ما قاله الشعراء في رثاء القائد والمناضل الفلسطيني كريم خلف/ شاكر فريد حسن

يعد الراحل كريم حنا خلف من الشخصيات القيادية الفلسطينية البارزة والمرموقة، التي حظيت باحترام كبير في الشارع الجماهيري الفلسطيني ، نظراً لمواقفه الوطنية والسياسية الجذرية والبطولية الصلبة ضد المحتل الاسرائيلي الغاصب. وهو من مواليد وسكان رام اللـه ، عاصمة الثقافة والفكر والتمدن الفلسطيني . كان عضواً بارزاً في لجنة التوجيه الوطني، التي كانت تشرف على النضال الوطني الفلسطيني ومقاومة الاحتلال . وترأس مجلس رام اللـه البلدي بعد فوزه في الانتخابات البلدية المحلية ، التي انتصرت فيها القوى الوطنية وحققت انتصاراً ساحقاً رغم هدير الاحتلال ووعيده. ونجحت بالوصول الى رئاسة البلديات في المدن الفلسطينية الكبيرة ،في حينه، شخصيات وطنية وديمقراطية وتقدمية لها ثقلها واحترامها ويشار لها بالبنان ، نتيجة مواقفها ونشاطها السياسي والوطني ، أمثال : فهد القواسمي (الخليل) ووحيد الحمداللـه (عنبتا) وبسام الشكعة (نابلس) وغيرهم.
وقد ساهم كريم خلف في اقامة وانشاء العديد من المؤسسات الوطنية ، ووقف الى الجانب المبدعين ورجالات الثقافة والقلم توجيهاً وارشاداً ودعماً وتعزيزاً لوحدتهم في اطار العمل الثقافي الفلسطيني .
فرضت على خلف الاقامة الجبرية لسنوات طويلة ، ومنع من السفر الى خارج الوطن . وفي العام 1982 أقالته سلطات الاحتلال من رئاسة بلدية رام اللـه وأبعدته الى اريحا. وفي يوم الارض عام 1985 استشهد بعد حياة عريضة زاخرة بالعمل وانشاط السياسي والوطني والمواقف الثورية الصادقة . وما أن انتشر نبأ استشهاده حتى فاضت العيون بالعبرات واغرورقت بالدموع ، وجفت المآقي ، وفاضت قرائح الشعراء الفلسطينيين بقصائد الرثاء والتأبين ، التي تشيد بكريم خلف، قائداً ومناضلاً وانساناً شجاعاً صاحب مبدأ وقيم ،ومقاتلاً عنيداً في الدفاع عن حقوق شعبه وقضيته العادلة .
فالشاعر الراحل عصام العباسي قال مخاطباً الشهيد خلف :
غبطتك يا صاحبي كريم
على حفرة في التراب احتوتك
فهل تحتويني تراب بلادي ؟
وفي كل يوم نزف شهيد وراء شهيد
وقبل زففنا شهيداً وراء شهيد
وفي كل يمو نزف الى الأرض أبناءها
فمن قال انا نخاف المنون..
غدا الموت في طبعنا خلة
غريزة شعب يريد الحياة
أما الشاعر محمد احمد جاموس القادم من اريحا سنة 1924والمتوفى سنة 1994، فقال في قصيدته المؤثرة والجميلة "سلوا الرؤوم اريحا" :
قضى الفقيد وذكراه تلازمنا
تظل للدهر والتاريخ يرويها
سلوا الرؤوم اريحا عن مروءته
سلوا النخيل.. لكم يزهو تيها
فهو المناضل والأيام شاهدة
فكم تجرع في صمت مآسيها
للـه درك يا أماه حملت به
أنجبت فذاً عظيم النفس عاليها
بينما الشاعر الفلسطيني المرحوم منيب مخول ، ابن قرية البقيعة الجليلية ، بلد الشعراء ، فقال راثياً الشهيد خلف ، الشامخ الذي لا ينحني ، وكان معطاءً دفاقاً :
لا ينحني رغم الخطوب جبينه
أو تستبئ من عزمه الاطواق
فأذا بعيش فشامخاً واذا يموت
فواقفاً وعطاؤه دفاق
فالموت مات امامه والخوف
خاف ازاءه ونضاله خلاق
طب يا كريم فانت فينا حاضر
بك قلب شعبك نابض خفاق
واذا تغيب عن العيون فانت في
أعماقنا.. عزت بك الاعماق
في حين قال الشاعر د. جمال سلسع من بيت ساحور، في رثائيته "وكيف تموت بغير اغتيال ؟؟!!":
توهجت في عتمة الدرب فوراً
يشع بألف سؤال
لماذا العواصم بلهاء ..
لا تقرأ الأبجدية في لغة الشمس
لا تفهم الآه في دفتر الأرض،
تهرب من ساحة الخيل، نحو الزوال،
توهجت في عتمة الدرب نوراً
يشع بألف سؤال..!!
وقال الشاعر جابر صالح دبابنة ، ابن الطيبة المتاخمة لرام اللـه ،في قصيدته المرهفة "في يوم الأرض موتك ":
فنم يا ابن الكرام عداك لوم
فيوم النشر عملاقاً تقوم
كريم عند باريك عظيماً
لك الافاك حاضنة رؤوم
ففي دنياك قد خلدت ذكراً
وفي اخراك منزلك الفخيم
هذا غيض من فيض مما قاله الشعراء حين استشهد المناضل والقائد الشعبي الفلسطيني كريم خلف .وقد تميزت هذه الرثائيات، التي فاضت وجادت بها قلوب ونفوس ومشاعر الشعراء الفلسطينيين، بصدق التعبير وقوة المعنى وبراعة الصور وتدفق العواطف، والاحساس العفوي المرهف، وتفجر انغام الحزن والألم والتفجع واللوعة وذرف الدمع مدراراً ، حزناً والتياعاً وبكاءً ، لفقدان هذا الشهيد البطل ،الذي سيظل خالداً وحاضراً في الوجدان الشعبي والذاكرة الفلسطينية الحية، ولروحه الرحمة والبقاء.



CONVERSATION

0 comments: