يسرد نثرياته كناسك خارج من عالم مختلف!
يعود بنا الشاعر وهاب الشريف بمفهوم الشعر عند غوتة/ وهلدرلن/ في تجربتهم المتمردة والمتفجرة على كل ما يحجب عن الواقع المرير ، بأحاسيسه المستمتعة بملاحقة صوره الخاصة . ولعل ما دفعنا لنصب اهتمامنا في هذه الرؤية على الجانب اللغوي في الصور الشعرية التصويرية التي تبلغ الكينونة لدي الشاعر وهاب، بما أننا نؤمن أن الشعر القوي يؤثر على الفكر ويحرك الجسد كلما اخترقت النصوص مناطق محصنة في العقل ومشاعر الجسد... كنصوص الشاعر المجنحة بأشكالها الملموسة والمأخوذة من الواقع الحياتي، لتبقى كالرحم الذي يحتضن النفس ويوزع حالاته السيكولوجية والوجدانية على هدير أمواج كلماته المحلقة، في عالم ينساب كجدول من صنع طبيعة الإنسان و يقظته الحسيّة المترصدة لالتقاط الصور ونقل أحاسيسها الخفية إلى الظاهر، من خلال صوته الداخلي، ومناجاته التي تدعونا للتوقف أمام هذه السرديات الإبداعية، والدخول إلى عالم صوره ومفرداته الميثولوجية في تراكيبها اللغوية الجامعة بين فلسفة الخيال وقدرة العلم، والتناقض بينهما، لارتياد عالم الوجود المعلق بالأمر الواقع الممزوج من تجربة شعور الشاعر المنسوج من ثوب مواجعه، وأخيلته المرسومة كلوحات سريالية، كاريكاتيرية متناثرة من حكايات ورؤية ملونة، في سطور محملة بالهم الإنساني والوطني، وحزنه الذي يشغل أحلامه الآتية من أقسى الطفولة إلى حيث نجد شاعرنا وهاب الشريف، يطاردنا بسرديات نصوصه منذ اللحظة الأولى إلى أن نترجم خلجات نفسه المتوقة بخيوط إبداعه المتغلغل برؤاه العالقة بين الماضي الحر، والحاضر المغتصب، وبين الولادة والولادة، ولوعة السعادة....، في قلمه المتنقل بين فلسفة الشعر، وصوره الحافلة بالرموز، وبأشكال تناقضات الزمن وأقنعة البشر، ومحاكاة اللا مرئي في الحياة، وكأننا نعيش ملحمة جلجامش في تاريخ مستحدث .
لنقطف من سموط هذه التأملات التي تكفي لخضوع قراءة قصيدة مجتهدة بالتوصيفات والتصورات الشعرية الساخرة المحملة بموقف ولغة في "مقبلات مرة":
((هناك من يترقبني ويعيد على نفسه ما أوتيت من جنون لذيذ./ من يدري بماذا تستعين الرمال حين ترمي الشمس خسائرها اللاحقة؟/وانتهاك الطغاة لخيوطها/من يدري ربما يعتذر الإناء لكاسره؟/ فتعلمت كيف اكره السياسيين والمثاليين والكذابين والعاهرات../ كما أتذكر أنني اشتغلت عاطلاً فرأيت أبشع الصور لظالمين حفاة/ بعد أن اشتغلت مسيحاً وذقت معصية الآخرين وحلاوة الخسارة./ ذلك قبل ان ترى طفولتي الطاعنة جبال البورس وجمشيدية شمال طهران/ حيث غيّرت رأيي عند الجبل الحجري/ وأعود إلى الوراء مبتذلا، كذلك مثل أكاذيب الساسة وحسن التعليل وجبن التخلص))
بهذه المعزوفة الدرامية الشكسبيرية، نرى انعكاس الحياة على نفس الشاعر، واقتحامه الخفي والمجهول، والهم المتغلغل في الجانب الإنساني وأعماقه الظاهرة، حيث يجمع طرق المستحيل بجميع تناقضاته وانسلابه التأملي بالرؤى الصوفية في صور تخلق ذاته داخل نصا واحد ممرر بحالات تكاد أن تكون فوق طبيعية الإنسان المتجلية في عمقه، كطرف خفي وباقتراب واضح الإدراك الحسي والباطني...
