هى ارادة القوة .. أم قوة الأرادة؟/ الدكتور حمدى حمودة

لما كانت كل التأثرات الباطنة والأفعال النفسية مردها الى شيئ واحد هو (الأرادة) ولما كانت الأرادة هى جوهروجود الأنسان ، وهى موضوع المعرفة وليست المعرفة فى ذاتها ، لكون أن هذه من خصائص العقل ، الأرادة هى مشيئة وعزم ورغبة ورجاء ورهبة وبأس وبغض وحب ، وهى كل ماينتج عنه لذة أوألم ، لذلك نجد الناس اعتادت على أن يردوا فكرة الأرادة الى ( القوة ) لكن عند صاحب مذهب الأرادة (شوبنهور) رد كل قوة الى ( الأرادة ) لكونها هى الأنا أو الذات بمعنى ( البدن ) أو الجسم ، وهى لا تمثل العقل ، اذن هى الشيئ فى ذاته وهى الجوهر الباطن لكل شيئ ، فاذا رددنا فكرة القوة الى الأرادة ، فاننا بذلك نرد المجهول الى شيئ معلوم مما يزيد من دائرة معرفتنا ، أما اذا قمنا برد فكرة الأرادة الى فكرة القوة ، فاننا نفقد حينئذ المعرفة المباشرة عن العالم .
فالقوة التى سبقت الأرادة ، قوة غير عاقلة لم تحكم العقل قبل اتخاذ القرار، فأصبح بذلك القرارغير متعقل ، فلو كانت الأرادة سبقت القوة بصفتها هى الذات العاقلة أو العارفة والتى يمكن أن تمثل أو نشبهها بالجذر فى النبات ، أو الجسم الذى يشع الضوء منه ، وليس الجسم العاكس للضوء ، لأن ذلك يتمثل فى العقل والذى يمكن تشبيهه بالتويج فى النبات ، وبطريقة أدق وأوضح ، نقول ان الأرادة كالجذر فى النبات والمعرفة أو العقل كالتويج ، والأول جوهرى والآخر ثانوى ، لذلك نستطيع القول أن التويج الكبير ينشأ عن جذر كبير ، وهكذا الحال لدى الأنسان ، تقوم الملكات العقلية على ارادة قوية ، هذه الرادة القوية تجعلنا قادرين غلى اتخاذ القرار الحر العاقل بدقة وتروى لأن الحرية هنا تتبع الأرادة وليس العقل ، ومن هنا كان القرار الأول الذى اتخذ للأستقصاء والعزل كان قرارا سريعا غير متعقلاولا يستند الى ارادة القوة ، ولكنه استند الى قوة الأرادة ولم ينظر الى ما سيترتب عليه وما هو مبيت من دول أخرى كانت قد وظفت هذه الجماعة للقيام بهذا الدور المشين ، وهكذا كانت القوة وسيلة لقرار آخر تلى القرار الأول وهو فك الأعتصام الذى نتج عنه استكمالالدور التى وظفت من أجه هذه الجماعة وجماعات أخرى كنا نعلم كل العلم بوجودها داخل القطر المصرى وغض النظر عنها حقيقة أن الدولة تمتلك من السلطات والتشريعات ما يمكنها من قوة الأرادة بالبطش بأى أغلبية أى كان مسماها أو عقيدتها عندما تقف أمام مصالح الدولة لتقلل من هيبتها أو قدراتها أو لتشويه ادارتها أمام العالم ، من هنا يمكن القول أن العقل لا يستطيع أن يؤدى وظائفهعلى النحو الأتم الا اذا ساندته الأرادة ، بينما هى فى غنى تام عنه ، لذلك فان أحوال الأرادة من عواطف وشهوات يمكن أن تكون عقبة فى سبيل العقل ، فمثلا فى حالة ما يصاب بمصيبة كبيرة ، فانه يفزع فزعا عظيما عندها نجد أنفسنا غير قادرين على التفكير السليم تمكننا من ايجاد طريقة نتخلص بها من هذا الفزع الكبير ، وعلى العكس من ذلك ، نجد اننا ندفع بأنفسنا الى الناردون وعى منا ولا شعور لأن هول المصيبة أفقدنا التفكير والشعور ، ولذلك نقول انه عندما تواجهنا مثل هذه المصائب ، علينا أن نفكر جيدا بأن نرد هذه الى أحوال الأرادة ونحن فى مواجهة مشكلة عظمى ، حيث أن الهدوء والأمن يعودا الى الأرادة ، ويمكن التدليل على ذلك ، بأن هناك من الناس ذوى الأرادة الثابتة العتيدة والقوية والذهن الضغيف معا .           ومثل هؤلاء مصدر تعب كبير لأن التفاهم واياهم شاق واخضاعهم لمنطق العقل عسير ، وربما نجد هذا متمثلا فى ( الجماعة ) ومثلا آخر ندلل به عن صدق ما نقول ، ما نجده عندما تدور مناقشة بين خصمين يكون احدهما قوى الحجة وخصم عنيد الرادة ضعيف العقل ، فنجد الأول يكاد أن يجن عندما لايقتنع الآخر والعلة فى هذا انه لايخاطب عقله ، ولكنه يخاطب ارادته العنيفة العمياء ، وهذا ما حدث بالفعل عندما دار الحوار والنقاشبين الطرفين ( الدولة وقت ذاك والمعارضة ) ولذلك يمكن القول بأن الشخص الواحد يحمل النقيضين ، محاسن العقل ومساوئ الأرادة ، وعموما الروابط بين الناس تقوم غالبا على الأرادة ، أكثر مما تقوم على العقل ، وما يقوم منه على العقل يكون مصيره التفكك السريع ، فأكبر الصداقات والروابط الزوجية استمرارية تقوم على ائتلاف القلوب ، لا على اتفاق العقول .                                                     ان التفرقة بين العقل والقلب هى التفرقة بين العقل والأرادة ، فالقلب رمز الأرادة لأنه ينسب اليه العواطف والأنفعالات ، بينما الرأس رمز العقل لأنه يتعلق بالمعرفة ، والأرادة هى الثابتة لأنها تمثل الشيئ فى ذاته ، ولنها الجوهر الأصيل فى النسان ، فكل انتحار يقدم عليه الأنسان ، انما يصدر عن العقل ، اما ارادة الحياة فهى سابقة على كل عقل ، لكون العقل غير مستمر ، ويأتى عمله على فترات متقطعة وذلك لأن عمله ثانوى ، وذلك عكس الأرادة التى تستمر فى عملها دائما أثناء النوم العميق الذى تنقطع فيه المعرفة فى نفس الوقت الذى تستمر فيه الوظائف الحيوية الجسمانية التى تمثل الأرادة فانها لاتتوقف الا بالموت ، لذا نقول أن علينا تقليب الأوراق ثانية من أجل الخروج من هذه المصيبة الكارثية التى ألمت بنا بأقل الخسائر الممكنة ، فنحن ما زلنا فى بداية الطريق ، والطريق مخطط له منذ سنوات ، فالآخر غير مكترث بالوقت ، فهو يريد أن يتمم ما خطط له فى تدمير الجيوش العربية ودول منطقة الشرق الأوسط .
Dr_hamdy@hotmail .com                                        

CONVERSATION

0 comments: