعلا ما حدث لآل كومبسون في "الصخب والعنف" أما بالنسبة لغسان كنفاني "فمن الأرض تبدأ رحلته وفيها كانت تطمح أن تنتهي, فهي تتوازى مع رحلة الإنسان الفلسطيني من الأرض إلى المنفى الذي ظلّت فيه الأرض محمولة في الذاكرة" (وادي ص52) أي بمعنى أن نسيج رحلة الفلسطيني يبقى متمحورا حول الأرض. وحتى الموت فانه لا يكتسب معناه بعيدا عن الأرض. لذلك يحسّ حامد بطل الرواية "الأرض امرأة عذراء ترتعش تحت جسده" (الرواية ص169).
ومثلما ترتبط الأرض بالشرف في رواية فوكنر في ذهنية بطله كونتين, بمعنى أن خراب الجنوب الأساسي كان في دمار أخلاقياته متمثلا بكادي, التي حملت قبل زواجها ثم تزوجت وتطلقت وتنقلت بين عدة رجال بحيث صار هم كونتين إنقاذ شرفها وشرف العائلة, لدرجة أنّه حاول إقناع والده بأنّه هو الذي زنا بأخته. كذلك تسيطر موضوعة الأرض مقابل الشرف عند كنفاني في "ما تبقى لكم" فمريم ككادي تحت ضغط الهمّ الشخصي والجماعي تقع هي الأخرى في الدنس فتحمل قبل الزواج من زكريا الخائن أو النتن كما يسميه أخوها حامد "فمريم بسبب ما أفرزته الهزيمة من أوضاع الأسرة الفلسطينية المقتلعة من بيتها ومن مدرستها وطموحاتها وأرضها, بلا سند ولا مال, توضع أمام أوضاع الحياة العاتية وهنا يحدث الاختلال بالأدوار الطبيعية ويصبح البحث عن الحماية هو محور النشاط: الحماية الاجتماعية والاقتصادية والنفسية, وهكذا تتحول مريم من أخت تبث الحنان والعون ومن عامل لتحقيق التفتح والانطلاق إلى القيد" (خالدة شيخ خليل ص118).
إن الفكرة الملحاح في نفس كونتين, هي كيف ضيعت أخته كادي بكارتها مع رجل تحتقره, وكيف أنها قبل شهرين تزوجت من آخر يكرهه؟ فيتمنى لو استطاع هو أن يضاجعها لكي يحفظها لنفسه فيحفظ الأسرة من التفكك وفساد الدم. يقول فوكنر في ملحق الرواية عن كونتين: "ما عشق جسد أخته بل عشق فكرة ما عن شرف آل كومبسون, وهو الشرف المحمول مقلقلا ومؤقتا على غشاء بكارتها النحيف الدقيق..." (جبرا ص15).
والفكرة التي تكبس على نفسية حامد وتجعله يترك غزّة متوجها إلى الأردن- إلى أمّه التي تشكّل وهما للمطهر هي نفسها كما في "الصخب والعنف" كيف سمحت أخته مريم لنفسها بعد كل ما فعله لأجلها أن تحمل, وأن تتزوج بالتالي من أوسخ وأنتن رجل في المخيم من زكريا الخائن. الفرق بين كونتين وحامد أن الأول- كونتين: " يتجه إلى التجريد فيصبح الزمن والشرف والعذرية موضوعاته الرئيسية والمفهومات المثلى التي يدور حولها" (ميلجيث ص45), لذا فهو مثالي, مما يجعله ينتحر بالتالي, لأنه رغم تمتعه بعقل شديد الذكاء, وبثقافة واسعة, كان عقله غير متزن في استغراقه الغامض بموضوع أخته وسيطرة فكرة شرف عائلة كومبسون على ذهنه. بينما حامد كان واقعيا, اصطدم بمشكلة أخته مريم التي شكّلت قيدا أمام انفلاته, لكنه استطاع أن يفلت منه وأن يكسره ويتجه نحو المستقبل بمعنى أنه حطّم القيد الرامز للماضي والذي كان فيه عذابه وعاره وانطلق نحو المطهر.
عنصر الزمان: رواية "الصخب والعنف" تعالج انهيار عائلة كومبسون من خلال استذكار ثلاثة إخوة للماضي وبالذات للأخت كادي, لذلك تكون أشبه بسيمفونية تتكرر فيها الإشارة إلى الحوادث نفسها "كأن كل حادثة موتيف في السيمفونية تعزفها كل مرة آلة مختلفة" (جبرا ص11). فمن الطبيعي إذن أن يوظف فيها فوكنر عنصر الزمن ليلعب دورا أساسيا.
ولأن كنفاني يسجل في روايته "ما تبقى لكم" الخطوات المنفلتة للفلسطيني من سجن الماضي نحو بداية الطريق فهي "رواية البدايات" بحيث تصبح "رسالتها خطوات تنفلت من يأس الماضي وعجزه هي فقط ما بقي لكم". (عاشور ص82). ولأن تجربة الاقتلاع والنفي القسري للفلسطيني عن أرضه فرضت نوعا من الخصوصية في علاقته مع الزمان والمكان بحيث "مهما تعددت الأماكن في المنافي, الحلم يظلّ يشدّ الفلسطيني إلى مكانه, ومهما تراكم الزمن فانه يظلّ يشدّ أوتار الذاكرة نحو الزمن المفقود". (وادي ص56).
وكنفاني ف روايته يطمح في استعادتهما معا أي المكان المفقود, والزمن المفقود. بسبب كلّ ذلك يوظف غسان عنصري الزمان والمكان في روايته كشخصين رئيسيين في الحدث.