لنسمع دقات قلب الشاعر، ونرى تصويره اللاشعوري في هذه الشذرات المشخصة:
((أيها المتنفس الوحيد، /أقصد مجموع الهزائم والعقد النفسية/وبإيجاز الانقلاب على السوداوية،/بما ان قطرة من سعادة مفبركة، تصنع دكتاتوريين عتاةً جدداً /مثلما تصنع فقراء يتذمرون فيما بعد/ حين يدغدغ الموت مجموعة من المغلوبين في حروب ماضية /وبعض الجنون وقارّة من المبادرات اللا مطاعة،/ او شيء من هذا الانسجام العصري بين أبناء الشعوب/التي سيغزوها الجفاف أو الجراد/ حتى جدّتي الروسية التي ماتت على طريقتها الخاصة،/حين اغتسلتْ وخضبتْ يديها وقرأتْ ثلث القرآن لم تكن تأمرني بشيء سوى ان ازور الأولياء )):
في الحقيقة أن هذا النص تحديدا لا يفرق بينه وبين أسلوب الفلاسفة اللذين تفتح لهم منافذ عقل القارئ، كما في نصوص وهاب الشريف الذي يجمع بين مكانة الشعر وفلسفة الصور والموهبة، بالحقائق المطبوعة لحين إرسالها إلى ذهنه ليكسوها من نسيم حروفه المسكوبة من أحاسيس مبهمة إلى لملمت شتاته باقتراب صحوته من نص بقول:
((لا ادري متى سأصل إلى ما أريد قوله:/ نسيت فيما نسيت كيف يضحك الأطفال بوجه جلاّد ممثل/وكيف يبكي ثري بخيل عند قبر أمير المؤمنين(ع) عليكم اللعنة،/وكيف يضحك الفاشلون على أبنائهم/ وكيف يسرق الأميون الأغبياء جهود الفلاسفة..))
أما في قصيدة "وطن على وشك التألق" :
التي تحمل 23 بيتاً، رسم الشاعر وهاب الشريف، الواقع في بلورة شعرية جميلة ومؤلمة تحمل الخيبة والسخرية في بكاء نابع من حقيقة تكشف غيظ نواحه، وبحثه عن وطن قد يضيع المجتمع فيه ... فينحت أوجاعه وتشرده النفسي الباحث عن ما يضئ له غموض العالم وتكوينه وأسراره... لنجد في تجربته الإنسانية حضوره وملاذه في تصفيف أرواح البشر، والكائنات ... فوق ارض صفائه المحلق في جمل شعرية غير معقدة .
((وطن على وشك التألقْ /ولد على وشك التألقْ/ثوب يبوّسه التمزقْ/جلد تثقـّبه دبابيس التشوقْ وقصيدة في ثغر أحرفها أناشيد التملقْ/وفراشة تسعى لسنبلة – /وطن على وشك التألقْ /مقياس بهجتها /وخلف هموم والدها تـُحدقْ((
يدرك شاعرنا وهاب، معنى عمقه وفلسفته جيداً، لهذا تنطلق سطوره كالهذيان حين تلهثه المسافة، فيومض للحظة الاشتعال في قصيدة "وطن على وشك التألق" : ينزف تألق الوطن كالنهر في حياض هموم مخيلته الخصبة، وما جال في خواطره من أخيلة وأفكار وتطلعات إنسانية سامية، حيث تدفق كلماته من مجرى هدير صوته وصدق رويته، في نعي كل ما يشبه حاضره، ببكاء ساخر وصور جميلة، مرسومة بحروق متألقة كروعة الوطن المتألق في مخيلته الزمنية :
))بنت على طول أمها - /مرحٌ عـــــلى قلــــق ذوى- /وصبابة الأشواق في أجواء غرفتها تحلقْ/بيت تواضع صافيا – /من عيد طيف يرتوي – /ويمد أعناق التشـــــدقْ/فرح على آلامه ِ
في كل أمسية يجربه التزحلقْ/صبح ٌ تمرن كلما شرخت ْ عصاه ُ – /أجابها هوس التعشقْ/هو زورق عبر التزورقْ/ولد على وشك التألقْ/وطن يدوس على التشرنقْ)) .
أما عن مسائلاته في قصيدة "قلوبنا التي في المهجر": يسلط أكثر ما يمكن من الإضاءة على معنى مسائلاته، ليضيء ظاهرة التاريخ، ويذكرنا بأن هناك من لا يستطيع العالم مقاربته... لهذا يأخذنا الشاعر في مجموعة حالات، وكائنات، وأشياء، تتكلم عن أنفسنا، فيبدأ شاعرنا بالبوح الساخر كعادته من كل ما استحضرته مخيلته، يسال الطيور، والحرية، والذكرى، وصور القدسية، والكذب، والضحك، ريشة الصباحات المزدحم ... يضع أفكاره داخل معاني لا تنتهي بسطور النهايات.
