طلب استاذ علم النفس من طلابه ان يحضر كل منهم عملا حول فهمهم لشخصية الشباب الناشئين وخياراتهم المستقبلية ، وكيف يستطيعون عبر امتحان معين ، يحضرونه ويمتحنون به الشاب ان يعرفوا خيارات المستقبل لكل شاب.
وأوضح انهم الآن في مرحلة متقدمة من فهم ادوار الانسان في الحياة وما يؤثر عليها ، وانه يريد ان يختبرهم في قدرتهم على معرفة خيارات ابنائهم في المستقبل مثلا.
عمل الطلاب ، قرأوا المراجع ، استشاروا طلابا عبروا نفس الامتحان وحضّر كل طالب ملفا تحليليا كبيرا عن نفسية الشاب وما الذي يتحكم بخياراته ، واعتمدوا على تشكيلة واسعة من الأبحاث النفسية ، ومن المدارس المختلفة في علم النفس والتربية .
في اليوم الموعود سلموا دوسيات العمل للمحاضر.كانت كلها دوسيات ضخمة ومطبوعة ومرتبة بشكل جيد. الا دوسية واحدة لا يوجد فيها غير ورقة واحدة مكتوبة بخط اليد قدمها طالب اسمه سمير ..
- فقط هذا ما اعددته ؟
تساءل الطلاب بسخرية . رد سمير باستهزاء وعدم اهتمام :
- وهل من الضرورة لملفات ضخمة ، لن يقرأها استاذ علم النفس؟
- ولكننا قمنا بتحليل علمي ؟
رد الطلاب .
- اصطلاحاتكم مضحكة .. "تحليل علمي" ، و "دراسة علمية" ، هل نشتغل في مختبر ام في عالم البشر المفتوح والمليء بالتراكيب المتناقضة ؟
- نحن طلاب علم .
- العلم بدون فهم اساليب تطبيقة ، يصبح سحابة دخان.
كان استاذهم ينصت للحوار وهو يبتسم . ثم قال :
- طلابي الأعزاء .. نحن ندرس العلوم لفهم أكثر التطبيقات ملائمة لعالم الانسان ، وليس لنحفظ نظريات فقط ونكرر ابحاثا ولا نعرف استعمالها ولا كيف يمكن تطبيقها في نشاطنا العملي. ما قصدته ليس ان تستعرضوا النظريات التي نتعلمها ، بل ان ارى قدرتكم على جعل النظريات آليات تستعملونها في نشاطكم العلاجي.
وأضاف بعد ان تأمل الدوسيهات الضخمة:
- تخيلوا ان مريضا دخل لعيادتكم يعاني من مشكلة نفسية ، هل ستحضرون دوسية ضخمة لتحليل شخصيته واستعراض نظريات علم النفس عبر التاريخ ؟ ام ستكونون مؤهلين لفهم ما يعاني منه وتسجيل ملاحظات تفي بالغرض العلاجي؟
اصيب الطلاب بالصمت الكامل ، واختفت ابتساماتهم . سال أحد الطلاب :
- أذن هل تقول ان ما حضرناه كان عملا بلا فائدة ؟
- نسختم ما جاء في الكتب ، هذا مؤكد ، وآمل ان بعضكم وضع فكرة عملية . القصد من التمرين الذي طلبته ، ان تتوصلوا ، بناء على ما درسناه حتى اليوم الى فكرة يساعد تطبيقها في معرفة ما قد يختار الشاب في المستقبل؟
- وهل ورقة زميلنا سمير تعرض خطة ؟
- لا أعرف .. ساراجع دوسياتكم . في الدرس القادم سنكون أكثر نورا بما أعددتموه .
بعد اسبوع دخل استاذ علم النفس وبيده دوسية واحدة . سال أحد الطلاب استاذهم :
- لم تحضر دوسياتنا .
- نفعتني لمدفأة الحطب. كان الطقس باردا كما تعلمون ، واضطررت لأستعمال الدوسيات بسبب نقص الحطب.
كانت السخرية والمرارة واضحة في كلماته . وأضاف:
- فقط دوسية سمير انقذت نفسها من الحرق.
كانت الاشارة واضحة :" فشلتم في الامتحان ".
ولكن ما الذي يجعل دوسية سمير بصفحتها الواحدة اليتيمة أفضل من الاف الصفحات سهروا الليالي يراجعون وينقلون ويطبعون وينقحون .. ؟
كانت دوسية سمير تشد انظارهم بنوع من الاستفزاز .