وتتشابه الروايتان في توظيف الزمن تشابها كبيرا, خاصة في توظيف عنصر الساعة الذي يرمز إلى الزمن, والذي يدين به غسان تماما لفوكنر. وقد لاحظت رضوى عاشور ذلك التشابه في التوظيف, فهي تقول عنه: "... إن ما تبقى لكم تحمل أصداء واسعة من الفصل الثاني وبالذات من "الصخب والعنف" وهو الفصل الذي يقدم لنا تيار شعور كونتين الأخ... فالساعة في الفصل الثاني من رواية فوكنر, دقات ساعة اليد ودقات ساعة الأبراج في المدينة تشكّل حضورا أساسيا تماما كالساعة- النعش المعلقة أمام السرير في رواية ما تبقى لكم". (عاشور ص84).
إن الساعة التي يصغي كونتين التي تكتكتها هي التي ورثها أبوه عن جدّه والتي أهداها بدوره لابنه رمزا للقدر المأساوي الذي يتناوله خلفا عن سلف آل كومبسون بصفتهم عائلة منهارة حلّت عليها اللعنة: فالساعة على حد تعبير الوالد (ضريح كل الآمال والرغبات).
ولأن الساعة تقيس الزمان الخارجي الذي لا ينسجم ولا يتلاءم مع واقعنا الداخلي, لذلك فان والد كونتين يقول له: انه يعطيه الساعة "لا كي يذكر الزمن بل لكي ينساه, ولا يحاول أن يستهلك جهده في محاولة التغلب عليه لأن كل المعارك مع الزمن خاسرة بالضرورة". في الصخب والعنف يعبر الزمن عند كونتين عن قوته فانه "صليب حقيقي يطحن عظامنا بقرقعة دواليبه الصغيرة ويبري أعمارنا ويسوقنا ببساطة على درب الجلجلة التي هي دربه". (شاهين ص209).
كي يتخلص كونتين من الزمن الضاغط عليه يتجه نحو طاولة الزينة حيث يقلب الساعة على وجهها ليتفادى رؤيتها ويتعامى عن وجود الوقت, ثم يكسر زجاج ساعته ويقتلع عقربيها ويضعها في جيبه ولكنها رغم ذلك تظلّ تسمعه دقاتها التي أصبحت كالزمن نفسه لا معنى لها ولا دلالة لها, ويصبح وجود الساعة كوجود الأخ المتخلف عقليا بنجي البالغ الثلاثين والذي يصرخ كالوليد بكلام لا معنى له. الساعة وبنجي يصبحان معا تجسيدا لعبث الوجود الطبيعي ذاته" (عاشور ص84).
حين يخرج كونتين من غرفته في جامعة هارفارد يمرّ بحانوت لساعاتي فلا يملك الا أن يدخله. ويعرض على الحانوتي تصليح ساعته التي ترمز هنا للدوام الخارجي لنفسية صاحبها وللحياة العامة في المجتمع الذي داس كونتين على أعراضه وتقاليده وأدار له ظهره مستغرقا في وحدته الخاصة. وحين يسأل الساعاتي اذا ما كان هنالك عداد ساعة واحدة مضبوطا. يجيبه بالنفي, وهذا يعني أنّ نفسية كونتين ليست وحدها الشاذة المريضة بل لا يوجد نفسية واحدة سليمة سوية وحين يحاول الساعاتي أن يجيبه عن سؤاله حول الوقت يسكته لأنه لا يريد أن يعرف ما هو النمط الطبيعي الذي يرسمه المجتمع لتصرفات الانسان العادي. والتقاليد الحميدة التي ينشدها المجتمع في الفرد وفي اللحظة التي يسأله فيها الساعاتي عن سرّ اهتمامه بالوقت "هل هو معرفة موعد سباق الزوارق؟" أي تتبعا لمجرى الأحداث والمواقيت العملية واندماجها في حياة الجماعة. يجيبه بسبب عيد ميلاد خاص, أي انصرافا منه لمصيره الفردي. وحين يعرض عليه شراء ساعة تنظم أيامه على الايقاع المألوف الذي يخضع له الناس أحوالهم وتضعه مع اتصال مباشر مع تيار الأمور الخارجية, يرفض بحجة أنه يملك ساعة حائط كبيرة في البيت وهي رمز الى عبوديته لقدره العائلي. بما يحمله من وراثات وعقد وانهيارات داخلية وكوارث خفية" (شاهين ص211). وهكذا فانه بعد شرائه للساعة يختار مصيره الشخصي الشاذ بدلا من الانصهار في المصير العام. ونفهم من سياق الرواية ومما تقدم أن فوكنر يريد أن يعبر عن وجهة نظره من خلال كونتين والتي تقول: "ان كل انسان يحمل في أعماقه عدّادا خاصا داخليا يغير الوقت على هواه بصورة متناقضة ومختلفة عن عدّادات الأشخاص الاخرين". (شاهين ص212) بمعنى أنه لا يوجد زمن واحد متجانس بل أزمنة متعددة بقدر ما هناك من بشر.
"ان زمن كونتين المأساوي في الفصل الثاني من الرواية والذي يرمز اليه عقربا الساعة اللذان اقتلعهما بيده فجعل ساعته تتوقف عن السير دون أن تكفّ عن التكتكة يشير بأن كونتين يريد أن يوقف الزمن في كل صنوف العذاب, انه أصل كل تلك المشاعر التي لا تنتج عن دوافع معينة أو أسباب خارجية". (شاهين ص214) بمعنى أن الزمان هو قوام الحياة وداؤها, انه وقف على الماضي فقط ومأساة كونتين تكمن في عجزه عن التخلص من ماضيه, في محاولته تجميد الزمن. مأساته في عدم اعترافه بالتغيير الجامح الذي يقلب كل شيء والتحجر عند حالة ذهنية هي شرف أخته الضائع.