فالتساؤلات التي تطرق لها الشاعر وهاب، هي بالأساس مهمة ومطروح هاجسها بشكل قوي في مجتمعاتنا العربية المغتصبة، لا بل هي من أقوى المسائل الهرمية التي تدعونا للتفكير والتأمل مرات عدة وتصوره الواقع المعاكس، للتعبير عن وجدان المجتمع وأبعاده الغير منظور في اللاوعي، للتعبير عن حاجات الفرد الروحانية والسيكولوجية، ومتطلباته المعاصرة، بلغة منصهرة فكرياً وحياتياًُ تاريخياً . الى هنا نعرض بعض من تصويراته المتفرقة في بعض الأبيات الحوارية الناضرة من "قلوبنا التي في المهجر"
(( والسؤال حضور//ينتقي الغيب أفقا /لعلّ التقاء حيرتين /يبث في قسوة الدرب /مدخلا للتألّق/قالت الذكرى/في التصاوير القديمة /كنا مكلّفين بالكذب/والضحك على انفسن/قالت الريشة/التزمت بالصبح المؤجل/ ولقد أعددنا لك حلما لا يتحقق /هذه بلدة لا ريب فيها /بين لهجة واحدة /ونبرة للحضن واحدة /واختلاف في العيون /المواويل قديمة والظنون /تنتقي أثوابها/ كلما أخفق الذبول ))
يمكننا القول أن مثل هذا النسيج من التأملات يكفي لقلم الشاعر أن ينسج ألاف القصائد السردية الغير مملة . وهذه دلالة كبيرة أيضا على كبر أحلام الشاعر التي يريد تحققها، فهو موزع بين أحلامه وما يريد، منذ بداية عناوين نصوصه المتحولة من إيقاع فكري إلى حالة حياتية .. هذا ما يولد التنافر بينه وبين القصيدة التي تتوالد التطورات الاوجاعية، وخلق علاقة جدلية في نص يلقي فيه الشاعر عتابه على دفن الأمنيات، وأجهض الأحلام، وإحراق غصون الشجن في رواق الوطن...:
((المدينة ارتدت ْ كلّ تأوّهاتها/ /لعلها تقنع الياسمين /ان يحفظ كرنفال العناق /والعراق /وأنت انت / قلبك صخر جلمود ما حن عليّ/ /وأدري بأن الشوارع عندكم واسعة كالملل /وانّ الأزقّة عندنا ضيّقة كالخجل /وأمضيت نهرا ألوك التمنّي / امنين أجيب الخال لأبني/ كلما قلت أنسج ُ قادم الايام بالحزن/ أقبلتْ نكهة الحليب من دموع اطفالكم علينا /وهمْ يسألون عن طفولة آبائهم في العراق غير أنّ امّهاتهم الغريبات / غريبات ما يحنّن علينه)) .
أما في نص "ما لا يقال"
نستكشف آلياته البنائية والديناميكية التخيلية علاوة على محفزها الرؤيوي الفني والفلسفي الانثروبولوجيا، لنؤكد على أن لغة الشعر الحقيقي هي لغة القلب والروح والصدق والشفافية، احيانا يحاصره بياض البوح وأحايين أخرى يكاشفه بما لا يقال، فيسرد بسملة حروفه المحمرة بدم شاعر يلامس الحاضر وضمير الغائب، حتى تشظيه المحلق في سفوح السماء، إلى أن يهبط الأرض، ليدخل القارئ إلى أمكان تسكنه مجتمعات تبتعد عن الواقع، تسبح في الإلزامي المسيطر، كما في هذه السطور المتفرقة :
))أنفقت أحلامي /دون أن تدّخر الآهة ُ مقعدا لتجارب محتملة /لذلك لم تبق ثمة فرصة لانكسار عتيق يتجدد /وتذكّرَ البعضُ أمطارا كان بإمكانها أن /تطفي دكتاتورية الفقر/لو أنصف اربابُ الجنود الجرار المملوءة بالفراغ/والتهيؤ للتشظ /وأرتّبُ بعض ما امتلك من دعابة مجروح/كي أنقذ نسلي من الهزيمة /غير أن أُمّي التي شهدتْ نزواتي/أطفأتني بالحياة/عندما احرقوني بالطلاسم والقناع/فأقفلتُ راجعا إلى محاولة أخرى في الركض واللامبالاة/هل اصنع حزنا جميلا من بلاد عرضها الاحتراق /تجري من تحتها تأملات مقحمة في جدول السعي /النهر يدرك جيدا كيف يتجعد وجه شاعر رقيق /غير ان صبية يتخاصمون يستهلكون خيبة الحروب /بيد أن جلودهم تقشعر/عندما يتذكرون صالحا /يدخل غارا يلتقي الإله فيه(( .