توجه المحاضر لسمير :
- اريد ان انوه بأن سمير لم يقدم أي تحليل ، بل قدم فكرة حول كيفية فحص شاب لمعرفة ما قد يختار مستقبلا. وطبيب النفس لا يكتب تحليلا بل يطور اساليب عملية لمعرفة ما يعاني مرضاه وكيفية علاجهم ، ولا تهمني الفكرة هنا بقدر ما اثارني التفكير بطريقة معينة. المادة العلمية ضرورية لتصبحوا على معرفة علمية ومؤهلين في تطبيقها وتطوير خبراتكم وليس في اعادة تسجيلها ، ونسخها من الكتب .
- سمير تفضل واشرح للصف فكرتك التي صغتها بالصفحة اليتيمة .
تقدم سمير لمقدمة الصف ، وقف وجال نظره بزملائه الطلاب . وقال:
- قلت في ورقتي انه لمعرفة ما يختار الشاب من مهنة في المستقبل ، نقوم بتجربة بسيطة . نطلب من والده ان يضع في غرفته ، اثناء غياب ابنه عن البيت ، كتاب دين ، ورقة مالية من فئة المائة دولار، منظارا فضائيا ، زجاجة ويسكي ومجلة جنس ... ويراقب الأب ماذا يختار ابنه.
اذا اختار كتاب الدين سيكون في المستقبل رجل دين.
اذا اختار المائة دولار سيكون رجل أعمال .
اذا اختار المنظار الفضائي سيكون رجل علم .
اذا اختار زجاجة الويسكي ، سيكون سكيرا لا فائدة منه .
واذا اختار مجلة الجنس سيكون رجلا مليئة حياته بالخطايا ومطاردة النساء.
وصمت سمير . سال استاذ علم النفس :
- يظل ينقص اختبارك أجوبة كثيرة .
- ما هي ؟
تساءل سمير.
- اذا اختار الشاب شيئين مثلا ؟
أجاب سمير :
- الأمر واضح اذا اختار كتاب الدين والمائة دولار تعني انه سيجعل الدين تجارته المربحة.
واذا اختار الدولارات ومجلة الجنس سيكون راعي دعارة..
واذا اختار الويسكي وكتاب الدين سيكون ملحدا بهيئة رجل دين. واذا اختار المنظار وكتاب الدين سيصاب بانفصام في شخصيته .
- ولكن لم تقل لنا ماذا سيكون اذا اختار الأشياء الخمسة ؟
ضحك سمير وأجاب :
- اذا اختار كتاب الدين والمائة دولار والمنظار وزجاجة الويسكي ومجلة الجنس ، فهو بالتأكيد سيكون رجل سياسة !!
نبيل عودة – nabiloudeh@gmail.com
إقرأ أيضاً
-
Trifles أشخاص المسرحية سبعة وهم : جورج هندرسون (مفوض المقاطعة) ، هنري بيترز ( الشريف)، لويس هايل ( مزارع وجار لآل رايت) ، السيدة بيترز (زوج...
-
حازت الروائية والشاعرة اللبنانية المقيمة في فرنسا فينوس خوري غاتا (74 سنة)، جائزة أكاديمية "غونكور" للشعر 2011 عن مجمل أعمالها، ع...
-
يعتبر التراث الشعبي لكل أمة حجر الزاوية في بناء حضارتها وتطورها وتقدمها،والتراث هو ما ورثناه عن الآباء والأجداد وتناقلته الأجيال المتعاقبة م...
-
تحقيق ريما يوسف سلس، عذب، يتهادى على أنغام ربانية، تخرج من الحنجرة بأروع قافية وخاتمة، روعته تكمن بالتحدي، وسحره بتسلسله المتناغم،...
-
في رثاء الشاعر الكبير "نزار فباني " - ( في الذكرى السنوية على وفاته ) ...
-
أقدم إليكم قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي التي حيا بها جهاد ونضال القاند العام للثورة السورية وأبو الثورات العربية المظفرة القائد العظيم...
-
العراق حياة كل إنسان هي بمثابة لوحة جميلة يرسمُها بريشتهِ، ومعزوفة عذبة يُلحنُها بأناملهِ ليُطربَ بها مسامع الآخرين، وكتاب يخطهُ ويُكمل صفحا...
-
وضع الرئيس السوري حافظ الأسد ، قصيدة الشاعر الجواهري في مدحه، على جدران معظم المدارس المتوسطة والإبتدائية . كما كتبها على الجدران وال...
-
ما من شك ان العمل الذي اقدمت عليه جماعة الإخوان المسلمين في مصر أثناء عملية فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة ، بإشعال النيران في منزل الصح...
-
صدر مؤخرا عن دار الغاوون بيروت لبنان ، مجموعة قصائد بعنوان ( ما أوسع هذه الكف ) للشاعر العراقي المهجري جمال جاف، وهي تقع في 80 صفحة من الحجم...
0 comments:
إرسال تعليق