وهكذا نصل الى نتيجة تقول: ان كونتين الذي حاول التخلص من ضغط الزمن (أي التنصل من الماضي)الذي شد عليه الخناق بسبب الفراغ, والذي حاول ذلك بتحطيم زجاج ساعته واقتلاع عقربيهما يفشل وبالتالي ينتحر ويتغلب عليه الزمن. لذلك "فهو ليس سوى عشقه للموت, للعثور على الراحة, سوى سوقه الى التلاشي كرنات الساعة, الواحدة تخلي مكانها للثانية" (شاهين ص216), وسبب ذلك أنه كان واقعا تحت سيطرة فكرة الزمن (الماضي) وأن خوفه الحقيقي الذي لا يود أن يعترف به هو أن يفتر ولعه بكادي وبالشرف ولا يحتفظ هذا الولع بوتيرته المثالية الحالية" (ميلجيث ص48).
وفي القسم النهائي للرواية نحسّ "دقات الساعة حزينة عميقة, والتي ترمز للمنزل المتداعي نفسه" (كازين ص518). ان فوكنر حين يوظّف الساعة في الفصل الثاني- فصل كونتين- يوظفها من الناحية النفسية والفلسفية, "فالزمن والساعة- اللامعنى- والأخ المتخلف عقليا بنجي, وجودات ملحة في عالم أسرة ستنهار انسانيا" (عاشور ص58).
وغسان في رواية ما تبقى لكم يلتقي بالكثير مع فوكنر من ناحية توظيف الساعة- الزمن, فمثلما تعلق كونتين بماضيه هكذا يشكل الماضي عبئا على حامد, ومثلما ترمز الساعة الكبيرة في الصخب والعنف الى عبودية كونتين لقدره العائلي, هكذا تمثل ساعة الحائط المعلقة أمام السرير في بيت حامد, ومثلما يقتلع كونتين عقربي ساعته ليتخلص من ضغط الزمن, يخلع حامد ساعته ويرميها في الصحراء ليتخلص هو الاخر من قيوده, من الماضي, أي من عاره. ولكن الفرق شاسع بين الاثنين, وهذا ما سنلاحظه أثناء الحديث عن زمن غسان في روايته.
يتمثل الزمن في "ما تبقى لكم" كما في "الصخب والعنف" بساعتين: الأول ساعة حائط والثانية ساعة يد. والساعتان في الرواية ترتبطان بالمكان. الأولى بواقع اللجوء في المخيم في غزة, والثانية بواقع الصحراء التي تمد حامد بفعل الانتصاب, فهي أرض فلسطينية. الساعة الأولى- ساعة الحائط- (النعش) كما يسميها حامد ترمز الى الماضي الى كل القيود التي كبّلت حامد ومنعته من الفعل (مريم/ زكريا النتن/ المخيم), هذه القيود وخاصة مريم هي "المعوق الذي لم يتح لشخصية حامد بما تحمل من امكانات أن تتفتح كحالة وطنية أو سياسية, كما أنها تكبّل حركة البحث عن الخلاص الحقيقي لحالته. لذلك القضاء عليه يصبح ضرورة لخروج البطل من اساره" (خالدة شيخ خليل ص 118) وبسقوط مريم واستجابتها لزكريا النتن يتحقق كسر القيد فينطلق حامد يبحث عن أمّه في الأردن, وانطلاقه هذا لن يكون قضاءً نهائيا على القيد الذي اصطنعه لنفسه مدة ستة عشرة عاما انما هو خطوة نحو اتجاه جديد "يستبدل فيه قيدا بقيد" (خالدة ص119). وحين ينطلق حامد من غزة الى أمه (البديل) عن زمن الماضي ظلّت ساعة الحائط تدق, ودقاتها تبعث في مريم شعورا بالنهاية والاختناق. مريم بعد مغادرة حامد تظل مسهبة " تحسب خطواته وتحسب الوقت. كل خطوة تحصيها مع دقات الساعة المخنوقة, دقات النعش التي ترمز الى الأعوام التي قضاها حامد في غزة ينتظر ماذا؟" ينتظر أن يلمّ شمل الأسرة. وأن يخرجها من جحرها القمىء. ولكنه ماذا فعل؟ بكل هذه المدة لم يفعل سوى الانتظار". (خالدة ص120). الأعوام ضاعت وها هو الان أمام المجهول وقد فقد كل شيء.
أما ساعة اليد تلك الساعة التي حين يخلّف غزة وراءه ويدخل الصحراء يشعر بها كقيد مرعب فيفكها ويطرحها ويشعر براحة وكأن جدارا انهدم, فترمز الى تخلصه من ضغط الماضي وانتصاره عليه. وهنا يكمن الفرق بين فوكنر وغسان. فالزمن عند فوكنر يتحجّر في فصل كونتين, مما يؤدي بالتالي الى الانتحار, بينما عند غسان فانه يتحرك الى أمام. خلع الساعة في الصحراء يعني التخلص من قيد كلله طيلة ستة عشر عاما, يعني انهدام الجدار الذي حجبه عن الفعل, والجدار هو "مريم/ غزة/ الأم/ الرعب/ الترقب/ الزمن الضائع" (خالدة ص122).