لنتأمل معاً هذه الأبيات أيضاً التي اكتسى فيها الشاعر، حلة المصارحة بما يؤلمه من المواجع، المتصارعة مع الذكريات، من اجل مقاومة الحياة بصور متوهجة، وجدال يدعوا القارئ للبحث في شوارع نصوصه وتمشيط حروفه مرات عدة، لنعيش لحظات توتره في قصيدة تحمل فكرته المشخصة برموز أضلاع المجتمع الفاسد الذي يجمع أغصانه المتفرعة في نص واحد :
((خلفك الآن معمعة الكثير من المفردات الهرمة بالتداول المر/أتماسكُ بالصبح الذي افترضه بائعو القصائد المستعملة/ ولكي تتماسك أعضاء الجملة ينبغي ان نتماسك بالكذب جميعا /لأنهم لوثوا الوسائد والوسائل أصبحت الطرقات مدانة/وحكايات الورد بيانات سرية/ وعمال الجوع يذرعون أضلاع يتيم كان والده شاعرا/ والشعراء المؤدبون في نواكشوط يملون من كثرة التقفية /وشمس المغرب العربي تسبح في ذاكرة البحر الأبيض المتوسط /وتطلعات الصبيان الذين تكاثروا مثل الأمل/يولدون مع صوت بلال في أزقة طهران/بينما حاسبات الغرب تعد العدة للاستسلام الى مجهول جميل/ وان مقومات الكراهية عندي ازدادت نقصا /يا أيها الذين استشهدوا لاشتموا نصب الحرية/حتى لاستسلموا أعناقكم مرة أخرى لحرية النصب/وتلك الأيام نضربها في الملح لكي لا تكون ذريعة للتافهين)) .
وفي "موسعة أحلام البسطاء/ عيد الحب" يذهب بنا الشاعر وهاب، إلى مذهب المتنبي، في هذا التزاوج الواقع بين العقل ونتيجة القدر، واستعانته بمؤثرات الحياة، وجمعها وهضمها بطريقة يتغذى به الذهن، انه فمثل هذا المشهد يمثل مذاهب الشعراء التي تنبسط من أقوالهم أطوال حجة الشعر والفلسفة التي تفتح شهية الفكر، كلما تنقل الشاعر وهاب، من الأحلام، إلى مدارات البوح، ومن الحضور الى ذاكرة تساؤلاته عن الأحلام/ والخسارات/ والأمل/ وذاكرة الطفولة في عين راشد/ وحروف الشوق المنتشية في مكانها...
ولم ينسى شاعرنا مواقفه من الأشياء الذاتية المنطبعة في بصيرته، عن الاغتيالات المبصومة على الشوارع، وانتهاز المبدأ/ والكيانات المقدسة/ والحب/ والأنثى،/وأعياد الوطن المذبوح، الذي لن تجف أوراقه بقصيدة بعد الألف .