وهكذا فبعد أن أسقط حامد كل المثبطات, امتلك القدرة على المواجهة وتلاشي احساسه بالصغر الذي رافقه طيلة سنوات, "متى ما انتهى حسابنا مع الزمن تبزغ القيمة للعمل لأن الاحساس بالزمن وبايقاعه يثير حسابات عديدة- الربح والخسارة- ما انقطع منه وما تبقى, مما يحول دون المغامرة الطموحة الجريئة فلا يستجيب لندائه الا من أسقط الزمن من حسابه" (خالدة ص122). ان الزمن الذي يستعرضه الكاتب في الرواية زمانان: زمن ميت ضائع (غزة), حيث يكون فيه حامد غارقا في المسؤوؤلية الأسرية, وفي خدمة أخته مريم, وزمن جديد لم يعد يسمع له صوت ولا يحسب لدقائقه حساب. مع هذا الزمن الجديد ينبثق شعور حامد بالندية والمواجهة.
والرواية في مجملها تطرح موضوعة انفلات الفلسطيني من الماضي, لهذا يشكّل الزمن فيها بطلا من أبطالها ممثلا بالساعتين. الماضي في الرواية وضع روحيّ عميق/ حسّ بالعار ممزوج بعقدة الذنب "ماضي الفلسطيني هو عقدة ذنب لا يمكن له أن يتخطى عقدة الذنب/ ماضيه إلا بالمرور عبر فلسطين التي هي المطهر". (اليوسف ص22).
وهكذا يتوجه حامد من فلسطين إلى الأردن ويكون هذا التوجه توجها زمانيا, انفلاتا من ماضيه نحو مستقبله, ومن جحيمه/ مخيّمه إلى مطهره, فماضيه مدنّس دنّسته مريم بحملها من الخائن زكريا النتن, ومريم مركوسة في عقدة الذنب في الزمن العاطل, ولكن مع سفر حامد وإيغاله في الصحراء يتحرك العون في حسّ مريم. وهكذا تبدأ الرواية بالدنس/ بالسلب, وتنبثق وشيجة الرواية منه برمّتها. ولكن الطهر ينتصر بالتالي. تبدأ بالدنس وتنتهي بالنظافة. مريم ملطّخة لذلك يبحث عن أمه/ الطهر, وتشبث حامد بالأرض يعني تشبثه بالطهر, وتمسك مريم بزكريا يعني تمسكها بالتلوث". (اليوسف ص26).
لقد قابل الكاتب بين مريم والأرض فكلاهما خصيب, لكن الأرض الفلسطينية لا تقوى عليها كل الأسلحة بينما مريم ساقطة قابلة للاستثمار. فلسطين هي بديل لوسخ المخيم, والنضال هو درب الخلاص من تلوث السقوط التاريخي. والاتجاه نحو الأم هو سبيل التخلص من المرأة المدنسة (مريم), لذلك تنتهي الرواية بإجهاضها وبقتل زكريا, أي تخلص الشعب من قذارة السقوط". الأرض كأرض, وكوطن متطابقان في هوية واحدة, تغدو خلاصا من دنس الولادة, وكوطن من عقدة الدونية, ومنهما يأتي الخلاص من عقدة الذنب" (اليوسف ص31).
ومريم في الرواية تتضمن الدنس والقوة التي تنفيه (طعنها لزكريا), "وصوت النبض في الرواية المواكب لحركة القصة حيث كل شيء في الرواية يدق وينبض" مؤشر الزمن سواء أكان الساعة في بيت مريم, أو الساعة التي ألقى بها حامد, يدق ويدق, والخطوات تدق على صدر الصحراء, والجنين ينبض وتدفق حركته الصغيرة مع دقات الساعة في رحم الأم والشهوات تدق ومجاديف القوارب التي نقلت المهاجرين يوم نقلتهم, من بلدهم كانت تمثل صوت الدق على سطح الماء (أي أن الذكريات تدق), " , بل الصمت نفسه يدق " وخيّل إلي تلك اللحظة أن هذه الدقات هي صوت الصمت. وأن الصمت لا يكون بلا صوت وإلا لما كان" (عباس ص24).
هذا الصوت هو صوت الحيوية والنمو الرابض في الكائنات, وهو "رمز للتعبير عن درجة التحول الحاضنة للحركة". (اليوسف ص33). إن تخلص حامد من ماضيه يقوده بالتالي الى المواجهة مع العدو, ولأن الأرض التي تشهد المواجهة فلسطينية, فهي تشهد بذور مواجهة أولى لم تكتمل وهذا يشكل "إشارة الإرهاص بانعطاف حركة التاريخ الفلسطيني ثائرا يرفع سلاحه الذي نجد صورته الموازية في الرواية في حامد يرفع خنجره في وجه العدو" دون أن يغرسه كي لا يستبق الكاتب الأحداث ويبدو تضليلا رومانسيا, ولكنه استشراف وإرهاص بتلك الحركة" (وادي, ص53).
وهكذا نجد أن حامد استطاع بالتالي وبعد تخلصه من ساعته/ ماضيه أن يتجاوز ذاته وأن يواجه, وكذلك مريم التي انتصر مضمونها الايجابي على السلبي استطاعت أن تواجه هي الأخرى وأن تقتل زكريا وأن تسقط الجنين. هذا القتل يشير الى انتصار الإرادة على الوهن التاريخي/ الطهر على الدنس/ تحرير الإرادة من سمة العطالة. انه الضرورة التاريخية الناجمة عن حركة حامد وانتصاره (المؤقت) على الجندي" (اليوسف ص33). ومن المفيد أن نلاحظ أن مريم وهي حسّ الدنس الخانع الذي هو جزء من محتوى الضمير الفلسطيني يكون انتصارها على نقصها مشروطا بانتصار حامد على الجندي, لذلك كان صراعها مع زكريا يتصاعد بتصاعد الصراع بين حامد وعدوه. ولكن غسان ترك صراع حامد مفتوحا لذمة التاريخ, بينما إرادة مريم انتصرت فطعنت زكريا وتخلصت من جنينها ثمرة الدنس, وبذلك "تحررت المشيئة الوطنية وبدأ صراع من نوع جديد مرهون بالتاريخ. الشروط لم تحضر. شرط واحد حضر هو الإرادة, لكن النصر شروطه لم تحضر (وحالة حامد في الصحراء مع عدوّه دليل على ذلك". (اليوسف ص32).
ان الدافع لكل هذا التحرك كان الموت المبكر الذي أصاب سالم الفدائي. فقد حرّك موته "شرارة الانبعاث في كل نفس" (عباس ص24).
وهكذا بتوجه حامد الى أمه وباصطدامه بالعدو, وبتخلص مريم من جنينها ومن زكريا تكون الرحلة من اللاوعي الى الوعي "غزة راحت وامّحت, وخيوط الصوف كرّت كلها". وكلما زاد حامد ضربا في الصحراء كلما تأكد نمو الوعي وسقط وهم الأم واكتشف عبثية قصده الأم "لأن ذلك سيجعل منها تكملة لحلقة القيد الماضي المعطّل" (خالدة ص120) ان سقوط وهم الأم واصطدام حامد بالجندي يؤكدان اصطدامه بجدار عياني لا وهمي, وهذا يتحول من برهة مجردة الى عيان ملتحم بنقيضه.
هذا ما يميّز زمن كنفاني من زمن فوكنر حيث ان زمن فوكنر عالق بالماضي فساعته (مقبرة كل الامال) بينما غسان ولأنه يتناول مادته من الزاوية السياسية التاريخية أساسا. (عاشور ص85) فان ساعته- النعش لا توحي بالزمن كحركة عابثة ولكن ترتبط الى السيطرة الخانقة للماضي على الفلسطيني. اذا كانت ساعة فوكنر مقبرة للامال فساعة غسان "مقبرة للعجز الناتج عن الارتباط بماض مهزوم وجريح... وحين يلقي حامد بساعته في الصحراء فهو يلقي وراء ظهره بقيود الماضي الذي يؤكد له عجزه وهزيمته لكي ينطلق بعد ذلك ويتقدم في رحاب الحياة والعمل". (عاشور ص85).
فرق شاسع اذن بين الزمنين عند فوكنر وغسان- وان التقيا في الكثير من النقاط. وفرق شاسع ايضا بين كونتين وأخته وحامد وأخته. الأولان ينتميان الى أسرة أمريكية تنتمي لعالم سينهار والاخران فلسطينيان هما رغم عجزهما واحباطهما صاعدان "أي أنهما قادران على انجاز فعل التحرر والانعتاق. ان كونتين نقيض حامد, في حين تغلق دائرة اليأس حول الأول دافعة اياه للانتحار, فان الأخير ينفلت من دائرة الموت معلنا حبه للحياة وتشبثه بها" (عاشور ص86).
البناء: لقد تأثرت رواية "ماتبقى لكم" برواية "الصخب والعنف" من حيث البناء فكلتاهما تعالج الدمار الذي يحل بأسرة معينة. ومثلنا أنّ بناء رواية فوكنر يتجه من اللاعقلاني الى الموضوعي, فان رواية غسان تأخذ المعنى نفسه تتجه اذ تتجه هي الأخرى من عالم غير متوافق مع العقل نحو عالم عقلاني تبلغه بالصراع. لقد بنى فوكنر روايته على دفق الذكريات, فالقارىء يعرفها, وما على المؤلف الا أن يرى أثرها ووقوعها في نفس أحد الأبطال ملقيا عليها كل مرة ضوءا جديدا" (جبرا ص10), بل ان الحوادث تكاد تكون لا خطورة لها اذا قيست بما يحيط بها من ظروف وما تخلف من وَقْع.
والرواية هي قصة اخوة ثلاثة هم: كونتين وجاسن وبنجامين أو (بنجي) وأختهم كاندي (أو كادي) وابنتها كونتين. وقد أقيمت على أربعة أقسام, كل قسم من الأقسام الثلاثة الأولى يرويه أحد الأخوة بالدّور, كل على طريقته, والقسم الأخير يرويه المؤلف.
1. بنجي: بتاريخ, 7 نيسان, 1928.
2. كونتين: بتاريخ, 22 حزيران, 1910.
3. جاسن: بتاريخ, 28 نيسان, 1928.
4. المؤلف: بتاري, 28 نيسان, 1928.
وكل قسم يختلف عن الأقسام الأخرى للاختلاف الشديد بين الاخوة. فبنجي معتوه يسمع ولكن لا ينطق ولا يستطيع الا الصراخ والعويل وهو حين يروي الحوادث لا يستطيع أن يرتبها زمنيا, وما حدث قبل عشرين سنة وما حدث اليوم كلاهما متساوي الأهمية في سرده, متساوي الوضوح, وكل شيء يذكره كأنه يراه لأول مرة بكل ما فيه من حدة وطرافة. وكونتين في (1910), طالب في هارفارد مفرط الحساسية شديد التعلق بشرف الأسرة. وجاسن في (1928) فظّ, شرس, ساديّ, أناني, يبغي من الحياة النجاح وتجميع الثروة عن أي طريق. كل هؤلاء الاخوة المختلفين يشير الى الحوادث ذاتها على الأغلب ناظرا اليها من زاويته*****
ولأنّ الرواية مبنية على تدفق الذكريات نجد أن القصة لا تنمو بقدر ما تدور على نفسها أو تتحرك في خطوط متوازية. الكاتب في الرواية يعرض ثلاث طبقات من الوعي معا, ويحمل القارىء زمنيا جيئة وارتدادا بينها ويبقيه دوما على أكثر من مستوى زمني واحد, "في خطوات تجعل الحدث الاني متوازيات من الأماسي الماضيات تتواشج له عن مغزى أو عبث" (جبرا ص16).