((موسوعة أحلام البسطاء/للعصافير في منتجع الحسر /سنرتدي ثوب ذكرياتنا المحفوفة بالحضور/ونحن مَنْ منح الفينيق وهج التألق/والذي يمنحنا الدفء/أقصدُ الأمل/والإيمان باللغة الأول/ أنْتشي/بالمحبة/عندي من الضوء/ما يغطي أعياد القادمين على سعفة خبز متقد/وآيات من الذكر الجميل أنْ :/تعالوا إلى جلسة مفتوحة من الشوق إلى أنفسكم /والبوح بما لا يستطيع أحمق أن يقول/يا أيها الذين ناموا كثيرا /دعوا المرضى يهذون/وكونوا باسمين/لا نعطي ظهرا /للوطن المفتوح على موجات محبتنا/لا رأي لحاقد علينا /نحن المبتهجين /عواطفنا تكفي لنهار أجمل)):
فبهذه الكلمات يذهب بنا الشاعر إلى هدفه مباشرة بلغة بسيطة وأدوات معرفية لا ترهق القارئ . فمثل هذا النوع من الشعر ينسب إلى الشاعر الفرنسي " فيكتور هوغو" الذي أرخى أوجاعه الذاتية الإنسانية، بغاية تخليص الذات من الأزمات الحياتية والفكرية والاجتماعية والسياسية . قلما نجد إبداعات تصويرية فلسفية مثل هذا الإبداع الفلسفي الشعري وتماهيهما كما انفرد بهما الشاعر وهاب الشريف، بمعانيه كالإغريق، الذي يعايشه مثل هذا التزاوج الروحي داخل نص يمازح فيه الألم بمتعة وفكاهة وسخرية... في يستهويه استلهام أوجاع أرواح البشر، وتفكيك طلاسم حياتهم بعد استحضارهم :
((لا يكترثون بأمراض الهذيانيين المنقرضين/الشارع يحفظ عن حرص وقع أغانينا/نحن المتماهون على أرواح الرسل السمر /كخبز يبحث عن لهفة جائع/مسارات طفولتنا القادمة ببعض حمام وقصائد/من نحل وفراشات مدامع/البحر بعيد والحرف على حزن مسافر/والعشّاق اعترفوا /أنْ لا وقت بكاء لا هوس متشائم/سنقترب أمانا ونقاءً كي تبتعد الأوهام/كي لا يعطش ثقب في القلب/أيْ لابدّ لمسرّتنا أن تبقى رهن البيت/ولابدّ لبيت يجمع دمع براءتنا/نخطط للغد من أكثر ما يؤلمنا /كي لا تفرح أفعى/حانت ساعة يقظة قبّرة /آدم في موسوعة أحلام البسطاء سعيد بنقاوتهم/حوّاء انتهزت غفلة إبليس/رمتْ قبلتها في الصبح لينضح مطرا )).
أما في قصيدة "غزل عراقي":
نرى الشاعر ينحت الشاعر مرآة الزمن حتى في غزلياته ليعيد للحب قطار سريره، وكأنه يسقط من هودج الرهبان ليشعل المآذن من الم اللذة في غصة شعره المنفرد بفضائه....ووظائف فكر الإنسان المتيقظ في الخاطرة المكتظة بجوانح الإحساس كالشاعر العراقي وهاب الشريف، الذي اسقط نسل أحلامه في هذه الصور المهجنة من جنسية الوطن والساسة والحب وهزيلة الأشياء من حوله ... فيصهر المخيلة في غزله العراقي المبحوح ليكتسب هذا النص تلك الروعة في ذائقته دون تعقيد ولا غموض . يمكننا تلخيص هذه الندرة في كلمات وجيزة، " أن الحياة عبارة حروب ودروس .
أما قصيدة "رازق الروح" التي لاحت في مخيلة الشاعر، الملهمة مطر الحائق في طرق سردياته العديدة ، وبصمت نواح أصابعه وكلماته التي تركت وساوس الأطفال/ وشفاه ابتسامة الجراح/ وسحاب الضم/ وشرب الكفاح/ ويباس الأسماء /وقذرات الرياح ..... وهناك العديد العديد من نصوص الشاعر النثرية والسردية تعبر عن الهم الإنساني الذي ينير مخيلته الخصبة بخلوته الروحانية دون أن يختزل عالمه في إطار زمني محدد، لكنه يمثل الواقع المريض في محاولته الوصول إلى علاج الذات الفريسة للساسة .
وهكذا ينفرد شاعرنا وهاب الشريف بحوار الأرواح المتوحدة مع عالمه المشابه داخله، ليقودنا للبحث عن الذات الإنسانية وأوجاعه الاجتماعية المنصهرة بحشود رؤيته .
أن سرديات الشاعر العراقي وهاب الشريف لا تقارن بمن يجترون الشعر على حساب قضيتهم وعروضهم ومفاهيمهم المزخرفة في شكليات اللغة ....
فبرأينا تعود نصوص الشاعر وهاب الشريف، إلى نظرية "انشتاين" التي تنطبق على الكثير من الفلاسفة والعباقرة وهي " لا بّد أن يخرج الكاتب أو الشاعر أو حتى الفرد من المجتمع المريض ولو بشيء واحد على الأقل، إذا لم يكّن إبداعاً معيناً سواء بعلاج الذات أو لذات الآخرين" . وبهذا الرمح الإبداعي يترك الشاعر وهاب، آثاره على جلد الحياة الملموسة في مفرداته .
وهاب شريف شاعر وإعلامي وقاص وصحفي
يقيم في النجف الأشرف بالعراق
له عشر مجموعات شعرية مطبوعة
رئيس تحرير مجلة المنهال الثقافية
رئيس بيت الشعر في النجف بالعراق
0 comments:
إرسال تعليق