وكي يخفف المؤلف من وطأة الأزمنة وتداخلها استعمل الحرف المائل (Italic) كلما أراد أن يتحول بالسرد فجأة حتى ولو كان وسط الجملة. فهو يتحول من الحاضر الى الماضي, ومن الماضي الى ما قبله, من القول الواعي الى اللاواعي, من الحدث الجاري الى الحدث المستذكر, ويستخدم هذا الحرف أيضا كفاصل بين الفكرة والفكرة أثناء التداعي. ويتوسل المؤلف وسيلة ثانية في بنائه هي استعمال الترقيم أو اهماله وفق حاجته. "فكلما انتقل الفعل من الحدث المباشر في سير القصة الى المستذكر الذي أصبح انسيابا ذهنيا (بعد أن كان تسلسلا جديا), انعدم الترقيم, لأن الترقيم يوحي بالفواصل المنطقية, وفي الذكرى كما يريدها المؤلف هنا, تتداخل الأفعال والأقوال دونما فواصل أو ناظم منطقي؟!" (جبرا ص26. اضافة الى ذلك يكثر المؤلف من استعمال حرف العطف توكيدا على الانسياب الذهني المذكور انفا.
في رواية غسان كنفاني "ما تبقى لكم" نجد تقريبا نفس البناء, بمعنى أنه بناها على تدفق وانثيال الذكريات, ضمن أصوات ثلاثة متداخلة ومتلاحمة (حامد/ مريم/ الصحراء), لكنه لم يقسمها على أصوات منفردة كما فعل فوكنر, بل جعلها كلها تتدفق دفعة واحدة. وفيها أيضا نجد الكاتب يعرض روايته في ثلاث طبقات من الوعي ويحمل القارىء جيئة وارتدادا بينها على أكثر من مستوى زمني واحد******
ويشعر القارىء أثناء قراءته للرواية كأنها فصل واحد لاهث تتقاطع فيه الأصوات وتندغم, ثم تعود لتتقاطع وتندغم من جديد. ومثلما استخدم فوكنر الحرف المائل, استخدم غسان تغيير حجم الحروف عند النقطة المعنيّة. يقول في توضيحه للرواية, لأنه كان يعي اشكاليتها: "الأبطال الخمسة في هذه الرواية, حامد ومريم وزكريا والساعة والصحراء لا يتحركون في خطوط متوازية أو متعاكسة... ولكن في خطوط متقاطعة تلتحم أحيانا الى حدّ تبدو وكأنها في مجموعها خطين فحسب. وهذا الالتحام يشمل أيضا الزمان والمكان بحيث لا يبدو هناك أي فارق محدد بين الأمكنة المتباعدة أو بين الأزمنة المتباينة, وأحيانا بين الأزمنة والأمكنة في وقت واحد" (مقدمة الرواية ص159). وهذا يشي بأنه كلما أراد تحويل السرد من زمن الى اخر, أو من شخصية الى أخرى, أو من حدث الى اخر, غيّر نوع الحرف. وهكذا نرى الى تطابق كامل تقريبا بين المبنيين.
الخلاصة: لا شك في أن ما تقدم يشي بتأثر غسان كنفاني في روايته "ما تبقى لكم" بوليم فوكنر في روايته "الصخب والعنف", لا بل ان الرواية كلها مدينة لفوكنر سواء كان ذلك في الصراع, أو في عنصر الزمن, والتضارب بين زمنيين (زمن كونتين وزمن دلزي عند فوكنر) و (زمن مريم/ زكريا وزمن حامد عند غسان) و "الروايتان تقدمان عالما ملغميا تتمازج فيه عدة قضايا وموضوعات" (اليوسف ص39), كما أنهما تشتركان في عدد من النقاط سبق أن ألمحنا اليها, كقضية الجنس الذي يشكل مهربا من الواقع المحبط (مريم/كادي), وكقضية السقوط والخيانة (زكريا/ كادي وزواجها من جنرال ألماني في النهاية), وقضية الحب المحرّم بين الأخ وأخته (حب كونتين لكادي وادّعاؤه بأنه زنا بها, وحبّ مريم لحامد الذي كلما رأت ثيابه اشتهت رجلا, لذلك سقطت عند ملاقاتها لأول رجل حقيقي) مع أن نزعة الحب عند فوكنر سافرة بينما عند غسان مخبوءة في الألياف. وقضية الدنس وأبعاده ومحاولة تطهّر ابنة كادي من دنس عائلة كومبسون لذلك يلاحقها جاسن, وجنين مريم الذي زرعه فيها زكريا الخائن النتن, هو دنس حامد, لذلك يهرب منه ومنها. وقضية كسر زجاج الساعة واقتلاع عقربيها عند (كونتين) وخلع الساعة وطرحها على رمال الصحراء (عند حامد) ليتخلصا من ضغط الماضي/ الزمن العاطل. وكذلك بناء الرواية القائم على التدفق والاستذكار والتداعي والمونولوجات الداخلية. والتلاعب بمستويات السرد واستخدام الخط المائل (فوكنر) والعريض (غسان) للفصل بين تداخل هذه المستويات والأزمنة والشبه بين مريم التي تشكل قيد حامد الماضي والأم قيده الثاني, وبين كادي قيد كونتين وابنتها القيد الثاني الحاضر, بحيث لا يتم التحرر الا بكسرهما, مع الفارق في أن حامد استطاع, بينما بطل فوكنر أخفق في ذلك وحتى بكاء بنجي عند فوكنر والذي يشكل لازمة في الرواية كالكورس الاغريقي القديم يقابله جملة حامد لو كانت أمك هنا".
ولكن بالرغم من هذا الالتقاء في البناء والاليات والانجازات الفنية والأدوات الجمالية بين الروايتين الا أن غسان استطاع أن يمد روايته بخصوصية الموضوع وأن يجعلها تمور بالوضع الفلسطيني لفترة الخمسينات- أوائل الستينات وهذا يعود لامكانات كنفاني الفرية والفنية اذ استخدم (الساعة/ الأخت/ الأخ/ العاشق/ الوضع) استخداما فلسطينيا وأضاف الصحراء فطوعها لتوافق المرحلة التاريخية للقضية الفلسطينية والتجاوب مع جغرافية وطبيعة المكان الذي وقعت فيه, وأهم من كل ذلك التعبير في رمزيتها عن عالم الفلسطيني المنفي عن وطنه. (خالدة ص130)
وبهذا يكون غسان كنفاني قد امتلك خصوصية حققت له التمرد وذلك كونه استطاع أن يطبّق "هذه النهاجية- المشار اليها سلفا-, على وضع معين أو على موضوع ذي طابع تاريخي" (اليوسف ص39).
ان رواية فوكنر ذات بعد كلي/ كوني, أبطالها حالات لأفكار نفسية بينما أبطال غسان جوانب لضمير شعب بعينه. ومن خلال تقديم بطل مقهور كرمز لكل أشكال القهر التاريخي يكون غسان قد تعامل مع المحلي ورفعه الى أفق الكونية, وهذا هو الأدب الصحيح.
تلخيص الروايتين:
1. الصخب والعنف, وليم فوكنر, ترجمة جبرا ابراهيم جبرا, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت, ط3, 1983.
ان أسرة كومبسون (المقيمة في دار كبيرة في مدينة جفرسون, وفي خدمتها عدد من الزنوج أهمهم دلزي) تحاول التمسك بالتقاليد الارستقراطية عبثا فالأب وهو بليغ الكلام, يعتكف على مطالعة الكتب الكلاسيكية ومعاقرة الويسكي ينشد فيهما نسيان تيار الحياة الجديدة, والأم "سيدة" شديدة الكبرياء والترفع لكنها دائمة المرض تقضي أوقاتها في الفراش مصرة على منزلتها الاجتماعية ولا تثق الا بابنها جاسن, وهو الذي يسلب مالها دون وعي منها لأغراضه الشخصية, تبيع الأسرة قطعة ثمينة من أراضيها لارسال كونتين الى هارفارد, وهو يحب أخته كاندي, حبا شديدا, ولكنه يتألم جدا عندما يعلم أنّها عشقت رجلا غريبا وضاجعته, فلا يستطيع أن يتحمل فكرة فقدانها العفاف وما في ذلك من وصم لشرف ال كومبسون, فيدعي أمام أبيه أنّه هو الذي ضاجعها! ثم تتزوج أخته وهو في هارفارد بعد ذلك بمدة قصيرة, حال انتهاء السنة الدراسية الأولى, ينتحر غرقا في نهر تشارلز في كيمبريدج, ماساتشوستس. وذلك يوم 2 حزيران 1910 أما أخته كاندي فيكتشف زوجها أنها حامل من رجل اخر وتنتقل من رجل الى اخر وتسوء سمعتها ( وقد أخذت الأسرة ابنتها لتربيتها) الى أن نسمع أخيرا أنها عشيقة لجنرال ألماني في باريس, وفي هذه الأثناء كانت كاندي ترسل أول كل شهر مقدارا من النقود كي يصرف على ابنتها ولكن جاسن كان يكرهها ويشاكسها, ويكره ويشاكس ابنتها أيضا- يتسلم المال ويخفيه عن الفتاة (عدا عشرة دولارات كل شهر ويجمعه في صندوق مخبّأ في غرفته فتنشأ الفتاة تحت اضطهاد مستمر منه. وفي ليلة 8 نيسان 1928 تتسلق شجرة الأجاص التي تمس فروعها نافذة جيسون وتكسر الزجاج وتفتح الغرفة وتسرق المال حوالي سبعة الاف دولار) وتهرب به مع عشيق لها من الممثلين في "السيرك". وطوال هذه السنين كان بنجي موضوع عناية الخدم الزنوج مع عطف شديد من دلزي ولكن كاندي هي التي تعلق بها المعتوه المسكين على طريقته, وقد كانت تلاعبه وتحنو عليه وبعد أن اختفت كان كلما سمع اسمها ينوح ويبكي وكلما اشتم رائحة أوراق الشجر في المطر تذكرها لأنها كرائحة أخته, ويهاجم مرة فتاة فيطلب جاسن الى أبيه أن يخصيه دون جدوى, الى أن يموت الأب فيخصى بنجي ثم تموت الأم فيضع جاسن أخاه في مستشفى المجانين ويسرح الخادمة دلزي (وكان يكرهها) وأولادها, ويبيع الدار لرجل يحولها الى نزل ولا يبقى من الأسرة شيء. (عن جبرا, الصفحات 11,12,13 من مقدمة الرواية).
2. "ما تبقى لكم", غسان كنفاني, الأعمال الكاملة, المجلد الأول, الروايات, الطبيعة, بيروت, 1972, (ص153- ص233).
تحكي عن أسرة فلسطينية تسكن في مدينة غزّة بعد أن خرجت كرها من مدينة يافا بعد الصدام الخاطف الذي حصل بين العرب واليهود وتحت وطأة الظروف والارهاب الذي تم فيه اخراجهم تتشتت الأسرة فيحمل الطفل حامد الذي يبلغ من العمر 10 سنوات في قارب الى مدينة غزة ومعه أخته الشابة مريم ولها من العمر 20 عاما ومعهما الخالة العجوز, بينما تبقى الأم على الشاطىء املة اللحاق بهم في قارب اخر ولكنها لم تتمكن من ذلك.
يوقف حامد حياته على القيام بالأسرة الصغيرة ويعمل في مدرسة لأبناء اللاجئين معلما وتعلم الأسرة عن طريق الاذاعة بأن الأم في الأردن عند شقيق لها وتتبادل معها الرسائل الاذاعية. يكبر حامد ويرفض أن يتزوج الى أن يستطيع لم شمل الأسرة وحتى يخرجها من جحرها الى وضع أفضل ويرفض أن يزوج مريم الى أن يتقدم لها الرجل الجدير بها, لكن الظروف لا تتيح له تحقيق رغباته فيتفاجأ بأخته التي وهب لها حياته حاملا وقد بلغت السادسة والثلاثين, وممن؟ من زكريا, زميله في العمل الذي يحمل له الاحتقار والازدراء وحتى أنه لا يسميه الا "زكريا خائن ذليل, جبان, تهاوى أمام أول تهديد لهم جميعا- توجه اليه الضابط الاسرائيلي بأن يدله على الفدائي سالم من بينهم فينبري زكريا من بين الصفوف راكعا " أنا أدلكم عليه (سالم) لكن سالم لم يتح له فرصة الاعتراف عليه, فقد تقدم الى الضابط الذي أمر بأخذه خلف جدار حيث سمعوا صوت الرصاص لم يستطع حامد أن ينسى هذا الموقف ولا ان يغفر لزكريا بالاضافة الى أنه متزوج وله ستة أولاد. لم يحتمل حامد فجيعته بأخته فقرر أن يترك البيت وغزة وأن يذهب الى أمه في الأردن عبر الصحراء ليتلافى الفضيحة وفعلا يغادر البيت بعد أن زوج مريم من زكريا يخرج بلا سلاح ولا دليل, ولكنه صمم ولن يتراجع, يبدأ رحلته عبر الصحراء في المساء وفي قلبها يفاجأ بجندي اسرائيلي ضل طريق دوريته, ينتبه في هذه اللحظة أنه لا يمتلك سلاحا وبخفة وبراعة يباغت الجندي فيرميه أرضا وينزع سلاحه ويستولي على سكينه, يمضي حامد الليل كله متنبها أمام الجندي الاسرائيلي بعد أن قيده منتظرا عودة الدورية في الصباح لتأخذه وفي هذه الساعات يستعرض ماضيه وحاضره وما حققه على صعيد الوطن أو الأسرة ومن نتائج استعراضه يدرك أنه لم يحقق شيئا وها هي الفرصة تتاح له ليعوض الماضي, ويعتزم قتل الجندي, لن يقتله وهو منفرد به بل حال وصول دوريته. تقضي مريم على زكريا بسكين المطبخ لأنه يصر على اسقاط الجنين الذي نوت أن تسميه حامد (أُخذت عن خالدة الشيخ. خليل ص109-110).

الإحالات:
* لمعرفة حياة فوكنر راجع كتاب كوبلان.
** عن حياة غسان كنفاني راجع كتاب رجال حول الشمس", مقالة اني كنفاني "غسان كنفاني حيا وشهيدا" ص43 وما بعدها.
*** من اجل ذلك اختلق أسطورة يوكاناباتوبا راجع بهذا الخصوص كوبلان وميلجيث.
**** راجع رواية الحرم "sanctury" حيث فيها يغتصب رجل من الشمال عذراء جنوبية, ولكنه عنين (ويرمز ذلك إلى الشلل في نفس الشمال) فيقضي وطره منها باستعمال عرنوس الذرة, ولكن الفتاة بعد ذلك تلتهب شبقا فكأنها بذلك تمثل انهيار القيم في الجنوب.
***** نحن مدينون في هذا لجبرا إبراهيم جبرا في مقدمة رواية الصخب والعنف مترجمة.
****** راجع الرواية الصفحات 172-204-218 وغيرها.
المصادر والمراجع:
1. كنفاني, غسان: الآثار الكاملة, المجلد الأول, الروايات, الطليعة, بيروت, 1972. المقدمة للدكتور إحسان عباس بعنوان: "المبنى الرمزي في قصص غسان" ص11- ص27.
2. وادي, فاروق: ثلاث علامات, الأسوار, عكا, ط 2, 1985.
3. اليوسف, يوسف سامي: غسان كنفاني رعشة المأساة, الأسوار, عكا, ط2, 1988.
4. خليل, خالدة شيخ: الرمز في أدب غسان كنفاني القصصي, شرق برس, نيقوسيا, 1989.
5. عاشور, رضوى: الطريق إلى الخيمة الأخرى, الأسوار, عكا, 1977.
6. القاسم, أفنان: غسان كنفاني, وزارة الثقافة والفنون, بغداد, 1978.
7. حجازي, يعقوب, شلحت, أنطون: الرجل تحت الشمس, إعداد وتقديم, الأسوار, عكا, 1980.
8. فوكنر, وليم: الصخب والعنف, ترجمة جبرا إبراهيم جبرا, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت, ط3, 1983. المقدمة لجبرا أ. جبرا ص2-ص28.
9. كوغلان, روبرت, عالم فوكنر الخاص, ترجمة سامي حنا, مكتبة الحياة, بيروت, د.ت.
10. كازين, الفرد: أعلام الأدب الأمريكي, ترجمة د. أمير كامل, الانجلو المصرية, القاهرة, 1989.
11. شاهين, سمير الحاج: لحظة الأبدية, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت, 1980.
د. حبيب بولس – ناقد ادبي ومحاضر جامعي - drhbolus@yahoo.com

CONVERSATION

0 comments: